صيد الخاطر لابن الجوزي - في جحود الإنسان
نظرت في قول الله تعالى : ألم تر أن الله يسجد له من في السموات و من في الأرض و الشمس و القمر والنجوم و الجبال و الشجر والدواب، ثم قال : و كثير منالناسفرأيت الجمادات كلها قد وصفت بالسجود ، و استثنى من العقلاء ، فذكرتقول بعضهم :
ما جحد الصامت من أنشأه و من ذي النطقأتى الجحود
فقلت : إن هذه القدرة عظيمة ، يوهب عقل الشخص ثم يسلبفائدته ، و إن هذا لأقوى دليل على قادر قاهر .
و إلا فكيف يحسن من عاقل ألايعرف بوجوده وجود من أوجده ؟
كيف ينحت صنماً بيده ثم يعبده ؟
غير أنالحق سبحانه و تعالى وهب لأقوام من العقل ما يثبت عليهم الحجة ، و أعمى قلوبهم كماشاء عن المحجة .
صيد الخاطر لابن الجوزي - شكر النعم نعمة من الله
كلما نظرت فيتواصل النعم علي تحيرت في شكرها ، و أعلم أن الشكر من النعم فكيف أشكر .
لكنمعترف بالتقصير ، و أرجو أن يكون اعترافي قائماً ببعض الحقوق .
و عندي خلةأرجو بها كل خير ، و هي أن من يصوم أو يصلي يرى أنه تعبد و يخدم كأنه يقضي حقالمخدوم .
و أنا أرى أني إذا صليت ركعتين فإنما قمت أكدي فلنفسي أعمل ، إذالمخدوم غني عن طاعتي .
و كان بعض المشايخ يقول : جاء في الحديث : الدعاء عبادة، و أنا أقول : [ العبادة دعاء . [
فالعجبممن يقف للخدمة يسأل حظ نفسه . كيف يرى أنه قد فعل شيئاً .
إنما أنت فيحابتك ، و منة من أيقظك لا تقاومها خدمتك .
فأنا أقول كما قال الأول :
يا منتهى الآمال أن تكفلتني و حفظتني
و عدا الزمان علي كي يحتاجني فمنعتني
فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني
و كسوتني ثوب الغني و من المغالب صنتني
فإذا سكت بدأتني و إذا سألت أجبتني
فإذا شكرتك زدتني فمنحتني و بهرتني
أو إن أجد بالمال فا لأموال أنت أفدتني