رسول الله وحقوق اليتيم والمسكين والأرملة
تميَّزت الشريعة الإسلاميَّة بأنها حفظت حقوق اليتامى والمساكين والأرامل، وجعلتهم في أمان ورعاية المجتمعالمسلم بتكافله معهم معنويًّا ومادِّيًّا؛ فيأمرنا الله صلى الله عليه وسلم بالرحمة باليتيم، فيقول: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ} [الضحى: 9]. كما يأمرنا بأن نعطي المسكين حقَّه المفروض له من قِبَلِ الله I، فيقول صلى الله عليه وسلم {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26].
قضاء حوائج المساكين والأرامل
وزيادة في تدعيم حقِّ المساكين[1] والأرامل[2] يرغِّب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأُمَّة كلها بالسعي في قضاء حوائجهم فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ"[3]. فقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر الذي يرعى شئونهما إلى درجة لا يتخيَّلها أحد، فأيُّ أجر وأيُّ ثواب أعظم من ذلك؟! الإحسان إلى اليتيم
كما يحثُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى اليتيم واعدًا بالأجر العظيم؛ وذلك تأصيلاً لحقوق اليتامى في الرعاية والكفالة، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنَا وكَافِلُ اليَتِيمِ[4] فِي الجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ". وأشار بأصبعيه، يعني السَّبَّابة والوسطى[5].
بل بلغت درجة الرفق والرحمة باليتيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغَّب أفراد الأُمَّة أن يضمُّوا اليتامى إلى أولادهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ"[6].
فالمنهج النبوي الشريف لا ينظر إلى اليتامى والمساكين والأرامل على أنهم يحتاجون إلى متطلَّبات الحياة المادِّيَّة فقط؛ بل ينظر إليه على أنهم بَشَرٌ حُرِمُوا من العطف والحنان.
ولم يقتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على التشجيع في رعاية وكفالة اليتامى، وإنما ذهب في سبيل ذلك إلى وسائل أخرى أكثر ترغيبًا؛ فترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرجل أتى إليه يشكو قسوة قلبه: "أَتُحِبُّ أنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، وتُدْرِكَ حَاجَتَكَ؟ ارْحَمِ اليَتِيمَ، وامْسَحْ رَأسَهُ، وأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ؛ يَلِنْ قَلْبُكَ، وتُدْرِكْ حَاجَتَكَ"[7].
ومن ناحية أخرى حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظلم اليتامى وأكل حقِّهم، فقال: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ[8]... وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ"[9].
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرغِّبًا في إنفاق المال على المسكين واليتيم، فقال صلى الله عليه وسلم: "... وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ، وَالْيَتِيمَ، وَابْنَ السَّبِيلِ..."[10].
ونجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا يذمُّ طعام الوليمة الذي يحضره الأغنياء ولا يُدْعَى إليه الفقراء من اليتامى والمساكين، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ؛ يُدْعَى إِلَيْهِ الأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ"[11].
ولم يكتَفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كله، وإنما نصَّب نفسه الشريفة مسئوليَّة ولاية اليتامى والفقراء والمحتاجين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلنها كحاكم دولة: "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً[12] فَادْعُونِي فَأَنَا وَلِيُّهُ..."[13].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعَ الناس إلى تطبيق ما يقول، فقد روى عبد الله بن أبي أَوْفَى t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأنف ولا يستنكف أن يمشي مع الأرملة والمسكين؛ فيقضي لهما حاجتهما[14].
هكذا أرسى الإسلام قواعد التعامل مع اليتامى والأرامل والمساكين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مطبِقٍ لهذه القواعد؛ فكان المثل والقدوة الرحيمة، فما أعظمه!