قال أكثر المفسرين في قوله تعالى: ]المسجد الأقصى الذي باركنا حوله[ أن البركة تشمل بلاد الشام بأكملها. قال زهير بن محمد التميمي: «إن الله تبارك و تعالى، بارك ما بين العريش و الفرات و فلسطين، و خَصّ فلسطين بالتقديس»[1]. و قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المتواترة بمجموعها أن أرض الشام هي مقر الطائفة المنصورة المجاهدة. قال رسول الله r: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ. يَرْفَعُ اللَّهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ فَيُقَاتِلُونَهُمْ وَ يَرْزُقُهُمُ اللهُ مِنْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَ هُمْ عَلَى ذَلِكَ. أَلا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ وَ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[2]. و عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي r، قالت: «يا نبي الله. افتنا في بيت المقدس». فقال «أرض المحشر و المنشر». و قال كذلك «الشام أرض المحشر و المنشر»[3].
و قد يخطئ بعض الناس في فهم البركة فيما حول المسجد الأقصى. فيقصرها على البركة الزراعية فهي الأرض التي تدر زيتوناً و عنباً. صحيح أن هذه البركة موجودة لكنها بركة من بركات كثيرة، و مظهر من مظاهر البركة العديدة، فهي مباركة بركة إيمانية، فللإيمان فيها وجود راسخ ثابت أصيل، قبل إبراهيم u و بعده، و هي بلاد نبوات و رسالات، و هي مباركة بركة إيمانية قديمة و معاصرة و مستقبلية. فتاريخها الأصيل هو تاريخ للإسلام و الإيمان و العبودية لله، و هي مباركة بركة جهادية حضارية حركية، فعليها كان يسجل التاريخ الإيماني منعطفاته الخطيرة و أحداثه العظيمة. و عليها كان يسجل التاريخ الجاهلي هزائمه و نكساته و زواله. التاريخ عليها حي فاعل متحرك لا يتوقف، و تُقدم أعوامه و شهوره و أيامه مفاجآت عجيبة و أحداثاً خطيرة و معارك فاصلة، و زوال دول و أنظمة و ولادة أخرى.
عليها قُصِم الرّومان و الفرس و الصليبيون و التتار، و عليها سيقصم الله اليهود و يدمر كيانهم، و عليها سيقتل الله المسيح الدجال و عليها سيبيد الله جحافل يأجوج و مأجوج. و هي مباركة بركة سياسية، فهي أرض الابتلاء و الامتحان، و هي أرض الكشف و الفضح، هي التي تكشف الخونة، و تفضح العملاء و الرايات و الشعارات و الدعوات.