النقود الإسلامية كما ينبغي أن تكون
ما هو الشكل الأكفأ والأمثل للنقود؟؟
معلوم أن الإنسان في عصر غابر اعتمد نظام المقايضة
لإشباع احتياجاته فمن كان يملك قمحا فائضا عن حاجته
وكان محتاجا إلى البيض مثلا فإنه يقوم بالبحث عمن
يحتاج إلى القمح وعنده البيض
فإن وجده فإنه يقوم بإجراء عملية المبادلة
ولكن لما كان نظام المقايضة فيه من الصعوبات ما فيه
بدأ التحول منه إلى أنظمة عديدة
أن تتم عملية التبادل عبر وسيط سلعي
بحيث يتفق الناس على سلعة معينة مثل الملح أو السهام
لتكون حلقة الوصل بين البائع والمشتري
ثم تطور الأمر لتتم عملية التبادل عبر وسيط معدني
وهو تبر (فتات) الذهب والفضة
بحيث يتم تحديد الوزن والقيمة
ثم تطور الأمر فأصبحت تتم عملية التبادل عبر وسيط معدني
وهي عبارة عن مسكوكات معلومة الوزن والعيار
حتى استقر الأمر في عصرنا الحاضر
على شكل هو الأكثر انتشارا
ملخص الدراسة التي أجراها أ.د عبد الجبار السبهاني
أشار أ.د السبهاني إلى حديث نبوي مفاده
يــُــروى أن النبي عليه الصلاة والسلام
فجاءه هذا الرجل بتمر جنيب (طيب الطعم والمذاق)
فقال النبي عليه السلام: أكل تمر خيبر هكذا؟؟
إنـّـا نأخذ الصاع من هذا التمر مقابل أن نعطي صاعين من التمر الرديء
بع الجمع (التمر الرديء) بالدراهم واشتر بالدراهم الجنيب
دلالة الحديث
فهذا الحديث فيه إشارة إلى أهمية الوسيط النقدي
في عملية التبادل وهو في هذا الحديث: الدراهم الفضية
يتساءل أ.د السبهاني ما هو الوسيط النقدي
الأمثل والأكثر كفاءة في عمليات التبادل؟؟
أم أنه الوسيط المعدني بشكليه
(تبر الذهب والفضة ومسكوكهما)؟؟
أورد أ.د السبهاني العديد من أقوال الفقهاء
التي تبين أن الوسيط النقدي المعتبر هو الذهب والفضة
ومن تلك الاقوال: قول ابن خلدون
"الذهب والفضة قيمة لكل مــُتــمــوَّل"
ثم أورد أ.د السبهاني قولا مخالفا
للفقيه الظاهري ابن حزم حيث يقول
"ولا ندري من أين وقع الاقتصار بالتثمين
على الذهب والفضة ولا نص في ذلك"
ثم أورد أ.د السبهاني وجهة نظره بهذا الخصوص
هو النظام الذي تتحقق فيه الوظائف التالية على أكمل الوجوه
ويكون فيه الوسيط النقدي ثابت القيمة
أن يكون الوسيط النقدي صالحا لقياس قيم الأشياء
وذلك بأن يكون منضبطا لا يزيد ولا ينقص
فلا يعقل أن تشترى سلعة ما بدينار واحد بقيمة (100 قرش)
حتى إذا ما أردت بيعها لم يدفعوا لك
سوى دينار واحد بقيمة (80 قرشا)
مثل ذلك: وحدة قياس الأطوال وهي المتر
فإنه من العبث أن نقيس الأطوال بمتر يتطاول أحيانا ويتقاصر أحيانا أخرى
وبناء عليه: فإن الوسيط النقدي ينبغي أن يكون ثابت القيمة
أن يكون الوسيط النقدي صالحا لتيسير التبادل التجاري
ألا ترى أنه ينبغي ألا يقلق البائع
من تسليم سلعته مقابل نقد محدد
وأنه ينبغي ألا يحس ببخس في النقود التي استلمها
وينبغي ألا يكون ثمة صعوبة بأن يتوجه إلى
طرف ثالث فيشتري منه السلعة التي يريدها
فهذه الثقة بالوسيط النقدي وبثبات قيمته
تجعلك تحرز الأشياء الأخرى بيسر وسهولة
أن يكون الوسيط النقدي صالحا لخزن القيم
فمثلا حينما يبيع الفرد شاة مقابل نقد محدد
فإنه إنما يفعل ذلك لأنه يدرك أن ذلك النقد مخزن صالح للقيم
أي أنه سيكون قادرا بذلك النقد
على شراء مثل الشاة أو ما يعادلها وقت البيع
ولو كان عنده شك أن قيمة ذلك النقد ستتآكل
مع مرور اليوم واليومين والشهر والشهرين
فإنه سيؤجل بيع تلك الشاة حتى تحين حاجته إلى سلعة أخرى
أن يكون الوسيط النقدي صالحا لتسديد الالتزامات المستقبلية
فإن لم يكن الوسيط النقدي ثابت القيمة
فكيف له أن يؤدي تلك الوظيفة؟؟؟!!
فلو أن شخصا أتلف سلعة ما عند جاره
ووجب عليه الضمان بعد عام مثلا
فإن صاحب السلعة لن يرضى بالبديل النقدي
إن كان ثمة شك أنه لن يكفي لشراء ما يعادل سلعته التي أتلفت
لذا فإن الوسيط النقدي حتى يكون
صالحا لأداء وظيفة: تسوية الديون
فإنه ينبغي أن يكون ثابت القيمة
يذكر أ.د السبهاني ما يؤيد وجهة نظره
من حيث ضرورة اتسام الوسيط النقدي بثبات القيمة
قول الله تعالى على لسان قوم شعيب
"أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا
أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء"
يقول المفسرون: إن قوم شعيب كانوا يقرضون
الدراهم الفضية والدنانير الذهبية
ثم يجمعون تلك القراضة (الفتات) ليتم تحويلها إلى السبائك
وأنت خبير أن ذلك الفعل المنهي عنه
يقلل من قيمة تلك الدراهم والدنانير
لذلك نهاهم الله تبارك وتعالى لما فيه من بخس للحقوق
"النهي عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس"
ووجه الاستدلال شبيه بالآية السابقة
ما نص عليه الفقهاء أن إصدار النقود من حق الدولة
وما ذلك إلا لتكون جميع النقود المسكوكة
دعوى بعض المفكرين إلى الرجوع إلى نظام الذهب والفضة
كبديل عن النقود الورقية لأن هذا ما ورد به الشرع
لأنه لم يرد في ذلك النص الشرعي
ولأن العبرة في الوسيط النقدي
أن يكون محققا لوظائفه!! ثابت القيمة!!
سواء كان من الذهب أو الفضة أو الورق أو غير ذلك فلا بأس
ما دام أنه ثابت القيمة يؤدي وظائفه على أتم وجه
أن عمر بن الخطاب لما أراد بديلا عن
دراهم فارس ودنانير الروم رأى في
–لاحظ هنا أن اختار ما ليس ذهبا ولا فضة-
إلا انه عدل عن ذلك خشية القضاء على تلك الثروة الحيوانية
البديل الذي يكفل المطلب الشرعي
المذكور آنفا -ثبات قيمة العملة-
هو سلطة نقدية ذات كفاءة وأمانة
تعمل على تحقيق التناسب بين العرض النقدي والسلعي باستمرار
بما يحقق الاستقرار في قيمة الوسيط النقدي
لو أن سلعة معينة لها سعر محدد في الأسواق
فإن زيادة الكميات من تلك السلعة يخفض سعرها
وان تقليل الكميات منها يرفع من قيمة تلك السلعة
وذلك يقال بحق الوسيط النقدي أيضا
فليست العبرة في ماهية الوسيط النقدي
كميات السلع في الأسواق وكميات النقود المصدرة
لأن زيادة الإصدار من النقود معناه إخلال بذلك التوازن
مما يعني انخفاض قيمتها والعكس بالعكس
وذلك بقطع النظر هل الوسيط النقدي
من الذهب أو الفضة أو الورق أو غير ذلك
لا يقال أن الذهب بكميات محدودة في العالم
لأن التاريخ الاقتصادي قد أثبت خلافه في تفصيل
مذكور في الدراسة تجاوزت عنه خشية الإطالة
تشير الدراسة –مجرد إشارة- إلى رأي فقهي غير سائد في ثقافة المسلمين
يتعلق بمسألة طالما سأل عنها الناس وتتلخص في
لو أن رجلا استدان من رجل مبلغ ألف دينار بقيمة معينة
فلما حان الأجل انخفضت قيمة العملة
فهل يجوز رد الدين بالقيمة أم لا؟؟!!
حسب الدراسة فإنه يمكن قول ما يلي
إذا ثبت أن الوسيط النقدي ينبغي أن يكون ثابت القيمة
وإذا اسـتُـنـِد لإثبات ذلك بنصوص الكتب والسنة والفقهاء
وإذا ثبت في واقع الحياة أن الأوراق النقدية التي بين أيدينا اليوم
فهل يجوز ردها بالقيمة وليس بالمقدار؟؟!!
يجيب أ.د السبهاني عن هذا التساؤل
في دراسة لاحقة أجراها بهذا الصدد
بعنوان: "تغير قيمة العملة"
المرجع
هذه المشاركة إنما هي إعادة صياغة
لدراسة قام بها أ.د عبد الجبار السبهاني
النقود الإسلامية كما ينبغي أن تكون
مجلة جامعة الملك عبد العزيز
المجلد 10 // 1998م // 1418هــ
أرجو ألا أكون بخست الدراسة حقها
فما كان من خطأ فمني ومن الشيطان
وأ.د السبهاني منها براء
وما كان من صواب فمن الله تبارك وتعالى
دمتم في رعاية الله تعالى