علاقة اللغة العربية بالدين الإسلامي
اللسان العربي هو شعار الإسلام كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم ، واللغة العربية من الدين لا تنفصل عنه ،ولا ينفصل عنها بل هي الدين بعينه ، فقد نزل بها كتاب ربنا ، وأصبح تعلمها وإتقانها ومعرفة قواعدها وأسرارها فرضاً واجباً ، لأن فهم الكتاب والسنة ومعرفة أحكام الدين من الأمور الواجبة على المسلم. وهذا لا يتم إلا بفهم اللغة العربية لغة القرآن والدين والتراث .. وبهذا يتضح أن العلاقة بين اللغة العربية وعلوم الإسلام من تفسير وحديث وفقه وأصول وغيرها من العلوم علاقة متينة جداً لمن أراد أن يشتغل بأي من العلوم السابقة.
العربيــة والتفســير
يُعد علم التفسير من العلوم المهمة والعظيمة لكونه يقوم على تفسيرآي الله ، وبيان مراده ،وإيضاح مقاصده ومراميه ، فهو من أشرف العلوم وأجلها ؛ لذا اعتنى به المسلمون عناية خاصة ، وأولوه اهتماماً بالغاً، ولا بد لمن يرغب في الاشتغال بتفسير كتاب الله تفسيراً وتبييناً وتحليلاً من معرفة قواعد اللغة نحوها وصرفها.
يقول السيوطي في الإتقان :" يجوز تفسير القرآن لمن كان جامعا للعلوم التي يحتاج إليها المفسر ، وهي خمسة عشر علماً:
أحــدها : اللغـة لأن يعرف بها شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع.
الثـــاني: النحــو لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب ، فلا بد من اعتباره.
الثــالث : التصــريف لأن به تعرف الأبنية والصيغ.."
وإلمام المفسـر بهذه العلوم مهم غاية الأهمية لكونه من تمام العمل ،وعليه يترتب كماله وإتقانه على الوجه المطلوب ، كما لا يجوز لمن لا يملك ثقافة نحوية ولغوية واسعة أن يقدم على تفسير كتاب الله
.
يقول مجاهد :" لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إن لم يكن عالماً بلغات العرب ويُروى أن عمر بن الخطاب قال : " لا يُـقرئ القرآن إلا عالم بلغة العرب.."والذي دفع أميرالمؤمنين عمر أن يقول هذه المقالة ما روي أن أعرابياً قدم إلى المدينةالمنورة في خلافة أمير المؤمنين عمر فقال : من يقرئني مما أنزل على محمد ، فأقرأه رجل سورة "براءة" فقال : ( أنَّ اللهَ برئ من المشركين ورسولِـه)بالجر فقال الأعرابي : " أوقد برئ الله من رسوله؟ إن يكن برئ من رسوله فأناأبرأ منه".فبلغ عمرمقالة الأعرابي فدعاه فقال : يا أعرابي ، أتبرأ من رسول الله؟ فقال يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن فسألت من يقرئني فأقرأني هذا سورة براءة فقال: ( أنَّ اللهَ برئ من المشركين ورسولِـه ) فقلت : " أوقد برئ الله من رسوله؟ إن يكن برئ من رسوله فأنا أبرأ منه"
فقال عمرليس هكذا يا أعرابي ، فقال كيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال(أنَّ اللهَ برئ من المشركين ورسولُـه ) فقال الأعرابي : وأنا والله أبرأ مما برئ الله ورسوله منه .فأمر عمرألا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة.
وكان الأصمعي يقول : " تعلموا النحو فإن بني إسرائيل كفروا بكلمة ،قال الله – عز وجل – يا عيسى أنت نبيٌّ وأنا ولَّـتُـك ، بتشديد اللام معناها أوجدتك وخلقتك فخففوها، فصار كفراً.." فمعرفة اللغة والإلمام بقواعد النحو يعين المفسر على معرفة المعنى المراد والغرض المقصود.
روى عكرمة عن ابن عباس قال : ما كنت أدري ما قوله تعالى(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) . حتى سمعت ابنة ذي يزن الحميري وهي تقول : " أفاتحك " يعني أقاضيك .
وقال أيضاً : ما كنت أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني عربيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها يعني ابتدأتها.
وبهذا تتضح العلاقة الوطيدة بين التفسير وعلوم اللغة وأنها إنما نشأت بينهما عندما احتيج إلى ضبط القراءة الخوف على القرآن الكريم من اللحن والخطأ.