في ذكرىالمولد) تجلى مولد الهادي
سلوا قلبي غداة سلا وتابا * لعل على الجمال له عتابا
ويسأل في الحوادث ذو صواب * فهل ترك الجمال له صوابا
وكنت إذا سألت القلب يوما * تولى الدمع عن قلبي الجوابا
ولي بين الضلوع دم ولحم * هما الواهي الذي ثكل الشبابا
تسرب في الدموع فقلت:ولى * وصفق في الضلوع فقلت: ثابا
ولو خلقت قلوب من حديد * لما حملت كما حمل العذابا
وأحباب سقيت بهم سلافا * وكان الوصل من قصر حبابا
ونادمنا الشباب على بساط * من اللذات مختلف شرابا
وكل بساط عيش سوف يطوى * وإن طال الزمان به وطابا
كأن القلب بعدهم غريب * إذا عادته ذكرى الأهل ذابا
ولا ينبيك عن خلق الليالي * كمن فقد الأحبة والصحابا
أخا الدنيا أرى دنياك أفعى * تبدل كل آونة إهابا
وأن الرقط أيقظ هاجعات * وأترع في ظلال السلم نابا
ومن عجب تشيب عاشقيها * وتفنيهم وما برحت كعابا
فمن يغتر بالدنيا فإني * لبست بها فأبليت الثيابا
لها ضحك القيان إلى غبي * ولي ضحك اللبيب إذا تغابى
جنيت بروضها وردا وشوكا * وذقت بكأسها شهدا وصابا
فلم أر غير حكم الله حكما * ولم أر دون باب الله بابا
ولا عظمت في الأشياء إلا * صحيح العلم والأدب اللبابا
ولا كرمت إلا وجه حر * يقلد قومه المنن الرغابا
ولم أر مثل جمع المال داء * ولا مثل البخيل به مصابا
فلا تقتلك شهوته وزنها * كما تزن الطعام أو الشرابا
وخذ لبنيك والأيام ذخرا * وأعط الله حصته احتسابا
فلو طالعت أحداث الليالي * وجدت الفقر أقربها انتيابا
وأن البر خير في حياة *وأبقى بعد صاحبه ثوابا
وأن الشر يصدع فاعليه * ولم أر خيرا بالشر آبا
فرفقا بالبنين إذا الليالي * على الأعقاب أوقعت العقابا
ولم يتقلدوا شكر اليتامى * ولا ادرعوا الدعاء المستجابا
عجبت لمعشر صلوا وصاموا * عواهر خشية وتقى كذابا
وتلفيهم حيال المال صما * إذا داعي الزكاة بهم أهابا
لقد كتموا نصيب الله منه * كأن الله لم يحص النصابا
ومن يعدل بحب الله شيئا * كحب المال ضل هوى وخابا
أراد الله بالفقراء برا * وبالأيتام حبا وارتبابا
فرب صغير قوم علموه * سما وحمى المسومة العرابا
وكان لقومه نفعا وفخرا * ولو تركوه كان أذى وعابا
فعلم ما استطعت لعل جيلا * سيأتي يحدث العجب العجابا
ولا ترهق شباب الحي يأسا * فإن اليأس يخترم الشبابا
يريد الخالق الرزق اشتراكا * وإن يك خص أقواما وحابى
فما حرم المجد جنى يديه * ولا نسي الشقي ولا المصابا
ولولا البخل لم يهلك فريق * على الأقدار تلقاهم غضابا
تعبت بأهله لوما وقبلي * دعاة البر قد سئموا الخطابا
ولو أني خطبت على جماد * فجرت به الينابيع العذابا
ألم تر للهواء جرى فأفضى * إلى الأكواخ واخترق القبابا
وأن الشمس في الآفاق تغشى * حمى كسرى كما تغشى اليبابا
وأن الماء تروى الأسد منه * ويشفي من تلعلعها الكلابا
وسوى الله بينكم المنايا * ووسدكم مع الرسل الترابا
وأرسل عائلا منكم يتيما * دنا من ذي الجلال فكان قابا
نبي البر بينه سبيلا * وسن خلاله وهدى الشعابا
تفرق بعد عيسى الناس فيه * فلما جاء كان لهم متابا
وشافي النفس من نزعات شر * كشاف من طبائعها الذئابا
وكان بيانه للهدي سبلا * وكانت خيله للحق غابا
وعلمنا بناء المجد حتى * أخذنا إمرة الأرض اغتصابا
وما نيل المطالب بالتمني * ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال * إذا الإقدام كان لهم ركابا
تجلى مولد الهادي وعمت * بشائره البوادي والقصابا
وأسدت للبرية بنت وهب * يدا بيضاء طوقت الرقابا
لقد وضعته وهاجا منيرا * كما تلد السماوات الشهابا
فقام على سماء البيت نورا * يضيء جبال مكة والنقابا
وضاعت يثرب الفيحاء مسكا * وفاح القاع أرجاء وطابا
أبا الزهراء قد جاوزت قدري * بمدحك بيد أن لي انتسابا
فما عرف البلاغة ذو بيان * إذا لم يتخذك له كتابا
مدحت المالكين فزدت قدرا * فحين مدحتك اقتدت السحابا
سألت الله في أبناء ديني * فإن تكن الوسيلة لي أجابا
وما للمسلمين سواك حصن * إذا ما الضر مسهم ونابا
كأن النحس حين جرى عليهم * أطار بكل مملكة غرابا
ولو حفظوا سبيلك كان نورا * وكان من النحوس لهم حجابا
بنيت لهم من الأخلاق ركنا * فخانوا الركن فانهدم اضطرابا
وكان جنابهم فيها مهيبا * وللأخلاق أجدر أن تهابا
فلولاها لساوى الليث ذئبا * وساوى الصارم الماضي قرابا
فإن قرنت مكارمها بعلم * تذللت العلا بهما صعابا
وفي هذا الزمان مسيح علم * يرد على بني الأمم الشبابا
***
أمير الشعراء
احمد شوقي