عرض مشاركة واحدة
 
 رقم المشاركة : ( 7 )
عضو جديد
رقم العضوية : 10053
تاريخ التسجيل : Feb 2024
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 8
عدد النقاط : 10

مهاجر أحمد غير متواجد حالياً

افتراضي

كُتب : [ 03-14-2024 - 05:29 PM ]


فَثَمَّ من زيادة الباء ، باء الجر ، في الآي آنف الذكر : (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) ، وهي تحكي من الدلالة ما يَتَعَدَّدُ ، فمنها إلصاق ، ومنها تعليل ، ومنها مصاحبة .... إلخ ، كما حَدَّهُ أهل الشأن ممن صنف في معاني الحروف ، أو حروف المعاني ، وهي في الباب أخص ، إذ ثم من الإضافة قيد ، إضافة الحرف إلى المعنى ، فحرف المعنى أخص من حرف المبنى ، فكل حرف من المعنى هو حرف مبنى ولا عكس ، فحرف المعنى يَأْتَلِفُ من حروف مبنى ، وهي حروف المقطع التي تُفْرَدُ في المخرج والصوت ، فهي وحدة من الصوت تُفْرَدُ ، ومنها تَأْتَلِفُ الوحدات المركبة ، ومنها حروف المعنى ، فمنها ما هو واحد في المقطع ، كما باء الجر آنفة الذكر ، ومنها ما زَادَ ، كما "قَدْ" التي اخْتُصَّ بها الفعل ، وكما "فِي" التي اخْتُصَّ بها الاسم ، بل ومنها ما زَادَ ، فمن حروف المعاني ما ائْتَلَفَ مِنْ ثلاثةِ مقاطعَ من الصوت ، كما "إِنَّ" الناسخة ، وهي محل شاهد تقدم ، فَلَهَا في البابِ صَدَارَةٌ تُطْلَقُ ، فَلَا يَتَقَدَّمُهَا مُؤَكِّدٌ في النُّطْقِ أَوِ الْكَتْبِ ، فهي في الباب أول وما بعدها تَالٍ يَتْبَعُ ، فإذا اجتمعا أُخِّرَ الأضعفُ وَقُدِّمَ الأقوى ، وذلك قياس العقل الناصح في الترجيح حَالَ التعارض ، فالناسخ "إِنَّ" مما حَدَّهُ بَعْضٌ أنه مؤكِّد المعنى ، إذ نظر في المدلول ، فهي تعدل في الدلالة الفعل "أَكَّدَ" ، فدلالة التوكيد في الناسخ دلالة معنوية ، لا جرم عُدَّ من المؤكدات المعنوية لا اللفظية ، وله من العمل في النحو ما زَادَ ، فهو يعمل في اثنين ، وَذَلِكَ مَا يُقَرِّبُهُ من الفعل ، بل وَيَرْجُحُهُ فِي مَوَاضِعَ ، فَإِنَّ من الأفعال ما لا يتعدى ابتداء فهو يَلْزَمُ ، ومنه ما يتعدى إلى واحد ، ومنه ما يتعدى فيعمل في اثنين ، فهو ينسخ حكمهما إذ ينصب الاثنين ، سواء أكان أصلهما المبتدأ والخبر ، أم لم يكن ، وذلك ما تناوله أهل الشأن في مباحث من النحو ، فكان من الناسخ وهو الحرف "إِنَّ" ، كان منه ما زاد في العمل فَرَجَحَ بَعْضَ الأفعالِ ، إذ تعدى إلى اثنين أصلهما المبتدأ والخبر ، وإن لم يَقْوَ أَنْ يَنْصِبَ الاثنين ، فَنَصَبَ الأول وَرَفَعَ الثاني ، وهو في كُلٍّ يَعْمَلُ ، وكذا يُقَالُ في الفعل الناسخ ، فهو فعل في الدلالة المعنوية ، وله آخر من الدلالة الزَّمَانِيَّةِ الَّتِي تَتَفَاوَتُ فِي المتصِّرف ، كما "كَانَ" إذ يأتي منه الماضي والمضارع والأمر ، وهو ، مع ذلك ، ناقص ، إذ لا يكتفي بمرفوعه ، فالمعنى لا يَتِمُّ به ، بل لا بد من تَالٍ يَرْفِدُ ، فكان من ذلك كَسْرٌ فِي الدلالة قد اسْتَوْجَبَ الجبرَ ، فَنَقَصَ في الدلالة والعمل ولم يَكْمُلُ ، إذ لا يَنْفَكُّ يَطْلُبُ الخبرَ بعدَ المبتدإِ ، فَثَمَّ من ذلك باب يصدق فيه أنه النواسخ ، وهو ما استعير له في الدلالة اسم النسخ ، وهو في المعجم المفرد مادة يدور معناها على النقل ، فَنَسْخُ الكلامِ نَقْلُ ألفاظِه من كتاب إلى آخر ، فيكون من صورة المنسوخ ما يواطئ الأصل ، كما في قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، فكان من ذلك شهادة تصدق ، فهي الصورة التي تحكي الأصل ، وثم من حروف الزيادة في "نَسْتَنْسِخُ" ما يحكي معنى أخص ، فَهِيَ مَئِنَّةُ الطلبِ ، فالألف والسين والتاء مما به يُسْتَجْلَبُ المعنى ، معنى الفعلِ الذي دخلت عليه ، فكان من ذلك طلب يحكي العناية بالمعنى ، إذ به العدل في إثبات القول والفعل ، فذلك سبب به الثواب والعقاب يثبت ، فهو يدور معه وجودا وعدما ، وذلك مما اسْتَوْجَبَ فِي المدلولِ : مدحا بالعلم المحيط المستغرق ، وهو أول قد أحاط بالمقدوراتِ كَافَّةً ، فَلَهَا وجود في العلم الأول ، وإن وجود القوة فليس ثم بعد تأويل يُصَدِّقُ ، فكان من تأويله الأول : أن يقع كما قد قُدِّرَ في الأزل ، فيكون من وجود الفعل في الخارج ما يصدق وجود القوة في الأزل ، وذلك إثبات لوصفٍ قد قَدُمَ ، فهو علم أول قد أحاط فاستغرق ، وذلك ، كما تقدم في موضع ، مما عَمَّ الواجب والجائز ، فَثَمَّ من الواجب ما دل عليه العقل ضرورة من وجود أول لا أول قبله ، وبه حسم لمادة في القياس المصرح تمتنع ، وهي التسلسل في المؤثرين أزلا ، وإلا كان العدم الذي يُنْكِرُهُ الحسُّ السالم من الآفة ، والقياس السالم من الخطإ والسفسطة ، فَثَمَّ من وجودِ هذا الكونِ المحدِث ما يدل ضرورةً عَلَى محدِث أول ، وثم آخر من الإتقان والإحكام ، وبهما دليل الاختراع والعناية ، وذلك ما يحكي من وصف الربوبية ما يَعُمُّ الأشياءَ كَافَّةً ، فَثَمَّ أول قد رَبَّهَا إِذْ خَلَقَهَا لا على مِثَالٍ تَقَدَّمَ ، فكان من هذا العالم ما هو أحسن ، وإن كان الخالق ، جل وعلا ، قَادِرًا عَلَى خلقِ آخرَ غيره ، بل وَكَثِيرٍ يَتَعَدَّدُ ، فَثَمَّ من القدرة ما تَنَاوَلَ الجائزاتِ كَافَّةً ، مِنْ خلقِ الأكوان وتدبير الأحوال ، وليس كُلُّ جائزٍ يحتمل فهو يقع ، بل ذلك التحكم أن يكون الترجيح بلا مرجِّح ، فالجائز لا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، وإلا فهو على أصل أول يَقْدُمُ ، فليس ثم منه في الخارج إلا العدم ، وإن كان ثم ثُبُوتٌ أول في علم محيط قد استغرق ، وليس ثم تعارض ، إذ الجهة قد انفكت ، فَثُبُوتُ المقدوراتِ الجائزات في العلم الأول : ثُبُوتُ القوةِ لا الفعلِ ، فَلَيْسَ ثَمَّ بَعْدُ من الوجود في الخارج ما يصدق ، فَوُجُودُ قُوَّةٍ ، وهو يَعْدِلُ العدمَ في المدلولِ ، وإن كان عَدَمَ جائزٍ يحتمل بَعْدًا الوجودَ ، لا عدم المحال الممتنع لذاته ، فذلك ما يستصحب منه العدم أبدا ، فلا يدخل في حد القدرة ، لا أن ذلك عجز فهو مما تَنَزَّهَ عنه الرب ، جل وعلا ، وإنما القدرة تَتَنَاوَلُ المقدوراتِ الجائزاتِ ، لا المحالاتِ الممتنعاتِ ، فَلَيْسَتِ ابتداءً بِشَيْءٍ يَجُوزُ ، فلا يكون منها إلا مَحْضُ الفروضِ ، وهي تَدْخُلُ فِي حَدِّ العلمِ ، تَنَزُّلًا في الجدال مع الخصم ، فإن من العلم ما عَمَّ فَاسْتَغْرَقَ أجزاءَ القسمةِ كافة : الواجب والجائز والممتنع ، وأما القدرة فَلَا تَتَنَاوَلُ إلا الجائز الممكن ، كما هذا العالم المحدَث ، وعوالم أخرى ، الخالقُ ، جل وعلا ، على خَلْقِهَا يقدر ، ولكنه لم يشأ ، كما قَدْ شَاءَ خَلْقَ هَذَا العالمِ ، فأخرجه من القوة إلى الفعل ، من العدم إلى وجود تال يُصَدِّقُ ، فما سواه من العوالم فَهُوَ الجائز الذي يحتمل ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج لِيُوجِدَ بَعْدًا وجودا تاليا يُصَدِّقُ ما كان من علم أول يُقَدِّرُ ، فلم يكن من ذلك سبب من خارج يُرَجِّحُ فهو يخرج تلك العوالم من العدم إلى الوجود ، كما قد خرج هذا العالم المنظور ، فوحده مَا رَجَّحَ الخالق ، جل وعلا ، فأخرجه من القوة إلى فعل تال يصدق ، فالله ، جل وعلا ، قَادِرٌ أَنْ يَخْلُقَ غَيْرَ هَذَا العالم ، فَثَمَّ عوالم أخرى هي من الجائز المحتمل ، وإن كانت بَعْدًا من المحالِ الممتنِع ، فليس ذلك الامتناع الذاتي ، بل هي أولا من المعلوم المقدور للخالق ، جل وعلا ، ولكنه شاء ألا توجد ويوجد هَذَا العالم المشهود ، فصارت تلك العوالم الجائزة من المحال الممتنع لغير ، إذ لم يكن ثم ترجيح لها أن توجد ، وإنما ترجيح لغير من هذا العالم المحدَث ، فهو وحده المعلوم المقدور الذي شاء الله ، جل وعلا ، أن يخرجه من العدم إلى الوجود لا كغير من عوالم أخرى محتملة ، فالعلم يَتَنَاوَلُهَا تناول الفرض المحض ، وإن لم تكن من المحال الذاتي الممتنع ، ففرضها ليس فرض المحال لذاته ، وإنما فرض المحال لغير أن لم يكن ثم سبب من خارج يرجح ، فهي على أصل عدم أول كما المحال الذاتي ، وإن كانت من الجائز مبدأ النظرِ ، فامتاز فرضها من فرض المحال الذاتي من هذا الوجه ، فالمحال الذاتي مما يُفْرَضُ الْفَرْضَ المحضَ ، فليس يدخل في حد القدرة إذ ليس بشيء ، بادي النظر ، وإنما غايته أن يدخل في حد العلم الذي يَتَنَاوَلُ أجزاء القسمة كَافَّةً ، الواجب والجائز والمحال الممتنع لذاته ، فَثَمَّ من العلم ما أحاط بها ، ولو فرضا محضا ، أن لو كان هذا المحال الذاتي فما يكون من شأنه ، فالعلم أعم من القدرة ، فتناول ، كما تقدم ، عوالم أخرى لم تخلق ، فهي من العدم الذي لا وجود له في الخارج يصدق ، فلم يشأ الله ، جل وعلا ، أن يرجح فيها فَيُخْرِجَهَا من العدم إلى الوجود ، بل هي على أصل العدم الأول ، وإن لم تكن من المحال الممتنع لذاته ، فامتناعها ، كما تقدم ، لغير لا لذاتها ، فهي ابتداء من الجائز كما هذا العالم ، وإنما رجح أن كانت الحكمة البالغة في إيجاده دون غير ، وإن كان الله ، جل وعلا ، قادرا على كُلٍّ ، فَثَمَّ من العلم ما قَدَّرَ وثم من المشيئة ما رَجَّحَ ، وكان منه تأويل في الخارج ينصح ، وبه وجود تال يحدث ، وجود المقدورات ، وإن كان لها وجود أول في علم التقدير المستغرق ، فذلك وجود القوة ، أو هو نوع منها يقدم ، لا أعيان منها في الأزل تثبت ، وإلا كان من ذلك تعدد قدماء لدى المبدإ ، وذلك الشرك الذي يَنْقُضُ دِينَ النبوات كافة ، فمنه الشرك في الاسم والوصف ، ومن ذلك اسم الأول وما دَلَّ عَلَيْهِ من وصفِ أوليةٍ تُطْلَقُ ، فلا يكون ذلك إلا في حق واحد ، وهو الرب الخالق ، جل وعلا ، الذي قَدَّرَ في الأزل ، فانفرد بأولية الذات وما يقوم بها من الاسم والوصف والفعل والحكم ، ومن ذلك ما تَنَاوَلَ النوع ، كما وصف الفعل ، فإن من نوعه أول يقدم ، وإن لم يكن ثم بَعْدُ آحاد في الخارج له تصدق ، حتى يكون من المشيئة ما يرجح ، وعنه كلم التكوين ينفذ ، فذلك تأويل أول من علم محيط قد استغرق ، فكان من ذلك تأويل محدَث من عالم قد وجد بعد أن لم يكن ، وإن كان ثم وجود أول ، فلا يجاوز حد التقدير في العلم المحيط ، وذلك الجائز الذي يفتقر إلى مرجِّح من خارج ، وهو ما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى أول لا أول قبله ، فله من وصف الأولية ما يطلق ، فكان من ذلك توحيد الذات وما يقوم بها من الاسم والوصف ، فالأولية قد عمت كُلًّا ، الذات وما يقوم بها من المعنى ، ومنه وصف الذات الذي يقوم بها ، ومنه آخر من الفعل ، فنوعه أول يقدم ، وثم من آحاده بعدا ما يحدث ، فهي ما يُصَدِّقُ ما كان لدى المبدإ ، وهي ، من وجه آخر ، سبب به تأويل أول من المقادير ، وهي الجائزات ، فلا تنفك تطلب المرجِّحات ، فكان من ذلك ما تسلسل في التأثير حتى انْتَهَى إِلَى أول من الفعل يحدث ، وإن كان نوعه أولا يقدم ، فثم من المشيئة ما يرجح ، وثم من كلم التكوين تَالٍ ينفد ، فهو تأويل المشيئة التي ترجح في الجائز ، فتخرجه من العدم إلى وجود تال هو الشاهد ، فهو يصدق ما كان أولا من العلم المحيط المستغرق ، وبه وجود في الخارج يحدث بعد عدم أول ، وإن كان من الوجود ما قَدُمَ في الأزل ، فذلك التقدير في العلم المحيط المستغرِق ، فَثَمَّ من العلم ما أحاط بالمعلومات كَافَّةً ، ومنه العلم بالواجب ، وذلك ما استوجب توحيدا يَنْصَحُ ، إِذْ لَا واجِبَ لِذَاتِهِ إلا واحد ، وله من وصف القدم ما يُطْلَقُ فلا يفتقر إلى سبب من خارج ، بل الأسباب والمحال كافة إليه تَفْتَقِرُ أَنْ يقدر في الأزل ، ويكون من الوجود تال يصدق ، ومن التدبير ما يحكم ، فَثَمَّ ضرورة في النقل الصحيح والعقل الصريح أن يُرَدَّ كل أولئك إلى أول لا أول قبله ، له من وصف الواجب ما هو لذاته فلا يفتقر إلى سبب من خارج ، فتلك أولية قد انفرد بها واحد ، ولا يوجد هذا العالم ابتداء إلا أن يُرَدَّ إلى واحدٍ في التقدير والإيجاد والتدبير ، وَثَمَّ تَالٍ يَشْهَدُ ، فَإِنَّ من إتقان هذا العالم وإحكامه ما يحكي آخر من الوصف ، وصف الواجب ، فأوليته قد استغرقت الذات وما يقوم بها من الوصف ، فَثَمَّ من الإتقان والإحكام ما يدل ضرورة على أول من العلم الذي جاوز العلم بالكليات المجملة ، فَثَمَّ آخر قد تَنَاوَلَ الجزئيات المفصلة ، فكان من ذلك علم محيط قد استغرق ، ولا يكون ذلك إلا لواحد هو الأول ، وبه قَدَّرَ من هذا العالم ما أُتْقِنَ وَأُحْكِمَ ، وَكُلُّ أولئك من الواجب ضرورةً فِي القياسِ المصرَّح ، وَلَا يَنْفَكُّ ، مع ذلك ، يطلب دليل الخبر من خارج ، فهو من الغيب ، بل ذلك أعظم الغيوب ، فلا تستقل بإثباته العقول ، وإن كان ثم من الضرورة الأولى ما يَثْبُتُ ، فذلك مِمَّا أُجْمِلَ ، فَلَا يَنْفَكُّ يطلب من خَبَرِ الوحيِ مَا يُفَصِّلُ ، فَكَانَ من نور الوحي رائدُ صدقٍ لِمَا قد ثَبَتَ ضرورة في العقل والفطرة ، وشهد له الحس بما عالج من آي في الآفاق والأنفس ، فكل أولئك ما يطلب ضرورةً : خالقًا هو الأول ، وله من وصف الوجوب الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، له منه ما انفرد به توحيدا في الوصف ، أولية تطلق ، فلا يكون ذلك إلا لواحد وهو الخالق ، جل وعلا ، فما سواه فَأَوَّلِيَّتُهُ تُقَيَّدُ ، إذ لا تَنْفَكُّ بالعدم تُسْبَقُ ، وإن كان ثم تقدير في الأزل يَثْبُتُ ، فذلك وصف الخالق ، جل وعلا ، عِلْمًا قَدْ أَحَاطَ فَاسْتَغْرَقَ ، فَتَنَاوَلَ من التقدير الأشياء كَافَّةً ، بَلْ وَعَمَّ المحال الذاتي ، ولو فَرْضًا محضا به التَّنَزُّلُ مع خصم يجحد ، فكان من أولية الخالق ، جل وعلا ، ما ثبت في الأزل ، فَلَهُ من ذلك وصف به قد انفرد ، توحيدا في التصور والحكم ، فمنه توحيد العلم ، فذلك التوحيد الخبري الذي يرفد القياس العقلي بما ينصح ، فيفصل ما أُجْمِلَ من ضروراته ، كما ضرورة في العلم تَثْبُتُ أن المحدَث لا بد له من محدِث ، وَأَنَّ ثم تسلسلا يطلب الأول الذي لا أول قَبْلَهُ ، مع ما تقدم من إتقان وإحكام ، فلا ينفك يطلب من العلم ما يزيد ، فهو العلم بالجزئيات المفصلة فجاوز ما اقترحت الحكمة المحدَثة من علم بالكليات قد أُجْمِلَ ، وذلك من التعطيل الذي يقبح ، وقد سلكته المذاهب الأرضية المحدثة لما حادت عن جادة الرسالة المنزلة في باب خبري ، لا يُتَلَقَّى إلا من الوحي الرِّسَالِيِّ ، وإن كان من مدلوله الأول ما ثَبَتَ ضرورة في العقل المصرَّح ، فَثَمَّ من رِكْزِهِ مَا نَصَحَ ، وثم من الوحي رائد تال قد صَدَقَ ، فهو الهادي بِنُورٍ يَسْطَعُ في سماء العقل والوجدان ، فيصدق ما ثبت لدى المبدإ من العلوم الضرورية ، وهو بعدا يفصل ما أجمل منها ، وذلك ما استوجب توحيدا في المرجع ، أن يكون من الوحي واحد لا شريك له يثبت ، فوحده مرجع الخبر والحكم ، خبر الصدق وحكم العدل ، وأشرفه ما كان من أخبار الإلهيات ، فمنه ضروري قد دل عليه العقل والفطرة والحس بها عالج من آي الأرض والنفس ، وهو ، مع ذلك ، مما أُجْمِلَ ، فلا ينفك يطلب من الدليل ما يُفَصِّلُ ، فَثَمَّ من معالجة الآي في الخارج ما يَقْضِي ضرورةً بِإِثْبَاتِ علمٍ محيطٍ قد استغرق ، وهو ما تناول الجزئيات المفصَّلة كما الكليات المجمَلة ، فلم يكن منه تعطيل كتعطيل الحكمة الأولى التي اقتصرت في الإثبات على الكليات المجملة ، مع تال قد عَطَّلَ وصف القدرة ، فكان من الفعل ما اقْتَصَرَ على الطبع ، لا الإرادة والاختيار ، فالعلة الفاعلة في الحكمة الحادثة : علة فاعلة بالطبع اضطرارا ، لا بالإرادة والمشيئة اختيارا ، وعلمها ، كما تقدم ، لا يجاوز العلم بالكليات المجملة دون آخر قد تناول الجزئيات المفصلة ، وتلك ذريعة بها تعطيل تال من العلم المشرِّع الذي به القضاء في الخصومات ، فثم منه التحريم والإيجاب ، الإباحة والحظر ..... إلخ ، وهو ما تناول من الأحكام ما عَمَّ وما خَصَّ ، فكان من الوحي ما نصح إن في الأخبار التي تنصح قوى العلم ، أو في الأحكام التي تنصح قوى العمل ، فَثَمَّ من الأولى ما صدق ، وثم من الثانية ما عدل ، وثم من كلٍّ ما قد كَمُلَ في الأزل ، فهو مما قَدُمَ قِدَمَ الذات التي يقوم بها ، وإن كان من آحاده بعدا ما يحدث ، فهو ، كما تقدم في موضع ، تأويل أول من العلم المحيط المستغرق الذي تناول المقدورات الجائزات كافة ، بل والمحالات الذاتية الممتنعة ، ولو فرضا محضا في جدال خصم يجحد أو يسفسط ، وكذا ما تقدم من الواجبات ، وليس منها في الخارج ما يكون لذاته إلا واحد ، وهو الخالق الأول ، جَلَّ وَعَلَا ، فَلَهُ مِنْ ذلك أولية تطلق ، فلا يفتقر إلى سبب من خارج يَقْدُمُ ، فكان من العلم ما أحاط بأجزاء القسمة العقلية الناصحة : الواجب والجائز والمحال الممتنع لذاته .

فكان العلم بالواجب : العلم بصفات الخالق ، جل وعلا ، فمنها صفات يدل عليها العقل ضرورة ، كما الأولية المطلقة حسما لمادة التسلسل في المؤثرين أزلا ، فهي مما امتنع ، لا التسلسل في التأثير الذي يقوم بمؤثر واحد في الأزل ، فَثَمَّ من نَوْعِ فعله ما قَدُمَ ، وإن لم يكن ثم بَعْدُ من آحاده ما يصدق ، ومن مفعولاته في الخارج ما يحدث ، فهي المخلوقة المحدَثة بعدا ، وإن كان لها وجود أول يقدم في الأزل ، فذلك ما كان من علم محيط قد استغرق ، وبه تقدير المخلوقات المحدثات كافة ، فثم من تقديرها ما قَدُمَ في الأزل ، وثم من آحادها بَعْدًا ما يَصْدُقُ في الخارج ، فهو الموجود بعد عدم ، وذلك عدم الجائز الذي يطلب من المرجِّح ما به وجود يُصَدِّقُ التقدير الأول ، وذلك مما تسلسل حتى انْتَهَى ضرورةً إلى الأول الذي لا أول قبله ، فَلَهُ من ذلك وصف يطلق ، وهو ما قد عم أولية الذات وما يقوم بها من الاسم والوصف والفعل ، فمن الفعل ، أيضا ، ما قَدُمَ نَوْعُهُ ، وله من الآحاد بَعْدًا ما يصدق بما كان من مَشِيئَةٍ تُرَجِّحُ ، وعنها كلمات التكوين تَنْفُذُ فهي تأويل لتقدير أول قَدِ اسْتَغْرَقَ ، وعنها المخلوقات المحدثات بَعْدًا توجد في الخارج وجودا تاليا يُصَدِّقُ وجودا أول في العلم المحيط المستغرق ، فَثَمَّ من وجودها الأول ما يصدق أنه قديم لا قِدَمَ أعيانها ، وإنما قِدَمُ أول من التقدير وهو وصف الرب العليم الحكيم ، جل وعلا ، لا وصفها ، فلا توصف أعيانها بعد ذلك إلا أنها المخلوقة المحدَثة ، فَثَمَّ من وجود الأعيان في الخارج ما يحدث ، وهو ما يكون بعد عدم أول يَثْبُتُ ، وإن كان من الوجود أول ، فهو وجود التقدير نَوْعًا ، لا التكوين آحَادًا ، وإلا كان ما تَقَدَّمَ من شركٍ في وصف الأولية بما يكون من قدماء في الأزل تكثر ، فَثَمَّ من العلم المحيط المستغرق في الأزل ما تَنَاوَلَ الواجب والجائز والممتنع ، ومن الواجب ما هو أول لذاته ، فوجوده الذاتي الذي لا يعلل ، وثم من ذلك ذات قدس أولى وصفها القدم المطلق ، وكذا ما يقوم بها من الاسم والوصف والفعل والحكم ، وإن كان من ذلك ما تَفَاوَتَ في الوصف ، فمنه ما هو صفة ذات لَا تُنَاطُ بالمشيئةِ ، فَلَيْسَ ثَمَّ مِنْهَا آحاد في الخارج تحدث ، كما وصف الحياة ، وهو أصلٌ لكلِّ صفةٍ في الباب تَثْبُتُ ، إِنْ ذَاتِيَّةً أو فِعْلِيَّةً ، ومنه ما هو صفةُ فعلٍ ، فَنَوْعُهَا أول يقدم ، ولها في الخارج آحاد تصدق ، إذ تناط بمشيئة تُرَجِّحُ ، وعنها الكلمات تَنْفُذُ ، وهي ، لو تدبر الناظر ، حكاية توحيد في الباب يَنْصَحُ إِذْ قَدْ عَمَّ فَاسْتَغْرَقَ ، فإن من الكلمات : كلماتُ تكوينٍ تَنْفُذُ ، وهي تأويل لوصف ربوبية يُقَدِّرُ وَيُوجِدُ وَيُدَبِّرُ ، فَثَمَّ من ذلك دليل الاختراع لا على مِثَالٍ تَقَدَّمَ ، فذلك التصوير الأخص بعد إيجاد أول وهو أعم ، وثم دليل العناية بما يكون من تدبير المحال أَنْ رُكِزَتْ فِيهَا من القوى ما يَقْبَلُ ، وَقُدِّرَ لَهَا من الأسبابِ ما يعالج بما رُكِزَ فِيه من قوى تُؤَثِّرُ ، فكان من ذلك حكمة في التكوين والتصوير والتدبير ، فتلك ربوبية قد عمت ، وهي تأويل ما كان من الآي المصدق ، فـ : (هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) ، ومن الكلمات أخرى هي كلمات تشريعٍ تَحْكُمُ ، وهي تأويلٌ لِوَصْفِ ألوهيةٍ بِهَا التكليف قد تَوَجَّهَ ، أن يكون ثم تصديقٌ بخبرِها وامتثالٌ لحكمِها ، فتلك معادن الصدق في التصور ، والعدل في الحكم ، وذلك ما قد عَمَّ فَاسْتَغْرَقَ الحكومات كَافَّةً ، ما عَمَّ وما خَصَّ ، فكان من ذلك الصلاة والنسك والمحيى والممات ، فَثَمَّ من الألوهية ما به العبودية تَنْصَحُ ، ولها من النصوص ما قد عَمَّ فَاسْتَغْرَقَ ، فَهِيَ ، كَمَا حَدَّهَا بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ ، الاسم الجامع لكل ما يُحِبُّ الله ، جل وعلا ، وَيَرْضَى ، مِنَ القولِ والعملِ ، مَا بَطَنَ منه وما ظَهَرَ ، فحصل من ذلك مجموع قد ائْتَلَفَ من توحيدِ العلم وتوحيدِ العمل ، وهو المجزِئ في حصول اسم ديني يَنْفَعُ ، فذلك في التكليف هو المبدأ ، ولا يكون ذلك إلا بعد كُفْرٍ أول يَتَقَدَّمُ ، الكفر بالطاغوت الذي جاوز الحد في التصور والحكم ، إِنِ المحسوسَ أو المعقولَ ، فيكون الكفر بَأَوَّلٍ من مرجع الوضع المحدَث الذي لا يجاوز ، فَلَيْسَ يُدْرِكُ الغيبَ الذي لا تُطِيقُهُ مَدَارِكُ الحسِّ المحدَث ، وقد صَيَّرَهَا الخصم دليل الإثبات الأول ، بل والأوحد تَحَكُّمًا فِي الاستدلالِ أَنْ صَيَّرَ عَدَمَ العلم عِلْمًا بالعدمِ ، فما لم يدرك بدليل الحس فليس له وجود في الخارج يصدق في نفس الأمر ! ، وإن كان ابتداء من غيب لا يطيقه الحس ، فلا ينفك يطلب مرجعا من خارج العقل والحس يجاوز ، فذلك الوحي النازل بأخبار الصدق وحكومات العدل ، وليس يُتَلَقَّى إلا من مشكاة الوحي ، وإن كان منه ضروريٌّ أول قد رُكِزَ في الوجدان بما كان من فِطْرَةِ التَّأَلُّهِ ، فَهِيَ لِضَرُورَاتِ العقلِ في قصة الخلق تعدل ، فكلٌّ مِمَّا أُجْمِلَ في الوجدان ضرورةً فَلَا يَنْفَكُّ يَطْلُبُ مِنَ الدليلِ مَا يُفَصِّلُ ، فلا يكون ذلك إلا خبر الوحي وحكمه ، وبه تَنْصَحُ المحالُّ كَافَّةً ، إِنِ التصور بما يَرِدُ من الخبر الصادق ، أو الحكمَ بما يَرِدُ من الإنشاء العادل في باب الأمر والنهي ، فَثَمَّ من ذلك توحيد قد استغرق ، وهو ما يجحد الطاغوت المحدَث إذ عَارَضَ الوحيَ المنزَل بما كان من وضعٍ محدَث ، فَاسْتُبْدِلَ في الْفَرْقِ ، وهو ضروريٌّ لَدَى الخلق ، كما قال بعض من حقق ، إذ يميز في الوصف حُسْنًا وَقُبْحًا ، والحكمِ إباحةً وحظرًا ، فَاسْتُبْدِلَ فيه الوضع المحدَث بالوحي المنزَل ، وهو ما قد عمت به البلوى وَعَظُمَتْ فِي جِيلٍ قد تَأَخَّرَ إذ كان من الحداثة ما يَطْغَى ، فَعُطِّلَتْ لأجلها الرسالة ، وَخُولِفَ عن القياس المصرح الذي يَقْضِي ضرورةً أَنْ يُرَدَّ المتشابِهُ إلى المحكَم ، متشابِهُ الأهواء والأذواق المحدَثة إلى محكم الأخبار والأحكام المنزلة ، فَثَمَّ من ذلك علم محيط قد استغرق المقدورات كَافَّةً ، فَمِنْهَا الكونية النافذة ، وَمِنْهَا الشرعية الحاكمة ، وَكُلٌّ تَأْوِيلٌ لِمَا تَقَدَّمَ من وصفِ الواجب الأول ، وصفِ الخالق المهيمن ، جل وعلا ، وثم من العلم ما تَنَاوَلَ شطرا تاليا في قسمة العقل ، فَثَمَّ العلم بالجائز ، وهو ما كان من تقدير أول في الأزل ، فكان من العلم مَا أَحَاطَ فَاسْتَغْرَقَ المقدوراتِ كَافَّةً ، بل والمحالات الذاتية استيفاءً لأجزاءِ القسمةِ العقليةِ ، فَتَنَاوَلَهَا العلم المحيط الأول ، ولو فَرْضًا يُتَنَزَّلُ بِهِ في جدالِ خصمٍ يجحد أو يسفسط ، فكان من العلم ما تَنَاولَ أجزاءَ القسمةِ كَافَّةً ، ومحل الشاهد منها : الجائز الذي قُدِّرَ في الأزل ، فذلك محل أول فيه قَدْ ثَبَتَ ، وثم تال فيه قد نُسِخَ ، وهو لوح التقدير المحكم ، وذلك القدر المبرم ، وثم ما كان من صحف الملَك ، وفيها نسخ المقادير نسخ التعليق لا الإبرام ، وثم من تأويلها في الخارج ما يحدث ، فيكون من السبب ما يُرَجِّحُ فِي الجائزِ مبدأَ التقديرِ ، فَيَصِيرُ ذا وجود في الخارج يشهد ، وفيه يصدق أنه الواجب لا لذاته وإنما لِمَا احْتَفَّ به من قرينةِ إيجابٍ مِنْ خَارِجٍ تُرَجِّحُ ، وهو ما تَسَلْسَلَ حَتَّى انْتَهَى ضرورةً في الأزل إلى أول لا أول قَبْلَهُ ، وثم من المحل بَعْدًا ما يَنْسَخُ الملَك من قول وعمل ، فهو يصدق ما كان من تقدير أول في الأزل ، وثم من الكتاب جامع يشهد ، فهو بالقول والعمل يَنْطِقُ ، كَمَا تَقَدَّمَ من آيٍ قَدْ أُحْكِمَ ، فـ : (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، فَثَمَّ من ذلك كتاب جامع لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، وهو ما تناولته إشارة القريب في "هَذَا" ، فذلك آكد في الإثبات والتقرير ، وثم من إضافته إلى ضمير الجمع في "كِتَابُنَا" ما به التعظيم ، وهو ما حَسُنَ في سياقِ الإحاطةِ بالعلم فتلك مَئِنَّةُ كمالٍ في الوصف ، وَثَمَّ من القيد ما يميز ، وبه الاحترازُ مِنْ ضِدٍّ ، فهو الناطق بالحق ، وهو ، كما يقول بعض من أَعْرَبَ ، ما ضُمِّنَ فِي الدلالة معنى الفعل "يَشْهَدُ" ، فكان من القيد بالحال "يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ" ما يميز ، وثم من يجريه مجرى الإطناب في الإخبار ، فذلك خبر ثان يعقب ما كان من خبر الكتاب الأول ، فاحترز به من ضد ، فَلَيْسَ كتاب باطل يظلم ، بل قد : (وَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) ، وثم تال يستأنف في قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، وهو ما يجري ، من وجه ، مجرى التعليل لما تقدم ، فهو جواب سؤال قد دل عليه السياق اقتضاء ، فما علة ما تقدم من نطق هذا الكتاب بالحق ؟! ، فكان الجواب لِأَنَّنَا : (كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، فَثَمَّ من الناسخ "إِنَّ" ما أَكَّدَ ، وله من الدلالة ثان يُعَلِّلُ ، وبه يستأنس ، من وجه ، من يُجَوِّزُ العموم في دلالة المشترك من اللفظ ، فَثَمَّ لفظ واحد قد دَلَّ على أَكْثَرَ من معنى ، وهو ما حَسُنَ فِيِه ، أيضا ، الإسناد إلى ضمير الجمع في سياق تعظيم قد تَنَاوَلَ الذات والوصف ، وثم من زيادة آخر ينسخ ، وهو عامل الكينونة الماضية في "كُنَّا" ، فزيادتها مبدأ النطق : زيادة مبنى تدل على أخرى تضاهي في المعنى ، ولها من المعنى مدلول أخص ، إذ تحكي ديمومة الوصف في زَمَنٍ قد مضى ، وذلك آكد في تقرير المعنى ، وثم من الإطناب ما زاد في التوكيد ، فكان من ذلك اسمية الجملة ، فتقديرها قبل دخول الناسخ : نحن كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ، وثم من الإطناب آخر في خبر الناسخ ، إذ حُدَّ حَدَّ الجملة الفعلية التي فعلها ماض ناسخ : (كُنَّا نَسْتَنْسِخُ) ، وكذا يقال في خبر "كَانَ" الناسخة ، إذ حُدَّ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً : (نَسْتَنْسِخُ) ، وَكُلٌّ قد أُسْنِدَ إلى ضميرِ الجمعِ وبه التعظيم ، من وجه ، وبه يستقيم السياق من آخر ، أن يكون من الإسناد واحد ، فكلٌّ قَدْ أُسْنِدَ إلى ضمير الجمع ، وثم من العموم ما تناول المنسوخ ، فتلك دلالة الموصول "مَا" في قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، وقد حُدَّ لِمَا لا يُعْقَلُ ، فذلك وصف القول والعمل ، إذ لا يقوم في الخارج إلا بِذَاتٍ تُوصَفُ به ، والصفة ، ومنها القول والعمل الذي يقوم بذات القائل والعامل ، الصفة مما يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ غيرِ العاقلِ ، فَحُدَّتْ حَدَّ الموصولِ "مَا" ، وهو في غَيْرِ العاقلِ نَصٌّ ، وثم إطناب آخر بالكينونة الماضية في "كُنْتُمْ"، وذلك آكد في تقرير المعنى من القول في غيرِ الوحيِ المنزَلِ : إنا كنا نَسْتَنْسِخُ ما تعملون ، وثم من دلالة المضارعة ما به استحضار الصورة في سياق التقرير ، وذلك آكد في تقرير المعنى من القول في غير الوحي المنزَل : إنا كنا تَسْتَنْسِخُ ما عملتم ، وثم من دلالة العمل ما يجري مجرى خَاصٍّ يُرَادُ به عامٌّ يَسْتَغْرِقُ ، فذلك ما تناول حركات الاختيار كافة من القول والعمل ، فذكر العمل ، وقد دَلَّ على نفسه أصالةً ، وعلى قسيمه في الحد من القول نِيَابَةً ، فَذَكَرَ واحدا من أجزاء القسمة وحذف الآخر ، إذ دل المذكور على المحذوف ، كما في قوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ، فهي تَقِي الحر والبرد ، فذكر شطرا وحذف آخر ، إذ قد دل المذكور على المحذوف ، فهما مما يقترن في الوجود ، فأحدهما يستجلب الآخر ضرورةً ، وكذا القول والعمل ، فَهُمَا شَطْرَا حقيقةٍ من التكليفِ تَثْبُتُ ، فمنه القول الذي يَصْدُقُ ، ومنه العمل الذي يَصْلُحُ ، والعمل ، من وجه آخر ، مما يجزئ في الدلالة وَحْدَهُ ، إذ ثم من العمل : عَمَلُ اللسانِ إذ يَنْطِقُ ، فيكون من قوله ما يُصَدِّقُ ، وذلك عمل في الخارج يَثْبُتُ ، فكلٌّ مما يَسْتَنْسِخُ الخالق المهيمن ، جل وعلا ، فكان من ذلك ما زِيدَ في حَدِّهِ حروفُ زيادةٍ بها المعنى يُطْلَبُ ، وذلك آكد في تقريرِه وتوكيدِه ، فزيادتها ، مبدأ النظر ، زيادة مبنى تدل على أخرى تضاهي من المعنى ، وَثَمَّ دلالة أخص ، بما كان من طلب الفعل ، وهو ما حُمِلَ في هذا الموضع عَلَى النَّقْل ، ومنه نقل من كتاب إلى آخر ، ومنه نقل صورة لما ثبت في الخارج ، وكلٌّ في هَذَا الموضع يَثْبُتُ ، فَثَمَّ نَقْلٌ من كتاب التقدير المحكم إلى آخر يشهد ، وفعل العبد بينهما يُصَدِّقُ ما كان من تقدير أول ، وهو المثبَت بَعْدًا في كتاب آخر يشهد .

والله أعلى وأعلم .

رد مع اقتباس