title="منتديات التربيه الاسلامية جنين - منتدى اللغة العربية وآدابها - RSS Feed" href="external.php?type=RSS2&forumids=54" /> من دلالات الكلام
  الرئيسية التسجيل خروج  

صفحتنا على الفيس  بوك  صفحتنا على  اليوتيوب  صفحتنا على تويتر  صفحتنا على جوجل  بلس

منتديات التربية الاسلامية جنين ترحب بزوارها الكرام ،،،، اهلا وسهلا بكم ولطفا يمنع نشر اي اعلان او دعاية تجارية هنا مع جزيل الشكر كلمة الإدارة


   
العودة   منتديات التربيه الاسلامية جنين > الأقــســـام الــعـــامــة > منتدى اللغة العربية وآدابها
التسجيل مركز التحميل الروابط الإضافية المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث
   

آخر 10 مشاركات كيف اختار طبيب تقويم اسنان مناسب لطفلي (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          من دلالات الكلام (الكاتـب : - مشاركات : 9 - المشاهدات : 10 )           »          الربح من التدوين (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          القلق والتوتر (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          القلق والتوتر (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          مجالات التدوين (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          الفرق بين زراعة الأسنان الفورية والتقليدية (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          مشروع كوافير رجالي (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          كيفية علاج التهابات سقف الحلق: الأسباب والعلاجات (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 1 - المشاهدات : 2 )           »          ورقة عمل اللام في لفظ الجلالة (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 16 - المشاهدات : 17 )


من دلالات الكلام

منتدى اللغة العربية وآدابها


 
   
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
   
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
رقم المشاركة : ( 1 )
 
عضو جديد
مهاجر أحمد غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 10053
تاريخ التسجيل : Feb 2024
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 9
عدد النقاط : 10
قوة التقييم :
افتراضي من دلالات الكلام

كُتب : [ 02-11-2024 - 04:59 PM ]


مما تَقَرَّرَ في درس اللسان أن مبدأ الكلام هو حرف المبنى الذي لا يجاوز حد الصوت المفرد ، فَهُوَ مقطع واحد ، فلا يفيد قيدا يميز الإنسان الناطق من آخر هو الحيوان الأعجم ، فله من الآلة ما يحكي في الخارج أصواتا قد اصطلح لها من الأسماء ما يضاهي ، ولا تخلو من دلالة على عين الصوت كما الفحيح والزئير والمواء ، فتلك دلالة أخص على عين الصوت ، وهي ، مع ذلك ، جنس عام لا يمتاز في الخارج إلى أصوات أخص تحكي من الدلالات ما يُعْقَلُ ، فَلَيْسَ منها كلام يُفْهِمُ ، إن المفرد أو المركب ، وإن كان منها دلالات تلطف على أعراض مخصوصة كما الجوع والألم ، فتشبه ، من وجه ، صوت الرضيع ، فلا يحسن يحكي من الكلام ما به يُفْهِمُ أُمَّهُ أو من يباشر أمره ، وإن كان من صوتِ بكائِه ما يميز الفرح من الحزن ، الألم من الجوع ..... إلخ ، فَثَمَّ من ذلك صوت مُقَطَّعٌ بما يكون من تَرَدُّدِ الهواء في مجرى النطق من الحلق إلى الشفة ، ولكلِّ صوتٍ من المخرَج ما يميز ، وليس يفيد من صراخ الوليد أو بعض حروف منه تصدر ، ليس يفيد معنى تاما يُفْهِمُ فيضاهي الحيوان الأعحم من هذا الوجه ، وإن كان من حال الوليد ما يجاوز الحيوان ، فَلَئِنِ اشتركا في عدم الإفصاح بكلامٍ يُبِينُ عن المراد ، قَدِ استوفى الحد في الاصطلاح ، لفظا ومعنى ، إفرادا وتركيبا ، فَلَئِنِ اشتركا في ذلك ، فالوليد قد امتاز أنه المتكلم بالقوة ، وإن لم يكن من فعل الكلام ما يصدق في الخارج ، فَلَمَّا تَكْمُلْ آلته بَعْدُ ، وإن كان ثم منها أول ، فَلَهُ من خاصة العقل ما رُكِزَ في الوجدان ، فهو جزء من الحقيقة الإنسانية ، وهو حكاية ما لطف في الحد ، فالعقل يحكي الروح وهو الماهية اللطيفة التي لا تدرك بالحس ، فلا يتناولها التجريب والبحث ، وهي ، مع ذلك موجودة بما يعالج الناظر من آثارها في حركة الفكر وهي مما يحصل في العقل ، وأخرى تدرك بالحس الظاهر من حركة الأبدان والجوارح ، وهو ما ينصح في مدلول آخر أصرح ، فَثَمَّ من باب أولى : حقيقة للخالق الأول ، جل وعلا ، وهي مما يثبت في الخارج ، فيجاوز ما اقترح الذهن من المطلق بشرط الإطلاق ، فذلك ما لا وجود له في الخارج يثبت ، بل ثم من حقيقة الخالق الأول ، جل وعلا ، ما ثَبَتَ في الأزل ، فَلَهُ من ذلك أولية تُطْلَقُ ، وهو مما حصل في الخارج فجاوز المجرد الذهني ، فَثَمَّ وجود في الخارج ، فتلك الحقيقة التي لا تدرك بالتجريب والبحث ، كما الروح ، وإن وجد الناظر من آثارها ما هو أظهر بداهة من آثار الروح في الجسد ، فآثار الخالق الأول ، جل وعلا ، في الخلق المحدَث أظهر في الدلالة بما يكون من الإيجاد المصدق لخلقِ تقديرٍ هو الأول وما كان من تصوير لا على مثال تقدم ، وما كان من رزق وتدبير .... إلخ من خصائص الربوبية ، فَثَمَّ من آثار الخالق ، جل وعلا ، في الخلق المحدَث ما هو أظهر من آثار الروح في الجسد ، وكما الأخيرة تَثْبُتُ ، وإن لم تدرك بالتجريب والبحث ، فَثَمَّ من آثارها ما بوجودها يَشْهَدُ ، فإن الأثر ضرورةً يدل على المؤثِّر ، فكما الروح تَثْبُتُ على التفصيل آنف الذكر ، فالخالق ، جل وعلا ، يثبت من باب أولى ، إذ آثاره في الكون أظهر ، فهي دالة ضرورة على المؤثِّر الذي يسبق ، وذلك مما يتسلسل حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورة إلى أول لا أول قبله حسما لمادة في الذهن تمتنع ، وهي التسلسل في المؤثرين أَزَلًا فَلَا بُدَّ مِنِ انْتِهَائِهَا إلى أول لا أول قَبْلَهُ ، وهو الواجب لذاته ، فلا يَفْتَقِرُ إلى موجِد موجِب من خارج ، بل كل مخلوق مُحْدَثٍ ، إِنِ المحلَّ أو ما يُبَاشِرُ من السبب ، كل مخلوق محدَث ، فإليه ، جل وعلا ، يَفْتَقِرُ ، أن يُقَدِّرَهُ ثم يوجده ثم يُدَبِّرُهُ ، فلا يكون السؤال عن سبب له يَسْبِقُ ، فذلك مما يخالف عن النص المحكم إذ : "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ" ، وهو ما حُدَّ مضارعا في "يَأْتِي" ، وبه استحضار المعنى ، فذلك أمر جَلَلٌ ، والبلوى به تَعْظُمُ بما اتصل من فعل الوسواس ، فالمضارعة ، من وجه آخر ، حكايةُ مَا يَتَكَرَّرُ في الخارج ، فهو من الوسواس الذي لا يَزَالُ في النفس يَتَحَرَّكُ ، فَثَمَّ من المضارعة حكاية حال واستقبال ، ولا ينفك يَعْرِضُ وَيَزُولُ ، وتلك أخرى من الفعل تُسْتَنْبَطُ ، فليس كالاسم الذي يحكي الثبوت والديمومة ، فالفعل يحكي التجدد والحدوث ، وهو ، مع ذلك ، مما حُدَّ مضارعا في الخبر آنف الذكر ، فذلك استمرار يَتَنَاوَلُ أجزاءَ الزَّمَنِ حالا واستقبالا ، وإن لم يثبت ويدوم كما الاسم في المدلول ، فإن اسم الذات مثالا ، كزيد أو عمرو ، ذلك مما يثبت في كل وقت من لَدُنِ الوجود وحتى الموت ، لا جرم لم يصح الإخبار عنه بالظرف ، إلا أن يكون ثم تأويل يسوغ ، فلا يقال : زيد الآن ، أو زيد الصيفَ ، فإن ذات زيد حاصلة في كل وقت ، إن في الشتاء أو في الصيف ، إلا أن يكون ثم تقدير لمحذوف ، كأن يقال : مولد زيد الصيفَ ، أو قدم زيد الصيفَ ..... إلخ ، فيكون من الإخبار عن حَدَثٍ يَتَجَدَّدُ ، فهو مما يعرض وَيَزُولُ ، فليس المولد مما يدوم ، وكذا القدوم ، فَثَمَّ من دلالة الفعل ما يحكي التجدد والحدوث ، وذلك الوسواس الذي يتكرر ، فيأتي المكلف إذا غَفَلَ فلم يَذْكُرْ ، ومن ذا لا يسلم من الوسواس إذ لا أحد يسلم من الغفلة ، ولو فَتْرَةً في الذكر ، فكيف بما زاد من فَتْرَةٍ فِي الفرضِ ، فذلك مما يُضْعِفُ المحل وَيُمْرِضُ فيصير أهلا أن يقبل آثار الوسواس الذي يضر ، فإذا ذكر واستغفر قَوِيَ المحل وانجبر ، وَزَالَ الوسواس وانخنس ، فذلك وصفه في الذكر المحكم ، أَنْ شُرِعَ من الاستعاذة ما يدفع ، فكان من ذلك أمر يوجب وَيُرْشِدً ، فـ : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، فَثَمَّ مدلول أول يحكيه الأمر بالنظر في أصل الوضع اللساني المجرد ، وهو الإيجاب الذي يُلْزِمُ ، وثم من دلالة الإرشاد ما يَنْصَحُ إذا عرض الوسواس وَتَكَرَّرَ ، وذلك مِمَّا حُدَّ أَمْرًا قَدْ تَوَجَّهَ إلى المفرد ، فَثَمَّ من ضميره ما وجوبا يضمر فلا يظهر في العامل "قُلْ" ، فذلك ضمير المخاطب المفرد ، وله من ضمير الفصل ما يعدل ، فهو تقديره في المعنى ، وإن لم يكن عينه ، وإلا ظهر في اللفظ ، فإن كان من ذلك ما يظهر ، كما في قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ) ، فذلك مما يُحْمَلُ على التوكيد ، وله في هذا الموضع مدلول أخص ، فالتوكيد بالتكرار ، تكرار المؤكَّدِ ، ولو لم يكن أولا يظهر ، فقد استكن في عامله إيجابا ، ثم كان من الضمير المؤكِّد ما يَظْهَرُ ، فأكد المظهَرُ المضمَرَ ، وكان من ذلك زيادة في المبنى تعدل أخرى تضاهيها في المعنى ، وثم آخر في صناعة النحو إذ امتنع العطف على ضمير الرفع ، ظاهرا أو مستترا ، امتنع العطف عليه إلا أن يكون ثم لفظ يَفْصِلُ ، فكان من التوكيد ما فَصَلَ ، وبه ساغ العطف ، على التفصيل آنف الذكر ، فأفاد التوكيد معنى يزيد ، وكان منه ما به اللفظ يستقيم ، فلا يقال إن الضمير المظهر في قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ) ، لا يقال إنه الفاعل ، بل الفاعل قد استتر وجوبا في الأمر إذا تَوَجَّهَ إلى مفرد مذكر ، وله من التقدير ما يعدل ضميرَ المخاطَبِ المفرَد ، وله ، من وجه آخر ، عهد أخص ، بالنظر في عين المخاطب أولا بالوحي ، وهو صاحب الشرع صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فكان من ذلك أول وهو خطاب المواجهة ، وثم تال قد تناول غيرا ، وهو أصل آخر يستصحب في خطاب التكليف المنزل ، وإن خالف عن أول من وَضْعِ اللسانِ المطلقِ ، فإن الأمر الذي تَوَجَّهَ إلى واحد مذكر ، ذلك ، بداهة ، ما يتناول واحدا مذكرا في الخارج فلا يجاوز ، فتلك دلالته في اللسان لدى المبدإ ، فثم حقيقة أولى في اللسان تستصحب ، وثم أخرى من العرف وهي أخص ، فَثَمَّ من عهد التَّنْزِيلِ في خطاب التكليف ما جاوز المخاطب الأول ، فهو كالمثال الذي يُذْكَرُ بَيَانًا لعام له وَلِغَيْرٍ يَسْتَغْرِقُ ، فلا يكون ذِكْرُهُ ، وهو بَعْضُ أفرادِ العام ، لا يكون ذكره مخصِّصا لهذا العام ، بل هو له يُبِيِّنُ وَيُفَصِّلُ ، دون أن يقصر الدلالة عليه دون غير ، إلا أن تكون ثم قرينة تخصص ، فَتَرُدَّ المدلول إلى أول ، وهو الدلالة على واحد ، كما الحال في الخصائص ، فَثَمَّ من خطاب الوحي في مواضع ما خَصَّ واحدا بالعين ، أو آخر بالنوع ، فلم يكن من ذلك معنى يَسْتَغْرِقُ غَيْرًا بما اسْتُصْحِبَ في نصوص الوحي ، إذ ثم من قرينة العموم في خطاب التكليف ما يتناول الآحاد كافة ، المذكور الذي عليه قد نَزَلَ ، أو الخطاب به إليه قد تَوَجَّهَ مبدأَ التَّنَزُّلِ ، كما تقدم من قوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، فذلك ، كما تقدم ، مما استصحب مبدأ النظر ، فَعَمَّ الخطاب ، وإن توجه إلى واحد ، فَثَمَّ من ذلك عُرْفٌ أَخَصُّ بِمَا اسْتَقَرَّ من مدلول الوحي أنه عام يَتَنَاوَلُ آحاد الجمع كافة ، فجاوز المخاطَب الأول ، أو من عليه قد نَزَلَ ، كما العام الذي نَزَلَ على سبب خاص ، فلا يخصصه السبب ، وإنما يبين عنه ، إذ العبرة بعموم المعنى لا بخصوص اللفظ ، كَمَا قَالَ أهل الشأن ، وإلا صارت نصوص الوحي كَافَّةً : وقائعَ أعيانٍ لا عموم لها فلا تجاوز من عليه قد نزلت ، فيكون من الخطاب أن "قُلْ" في الآي آنف الذكر ، ، يكون منه ما توجه إلى صاحب الشرع صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحده ، فإذا امْتَثَلَ الأمر أن "قُلْ" ، فقال وَبَلَّغَ وَبَيَّنَ ما أُمِرَ ببلاغه وبيانه فقد انْتَهَى أَثَرُ الوحيِ في التشريع ، فلم يكن من ذلك ما يجاوز إلى غَيْرٍ ، فلا يؤمر غيره بالاستعاذة ، وإنما يؤمر هو وحده صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهو ما يصدق مَرَّةً ، ثم يكون من النسخ ما يَرْفَعُ ، فقد بَطَلَ التكليف بعد امْتِثَالِ الأمر بإيقاع المأمور ، وهو ، كما تقدم ، مما يحصل بامتثاله ، ولو مَرَّةً ، فذلك أدنى ما يصدق فيه المأمور في الخارج ، فكان من ذلك طريقة في التأويل قد عمت بها البلوى ، فَتَكَادُ تَعْدِلُ من التأويل ما بَطَنَ ! إذ تفضي إلى تعطيل الأحكام ، وهو ما نهجت الحداثة في الجيل المتأخر أَنْ تُبْطِلَ حكومة التكليف الرسالي المنزَّل ، فَقَالَ مَنْ قَالَ في نحو قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) ، قَالَ إِنَّ ذلك مما يحكي العهد الخاص في سَارِقٍ بِعَيْنِهِ وهو من نَزَل عليه الحكم ، فلم يُجْرِهِ مجرى السبب الذي نَزَلَ عليه العام فلا يخصصه ، وإنما خصص العام بعين السبب تحكما يبطل معنى العموم المستصحب في خطاب الوحي المنزل ، فصير المدلول هو سارِقًا بعينه ، وهو سارقُ رِدَاءِ صفوانَ ، وسارقةً بِعَيْنِهَا وهي المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحد ، فَإِذْ حُدَّا فكان القطع ، فقد انتهى أثر الحكم وبطل حد السرقة إذ "أل" في "السارق" و "السارقة" من هذا الوجه تحكي من العهد ما خَصَّ فلا يجاوز عين السبب الذي نَزَلَ عليه الحكم العام ، وهو التحكم الذي يخالف عن الأصل المستصحب من عموم الدلالة في خطاب الوحي المنزَل ، فذلك الأصل في الباب حتى ترد قرينة التخصيص ، فلا يكون من ذلك ما يجري مجرى التحكم ترجيحا لمرجوح لا يتبادر ، فيكون من ذلك ترجيح له بلا مرجِّح معتبر إلا دعوى التخصيص ، وهي صورة الخلاف التي تطلب الدليل ، فكيف تصير هي الدليل وشرطه أن يسلم به الخصوم كافة ، لا أن يكون صورة الخلاف بينهما ، فذلك دور يبطل ، إذ يستدل على الشيء بنفسه ، وهو ما اصطلح النظار أنه المصادرة على المطلوب ، تحكما بلا دليل ، كما في هذا الموضع ، إذ تحكم الناظر فقصر مدلول "أل" في "السارق" و "السارقة" على عهد خاص لا يجاوز عين من فيه قد نَزَلَ ، فليست "أل" العامة التي تستغرق ، مع آخر هو في باب التعليل أخص ، فتلك "أل" الموصولة التي تعدل الموصول الاسمي إذ دخلت على الاسم المشتق "فاعل" وهو "سَارِق" و "سارقة" على تأويل : والذي سرق والتي سرقت ، وهو ، كما يقول أهل الأصول والنظر ، ما يؤذن بِعِلِّيَّةِ ما منه الاشتقاق ، وذلك وصف السرقة الموجِب لحكم القطع الذي تلا فاقترن بالفاء أَنْ شُبِّهَ بالشرط ، وهو ، أيضا ، مما يحكي التعليل في الدلالة ، فالجواب مع الشرط ، كما المعلول مع العلة ، وهو ما شُبِّهَ به الموصول مع خبره ، فإن من معنى السرقة الذي اشتقت منه الصلة ما يدور مع حكم القطع وجودا وعدما ، فكان من ذلك ما شُبِّهَ فيه الخبر بجواب الشرط ، إذ شُبِّهَ الموصول بالشرط ، فَقِيسَ الموصول على الشرط ، وكان أن دخلت الفاء على خبر الموصول كما دخلت على جواب الشرط ، إن كان إنشاءً كما الأمر "اقْطَعُوا" في هذا الموضع : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) ، وكان من الفاء في "فَاقْطَعُوا" ما به اللفظ يُسْتَصْلَحُ فتلك فاء الربط ، ولا تَنْفَكُّ تحكي آخر من العطف على حد التعقيب والفور ، وذلك آكد في الدلالة مسارعةً في إنفاذِ الحد ، ولا تخلو من دلالة السببية ، وإن لم تكن نصا فيها ، فوصف السرقة : سَبَبٌ في حكم القطع ، وذلك ما حُدَّ عاما إذ الموصول نص في الباب ، فَبَطَلَ ما تقدم من دلالة العهد الخاص في "أل" في "السارق" و "السارقة" ، فلا يجاوز السبب الذي عليه قد نَزَلَ ، فَقَدْ أُقِيمَ الحدُّ على سارقِ رداءِ صفوانَ والمخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحد ، فَأُقِيمَ الحد عليهما ثم كان النسخ لدلالته ، فَبَطَلَ العمل به ! ، وذلك بداهة ، مما لا يعقل إذ يُفْضِي إلى إبطال الشريعة ، وهو ما نهجت الحداثة إذ تخاصمُ في المرجع الرسالةَ ، فكان من الأولى أن صيرت الشريعة وَقَائِعَ أعيان لا تجاوز آحاد من نَزَلَتْ فيهم ، أو الجيل الأول من أمة الرسالة الخاتمة ، فَإِذِ انْقَرَضَ فَقَدْ بطل مدلولها ، فلا يستصحب منه إلا لفظ قد جُرِّدَ من الدلالة ، وَكُلٌّ يَتَنَاوَلُهُ بالتأويل ، فَيَقْتَرِحُ من ذلك ما يواطئ الهوى والحظ ، وإن خالف عن محكم الوحي ، فيستصحب اللفظ بلا مدلول ، وهو ما يخالف عن المنقول والمعقول ، وما استنبطت العقول من الأجناس الدلالية الكلية التي يدور عليها اللفظ بما كان من استقراء لكلام العرب المحتج به من نَظْمٍ أو نَثْرٍ ، فَيَكُونُ من ذلك آحاد يجتهد الناظر في تَصْنِيفِهَا وَتَرْكِيبِهَا ، حتى يحصل له من ذلك أصل من الدلالة الكلية ، وهي ما يُطْلَقُ في المعجم ، وهو أول في الاستدلال المحكم ، إذ الوحي قد نَزَلَ بِلِسَانِهِ المفصِح ، فَوَجَبَ الرَّدُّ إليه في التفسير ، كما وجب الرد إلى الوحي في التشريع ، فلا يُفْهَمُ خطابُ المخبِر أو المشرِّع ، لا يُفْهَمُ بداهةً إلا بلسانه الذي به قد نَزَلَ ، ولا تحصل الفائدة من لفظ يُتْلَى أماني فلا يفقه ، فَحَقُّ تلاوته أن يُقْرَأَ وَيُفْهَمَ ، ثم يكون من العمل تال يصدق ، وهو فرع عن العلم ، إذ الحكم فرع عن التصور ، ولا يكون علم ينفع بلفظ من الدلالة قد جُرِّدَ ، بل العلم النافع : مدلول يجاوز الملفوظ ، فما الأخير إلا دليل على الأول ، وإن كان قسيما له في حد الكلام المفهِم الذي يحسن السكوت عليه ، كما حده أهل الشأن ، فَثَمَّ من نَهْجِ الحداثة أَنِ اتخذت التاريخانية ذريعةً إلى نسخ الشريعة ، أن صارت جميعا من وقائع الأعيان التي لا تجاوز آحادها ، والجيل الذي فيه قد نَزَلَتْ ، فانقراضه نسخ لها ، فلا يستصحب المدلول الأول الذي به قد نزلت ، فَثَمَّ من حقيقة الاصطلاح الأخص ، اصطلاح الوحي ، ثم منها ما يزيد ، فهو يُقَيِّدُ حقيقة اللسان المجرَّد ، وهي الجنس الدلالي الأعم الذي حصل في الذهن مبدأ النظر في نص عربي مفصِح ، كَمَا لفظ الصلاة مثالا ، فَمَا يَتَبَادَرُ منه في اصطلاح المعجم وهو الأعم ، ما يَتَبَادَرُ منه هو مدلول الدعاء المطلق ، وهو ما يصدق في أي حقيقة منه في الخارج تَثْبُتُ ، وذلك ، بداهة ، ما لا يجزئ في الخروج من عهدة الخطاب الشرعي الأخص الذي جاوز بها في الدلالة ، وإن اتخذها أصلا أول عنه يصدر ، فَقَبَسَ منها المدلول اللساني المجرد ، مدلول الدعاء ، ثم زاد فيه قَيْدًا يأطر ، فهو دعاء مخصوص ذو ماهية في الاصطلاح تجاوز مطلق الدعاء ، فتلك حقيقة الشرع التي تُسْتَصْحَبُ مبدأَ النَّظَرِ في نصوص التشريع المحكم ، فَثَمَّ أول من حقيقة اللسان ، وهو ما يَتَبَادَرُ إلى الأذهان في تفسير أَيِّ نَصٍّ ، فلا يُفَسَّرُ إلا بِلِسَانِهِ الذي به قَدْ وَرَدَ ، أو نَزَلَ إِنْ كَانَ وَحْيًا ، وذلك لسان أخص ، إذ ثم من عُرْفِ زمانِه ما استقر ، فَلَا يُفَسَّرُ بِعُرْفٍ حادثٍ بَعْدَهُ ، فاستصحب من ذلك عرف اللسان زَمَنَ الورودِ أو التَّنَزُّلِ ، وهو ذو مراتب مبدؤها النظر في دلالات الألفاظ المجردة في المعجم ، فتلك المعاني الكلية الجامعة التي تدور عليها مادة النطق ، وهو المطلق بشرطِ الإطلاق ، فلا وجود له في الخارج إلا أَنْ يُقَيَّدَ ، فَثَمَّ قيد الاشتقاق الذي لا يجاوز المادة المفردة ، وهو ، مع ذلك ، يرفدها بمدلول يزيد ، بما استقرأ الناظر من وجوه الاشتقاق في الكلام المأثور ، فاستنبط منها الميزان المحكم ، إذ يحكي من كُلِّ وَزْنٍ : مدلولا أخص ، فهو المقيد لِمَا أُطْلِقَ من مدلول المعجم المفرد ، كما لو تناول الناظر مادة "كَتَبَ" ، وهي المجرد في المعجم ، فَإِذَا حَدَّهَا حَدَّ "فاعل" ، فَثَمَّ من ذلك اسم الفاعل ، فَيُقَالُ "كاتب" ، وهو ما يدل على المعنى المجرد في المعجم ، فتلك نواة أولى في المدلول ، وثم تال قد استفيد بما كان من زيادة تُوَاطِئُ مِيزَانَ الاشتقاقِ ، فَثَمَّ زيادة الألف ، وهي في المبنى حكايةُ أخرَى تَعْدِلُ في المعنى ، فتلك زيادة أخص بما واطأ ميزانَ الاشتقاق ، وهو ما رَفَدَ المادة المعجمية الأولى ، فَزِيدَ في لفظها ، وَزِيدَ في معناها زيادة أخص ، إذ تحكي فاعلَ الْكَتْبِ ، فَصَارَ من لفظِ كاتبٍ ما دل على جنس المعنى المجرد في الذهن ، وهو الْكَتْبُ ، ودل على آخر وهو الفاعل الذي قام به الفعل ، وثم ثالث ، وإن لَمْحًا ، بما ثبت من مضاهاة اسم الفاعل للفعل المضارع في العمل ، وإن كان فَرْعًا عنه فهو أضعف ، إلا أنه يُلْحَقُ بِهِ تَبَعًا ، فَلَهُ من ذلك مدلول المضارع حالا واستقبالا ، على تفصيل في ذلك ، فَشَرْطُهُ أَنْ يَسْلَمَ مِنَ الإضافةِ ، فَلَوْ قِيلَ : هذا قارئُ القرآنِ ، فَلَيْسَ ثم دلالة زمان ، إذ الإضافة قد قوته في باب الاسمية فَبَاعَدَتْ به عن الفعلية ، ولم يعد ثم لمح زمان يظهر ، فإن كان ثَمَّ قطع في اللفظ ، فَنَصَبَ اسمُ الفاعلِ مَا بعده ، وقيل : هذا قارئٌ القرآنَ ، فذلك مما يُقَرِّبُهُ إلى الفعل وَيُقَوِّيهِ في الباب ، إذ عمل عمله فَنَصَبَ المفعولَ بعده ، فكان من ذلك سببٌ لآخر من المضاهاة أن ألحق به في الدلالة الزمنية ، الحالية والاستقبالية ، فذلك تال في الدلالة اللسانية بعد أول من دلالة المعجم المفرد ، فَثَمَّ دلالة الاشتقاق الأخص ، وثم ثالثة في الذكر ، إذ اللفظ مجردا أو مشتقا ، لَا يُفِيدُ حالَ انفرادِه معنى يحسن السكوت عليه ، فلا فائدة تجاوز تصور المدلول مجرَّدا في الذهن ، فلا ينفك يطلب تاليا من الحكم أن يُسْنَدَ أو يُسْنَدُ إِلَيْهِ ..... إلخ ، فيكون من نَظْمِ الكلامِ ما يُفْهِمُ معنى يحسن السكوت عليه ، وتلك مرتبة تالية في اللسان ، مرتبة النحو الذي يَنْظِمُ المفرداتِ في سلكٍ جامعٍ بما كان من قانون في الإسناد أو الإضافة أو العطف ...... إلخ ، وهو آخر يميز اللسان من غَيْرٍ ، فَلِكُلِّ لسانٍ نَحْوُهُ في التقديم والتأخير ، مع ثالث من المراتب يحكي من وجوهِ الْبَيَانِ مَا يَلْطُفُ ، فَثَمَّ الكناية والمجاز والاستعارة ...... إلخ ، فكل أولئك مما به الحقيقة اللسانية الأولى تَنْصَحُ ، أن يكون من ذلك معنى تام في الذهن يحصل ، وبه الإفهام يثبت إذ يبين عن مراد المتكلم ، وذلك ، بداهة ، غَرَضُهُ ، وَإِلَّا كان من كلامه هذيانٌ لا يجاوز في الدلالة الصوت الذي يصدر عن الطفل الذي لا ينطق ، وإن كان له من العقل أول قد رُكِزَ فِي الوجدان ، فتلك قوة مجملة لا تنفك تطلب من الفعل ما يُبِينُ إذ يحصل له من ذلك التعلم شيئا فشيئا ، وإن حصل المعنى في النفس قبل اللفظ ، كما يقول أهل الشأن ، فالطفل الصغير الذي لا يتكلم ، لا ينفك لمادة الكلام ونحوه يجمع ، وإن لم يحسن يَنْطِقْ بذلك وَيُفْصِحُ ، فتلك القوة الكامنة في النفس ، مع أولى تقدمت وِهي خاصة الخلق ، خلق الإنسان الذي امتاز عن سائر الأنواع بما ركز فيه من العقل ، وهو منطق يبطن إذ المعنى فيه يثبت لدى المبدإ ، فلا ينفك يطلب آخر من المنطق يُظْهِرُ مَا حصل بالنفس من المعنى ، فحصل للصغير من ذلك المعنى ، وهو منطق باطن أول ، وهو تصديق آخر من رِكْزِ العقلِ لدى المبدإ ، فَثَمَّ قوة في الوجدان قد رُكِزَتْ ، وَثَمَّ مادة من المعنى في النفس قد جُمِعَتْ ، وذلك تأويل أول لخاصة الكلام والمنطق ، فالمبدأ منه باطن يُعْقَلُ ، ولا ينفك يفيد معنى يحصل به الإفهام فيحسن السكوت عليه ، إلا أن يكون من المنطق الظاهر ما يُفْصِحُ عَمَّا قَامَ بالنفسِ من المعنى ، فيكون من منطق الظاهر ما تقدم من مراتبِ الاستدلالِ ، فَأَوَّلٌ يُبِينُ عن جنس المعنى ، وآخر يشتق منه فيفيد معنى أخص ، وثالث يَنْظِمُهُ في سلكِ نحوٍ يحكي من المعنى أولا يتبادر إلى الذهن دون قرائن من التأويل تزيد في المدلول ، فتلك خاصة رابعة من عرف التداول المشتهر بما لطف من وجوه البيان ، وهي مما يفيد معان ثانية بعد أولى تحصل بظاهر من المعجم والاشتقاق والنحو ، فهي تُبِينُ عن معنى ظاهر يتبادر ، وهو الراجح الذي يستصحب حتى يكون ثم تال من القرينة يصرف ، فيفيد من وجوه البيان ما يَلْطُفُ ، وهو ما يُرَدُّ إلى معجم دلالي أخص ، فذلك معجم الكنايات والمجاز والاستعارة ...... إلخ من وجوه البيان التي تكلم بها الجيل الأول ، وإن لم يكن من اصطلاحها المحدَث ما دُوِّنَ ، فذلك ما كان بعدا إذ يحكي من الظاهرة ما يثبت أولا ، وتلك خاصة تَطَّرِدُ في العلوم كافة ، ومنها علوم اللسان التي تصف الظاهرة الأولى من المنطق المحتج به ، فيكون من ذلك ما يَتَنَاوَلُهُ الجيل الأول بداهة ، فلا يتعلم ذلك تَعَلُّمَ المتأخر الذي ينظر في تصانيف المعاجم والتصريف والنحو والبيان والبديع ...... إلخ ، فكل أولئك مما حصل في الجيل الأول حصول التواتر الذي لا يفتقر إلى نَظَرٍ أو تَعَلُّمٍ ، إلا ما يكون من تقليد الأبوين والجمع الذي يحيط ، لا جرم كان من كلام الأولين : حجة في الاستدلال لدى مَنْ صَنَّفَ في الباب من المتأخرين ، فكلام الأول حجة ، ولو لم يكن ذا شأن في العلم ، فآحاد الناطقين من الجيل الأول ، ولو البدو الرحل ، أولئك مصادر في الاستدلال لدى أهل الشأن ، ولو صاحبَ الكتابِ الأول في النحو ، فقد نَزَلَ في أهل البادية وَتَرَحَّلَ ، وسمع منهم وحفظ ، وكتب بعدا في ديوانه الجامع لأصول النحو ، فَهُمْ شيوخه في الصنعة ، وإن لم يحسنوا من التصنيف ما أحسن ، فهو مادة الكتاب الذي سطره ، فَسَبَقَ المتقدِّمُ المتأخِرَّ من هذا الوجه ، إذ حصل له البيان بلا معلِّم ، وكان من جيله ما نصح لسانه فلم يلحن ، لا جرم كان الحجة في الاستقراء ، فَجُمِعَ من كلامه مادة تَنْفَعُ ، وَجَرَّدَ منها كُلٌّ من الأصول ما ينصح ، فصاحب المعجم يجرد الدلالات المطلقة ، وصاحب التصريف يجرد ميزان الاشتقاق ، وصاحب النحو يجرد قواعد النطق التي يصح بها الكلام فيفيد من المعنى أولا يحسن السكوت عليه بما يظهر من المفرد والمركب ، فيكون من السياق تال يَرْفِدُ الدلالة بما استقر من وجوه الإسناد والإضافة والعطف .... إلخ ، وصاحب البيان يَتَنَاوَلُ بَعْدًا ما لَطُفَ من المعاني ، وهي تالية بعد أول من مدلول النحو ، فلا ينظر المستدل في المعنى الثاني الأخص ، وهو الفرع ، إلا أن يصح المعنى الأول الأعم ، معنى النحو الذي يفيد من المدلول ما يحسن عليه السكوت ، وذلك الأصل ، فاشترط له من الصحة أول ، وإلا فسد الفرع الذي عنه يصدر ، فلا يعالج الناظر وجوه بَيَانٍ تلطف ، والكلام ابتداء لم يسلم من عجمة تُفْسِدُ ، فكل أولئك مما سبق به المتقدِّمُ المتأخِّرَ ، وذلك سبق أعم يَتَنَاوَلُ أَيَّ نَظْمٍ أو نَثْرٍ ، وثم آخر أخص ، بما كان من اصطلاح الشرع ، وهو ، كما تقدم ، مما زِيدَ فِي الحدِّ ، فَقَيَّدَ ما أُطْلِقَ أولا من حقيقة اللفظ ، فَثَمَّ من قيد الاصطلاح الأخص ما تناول العلوم كافة ، ومنها علوم الشريعة ، فَلَهَا اصطلاح أخص ، وتلك حقيقة من العرف الذي يَقْضِي في حقيقة اللسان المجردة ، كما مثال الصلاة آنف الذكر ، فإن منه أولا يحكي مطلق الدعاء الذي يجرده الذهن ، فيصدق فِي أَيِّ دعاءٍ في الخارج أنه صلاة ، وليس ذلك ، بداهة ، مما يجزئ في الخروج من عهدة الشرع الذي فَرَضَ الصلاة ، فَلَمْ يَفْرِضْ منها الدعاء المجرد ، وتلك ، أيضا ، مما نهجت الحداثة أن تخاصم نصوص الرسالة فَتَسْعَى في إبطالها ، فَتَارَةً تُبْطِلُ الأصل ، وتجرد اللفظ من المعنى ، فَيَصِيرُ وعاء شاغرا يطلب من المعنى شاغلا ، فَيَشْغَلُهُ كُلُّ أحدٍ بما يواطئ هواه وذوقه ، وأخرى تَرُدُّ الحداثةُ حقيقة الشرع الأخص بما كان من أول من حقيقة اللسان الأعم ، فَتَصِيرُ الصلاة هي الدعاء المجرد ، دون نظر في قَيْدٍ تال يأطر بما ثبت من نص الشرع المحكم ، وتلك طريقة في التأويل باطنية قد سلكها قَبِيلٌ أول ، فكان من تأويله ما ينكر المعلوم الضروري من الشريعة ، فكان من الصلاة ذِكْرٌ ، وهو دعاء ، وذلك مما في حد المعجم المجرد يَصِحُّ ، وهو ، مع ذلك ، لا يجزئ ، بداهة ، في الخروج من عهدة الشرع ، فخرج به أولئك أن قَصَرُوا الصلاة على ذكرِ أسماءٍ من الأئمة ، وَقُلْ مثله في الصيام ، إذ يحكي في المعجمِ الإمساكَ ، وهو ما يصدق في أَيِّ إمساك في الخارج ، فلا يجزئ في الخروج من عهدة الصيام في الشريعة ، فذلك إمساك مخصوص في زمن مخصوص ، فَثَمَّ من القيد ما يأطر المدلول المعجمي الأعم على معنى في الشريعة أخص ، فَلَا يَقْضِي العام في الخاص فَيُبْطِلَهُ ، بل الخاص هو القاضي في العام إذ يأطره على مدلول الكلام ، وهو بَيَانُ الأحكام في نصوص الشريعة ، فلم يقصد الشارع ، جل وعلا ، بصوم رمضان مُطْلَقَ الإمساكِ عن أَيِّ شيءٍ ، فذلك ما يصدق في الإمساك عن الكلام ، كما أمسكت البتول عليها السلام ، فـ : (إِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) ، فأطلقت ثم قيدت بما يبين عن ماهية صومها ، فهو صوم عن الكلام ، وذلك مما جاز في الشرائع المتقدمة ، وقد جاء الشرع الخاتم له يبطل ، فلا يشرع الإمساك عن الكلام ، وإن كان شرعا لمن تقدم ، فهو شرع لنا إلا أن يكون من شرعنا ما ينسخ ، فحصل من مريم ، عليها السلام ، فعل يصدق فيه أنه صوم ، إذ أمسكت عن الكلام ، وليس ذلك ، بداهة ، مما يجزئ في الخروج من عهدة الشرع الخاتم ، إذ الصيام فيه أخص ، فَلَهُ من المدلول ماهية مخصوصة ، فلا يتأوله الناظر بحقيقة المعجم المفردة ، وإن كانت الأولى في بَيَانِ المعنى ، إذ نَزَلَ الوحي بِهَا ، فهو العربي المبين ، فمبدأ الاستدلال فيه : معجم الدلالات العربية ، وهي ، مع ذلك ، تطلب القرينة الشرعية التي تحملها على معنى في الاصطلاح أخص ، فلا تَبْرَأُ الذمة إِلَّا به ، وهو ما يَسُدُّ ذَرَائِعَ التأويلِ ، ومنها ما تَقَدَّمَ من الاقتصار على المعنى الأول ، المعنى المعجمي المفرد ، فيقال إن الصوم هو الإمساك المجرد ، وهو ما يحصل بآحاد منه في الخارج لا تواطئ حقيقة الشرع النازل ، فيكون من ذلك ما يجحد معلوما دينيا ضروريا ، كما تأول الباطنية الصوم أنه الإمساك ، وذلك صحيح في المعجم ، ثم خَصُّوهُ بلا مخصِّص ، أن صار الإمساك عن إفشاء السر ، سر المذهب الباطن وهو لِظَاهِرِ الشريعة ناقض ! ، فليس الباطن الذي يلطف من وجوهِ تأويلٍ تَنْصَحُ ، فَشَرْطُهَا ، كما يقول بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ ، أَلَّا تُخَالِفَ عن ظاهر المعنى الأول ، وكذا قالوا في الحج ، إذ اقْتَصَرُوا على مطلق المعنى الذي يجرده الذهن ، فهو القصد ، ثم كان من القيد ما صرفه إلى قصد المراقد ، مراقد الأئمة ، وهو ، أيضا ، مما ينقض معلوما من الدين هو الضروري المحكم ، فَنَقَضَهُ التأويل الباطني إما بِجَحْدٍ تام يُفْرِغُ الألفاظ من المعاني ، ولو المعجمية الأولى ، ثم يقترح لها من وجوه التأويل ما يواطئ الهوى والحظ ، وهو التلاعب الذي يضاهي السفسطة ، وَإِمَّا بآخر يَرُدُّ المحكم من دلالة الوحي بما تشابه من دلالة المعجم ، فهي الجنس الدلالي المطلق الذي لا يَنْفَكُّ يطلب من القرينة ما يقيد ، إِنْ في سياقٍ مركَّب يُفْهَمُ ، أو اصطلاح في الدلالة يحكم ، فاصطلاح كُلِّ علمٍ : حَكَمٌ عَدْلٌ في الألفاظ ، فكان من اصطلاح الشريعة عرف أخص يقضي فيما ثَبَتَ أولا من حقيقة في اللسان أعم ، وهو ما يبطل نهج الحداثة في تأويل النصوص ، وذلك التحريف ، لو تدبر الناظر ، فالتأويل لفظ مجمل به تكسو الحداثة بَاطِنِيَّتَهَا في الدلالة ، فليس التأويل كله يُذَمُّ ، بل منه ما اعتبر ، وشرطه ألا يخالف عن ظاهر هو الأول ، وأن يكون ثم قرينة في الباب تَثْبُتُ لا أخرى تُتَوَهَّمُ أو تقترح تحكما في الدعوى بلا دليل يشهد من عرف النطق أو الشرع ، وليس ذلك التأويل الباطن ، بل هو ، لو تدبر الناظر ، تفسيرٌ ظاهرٌ مركَّبٌ ، إذ تَنَاوَلَ أصلَ الدلالة الأول ، وما احتف به من قرينة السياق المفهِم ، وهو في الشريعة أخص ، إذ يحكي من التكليف ما مَدَارُهُ التوقيف فلا يثبت إلا بالسمع الصحيح ، فَثَمَّ في الباب عرف أخص ، وهو عرف الوحي المنزل ، وذلك ما قَضَى في أول من اللسانِ المجرَّد ، وهو ما استصحب في نصوص الشريعةِ كَافَّةً ، فالأصل أَنْ تُحْمَلَ على المعنى الشرعي الأخص إلا أن تكون قَرِينَةٌ تَصْرِفُهَا إلى آحر من المعنى اللساني الأعم ، فيكون من ذلك ، أيضا ، تأويل في الباب ينصح ، إذ ثم من القرينة ما يجزئ ، كما السياق في قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) ، فذلك ، بداهة ، مما يُرَدُّ إلى أصل اللسان الأول ، فذلك مطلق الدعاء ، إذ لا يكون من ذلك الصلاة المعهودة في الشرع ، فلا تكون إلا لله ، جل وعلا ، فلا يصلى على الإنسان إلا صلاة الجنازة ! ، وهو ، بداهة ، ما لا يشرع في حق من جاء بِزَكَاتِهِ ، بل شُرِعَ الدعاء له بما يَشْفَعُ ، وله الخبر قد أبان وأظهر بما كان من دعاء صاحب الشرع المنزل صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ : "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ أَهْلُ بَيْتٍ بِصَدَقَةٍ صَلَّى عَلَيْهِمْ فَتَصَدَّقَ أَبِي بِصَدَقَةٍ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى»" ، فكان من ذلك صلاة الرحمة ولا تخلو من ثَنَاءٍ أن بَادَرُوا بِالامْتِثَالِ ، فكان العدول عن العرف الشرعي إلى أول من الوضع اللساني إذ كان من القرينة المعتبرة ما سَوَّغَ ، فلم يكن ذلك تحكما بلا دليلٍ يُجْزِئُ ، بل كان من ذلك قرينةٌ تَنْصَحُ ، فذلك تأويل يَصِحُّ إذ يواطئ ظَاهِرًا من اللفظ والسياق ، فليس المذموم من التأويل الباطن الذي يصرف الحقائق عن المعنى الشرعي إلى آخر لغوي دونَ قرينةٍ معتبرةٍ تَصْرِفُ ، فيكون من ذلك ذريعةٌ تَنْقُضُ مَا أُحْكِمَ من نصوصِ الوحيِ ، إِنِ الخبرَ أو الحكمَ ، كما تقدم من إبطال الصلاة والصيام والحج ، وذلك ما طرده المذهب الباطني في النصوص كافة ، الإلهيات والشرعيات ، الخبريات والحكميات ، حتى أتى على أصل الديانة بالإبطال ، فَتَلَطَّفَ إذ لم يصرح بالجحود والإنكار ، بل أظهر القبول والتعظيم لألفاظ الوحي ، ثم اجتهد أَنْ يُجَرِّدَهَا من المدلول المحكم ، فَيَتَّخِذَهَا ، كما يقول بعض من حقق ، لحاء يكسو به ما بطن من تأويلاته ، وهو ، كما تقدم في موضع ، مما نهجت الحداثة في الجيل المتأخر ، فكان من ذلك ما اصطلح أنه التفكيك ، تفكيك النص أن تُبَتَّ العلائق بين اللفظ والمعنى ، فلا يجزم أحد بما أراد المتكلم ، فجيله قد انقرض ، فانقرض معه مراده بما تقدم من تاريخانية تقصر الدلالة على الجيل الأول ، وتصير نصوص الوحي كافة : وقائع أعيان لا عموم لها يجاوز ، إلا ما نُقِلَ من لفظها المجرد ، فكل جيل يقترح لها من المعنى ما يواطئ حاله ! ، وهو ما يفضي إلى اضطراب في الدلالة وتناسخ لا يَنْتَهِي ، فكل جيل تال ينسخ ما أَحْكَمَ الجيل الأول ، وهو ما يفضي إلى التلاعب بالمدلول الشرعي المحكم ، فلا تنفك الحداثة تصدر عن تاريخانية تنسخ المدلول الأول إذ تَقْصُرُهُ على جيله الذي انْقَرَضَ ، ثم ذاتية في التأويل لا تصدر عن مرجع موضوعي من خارج ، فيكون منها التفكيك الذي يجرد الألفاظ من مدلولاتها التي تواطئ عرف لسانها الأعم ، وآخر من الاصطلاح أخص ، كما اصطلاح الشرع آنف الذكر ، ثم تقترح لها معان جديدة تواطئ جيلها بما تُحْدِثُ من قواعدِ دلالةٍ ونطقٍ ، فمرجعها ما حدث بعد انقضاء الوحي ، أو زَمَنِ النطق أو الكتب ، فيكون من اللسان المحدَث بعد النص ، يكون منه معيار حادث يَنْسَخُ الأول ، ومرجعه ذاتي لا يجاوز جيله المحدَث ، فلا يكون ثم مرجع موضوعي من خارج يجاوز بما استقر أولا من المدلول اللساني والاصطلاحي ، فيقترح من معيار الدلالة الحادث ، وهو ما اصطلح أنه درس البنيوية ، وهو آخر في الباطنية ، بعد تاريخانية تقصر المعنى على الجيل الأول ، فهو واقعة عين لا تتكرر ! ، ثم تفكيك يُسَوِّغُ إذ يَبُتُّ الصلة بين اللفظ والمعنى ، ثم بنيوية تقترح من المعنى ما يشغل اللفظ الذي صار وعاء شاغرا يطلب من المدلول شَاغِلًا ، فيشغله كُلٌّ بما يُوَاطِئُ جيلَه المحدَث الذي يَنْقُضُ ما أُحْكِمَ من الدلالة لدى المبدإِ .

والله أعلى وأعلم .

توقيع :


التعديل الأخير تم بواسطة مهاجر أحمد ; 02-15-2024 الساعة 04:49 PM
رد مع اقتباس
 
   
الكلمات الدليلية (Tags)
الكلام, دلالات
   


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




Loading...

   
   

جميع الحقوق محفوظة لمنتديات التربية الاسلامية جنين