الحكمة ضالة المؤمن ... و لكن !!!
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير ألأنام ومصباح الظلام وعلى آله وصحبه الكرام
أما بعد :
يخطئ بعض الناس حينما تكون ثقته بنفسه كبيرة إلى درجة إقحامها في كل قضية، وفي كل حوار،
وإلى درجة الخوض بها في معارك عقدية،
وذلك بالجلوس إلى أصحاب التوجهات المنحرفة، أو الجلوس إلى كتبهم بقصد معرفة ما عندهم، وما وصلوا إليه، أو بقصد الاستفادة من الحق الذي معهم، وإن كنا نقول بالحكمة المشهورة:
الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها..
ولكن لا يعني هذا تجاوز الحق الذي في كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله ـ سبحانه وتعالى ـ:
{وَإذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِـمِينَ}
[الأنعام: 68].
وقوله ـ سبحانه ـ:
{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِّثْلُهُمْ إنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْـمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}
[النساء: 140].
قال ابن جرير ـ رحمه الله ـ:
«وفي هذه الآية، الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع، من المبتدعة والفسقة، عند خوضهم في باطلهم»(1)،
وحديث:
«مثل الجليس الصالح وجليس السوء»
لا يخفى على أحد.
والذي يُقحم نفسه في هذه المجالس وما يكتبه أهلها؛ فلا شك أنه قد غامر بنفسه وعقيدته، والسلامة بعيدة.
ولما كان السلف ـ رحمهم الله ـ
على جانب كبير من الفقه لهذه المسألة؛ فقد ورد عنهم التحذير من فتح هذا الباب، وعدم الولوج منه؛ لأن وراءه سرداب مظلم يصعب الخروج منه، ومَنْ خرج منه فلا أقلَّ من الجراح.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:
«لا تجالس أهل الأهواء: فإن مجالستهم ممرضة للقلب»(2).
وقال أبو الجوزاء:
«لأن أجالس الخنازير أحب إليَّ من أن أجالس أحداً من أهل الأهواء»(3).
وقال أبو قلابة:
«لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تحادثوهم، فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون»(4).
وقال شعيب بن الحبحاب:
«قلت لابن سيرين: ما ترى في السماع من أهل الأهواء؟
قال: لا نسمع منهم ولا كرامة»(5).
وقال رجل من أهل الأهواء لأيوب السختياني:
يا أبا بكر، أسألك كلمة؟
فولَّى وهو يقول:
ولا نصف كلمة. مرتين(6).
وقال يحيى بن أبي كثير:
«إذا رأيت المبتدع في طريق؛ فخذ في غيره»(7).
وقال يونس بن عبيد:
«ثلاثة احفظوهنَّ عني:
لا يدخل أحدكم على سلطان يقرأ عليه القرآن، ولا يَخْلُوَنّ أحدكم مع امرأة يقرأ عليها القرآن، ولا يمكِّن أحدكم سمعه من أصحاب الأهواء»(8).
وقال سفيان الثوري:
«مَنْ أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم؛ خرج من عصمة الله، ووُكل إلى نفسه».
وعنه:
«مَنْ سمع ببدعة فلا يَحْكها لجلسائه، لا يلقها في قلوبهم».
قال الذهبي ـ رحمه الله ـ معلقاً:
«أكثر السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشُّبه خطَّافة»(9).
وكان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء، قال:
«أما إني على بينة من ديني، وأما أنت فشاك، اذهب إلى شاك مثلك فخاصمه»(10).
يتبع ...