بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
حيرتنا القوانين التربوية الحديثة في شأن ايقاع العقوبة للتلميذ..ممنوع وصار الطالب مستأسدا بعدما كان اذا مر المعلم في طريق لم يمر بها الطالب حياءا وخوفا واحتراما(الله يرحم تلك الايام )
وسأتعرض في موضوعي هذا للعقوبة والتأديب من ناحية علمية وفقهية
وان كان الموضوع شائك لكننا نحتكم لشرع وأولى بنا ان نرجع اليه
هذه الكلمات عمدة في هذا الباب اسأل الله أن ينفع بها أقول
هل العقوبة للطالب مشروعة في اصول ديننا ؟؟؟؟؟
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) صحيح سنن أبي داود 466.
ولا يخفى أن في أمره بالصلاة وضربه عليها تعليم له وتربية ، وفيها تعليم لأحكام الصلاة من شروط وأركان وواجبات ومستحبات بحسب ما يليق بحاله وعقله.
عن فضيل بن مرزوق قال : قلت لسفيان : أضرب ولدي على الصلاة؟ قال : أجِدَّه . كتاب العيال برقم 299 ، ومعنى أجده أي شجعه وحفزه على أداء الصلاة يقال أجد الولد صار ذا جد واجتهاد .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه لهم أدب) السلسلة الصحيحة 1447.
قال العلماء : لم يرد به الضرب لأنه لم يأمر بذلك أحدا وإنما أراد لا ترفع أدبك عنهم .
والسلف كانوا يضربون على تعليم العلم :
عن ابن عمر أنه كان يضرب بنيه على اللحن . كتاب العيال برقم 335 والبيهقي في السنن الكبرى .
هشام بن عمار ابن نصير بن ميسرة بن ابان هو الإمام الحافظ العلامة المقرئ ، عالم أهل الشام أبو الوليد السلمي ويقال الظفري خطيب دمشق ، كان من أوعية العلم وكان ابتداء طلبه للعلم وهو حدث قبل السبعين ومئة ، وفيها وقرأ القرآن على أيوب بن تميم وعلى الوليد بن مسلم وجماعة .
وكان من خبره ما برويه عن نفسه : باع أبي بيتا له بعشرين دينارا وجهزني للحج فلما صرت إلى المدينة أتيت مجلس مالك ومعي مسائل أريد أن اسأله عنها فأتيته وهو جالس في هيئة الملوك وغلمان قيام والناس يسألونه وهو يجيبهم فلما انقضى المجلس قال لي بعض أصحاب الحديث سل عما معك، فقلت له : يا أبا عبد الله ما تقول في كذا وكذا فقال حصلنا يا غلام احمله فحملني كما يحمل الصبي وأنا يومئذ غلام مدرك فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة فوقفت ابكي ، فقال لي ما يبكيك اوجعتك هذه الدرة قلت ان أبي باع منزله ووجه بي اتشرف بك وبالسماع منك فضربتني فقال اكتب قال فحدثني سبعة عشر حديثا وسألته عما كان معي من المسائل فأجابني .
وفي رواية : فقلت له لم ظلمتني ضربتني خمس عشرة درة بغير جرم لا اجعلك في حل فقال مالك فما كفارته قلت كفارته ان تحدثني القدرة عشر حديثا قال فحدثني القدرة عشر حديثا فقلت له زد من الضرب وزد في الحديث فضحك مالك وقال اذهب
وروي عنه أنه قال : فخرجت ، فقعدت على بابه أبكي ، ولم أبك للضرب ، بل بكيت حسرة ، فحضر جماعة ، قال : فقصصت عليهم ، فشفعوا في ، فأملى علي سبعة عشر حديثا .
وقال علي بن جعفر أخبرنا إسماعيل بن بنت السدي قال كنت في مجلس مالك فسئل عن فريضة فأجاب بقول زيد – رضي الله عنه - .
[ يعني كان الإمام مالك رحمه الله في حلقة من حلقات العلم ، فكان يدرَّس في أحد دروسه ، ثم سئل عن مسألة فرضية فأجاب بقول زيد رضي الله عنه – فقال إسماعيل بن بنت السدي ] : ما قال فيها علي وابن مسعود رضي الله عنهما .
فأومأ إلى حجبة [ الحجبة ] فلما هموا بي عدوت وأعجزتهم ، قالوا ما نصنع بكتبه ومحبرته ؟ فقال : اطلبوه برفق فجاؤوا إلي فجئت معهم ، فقال مالك : من أين أنت ؟ قلت من الكوفة ، قال : فأين خلَّفت الأدب فقلت : إنما ذاكرتك لاستفيد فقال : إن عليّاً وعبد الله لا يُنكَر فضلهما وأهل بلدنا على قول زيد بن ثابت ، وإذا كنت بين قوم فلا تبدأهم بما لا يعرفون فيبدأك منهم ما تكره .
وقد يقول قائل : ألا ينبغي أن نناقش ؟ فيقال : نعم ، ولكن بأدب ، وبخاصّة مع الشيخ ، إذ أنَّ النقاش معه له أدب ، يليق به .
وعلى المستفتي أن يتخير الوقت المناسب للاستفتاء ، فلا يستفتيه إن رآه في هَمّ عرض له ، أو أمر يحول بينه وبين عقله ، ويصده عن استيفاء فكره ، فإذا زال ذلك العارض ، وعاد المفتي إلى المألوف من سكون القلب ، وطيب النفس ، فحينئذٍ يسأله ( الخطيب البغدادي : الفقيه والمتفقه 20 / 179 )
وعن قتادى قال : ( سألت أبا الطُفيل عن حديث ، فقال : لكل مقام مقال . وفي رواية وهب : ( إن لكل مقام مقالاً ) الجامع لآخلاق الراوي والسامع للخطيب ( 1 / 212 )
ومن الغرائب أن أحد المربين في إحدى بلاد المسلمين حاول ضرب طالب لا يتجاوز عمره الثلاثة عشر سنة _ إن كبر _ خمسمائة جلدة لمخالفة صدرت منه ، والأعجب من هذا أن المعلم هو معلم التربية الإسلامية .
وفي المغرب العربي معلمة رمت بتلميذين من شباك الفصل لأنهما عملا إزعاجا !
فإذا تقرر العقاب فيجب تتوفر شروط لإيقاعه ومنها :
ـ أن الهدف من العقاب هو منع تكرار السلوك غير المرغوب فيه لا غير
ـ أن يتناسب العقاب من حيث الشدة والوسيلة مع نوع الخطأ
ـ أن يعرف الطالب المعاقب لماذا يعاقب
ـ أن يقتنع الطالب بأنه قد ارتكب ما يستوجب العقاب
ـ أن معاقبة التلميذ بالواجبات المدرسية يؤدي به إلى كراهية المدرس وقد ينتهي الأمر إلى زيادة الفوضى لا إلى القضاء عليها
ـ تجنب أساليب التهكم والإذلال الشخصي فإنها تورث الأحقاد
ـ عدم اللجوء إلى العنف بأي حال من الأحوال لأن ذلك قد يعقد الأمور ولا يسويها
وللضرب في الإسلام ضوابط من ذلك :
- التأكد من وقوع الخطأ ومن شخص الفاعل
- أن يكون الضرب مساويا للعقوبة.
- الحرص على عدم تكرار العقاب البدني لمحاذيره الكثيرة
- عدم إيقاع العقاب البدني أمام الناس لما في ذلك من جرح في الشعور
- تجنب المناطق الحساسة في الجسم كالوجه كان سليمان بن سعد يؤدب الوليد وسليمان فقال له عبد الملك : يا سليمان لا تضرب وجوه بني ، وكان في خلق سليمان شدة . كتاب العيال 347.
- الحرص على عدم إلحاق أذى بالطفل
- عدم الضرب وقت الغضب
- استنفاذ الوسائل التربوية قبله من نصح وتوجيه وتعبيس وزجر وهجر وتوبيخ.
- أن لا يزيد المربي في ضربه عن عشر ضربات.
لما ورد في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله ".
ويجب في السوط كما يقول العلماء:
أ- أن يكون معتدل الحجم فيكون بين القضيب والعصا.
ب- وأن يكون معتدل الرطوبة فلا يكون رطباً يشق الجلد لثقله ولا شديد اليبوسة فلا يؤلم لخفته.
ج- ولا يتعين لذلك نوع بل يجوز بسوط وبعود وخشبة ونعل وطرف ثوب بعد فتله حتى يشتد.
وقال العلماء في طريقة الضرب :
1- أن يكون مفرقاً لا مجموعاً في محل واحد .
2- أن يكون بين الضربتين زمن يخف به ألم الأول .
3- أن يرفع الضارب ذراعه لينقل السوط لأعضده حتى يرى بياض إبطه فلا يرفعه أكثر من ذلك لئلا يعظم ألمه .
4- أن يتقي المربي ضرب الوجه والفرج والرأس والمقتل . وفي الحديث الذي رواه أبو داود " إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ".
وأجمع أهل العلم أن أفضل مكان للضرب اليدان والرجلان .
5- أن يتجنب الغضب عند الضرب للحديث الذي رواه الجماعة " لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان ".
6- أوصى العلماء عند الضرب بالابتعاد عن بذاءة اللسان في السب والشتم وتقبيح الولد كقول من يقول يا قرد- يا كلب .
7- وعلى المربي أن يطيل النظر في شأن الولد قبل الإقدام على الضرب فلعل حالة التقصير والعناد عنده ناشئة من مرض عضوي أو مرض نفسي أو خطأ غير متعمد أو لعله واقع تحت تأثير مشاكل أسرية وغير ذلك.. ولكل حالة من هذه ما يناسبها من علاج.
جلس الدار قطني مرة في مجلس إسماعيل الصفار وهو يملي على الناس الأحاديث ، والدار قطني ينسخ في جزء حديث . فقال له بعض المحدثين في أثناء المجلس : إن سماعك لا يصح وأنت تنسخ فقال الدار قطني: فهمي للإملاء أحسن من فهمك وأحضر، ثم قال له ذلك الرجل: أتحفظ كم أملى حديثا فقال : انه أملى ثمانية عشر حديثاً إلى الآن ، والحديث الأول منها عن فلان عن فلان ، ثم ساقها كلها بأسانيدها وألفاظها لم يخرم منها شيئاً ، فتعجب الناس منه . فمثل هذا الموقف من الدار قطني ربما يحمل بعض المعلمين على ضربه أو تعنيفه بل طرده أحيانا على الرغم من أنه أفضل الحاضرين وأحفظهم
هذا وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة الا بالله