الروحانية بالتلقائية
في كل عام يتجدد رمضان شهر الصيام والقيام، شهر أنوار القرآن. عند ذلك، ولا إرادياً وبفعل طاقة الزمن، يبحث الإنسان عن الجانب الروحاني لذاته في هذا الشهر الكريم، لكنه سرعان ما ينفلت من تلقائيته وانسيابيته إلى التخطيط ورسم البرامج لهذه الروحانية، وعند ذلك تنطلق قوة إرادة لفعل أشياء كثيرة من صلوات النافلة والقيام، وصدقات وإطعام، وزيارات ومواساة، أو ربما انقطاع وخلوات، وقراءة وختمات. خطط جدُ جميلة وكبيرة تعطي النفس نوعاً من الرضا والارتياح، لكن وما أن يمضي أسبوع رمضان الأول إلا وتفتر تلك القوة ويبدأ التراخي وربما الملل، في حين أن صاحب البرنامج والخطة يلاحظ أن هناك من كبار السن من هم أجمل منه عبادة وأقوى على الاستمرار فيها منه،
بل يقومون بها بحب واشتياق، فلا ملل ولا محاسبة، وإنما اللذة التي تخلقها التلقائية والانسيابية. هذه التلقائية والانسيابية التي تفلت عنها صاحب التخطيط والبرمجة هي السر الروحي للذة العبادة وجمالية الطاعة.
السر أن تنطلق إلى الله من داخل نفسك وفقاً لطبيعتك، أو على حد تعبير الإمام ابن زروق أن «من سار إلى الله من حيث طبعه كان الوصول أقرب إليه من طبعه، ومن سار إلى الله بالبعد من طبعه كان وصوله على قدر بعده من طبعه»، ذلك أن «استجلاب النفوس بمساعدة طبعها أهدى لتقريب نفعها».
الحالة الروحانية لا يخطط لها! فهي نور القلب وبصيرة النفس، وهي مصدر سمائي التكوين، وكل ما يفعله الإنسان هو الاستعداد والتلقي لفتوحات السماء (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وقد قال: «استقيموا ولن تحصوا»، حين قال يعقوب (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ)، غاب يوسف وأُصيب يعقوب بالعمى (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ). وعندما قال يعقوب (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) عاد إليه يوسف وعاد إليه بصره.
هو الوعي الداخلي لديك يتصل بالقدر الجميل فيتحقق العمل الصالح والفعل الجميل، أما إذا شرد قلبك عن طريق خالقه فلن تعيده الخطط والبرامج التي غالبها من حظوظ النفس لا من حقوق الحق، وما أجملها وأجزلها من حكمة نبوية «استقيموا ولن تحصوا» وفي حديث عَائِشَةَ - رضي الله عنها - «أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ «مَنْ هَذِهِ». قَالَتْ فُلاَنَةُ. تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا. قَالَ «مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا». وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ»، رواه البخاري ومسلم.
تقبل الله الصيام وفتح علينا من طاعة ما يصلح قلوبنا وأحوالنا.
http://www.nlpnote.com/forum/t57363/
--