انتفاخ البطن بعد عملية استئصال القولون يُعد من الظواهر الفيزيولوجية الشائعة التي يواجهها المريض خلال الفترة المبكرة بعد الجراحة، ويعكس في معظمه التغيرات الحاصلة في ميكانيكية الأمعاء ووظيفتها بعد إزالة جزء من القولون أو تعديله. وتتميز هذه الحالة بأنها متعددة الأسباب وتظهر ضمن مجموعة من العلامات السريرية التي تساعد على تقييم سير التعافي.
أولًا: الخلفية العلمية لانتفاخ البطن بعد استئصال القولون
ينطوي الجهاز الهضمي على شبكة معقدة من الأعصاب والعضلات التي تعمل بتناغم لضمان حركة الأمعاء (Peristalsis). وعند إجراء عملية استئصال للقولون، تتعرض هذه المنظومة لتغيرات مباشرة تشمل:- التعامل الجراحي مع الأمعاء الذي يؤدي إلى تثبيط مؤقت في الحركة.
- تغير مسار الفضلات والغازات داخل الجهاز الهضمي.
- اختلاف في امتصاص الماء والأملاح نتيجة نقص وظيفة الجزء المستأصل من القولون.
- تغير البيئة الميكروبية للأمعاء بسبب الأدوية والجراحة.
- هذه العوامل مجتمعة تشكل الأساس العلمي لظهور الانتفاخ كعرض بعد العملية.
ثانيًا: الأسباب العلمية لانتفاخ البطن بعد استئصال القولون
1. الشلل المعوي المؤقت (Postoperative Ileus)
وهو تباطؤ عام في حركة الأمعاء يحدث مباشرة بعد الجراحة، ويؤدي إلى تراكم الغازات داخل الأمعاء الدقيقة والغليظة، مما ينتج عنه انتفاخ واضح.
2. اضطراب الميكروبيوم المعوي
استخدام المضادات الحيوية أثناء وبعد العملية يؤدي إلى انخفاض أعداد البكتيريا المفيدة وتكاثر أنواع أخرى قد تزيد إنتاج الغازات.
3. التغير البنيوي في الجهاز الهضمي
استئصال جزء من القولون يؤثر في وظيفته الأساسية في امتصاص الماء وتخزين الفضلات، ما يسمح بمرور الغازات بسرعة أكبر أو تراكمها في مناطق معينة.
4. تناول الطعام مبكرًا أو غير المناسب
يكون الجهاز الهضمي حساسًا بعد الجراحة، وبالتالي فإن إدخال أطعمة عالية التخمر أو صعبة الهضم قد يؤدي إلى زيادة الغازات.
5. نقص الحركة بعد العملية
قلة تحرك المريض تؤدي إلى بطء مرور الغازات داخل الأمعاء، وبالتالي احتباسها.
6. ابتلاع الهواء (Aerophagia)
قد يحدث بسبب الألم، أو التوتر، أو تناول الطعام بسرعة خلال الأيام الأولى بعد العملية.
ثالثًا: الأعراض المرتبطة بانتفاخ البطن بعد استئصال القولون
تظهر مجموعة من الأعراض التي ترافق الانتفاخ وتساعد على تقييم حالة الجهاز الهضمي، وتشمل:
1. الشعور بالامتلاء والانضغاط داخل البطن
يكون ناتجًا عن تمدد الأمعاء بفعل الغازات.
2. زيادة حجم البطن بشكل ملحوظ
وقد يكون مصحوبًا بشد في جدار البطن.
3. الغازات المتكررة
سواء على شكل خروج هواء أو شعور بالرغبة في إخراجها دون القدرة على ذلك.
4. تقلصات وآلام خفيفة إلى متوسطة
تنجم عن حركة الأمعاء ومحاولة دفع الغازات.
5. اضطرابات في التبرز
قد تشمل الإمساك أو عدم انتظام حركة الأمعاء خلال الأيام الأولى.
6. غثيان أو فقدان للشهية
نتيجة الضغط الداخلي على المعدة.
رابعًا: العلامات التحذيرية
رغم أن الانتفاخ غالبًا طبيعي، إلا أن هناك بعض الأعراض التي تستدعي تقييمًا طبيًا عاجلًا، ومنها:
ألم شديد ومتزايد
تقيؤ مستمر
عدم خروج الغازات أو البراز لفترة طويلة
ارتفاع درجة الحرارة
انتفاخ يتفاقم رغم العلاج
هذه العلامات قد تشير إلى انسداد معوي أو مضاعفات بعد العملية.
خامسًا: كيف يتعامل الجهاز الهضمي مع الانتفاخ خلال فترة التعافي؟
مع الوقت، تبدأ الأمعاء في استعادة حركتها الطبيعية بفضل:
عودة النشاط العصبي العضلي تدريجيًا
توازن الميكروبيوم مرة أخرى
تكيف الجسم مع التغيرات التشريحية بعد العملية
غالبًا ما يخف الانتفاخ خلال أيام إلى أسابيع حسب نوع العملية وحالة المريض.
خلاصة علمية
يُعد انتفاخ البطن بعد عملية استئصال القولون آلية طبيعية ناتجة عن تدخل جراحي يؤثر في ديناميكية الأمعاء ووظيفتها. يجمع الانتفاخ بين عوامل عصبية، ميكانيكية، ميكروبية، وغذائية، ويظهر ضمن مجموعة من الأعراض السريرية المتوقعة. ورغم أنه غالبًا غير مقلق، إلا أن بعض العلامات قد تشير إلى مضاعفات تستوجب تدخلًا طبيًا.