عرض مشاركة واحدة
 
 رقم المشاركة : ( 4 )
عضو جديد
رقم العضوية : 10053
تاريخ التسجيل : Feb 2024
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 8
عدد النقاط : 10

مهاجر أحمد غير متواجد حالياً

افتراضي

كُتب : [ 02-24-2024 - 04:31 PM ]


فكان من الأسوة الحسنة ما أُطْلِقَ ، وهو ما عَمَّ في المدلول ، وَإِنْ تَوَجَّهَ ، بادي الاستدلال إلى أفعال التعبد ، ولها في الشرع معنى أخص ، فَثَمَّ ، أيضا ، أفعال في الجبلة قد شُرِعَ فِيهَا الاقتداء على قاعدة من المحبة فهي باعث التقليد في الخارج ، فالنفس قد جُبِلَتْ أَنْ تُقَلِّدَ من تحب ، فيكون من الظاهر ما يحكي آخر من الباطن هو الباعث والمنشأ ، فالمغلوب قد جُبِلَ على تَقْلِيدِ الغالب ، وهو ما يكون عن استحسان لحال القوي ، فيغتر الناظر بما له من قوة ، وإن لم تُشْفَعْ بالحق ، فليس لها من خارج مرجع يأطر ، بل قد صارت هي المرجع ، فليس إلا المادة التي لا تجاوز مدارك الحس ، وليت المغلوب يحسن يقلدها أن يتناول أسبابها بحثا وتجريبا ، وإنما هي الجعجعة بلا طحين ، والانهزام أمام القوي الغالب ، فيكون من فساد النظر أن لم يجاوز الحس ، وهو ، مع ذلك ، يحكي أصلا في الباب يطرد ، فقد أَحَبَّ المغلوبُ الغالبَ ، أو أحب ما له من رياسة وسيادة ، وإن لم تكن عن ناصح من الأخلاق والديانة ، فاغتر بما ظهر ، وَأَحَبَّ حُبَّ التقليد لا التحقيق ، وإن خالف عن التشريع العادل والخلق التام ، وذلك مناط التقليد الذي يحمد ، لا آخر يصدر عن انهزام وهوان ، لم يكن لصاحبه من الاستعلاء بالإيمان ما يحمد ، فمعيار صاحبه محكم لا يشتبه ، فيكون من ذلك آثار في الخارج تظهر ، ومنها حكاية المحبة ، لا على سبيل التعبد بماهية مخصوصة ، فذلك ما لا يثبت إلا بالنص ، فـ : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، وهو ، كما تقدم ، مما تناوله التوكيد بلام الجواب لقسم أول قد قُدِّرَ صَدْرَ الكلامِ ، فكان من ذلك خلاف الراجح في الباب ، إذ دَلَّ المذكور المتأخر على المحذوف المتقدم ، والأصل أن يكون من المذكور أول يَثْبُتُ ، وبه المرجع في الذهن يحصل ، ثم يكون منه دليل على تال هو المحذوف المتأخر ، فذلك الأصل في باب الذكر والحذف ، وإن جاز ضد ، كما في هذا الموضع ، إذ دل المذكور المتأخر على المحذوف المتقدم ، وكان من اللام وما دخلت عليه من "قد" التحقيقية إذ دخلت على العامل الماضي "كَانَ" ، كان منهما دليل على أول من القسم تقدم ، وكلهم في باب التوكيد ينصح ، فَثَمَّ التوكيد بالإنشاء غير الطلبي ، وذلك التوكيد القسمي ، وثم توكيد لفظي بما زِيدَ في الحد من لام الجواب في "لَقَدْ" ، فزيادتها ، بادي النظر ، زيادة في المبنى تعدل أخرى تضاهي في المعنى ، وهي ، من وجه آخر ، ذات مدلول أخص ، فهي لام الجواب لِقَسَمٍ يَتَقَدَّمُ في الرتبة ، ذُكِرَ أو قُدِّرَ ، كما في هذا الموضع ، وثم ، أيضا ، "قَدْ" ودلالتها دلالة التحقيق إذا دخلت على الماضي ، وقد تُفِيدُ من ذلك ما يَلْطُفُ ، كَمَا قَرَّرَ بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ ، فَتُفِيدُ التَّقْرِيبَ الذي يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التحقيقِ ، كما في لفظ الإقامة : قد قامت الصلاة ، فَلَمَّا يَشْرَعِ المصلون فِيهَا بَعْدُ ، وإنما قُرِّبَ ذلك فُنِزَّلَ منزلة الواقع في نفس الأمر ، وقد تُفِيدُ ثالثا من التشكيك إذا دخلت على المضارع ، وإن أفادت التحقيق في مواضع ، كما في قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) ، فكان من ذلك علم قد أُطْلِقَ ، وهو ما قد عَمَّ فَتَنَاوَلَ علم التقدير الأول في الأزل ، وهو العلم المحيط الذي استغرق الكليات والجزئيات كافة ، فَلَهَا مِنْ ذَلِكَ ما اصطلح أنه القدم النوعي ، لا قِدَمُ أعيانِ المقدورات ، فالمبدأ منها عدم ، وإن كان ثم إثبات لعلم محيط يستغرقها ، فذلك علم التقدير الأول ، فلا يخرجها من العدم إلى الوجود ، بل هي الجائزة التي تَفْتَقِرُ إلى مرجِّح من خارج ، فهي ثابتة في العلم المحيط الأول ، ثبوت المقدور لا الموجود في خَارِجٍ يُصَدِّقُ ، فذلك ، لو تدبر الناظر ، ثبوت عدمي ، وهو مما قد يوهم التناقض بالجمع بين نقيضين ، الثبوت والعدم ، وليس ذلك مما يُوهِمُ إِذِ الجهة قد انْفَكَّتْ ، فجهة الثبوت هي العلم المحيط الأول ، إذ قد عَمَّ المقدورات كَافَّةً ، وجهة العدم هي الوجود في الخارج ، فَلَمَّا توجد الأعيان والأحوال بَعْدُ بما يصدق ما كان من تقدير أول في الأزل ، بل هي ، كما تقدم ، الجائزة التي استوى طرفاها في الاحتمال ، فلا تنفك تطلب المرجِّح من خارج ، كما تقدم من المشيئة وعنها كلم التكوين النافذ يصدر ، فهو المرجح في الجائز أن يكون له من ذلك وجوب في الخارج يصدق ، فليس الوجوب الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ فلا يفتقر إلى سبب من خارج ، فذلك ما اخْتُصَّ به الرب الخالق ، جل وعلا ، فهو واجب الوجود لذاته ، فوجوده الوجود الأول ، وذلك مما في الوصف قد أُطْلِقَ ، فلا يفتقر إلى سبب من خارج يَسْبِقُ ، بل المحال والأسباب كافة إليه تَفْتَقِرُ أن يوجدها ويدبرها بما سَنَّ من السنن المحكم ، وذلك الفعل الذي لا ينفك يطلب فاعلا هو الأول ، إذ يَقُومُ به ، وذلك مما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى فاعل أول لا فاعل قبله ، فعنه يصدر الفعل لدى المبدإ إذ يُرَجِّحُ في غَيْرٍ من المخلوقات المحدثة ، فَيُخْرِجُهَا من العدم الأول إلى وجودٍ تالٍ في الخارج يُصَدِّقُ ما كان من تقدير في علم إحاطة يَسْتَغْرِقُ ، وفيه قد ثَبَتَتِ المقدورات كافة ، لا الأعيان فَلَيْسَتْ تقدم بل هي مما يحدث بعدا بما يكون من مشيئة فيها ترجح ، وإنما ثبت في العلم الأول ما كان من تقدير في الأزل يثبت ، فذلك وصف أول يقدم ، وله من ذلك إطلاق يَعْدِلُ قدم الذات القدسية الأولى ، فَثَمَّ قِدَمٌ يَتَنَاوَلُ ما قَامَ بها من الوصف ، ومنه وصف التقدير الأول الذي استغرق ، ووصف المشيئة التي تُرَجِّحُ ، وإن لم يَقَعْ بَعْدُ من آحادها ما يُصَدِّقُ ، وبه الجائز من المقدور لَدَى المبدإ يصير موجودا بالفعل في الخارج ، فَثَمَّ من المشيئة والقدرة ما ثبت أزلا ، فلم يكن الخالق ، جل وعلا ، عن الفعل بمعطل ، وإن لم يكن ثم من آحاده في الخارج ما يحصل ، فَلَهُ ، جل وعلا ، من ذلك نَوْعٌ أَوَّلُ يَقْدُمُ ، وذلك ما يعدل في اصطلاح الحكمة الأولى : القوة ، وله آحاد في الخارج تحدث بما يكون بعدا من مشيئة ترجح ، وهو ما يعدل في اصطلاح الحكمة آنف الذكر : الفعل ، فَيُصَدِّقُ أولا من القوة إذ به تَأْوِيلُهَا في الخارج ، فيكون من المفعول ما تحدث آحاد منه تُصَدِّقُ مَا كَانَ من نوعٍ أول يَقْدُمُ ، إِنْ نَوْعَ الفعل الذي يُرَجِّحُ في المقدور ، أو نَوْعَ المقدور لا آحاده ، فنوعه مما ثَبَتَ أولا بما كان من علم تقدير يستغرق ، وهو بعدا يطلب مرجِّحا من خارج يوجب فيه فهو الجائز ، ويوجده في الخارج إذ المبدأ منه عدم أول ، فلم يكن من أعيان المقدورات شيء في الأزل ، بل كان الله ، جل وعلا ، ولم يكن معه أحد ، ومن وجوده الأول في الأزل ما تَنَاوَلَ علم التقدير الذي يستغرق أنواع المقدورات ، فهي مما يقدم العلم به ، لا أعيانها فهي المحدَثة ، فالعالم المحدَث ليس بقديم ، ونوعه مبدأ التقدير مما يصدق فيه أنه قديم ، فذلك قدم العلم الذي أحاط به واستغرق ، علم التقدير الأول ، وهو مما قام بذات الخالق ، جل وعلا ، لدى المبدإ ، إذ كان من أَوَّلِيَّتِهِ المطلقة ما عَمَّ الذات وما يقوم بها من الاسم والوصف والفعل والحكم ، ومنه وصف العلم ، علم التقدير المستغرق لآحادِ المقدوراتِ كَافَّةً ، ومنه فعل الترجيح بالمشيئة والقدرة ، فلم يكن ، جل وعلا ، بمعطَّل عن وصفِ الكمالِ المطلقِ ، لا وصفَ الذات ولا آخرَ من الفعل ، وإن كان من الأخير ما قَدُمَ في النوع ، فآحاده بعدا تحدث وبها تأويل المقدور الأول أن يخرج من العدم إلى وجودٍ تَالٍ يُصَدِّقُ ، فانفكت الجهة في هذا الباب : جهة القدم التي تَتَنَاوَلُ الأنواع ، وجهة الحدوث التي تَتَنَاوَلُ الآحاد ، وبه إبطال الشبهة في مسألة قِدَمِ العالم ، وهي مما عمت به البلوى في كل جيل ، ولها في الجيل المتأخر مناط خصومة تستحكم بين الحداثة التي تَنْفِي الخلق الأول ، بل وتجحد الخالق ، جل وعلا ، وإن تكلفت لذلك من الأدلة ما يصدق فيه أنه عين السفسطة ، إذ تُنْكِرُ المعلوم الضروري من بدائه الاستدلال ، فالفعل لا بد له من فاعل أول ، وذلك ، كما تقدم في موضع ، مما يَتَسَلْسَلُ حتى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى فاعل أول لا فاعل قَبْلَهُ ، وله من وصف الفعل ما قَدُمَ ، فلم يكن عاجزا عن الفعل ثم قَدَرَ ، بل له من ذلك أول قد ثَبَتَ ، وَإِنْ ثبوتَ القوَّةِ ، فَلَمَّا تَأْتِ بَعْدُ أفعالٌ له تصدق في الخارج ، بما يكون من مشيئة ترجح ، فكانت الخصومة آنفة الذكر بين الحداثة والرسالة ، فجاء الوحي من ذلك بما يواطئ القياس المصرح ، وأبان عن إجمال في الباب يجاوز العقل والحس من قصة أولى من الخلق ، فَلَا يَنْفَكُّ الناظر فيها يَفْتَقِرُ إلى مرجع من خارج يجاوز العقل والحس ، وإن لم يخالف عن بدائه الضرورة في القياس والنظر ، فلا يخبر بمحال ذاتي يمتنع ، وإنما يخبر بجائز في العقل لدى المبدإ ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، والإخبار عنه يطلب ، أيضا ، المرجع المجاوز من خارج العقل والحس ، فيأتي الوحي ، كما يقول بعض من حقق ، يأتي بالمحار في كَيْفِهِ لا المحال الذي يمتنع في العقل الصريح مبدأَ النظرِ ، فذلك الوحي الذي أُمِرَ الخلقُ بِاتِّبَاعِهِ ، وهو ما أُطْلِقَ الأمر فيه أَنِ : (اتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) ، وذلك ما عَمَّ الاتباع في آحاد الأمور المخبر بها أن تُصَدَّقَ ، والأوامر المكلَّف بها أَنْ تمتثل ، فَعَمَّ في الباب : القول والعمل ، مع آخر من الإطلاق قد استفيد ، إذ تناول وجوه المعنى ، فذلك الاتباع التام في مسائل الشريعة كافة ، الخبر والإنشاء ، فكان من ذلك عموم في التأسي والاقتداء ، كما تقدم من حال ابن عمرو ، رضي الله عنهما ، فإنه كان يكتب كُلَّ شيءٍ ، فَلَئِنْ كان من القرينة ما يُقَيِّدُ ، فذلك كَتْبُ ما له وجهٌ في الشريعة يَثْبُتُ ، إلا أن ثم آخر أعم بما يكون من اقتداء المحب ، ولو في أفعالِ الجبلة ، فيكون من ذلك مناط تعبد يُثَابُ فيه الفاعل ، لا أنه للفعل قد بَاشَرَ ، فهو فعل جبلة يستوي فيه الخلق كافة ، وإنما لمناطٍ أخص ، وهو الحب ، فذلك باعثه في الفعل ، فعل التأسي والاقتداء ، فالنفس مولعة بتقليد من تحب ، وهو ما يحمل العموم في حديث ابن عمرو على الحفظ ، فَهُوَ العام المحفوظ ، مِنْ هَذَا الوجهِ ، لا المخصوص الذي لا يُجَاوِزُ الشرع المنقول ، وهو ، أيضا ، كما في أول قد تَقَدَّمَ من نهي قريش ، فكلاهما مما يصدق فيه أنه العام الذي يراد به خاص ، فلم يكتب كل شيء ، على التفصيل آنف الذكر ، وإنما كتب خاصا وهو ما تناول مسائل الشرع إرادةَ حفظِها ، كما قَدْ نَصَّ في الخبر : "أُرِيدُ حِفْظَهُ" ، وهو في تأويل المفعول لأجله ، على تقدير : إرادةَ حِفْظِهِ ، والمضارعة ، كما تقدم في موضع ، مما به الصورة تُسْتَحْضَرُ ، فابن عمرو يحكي حاله التي اتصلت زَمَنَ التكلم ، وهو ما رُوِيَ مضارعا وقد انْقَضَى ، فكان من ذلك استحضار له بعد حدوثه ، فَثَمَّ مقام التكلم الذي يصدر عنه ابن عمرو ، وثم مقام الحكاية وهو ما يقصه غيره ، فهو يُخْبِرُ عنه وقد غاب ، فكان ابن عمرو يكتب فهو يريد حفظ ما كتب ، فحصل من المقام ما يميز المتكلم من الغائب ، والمتكلم من المخاطَب ، فلكلٍّ في اللسان وضع أول ، إِنِ البارزَ أو المستترَ في باب الضمير ، وَالْبَارِزُ هو الأصل ، وبه يُقَدَّرُ المستتر فهو فَرْعٌ عنه ، وقد يَنُوبُ بَعْضٌ عن بعض ، كما بَعْضُ من بحث هذه الظاهرة ، نِيَابَةَ الضمائرِ ، كما بعض من بحث هذه الظاهرة يضرب المثل بِنِيَابَةِ ضميرِ الجر عن ضميرِ الرفع في "لولاي" و "لولاه" ، فالقياس أن يقال : لولا أنا ، ولولا هو ، فتلك نيابة أولى في الباب ، نيابة المتصل عن المنفصل ، وعكسه نيابة المنفصل عن المتصل في نحو قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، فالقياس أن يتأخر الضمير ويتصل ، فيكون من ذلك خطاب يتوجه إلى الرب المهيمن ، جل وعلا ، أن : نعبدك ، وهو ما يصح لفظا ومعنى ، ولكنه في باب التوحيد لا يجزئ ، إذ يقبل الشريك ، ولو احتمالا ، على تقدير : نعبدك ونعبد غيرك ، فكان الاحتراز أَنْ قُدِّمَ المفعول المتصل ، وَحَقُّهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ ، إذ المفعول تال في الرتبة واللفظ لما كان أولا من الفاعل والفعل ، فحصل من ذلك توكيد وحصر ، كما اطرد لدى أهل الشأن ، فذلك أصل يطرد في كُلِّ متأخِّرٍ إذا قُدِّمَ في الذكر ، سواء أكان الظرف أم غيره ، كما المفعول وهو ما يَتَأَخَّرُ ، فإذا قُدِّمَ فلا يكون ذلك إلا وثم ما يُسَوِّغُ من معنى يزيد أو آخر به اللفظ يَحْسُنُ ، كما فاصلة الآي المنزل في قوله تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) ، فقدم الظرف "فِي نَفْسِهِ" وحقه أَنْ يَتَأَخَّرَ ، فهو ، من وجه ، يفيد التوكيد والحصر ، مع تعيين المحل الذي حصل فيه الخوف ، وذلك آكد في الدلالة ، فالخوف قد حصل في نفسه ، وهي محل العلوم والإرادات ، وعنها يصدر الظاهر من الحركات ، وذلك مما يتلازم في الحد ، فإن التصور الباطن أول وعنه حركات الظاهر تصدر ، وبينهما من الحركة الباطنة ما يجاوز التصور ، وهو ما يعدل في الإيمان حد التصديق الأول ، وهو المسبوق بالعرفان المجرد الذي يحصل في وجدان المخاطَب ، آمن أو كفر ، فَثَمَّ تَصَوُّرٌ أول لِمَا يُؤْمِنُ به أو يَكْفُرُ ، وثم تال من حركة الباطن ، وهي ما يكون من التصديق الجازم ، فذلك معنى أخص من أول يقوم بالجنان من مطلق التصور ، وهو الأعم ، فَثَمَّ أخص في الباب يَقْضِي في الأعم ، فالتصديق تَصَوُّرٌ وزيادةٌ ، إذ يكون من حركة الجنان ما يُرَجِّحُ في المعلوم الأول ، وهو ما لِلْجَائِزِ عند النظار يَعْدِلُ ، فالجائز مما استوى طرفاه في الحد ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، فكان من حركة الجنان أخص من التصديق ، وهو ما يَقْضِي في أَعَمَّ من التصور ، فَثَمَّ دليلُ قبولٍ وإذعانٍ وانقيادٍ واستسلامٍ ، وتلك معان أخص تحصل في القلب ، فَتُرَجِّحُ الإثباتَ ، وثم أخرى تُرَجِّحُ ضِدًّا من النفي ، فيكون التكذيب ، وهو ، أيضا ، المرجِّح من خارج ، وله أمارات في الظاهر بما يكون من العداوة والبغضاء ، فإن المصدِّق يُحِبُّ وَيُوَالِي ، والمكذِّب يَكْرَهُ وَيُعَادِي ، وذلك مما اطرد في الحكم وانعكس ، فالجنان محل التصورات ومعدن البواعث الأولى التي عَنْهَا تصدر الإرادات ومن وَرَائِهَا تَالٍ من حركات الظاهر ، قَوْلًا وَعَمَلًا ، فَثَمَّ عرفان مجرَّد ، وهو في الوجود أول ، وهو الأعم الذي استوى فيه الخلق ، من آمن ومن كفر ، من صدَّق ومن كذَّب ، وثم تال أخص بما يكون من حركة في القلب تُرَجِّحُ ، فالعرفان المجرد جائز قد استوى طرفاه في الحد ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، فيكون من المرجِّح : تصديقٌ أو تكذيبٌ ، ولكلٍّ : لازم عنه يصدر ، صدور المسبَّب عن سبب هو الأول ، فيكون من التسليم والانقياد والإذعان والاستسلام ، يكون من ذلك لازم لِمَا حَصَلَ من التصديقِ ، وثم آخر من إرادةٍ في الجنان تحدث ، وهي عمل يَبْطُنُ ، كما التصديقُ : حركةٌ في الوجدان تجاوز المجرَّد من العرفان ، فكل أولئك مما يَصْدُقُ فيه اسم العمل ، وَإِنْ خَفِيَ وَلَطُفَ ، فَلَمْ يُدْرَكْ بالحسِّ الظاهرِ ، كما القول والعمل في الخارج ، فَثَمَّ آخر من قولِ الجنانِ ، وذلك التصديق ، وثم عمل فيه يَثْبُتُ بما يكون من إرادةٍ تَحْدُثُ ، وهي عَنِ التَّصَوُّرِ فَرْعٌ أول ، فهي الحكم الباطن الذي يصدر عنه القول والعمل الظاهر ، إِنْ فِعْلًا أو كَفًّا ، فَثَمَّ من جنس الإرادة ما انْقَسَمَ في الخارج ، فمنه إرادة الفعل وهي لازم الرغبة بما يكون من وعد يصدق وَحُسْنٍ في الماهية يَجْمُلُ ، فَمِنَ الحسن باعث مباشرة وفعل لما يحسن ، وذلك قياس العقل المصرَّح ، فالحسن مما تَرْضَاهُ النفوس كَافَّةً ، بل من سلك ضِدًّا من القبيح ، فلا ينفك يَلْتَمِسُ له التأويل أنه الحسن الجميل ، ولو كان ظاهرَ الْقُبْحِ في الماهية والحد ، فلا ينفك يطلب من الجمل الرئيسة في الباب لحاءً يكسو به ما قَبُحَ من القول والعمل ، ولا ينفك يجد من المجمل ما به يَتَذَرَّعُ ، ولو في موضع جزئي يطلب التفصيل ، لا جرم كان من منهاج المحدِثة في الملة : الاستدلال بالعمومات المجملة في مواضع أخص لا تثبت إلا بالنص ، فَمَحِلُّهَا التَّوْقِيفُ ، وَذَلِكَ ما يطلب زِيَادَةً في الدليل ، فَمَا شُرِعَ عَلَى حَدِّ الإطلاق لا يلزم منه آخر حالَ التَّقْيِيدِ ، كَمَا يَقُولُ بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ ، وهو يَتَنَاوَلُ الذِّكْرَ المحدَث ، فإن من حُجَجِ أصحابِه ، أدلة عامة في موضع أخص فهو يَفْتَقِرُ إلى دليل يَزِيدُ ، فكان من ذلك استدلالهم بإطلاق الأمر في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) ، فذلك الأمر الذي أُطْلِقَ ، وهو ما انْصَرَفَ ، بادي النظر ، إلى الإيجاب الملزِم ، وهو مما يُسْتَصْحَبُ حَتَّى يكون ثم دليل يَصْرِفُ ، فَثَمَّ من جنسِ الذِّكْرِ وما وجب في الجملة ، ولا ينفك الإطلاق يجاوز المنصوص من الواجب كما ذِكْرٌ في الصلاة وهي الفرض ، فكان من حَدِّهَا في الاصطلاح أنها أقوال وأفعال مخصوصة تُفْتَتَحُ بالتكبير وهو ركن ، والتسليم وهو ، أيضا ، مِنَ الْأَرْكَانِ الَّتِي بِهَا تحصل ماهية الفعل في الخارج ، وهما من الذكر الواجب ، بل لهما من المنزلة ما يجاوز فهما الفرض اللازم ، وإلا ما حصلت الحقيقة في الخارج ، ولو أدنى ما تصدق فيه ، كركعة الوتر ، وهي أدنى ما يصدق فيه الاسم ، اسم الصلاة ، فَثَمَّ من الذكر ما فُرِضَ ، فهو ركن رَئِيسٌ من أركان الحقيقة في الخارج ، كما التكبير وكما التسليم ، وكما فاتحة الكتاب ، فلا تجزئ صلاة إلا بها ، على تفصيل في الباب يطلب من كتب الفروع ، إذ ثم نَفْيٌ قد تَوَجَّهَ في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»" ، وهو ما يحمل ، كما يقول أهل الشأن ، على نفي الحقيقة وذلك أول يستصحب حتى يكون ثم من القرينة ما يصرف ، فإذا تَعَذَّرَ حِمْلَانُ النَّفْيِ على الحقيقة وَجَبَ صَرْفُهُ إلى آخر وهو المجاز ، على قول من يُثْبِتُهُ في اللسان والوحي ، وهو ما تَفَاوَتَ فمنه القريب الذي يَتَبَادَرُ ، وذلك نَفْيُ الصِّحَّةِ ، فلا صلاة تصح لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب والذكر ، ومنه بعيد لا يظهر ، بادي النظر ، وذلك نَفْيُ الكمالِ ، فلا صلاة تكمل لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب المنزل ، فَإِذْ تَعَذَّرَ حملان النفي على الحقيقة ، فَثَمَّ وجود لها في الخارج قد ثَبَتَ ، وَإِنْ غَيْرَ مجزِئٍ في الخروج من عهدة الحكم ، فإن من الوجود ما يصدق فيه أنه الحسي ، وقد يواطئ آخر هو الشرعي وقد لا يواطئ ، فَمَنْ صَلَّى وهو محدث ، فَثَمَّ من حقيقة الحس ما ثَبَتَ في الخارج ، وليست تجزئ في ثُبُوتِ أخرى أخص من حقيقة الشرع إذ قد فات الشرط ، وهو الطهارة من الحدث .
فَإِذْ تَعَذَّرَ حملان النفي على الحقيقة ، فَثَمَّ وجود لها في الخارج قد ثَبَتَ ، فالواجب صَرْفُهُ إلى آخر من نَفْيِ المجاز ، فَنُفِيَ منه القريب الذي يَتَبَادَرُ ، وذلك نفي الصحة ، وهو ما يُسْتَصْحَبُ في النفي إِذْ تَعَذَّرَ استصحابُ أول ، وهو الأصل ، فذلك نفي الحقيقة في الخارج ، فَإِذْ تَعَذَّرَ ، فَثَمَّ نفي المجاز القريب من الصحة ، وهو ما حمل عليه النفي في الخبر آنف الذكر : "«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»" ، وثم نفي المجاز البعيد من الكمال ، وهو ما حَمَلَ بَعْضٌ النَّفْيَ في الخبر عليه ، فَقَدْ فَاتَ ما يصدق فيه أنه الواجب ، فالكمال ، أيضا ، جنس عام يَتَنَاوَلُ آحادا في الخارج ، فَثَمَّ نفي الكمال الواجب ، وثم آخر من نَفْيِ الكمال المستحب ، ونفي الكمال الواجب هو ما يَتَبَادَرُ حَتَّى يكون ثم قرينة تصرف إلى آخر من المستحب ، فهو مما لا يظهر ، بادي الرأي ، فَثَمَّ مَنْ نفى الصحة وهم الجمهور ، وثم من نفى الكمال الواجب ، وهو مذهب الحنفية رحمهم الله ، فالفاتحة عندهم من الواجب الذي ثَبَتَ بدليل ظني وهو خبر الآحاد ، فلا يقضي في عام متواتر من آيٍ قد أَطْلَقَ في الذكر ، فـ : (اقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، فذلك مما يجزئ في الخروج من عهدته : تلاوةُ أَيِّ آيٍ سوى الفاتحة ، وذلك المتواتر القطعي في ثبوته ، ولهم من الأصول ما يمنع قضاء الآحاد في المتواتر ، ولو بالتخصيص لا بالنسخ ، فلا يخصص العام المتواتر عندهم بالآحاد ، فالخبر آحاد قد أوجب فاتحة الكتاب ، والآي متواتر ، وإن كان عاما في دلالته ، فلا يقضي فيه الخاص من الخبر ، بل كلاهما مما يستصحب في الباب ، فيكون ذلك من إعمال الأدلة فهو أولى من الإهمال ، فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ ، أَنَّ مَا تَيَسَّرَ سوى الفاتحة يُجْزِئُ في الخروج من عهدة الصحة ، وإن لم يَخْرُجْ به القارئ من عهدة الواجب ، فَتَرْكُهُ مِمَّا يَقْدَحُ في الكمال الواجب لا في أصلِ الصحة ، فليس بالفرض ، إذ الفرض عندهم جنس أخص من الواجب ، فلا يثبت الفرض إلا بدليل قاطع ، خلاف الواجب الذي يثبت بدليل ظني ، كما خبر الآحاد آنف الذكر أَنْ : "«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»" ، فَفَاتَ تاركَ الفاتحة ، فَاتَهُ الواجبُ فصلاته صحيحة ولو أَثِمَ بِتَرْكِ الواجب ، إذ تَرْكُهُ لا يأتي على أصل الصحة بالإبطال ، ولم يَفُتْهُ الفرض ، فحصل له من ذلك ما يصدق فيه الحد ، حد الصلاة الصحيحة ، ولو ناقصةً ، لا جرم تأولوا النفي في الخبر أنه نفي الكمال الواجب لا الفرض اللازم ، وكان لهم من ذلك إعمال الدليلين فهو خير من الإهمال ، فالدليل المتواتر : (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، ذلك مما يجزئ في حصول أول من الصحة دون تال من الكمال الواجب ، فذلك مما لا يحصل إلا بفاتحة الكتاب النازل ، فجمعوا بين الاثنين ، إذ العام عِنْدَهُمْ قطعي الدلالة كما الخاص ، فكيف والعام في هذا الموضع قطعي الثبوت فهو من المتواتر ، فلا يَقْضِي فيه آخر دونه من ظني الثبوت من الآحاد ، ولو كان قطعيَّ الثبوتِ ، فَلَا يَقْضِي فيه ظَنِّيُّ الثبوتِ إلا أن يكون من دليل التخصيص للمتواتر : متواتر مثله ، فهو يُضْعِفُ دلالته ، وَيُصَيِّرُهُ بَعْدًا قابلا للتخصيص بما هو أَضْعَفُ من خبرِ الآحاد ، فلا يَقْوَى الأخير أن يخصصه حال الابتداء ، والجمهور على ضِدٍّ ، فإن العام ظني الدلالة ، وهو ما يعدل في الحد : الجائز لدى النظار ، وذلك مما استوى طرفاه في الاحتمال ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، وهو الدليل الصارف إلى ضِدٍّ من المؤول ، وهو الخاص الذي يقطع في الدلالة ، فالخاص لدى الجمهور قَاضٍ في العام ، ولو كان الأول ظني الثبوت والثاني قطعي الثبوت ، إذ الأول قطعي الدلالة والثاني ظني الدلالة ، والعبرة في المعاني بالدلالة لا بالثبوت ، فيجزئ من الأخير ما به الصحة تَثْبُتُ ، ولو ظنا يَرْجُحُ ، كما خبر الآحاد إذا صَحَّ أو حَسُنَ ، فكلاهما يجزئ في الاستدلال وبه المعنى يثبت ، وإن تَفَاوَتَا في الدرجة ، فَثَمَّ أول من الخبر يوجب التَّوَقُّفَ احترازا في الرواية الدينية وهي مما به الْبَلْوَى تَعْظُمُ ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ ، كما آي من الذكر يَنْصَحُ ، فـ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ، فَثَمَّ تَوَقُّفٌ حتى يكون ثم تال من التَّبَيُّنِ ، إلا أن يكون من حال الناقل ما يكمل ، فهو العدل الضابط ، وذلك من شرط الصحيح واحد ، كما حده أهل الشأن ، فَلَهُ من الشرط : الاتصال ، وعدالة الناقل ، وضبطه ، مع سلامة من اثنين : الشذوذ والعلة القادحة ، وهو ما يصدق فيه ، من وجه ، أنه اشتراط إيجاب وسلب ، فإيجاب في شرط الاتصال والعدالة والضبط ، وسلب في نفي الشذوذ والعلة القادحة ، مع آخر يصدق فيه أنه عطف العام على الخاص ، فإن الشذوذ خاص ، والعلة القادحة عَامٌّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ سَبَبٍ يَقْدَحُ في صحة الحديث ، ظهر أو خفي ، وإن خصت العلة لدى أهل الشأن بوصف الخفي لا الظاهر ، وكذا يقال في الشذوذ والنكارة ، فَثَمَّ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَهِيَ مخالفة الراوي لمن هو أوثق ، وثم من خص الشاذ بمخالفة الثقة ، والمنكر بمخالفة الضعيف ، فَإِذَا ثَبَتَ الخبر وَصَحَّ فاستوفى الحد آنف الذكر ، إن في الإيجابِ أو في السلبِ ، فإذا كان ذلك فهو مما يُسْتَصْحَبُ ، فالخبر في الاحتجاج يجزئ ، ولو ظَنِّيًّا يَرْجُحُ ، فليس يجزم الناظر بِصِحَّتِهِ في نَفْسِ الأمرِ ، إذ ليس من المتواتر الذي يحصل به القطع ، وإن كان من الآحاد ما يجاوز الظن إلى العلم ، لا علم الضرورة الذي يفيده المتواتر بادي النظر ، فهو مما استوى فيه الخلق كافة ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلى نَظَرٍ زَائِدٍ ، وإنما الآحاد قد يجاوز أولا من الظن الراجح ، فَيُفِيدُ العلم لا تحكما وإنما بما احْتَفَّ به من القرائن ، وذلك عمل في العقل زائد ، لا جرم اخْتُصَّ به أهل الشأن ، فذلك العلم النظري الذي لا يحصل لكلِّ أحدٍ ، فلا يحصل إلا بِنَظَرٍ يَزِيدُ لا يحسنه إلا أهل الفن ، وذلك ما اطرد في العلوم والفنون كافة ، إذ ثم فِيهَا تَوَاتُرٌ أخص لا يحصل إلا لأهل الشأن ، إذ يثبت عندهم ويتواتر ما لا يحصل نظيره لدى غيرٍ ، والآحاد ، مع ذلك ، مما يجزئ في الاستدلال ، ولو ظَنِّيًّا يرجح ، فذلك ما يعدل في الاستدلال : الظاهر الذي يُسْتَصْحَبُ مع احتمال ضِدٍّ من المؤول ، فلا يصار إليه ، بادي النظر ، إلا أن يكون ثَمَّ من القرينة ما يصرف ، وإلا كان التحكم في الباب : ترجيحا بلا مرجح ، بل ترجيحًا لما هو ابتداء المرجوح ، فالترجيح في الجائز وقد استوى طرفاه مما لا يسلم لصاحبه إذ ثم من الدعوى ما يفتقر إلى بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ ، وهي من خارج تُرَجِّحُ ، فكيف بالمرجوح في مقابل الراجح ، فالمصير إلى الأول يفتقر إلى البينة من باب أولى ، وإلا كان تحكم آخر ، وهو في النظر أفسد ، فيرجح الناظر المرجوحَ بلا دليل يَصْرِفُ عن أصل أول يُسْتَصْحَبُ من ظاهر يَرْجُحُ ، فذلك تحكم بدعوى مجردة من الدليل ، بل قد صَيَّرَهَا صاحبُها الدليلَ ، فكان من ذلك فساد آخر إذ يصادر على المطلوب ، فيحتج للدعوى بعينها ، وهي صورة الخلاف التي يُسْتَدَلُّ لها لا بها ، فلا يكون من دعوى التضعيف بعد ثبوت الصحة المعتبرة أو الحسن ، لا يكون منها ما يجزئ في الاستدلال حتى يقيم صاحبها البينة التي تشهد بفوات شرطٍ من الصحيح ، فالتوقف أولا مما به الاحتراز في نَقْلِ الأخبار الدينية ، ثم الإثبات تاليا لا تحكما في الدعوى أَنْ تَصِيرَ هي الدليل على نَفْسِهَا ، وإنما بما كان من بَيِّنَةٍ من خارج تَشْهَدُ ، وهي شرط صحة تَنْصَحُ ، وبها زِيدَ في وصف الخبر أنه الصحيح أو الحسن ، فاستصحب من ذلك أصل تال ، وإن ظاهرا يَرْجُحُ ، فصاحبه في الحكم لا يَقْطَعُ ، وإنما أَجْزَأَ ظَاهِرًا في الباب يُسْتَصْحَبُ حتى يكون ثم من الدليل ما يُرَجِّحُ ضِدًّا من المؤَوَّل ، فَيُقِيمُ المخالِف بَيِّنَةً تَقْدَحُ فِي الصحة أو الحسنِ المستصحَبِ ، وإلا فهما في الاستدلال يجزئان ، وإن تَفَاوَتَا في الدرجة ، فذلك مما يصار إليه حال الترجيح بَيْنَهُمَا إِذَا تَعَذَّرَ الجمع ، وهو ، كما تقدم ، الأولى ، فالإعمال أولى من الإهمال ، فإذا تَعَذَّرَ الجمع بين صحيح وحسن ، فالصحيح يَرْجُحُ الحسنَ ، وإن كان كلاهما في الباب يجزئ ، باب الثبوت ، وكذا إذا تعذر الجمع بين عام وخاص ، فالخاص يرجح إذ يقضي في العام بالتخصيص ، وإن كان كلاهما في الباب يجزئ ، باب الدلالة ، وهو ما سلك الجمهور في هذا الموضع ، موضع الفاتحة ، فالخاص من خبر الآحاد : "«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»" ، يقضي في العام المتواتر من آي الذكر المحكم أَنِ : (اقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، وهو ما يصدق فيه ، أيضا ، إعمال كِلَا الدليلين ، بل ليس ثم تعارض ، بادي النظر ، فلا تعارض بين عام وخاص في الدلالة ، إذ الخاص في الباب أقوى فهو قاض في العام ، وإنما يكون التعارض بين اثنين قد استويا في الدرجة ، فيكون التعارض بين عام وعام ، أو خاص وخاص ، لا جرم لم يصير الحنفية المسألة من هذا الوجه ، وإلا لزمهم التخصيص آنف الذكر ، وإنما صيروا العام قطعيا كما الخاص ، فصار ذلك تعارضا في الباب ، وإن قالوا بعد ذلك بالجمع إعمالا فهو أولى من الإهمال ، فأعملوا المتواتر في الخروج من عهدة الصحة الأولى ، وأعملوا الآحاد في الخروج من عهدة الكمال الواجب وهو تال بعد حصول الصحة مبدأَ النظر ، كما يُقَالُ في باب الإيمان ، فإن منه أولا وبه حصول أدنى ما يصدق فيه اسم الإيمان في الخارج ، ومنه تال يزيد ، فذلك مما يحصل به الكمال الواجب ، فالأول يَخْرُجُ بِهِ صاحبُه من عهدة الكفر الناقض لأصل الملة ، والثاني يخرج به صاحبُه من عهدة القادح في الكمال الواجب لا الأصل الجامع ، كما لا يكون تعارض بين المتواتر والآحاد في الثبوت ، وإنما يكون بَيْنَ متواترٍ ومثلِه ، أو خاص ومثله ، فَشَرْطُ التَّعَارُضِ بَيْنَ دليلين أَنْ يَسْتَوِيَا في الدرجة ، إن في الثبوت أو في الاستدلال ، وهو ما يرد عجز كلام إلى صدر تقدم ، فإن الأمر بالذكر المطلق كما في آي من الذكر المحكم أَنْ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) ، ذلك مما لا يجزئ في مواضع أخص ، إذ كان فيها النص على ذكر مخصوص ، كما ذكر الصلاة ، وهو ، لو تدبر الناظر ، جنس عام يتناول آحادا في الخارج ، فمنه الفرض ، كما تكبيرة الإحرام والتسليم والفاتحة ، على تفصيل تقدم ، ومنه الواجب كما التسبيح في الركوع والسجود ، ومنه المستحب كما الزيادة في الحد ، حد التسبيح ، فالواجب منه مرة وبه يخرج المصلي من العهدة ، إذ يجري مجرى المطلق الذي يخرج المكلَّف من عهدته أن يأتي منه في الخارج بأدنى ما يصدق فيه الاسم ، وهو المرة ، فهي أدنى ما تحصل به الحقيقة في الخارج ، فالواجب مرة ، وأدنى الكمال ثلاث ، وأعلاه عشر ، فما زاد عن المرة فهو المستحب ، وكذا يقال في دعاء بخير ، إِنْ في دين أو في دنيا ، فذلك ما اسْتُحِبَّ ، ولو استحبابًا أَعَمَّ ، إذ ليس ثم فيه نَصٌّ أخص ، وذلك محل الشاهد في بابِ الذِّكْرِ ، فإن ما شُرِعَ عاما ، فليس يزيد فيه المكلَّف هَيْئَةً خاصة من القول والعمل إلا أن يكون ثم نص يُبَيِّنُ ، فَلَا يُسْتَدَلُّ بالعام في موضع خاص ، فيزيد المكلف من ألفاظ الذكر وهيئاته المخصوصة ما يَفْتَقِرُ إلى الدليل ، كأن يخصص زَمَنًا بعينه ، فيجعل له من الذكر لفظًا بِعَيْنِهِ ، فتلك زيادات في بابِ تَوْقِيفٍ ، فلا تثبت إلا بدليل ، وإلا كان التحكم آنف الذكر ، تخصيصا بلا مخصِّص ، فهو من جنس الترجيح بلا مرجِّح ، وليس ذلك مما في الاستدلال يَنْصَحُ ، فَلَئِنْ شُرِعَ الذكر مطلقًا في كل وقت ، فإن التقييد بِزَمَنٍ أو هيئةٍ مما يَفْتَقِرُ إلى دليلٍ بِعَيْنِهِ ، فلا يُحْتَجُّ بالعام أو المطلق في موضعِ تخصيصٍ أو تقييدٍ ، كما لا يستدل الناظر بما شُرِعَ من نافلة الصلاة ، أن يزيد فيها صلاة مخصوصة بزمن أو هيئة ، فذلك مما يفتقر إلى دليل أخص ، فلا يحتج بذلك في نافلة في وقت نهي ، فإن الدليل النادب إلى النافلة : دليل عام ، ودليل النهي عن الصلاة في أوقات : دليل خاص ، فلا يستصحب الأول فيكون منه ما يسوغ النافلة في وقت النهي ، إذ ثم منه دليل أخص يَنْهَى عن الصلاة في هذا الوقت ، وإن كان ثم آخر يَقْضِي في عموم النهي ، فالنافلة التي تحرم في وقت النهي هي المطلقة بلا سبب ، لا المقيدة من ذوات الأسباب ، على تفصيل في الباب يطلب من كتب الفروع ، ومحل الشاهد أن الاستدلال العام لا يجزئ في مواضع التخصيص إذ تَفْتَقِرُ إلى دليل في الباب يزيد ، فلا يحتج بالأمر المطلق أَنْ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) ، وهو ما يوجب ، بادي النظر في دلالة الأمر في لسان العرب ، وهو مما استصحب في أصول الاستدلال الشرعي ، إذ يعالج منه النص العربي الذي نَزَلَ بِلِسَانِ القوم ليبين لهم الخبر والحكم ، فذلك أصل عام يستصحب في الرسالات كافة ، فـ : (مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) ، لا جرم كان لسان الجيل الأول في كلِّ رسالةٍ هو معيار الاستدلال ، إذ نَزَلَ به الوحي ، وهم أعلم به من غَيْرٍ ، إن العلم بِلِسَانِهِ فهو لسانهم الذي حصل لهم ضرورة لا تفتقر إلى نظر يزيد من التجريد ، تجريد قواعد النطق من المعجم والنحو والصرف والبيان ، فتلك علوم قد حدثت في الجيل المتأخر ، إذ قد فَسَدَ منه النطق بما كان من عجمة ولحن ، فَصَارَ الضروري الذي يباشره الجيل الأول بلا كُلْفَةٍ ، صار نظريا يتناوله المتأخر بالنظر والدرس ، لا جرم كان للأول على الثاني درجة ، مع آخر يزيد فالجيل الأول قد شهد التنزيل ، ولم يشهده المتأخر ، وإن كان من النقل ما يَصْدُقُ ، فليس كمن عاين وباشر بنفسه ، إذ أَفَادَهُ ذلك ، كما يقول بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ ، عقل المعنى ، فإن الكلام مجموع يأتلف من كلمات لها مدلول أول ، وهو ما يجرد المعجم المفرد إذ يجتهد في استقراء المواد المتداولة من الألفاظ ، فَيَمِيزُ المستعمل من المهمل ، وهو بحث احتمال في تأليف الألفاظ من الحروف ، كما صنع الخليل ، رحمه الله ، في "العين" ، فاستقرأ وجوه الاحتمال في تأليف الألفاظ من الحروف المقطعة ، فَثَمَّ ماد من النطق أولى ، وهي أصوات مقطعة ، لها من المخارج ما يميز ، وهي مما يصدر من العاقل وغيره ، وإن كان للعاقل منها ضبط أدق ، إذ ثم من صوته ما يصدر بالإرادة والقصد ، وذلك ما يميز المكلف من غير ، فَثَمَّ من درس الصوت ما تناول المخارج والصفات لحروفٍ هي المقطَّعات التي تُنْطَقُ مُفْرَدَةً ، فيكون من تَتَبُّعِ المجرى ، مجرى الهواء في جهاز النطق ، وما يَنْتَهِي إليه في كل حرفٍ ، يكون من ذلك ما يميز المخارج ، من الحلق إلى الشفة ، وبينهما تجويفُ الفمِ ، واللثةُ ، وذلك أول ما يتناول الباحث في ظاهرة الكلام التي اختص بها العاقل ، فهي ، كما تقدم في مواضع ، مما يجاوز المنطق الظاهر ، حرفا مقطعا أو كَلِمًا مُتَّصِلًا أو سياقا مُرَكَّبًا ، مذكورا أو مقدرا ، فكل أولئك مما يظهر ، وله أول في الوجدان يبطن ، فذلك منطق العقل الذي رُكِزَ في الجنان فهو يحكي خاصة الروح التي تلطف ، فثم من المعنى ما جاوز المادة المدركة بالحس من الجسد وآلاته ، ومنها آلة الصوت التي تحكي ما يقوم بالنفس من المعنى ، فالمعنى هو مراد المتكلم ، ولا يكون ذلك إلا أن يكمل العقل ، فيجاوز غَرَائِزَ الحس ، فلا يكون منه استجابة لمؤثر من خارج تتناوله المدارك الظاهرة ، فذلك ما استوى فيه الإنسان وسائر الأنواع ، وإنما امتاز الأول بما كان من عَقْلٍ قد اكتمل ، وهو مناط تكليف من الدين والأخلاق ، من الأمر والنهي ، وما يكون من أوصاف الحسن والقبح التي رُكِزَتْ فِي الوجدانِ مجملةً ، ولها الشريعة قد جاءت مُبَيِّنَةً ، فَثَمَّ من الشرع المصحَّح ما واطأ المركوز في النفس من العقل المصرَّح ، فلا ينفك إجمال الأحكام العقلية في باب الحسن والقبح ، لا ينفك يطلب تاليا يبين ، ولا يكون إلا من مرجعٍ من خارج يجاوز العقل والحس ، وهو ما احتالت الحداثة أن تجحده ، فاقترحت آخر من المرجع المجاوز ، وهو عقل الجمع ، فيصدق فيه أنه الموضوعي المجاوز لعقل الفرد ، ولكنه لا ينفك يطلب آخر يجاوز ، فإنه لا يسلم ، كما عقل الفرد ، من العوارض ، فَثَمَّ نقص قد ثبت ضرورة ، وجهل بالمآلات وما كان من البدايات ، وإن ثبت من ذلك شيء فهو المجملات ، كما قصة الخلق الأولى ، فالمبدأ في إثباتها مجمل ضروري في الوجدان أن المحدَث لا بد له من محدِث يسبق ، وأن ذلك مما يتسلسل فيجاوز المشهود من الأسباب إلى المغيَّب ، وهو ، أبدا ، يطلب الأول الذي لا أول قبله ، فذلك مما وجب ضرورة في النظر حسما لمادة في الوجدان تمتنع ، وهي التسلسل في المؤثرين أزلا ، فلو سُلِّمَ بها جدلا ، لأفضى ذلك إلى العدم ، إذ ليس ثم أول عنه تصدر العلة التامة التي لا تفتقر إلى سبب من خارج ، بل المحَالُّ والأسباب كافة إليها تَفْتَقِرُ ، فذلك مما ثَبَتَ ضرورةً في العقل ، وتلك مقدمة أولى في النظر المصرح إذ يتناول قصة الخلق المحدث ، فكان من ذلك ضرورة لا ينكرها إلا جاحد أو مسفسط ، وهي ، مع ذلك ، مما افتقر إلى المبيِّن ، مرجعا من خارج يجاوز هذا العالم ، فمن خلقه فهو غيره ، إذ لم يخلق نفسه بداهة ، ولم يخلق من غير شيء ، فيكون هذا العالم ، ولو مطلق الحدوث الأول ، يكون بلا محدِث له يسبق ، فذلك مما يجافي المعيار الناصح لدى كل عاقل ، إذ المحدَث لا بد له من محدِث ، والمحدِث ، بداهة ، غير المحدَث ، فخالق هذا العالم غيره ، فليس هو ، كما آخر قد اقترحت الحداثة ، من مادة حلول واتحاد تروم إنكار الغيبيات ، فثم اتحاد المادة بالمعنى ، وصيروة الأولى هي الحقيقة التي يباشرها الناظر ، فلا حقيقة لها من المعنى تجاوز ، بل الحس قد تناول المادة فصار من ذلك مرجع أوحد به المعارف تثبت ، وكان من ذلك تحجير لواسع من المصدر والمرجع ، فإن من مصادر المعرفة ، كما يقول أهل الشأن ، ما تَنَوَّعَ ، فالحس مصدر لا يجحد ، ولكنه ليس في الباب الأول ، وليس ، من باب أولى ، الأوحدَ ، فَثَمَّ من العلم ما يجاوزه ، إذ له من الحد ما يأطره ، فإذا جاوز البحث مداركه وَجَبَ عليه التوقف ، فلا ينفي ولا يثبت ، ولا يتحكم في الباب أن يجعل عدم العلم دليلا على العلم بالعدم ، فذلك الغرور والفرح بما كان له من ظاهرِ علمٍ لا يجاوز الحياة الدنيا ، فلا يجاوز مدارك الحس الدنيا ، وتلك حكايةُ مَذْهَبٍ قَدْ تَنَاوَلَ من الإنسان الجسدَ ، وهو جزء من الماهية لا يُجْحَدُ ، ولكنه ، أيضا ، ليس الأول ، وليس الأوحد من باب أولى ، بل ثم من الحقيقة الإنسانية ما ائْتَلَفَ فَتَرَاكَبَ من روح هي محل المعنى ، وجسد هو المادة ، فَثَمَّ قسمة في الباب تستغرق : المعنى الذي يلطف في حد ، والمادة التي تَكْثُفُ في آخر ، فَلَيْسَا يتحدان ، فيضمحل المعنى في المادة ، وتصير هي الحقيقة الثابتة في الخارج ، فلا حقيقة لها تجاوز ، فيكون من الحس مرجع واحد في الإثبات ، فما جاوزه فهو المعدوم ، والصحيح أنه المجهول ، إذ ثم من الغيوب ما جاوز مدارك الحس ، فهو يجهلها ، وليس جهله بها حجة على من علم ، إذ قد تَنَاوَلَ الغيوبَ من مصادر أخرى للمعرفة ، وهي ما جاوز الحس ، فثم آخر قد وسع ما لم تسع الحداثة إذ تحكمت فحجرت الواسع ، فثم مقدمات العقل المصرح ، وثم فطرة أولى تنصح ، وهي جمل من العلوم الضرورية التي لا تفتقر إلى نظر أو استدلال ، لا جرم ضاهت من هذا الوجه : مقدمات العقل فهي مبادئ ضرورة في النظر ، وبها حصول النَّتَائِجِ إِذْ تَأْتَلِفُ ، فالعقل يَنْظِمُ المقدمات الأولى في سلك جامع ، فيكون من ذلك علم نظري تال ، فالمبدأ : ضروري أول ، وذلك مما يحصل بالاستقراء ، استقراء الأدلة من خارج ، والحس واحد منها ، فَثَمَّ آخر يجاوز في باب غيب لا تدركه الحواس ، وجهلها ، كما تقدم ، ليس بحجة على من يعلم ، فقد يكون من العلم ما يثبت بآخر يجاوزها ، وذلك الخبر ، فذلك مرجع من خارج العقل والفطرة والحس ، وهو رابعها في القسمة ، قسمة المصادر التي بها تنال العلوم والمعارف ، لا كما حجرت الحداثة الواسع ، فَقَصَرَتِ المصادرَ والمراجعَ على الحس ، إذ حجدت آخر من القسمة ، وهو المعنى ، فقد حَلَّ واتَّحدَ بالمادة ، وكانت تلك ذريعة بها جحدت الوحي ، وهو مرجع المعنى المجاوز من خارج .

والله أعلى وأعلم .

رد مع اقتباس