عرض مشاركة واحدة
 
 رقم المشاركة : ( 6 )
عضو جديد
رقم العضوية : 10053
تاريخ التسجيل : Feb 2024
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 9
عدد النقاط : 10

مهاجر أحمد غير متواجد حالياً

افتراضي

كُتب : [ 03-06-2024 - 05:10 PM ]


وذلك بَيَانٌ لما أُجْمِلَ من الحقائق ، فهي الواجبة أو الجائزة التي تحتمل ، فكان من الخبر ما أَثْبَتَ فحصل بذلك زيادة علم تَنْفَعُ ، وهي ما حُدَّ من كلام يُفْهِمُ ، والمبدأ ، كما تقدم ، صوت يصدر من جهاز النطق ، فَيَتَرَدَّدُ الهواء في المجرى ، ويكون من انقطاعه ما يحد المقطع ، مقطع الحرف المجرد ، وتلك وحدة أولى من الصوت ، وبها الائتلاف بما يواطئ الاحتمال ، التبديل بالتقديم والتأخير ، كما تقدم من صنيع الخليل في "العين" ، فإنه قد استوفى وجوه الاحتمال ، وهي مَا بِهِ استكمال القسمة في الخارج ، فكان من ذلك وحدات مجموعة من حروف المقطع ، ومنها المستعمل ومنها المهمل ، وذلك ما استوجب آخر من البحث ، وهو الاستقراء الذي يَتَنَاوَلُ النَّظْمَ وَالنَّثْرَ ، وبه يدرك الناظر مَا اسْتُعْمِلَ في الكلام المحتج به ، وذلك بحث يجاوز المدلول المعجمي المطلق ، فَثَمَّ آخر يَتَنَاوَلُ التَّرْكِيبَ ، فاللفظ يفيد حال التركيب ما يزيد ، وهو ما يواطئ قانون النحو الذي يَنْظِمُ الألفاظَ في سلك جامع وهو على عُرْفٍ مخصوصٍ جَارٍ ، عُرْفِ اللِّسَانِ ، فَلِكُلٍّ من المعيار ما يميزه من آخر ، وهو ، كما يقول بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ ، مما يتناول في الدرس اثنين : فَثَمَّ أول من التداول ، وهو ما يحسن في تعليم الصغير لدى المبدإ ، أَنْ يُحَاكِي وَيُقَلِّدَ في مخارج الصوت ، وفي طرائقِ النُّطْقِ ، فَيَسْمَعَ الكلامَ من الأبوين ، ومن الجمع المحيط ، وبه يحصل معجم أول في وجدان الطفل ، لا جرم كان من فضائل الدين والدنيا ، أن يسمع الصغير كلام الوحي المنزل مرتلا ، فيستقيم به سمعه قَبْلَ نُطْقِهِ ، ويزيد معجمه من الألفاظ وَالتَّرَاكِيبِ ، وهو ما تَنَاوَلَهُ البحث والتجريب ، فكان من ثَرَاءِ المعجَمِ لَدَى طفلٍ صغيرٍ يسمع الكتاب المنزل ، وَيَتَلَقَّاهُ عَنْ شيخٍ في المكتب مشافهةً ، فَيُحَاكِي ما يسمع ، ويقلد حركات الشيخ في النطق والمخرج ، فيحصل له من ذلك استقامة في لسانه ، وَثَرَاءٌ في استدلاله ، فَثَمَّ حصيلة وافرة من الألفاظ الناصحة ، وهي ما يحكي مدلولات أولى من المعجم المفرد ، وأخرى من سياق التَّنْزِيلِ المعجز ، وهو في الباب الأفصح والأبلغ ، فالطفل الصغير يستكمل معجم النطق المفرد وقانون النحو المركب ، وإن كان لا يحسن النطق ، فهو متكلم بقوة أولى هي ما رُكِزَ في وجدانِ الإنسان لدى المولد ، فَنَوْعُهُ قَدِ امْتَازَ بهذه الخاصة ، وبها يُنَاطُ التكليف بالأمر والنهي ، فإنه ، بداهة ، كلامٌ يُفْهِمُ ، فلا يحسن يميز مدلوله إلا الناطق الذي يَفْهَمُ ، وهو من حصل له العقل لدى المبدإ ، ولو عقل القوة الذي يُولَدُ بِهِ ، فلا يعلم شيئا بالفعل ، وإن كان ثم من قوة التعلم ما رُكِزَ في وجدانِه ، لا جرم حصل له التعلم شَيْئًا فَشَيْئًا ، فـ : (اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، فَثَمَّ من الاسمية صَدْرَ الآيةِ مَا بِهِ التوكيد ، فهي مَئِنَّةُ الديمومةِ والثبوتِ ، وثم آخر من الإطناب في الخبر أَنْ حُدَّ جملةً ، وفعلها ماض قد انْقَضَى ، وذلك ، أيضا ، مما يحكي التوكيد ، فقد حدث وَانْقَضَى ، وهو ما يصدق في المخاطَب زَمَنَ التكلم على جهة الحقيقة ، ويصدق في آخر لما يوجد بعد على جهة المجاز ، عند من يثبته في اللسان والوحي ، إذ استعير الماضي لمستقبل لَمَّا يَأْتِ بَعْدُ تأويلُه ، والاستعارة من وجوه المجاز ، فاستعير الماضي لمضارع تال ، وبه استحضار الصورة وَتَقْرِيبُهَا إلى الذهن ، فقد أخرج ، جل وعلا ، بعضا ، وآخر لما يخرج بعد ، فهو المقدور في علم أول يحيط ، وتأويله ما يكون بعدا من التكوين ، فَثَمَّ من المشيئة ما يُرَجِّحُ ، وذلك وصف الفعل الذي تحدث آحاد منه تُصَدِّقُ أولا من نَوْعٍ في الأزل يَقْدُمُ ، وهي ، من وجه آخر ، تُصَدِّقُ ما كان من العلم المحيط المستغرق ، وكلمة التكوين النافذة ومنها المخرِجة من العدم إلى الوجود ، وهو ما عَمَّ المحال وما يقوم بها من الأوصاف والأفعال ، والأسباب وما رُكِزَ فِيهَا من القوى وما أُجْرِيَ لها من السَّنَنِ ، تلك الكلمة الكونية النافذة عن المشيئة تَصْدُرُ ، فهي تأويل تَالٍ لها يَنْصَحُ ، وما يصدق في المشيئة وهي الفعل القديم نوعا ، الحادث الآحاد بعدا ، ما يصدق فيها فهو يصدق في الكلمة ، إن الكونية النافذة أو الشرعية الحاكمة ، فالكلام مما قَدُمَ في النوع ، وله من الآحاد بعدا ما يحدث ، فهو وصف الفعل الذي يُنَاطُ بالمشيئة ، وهو تأويل لما قَدُمَ من التقدير الأول ، فذلك من العلم المحيط المستغرق الذي تَنَاوَلَ التكوين والتشريع كَافَّةً ، فَثَمَّ منه إظهارٌ لِمَا كان في الأزل ، فهو المظهِر المصدِّق ، لا المنشِئ المؤسِّس لكمالٍ لم يكن لدى المبدإ ثم كان ، فذلك ، بداهة ، مما تَنَزَّهَ عنه الرب المهيمن ، جل وعلا ، فهو الفاعل بالعلم والإرادة ، فَثَمَّ من التقدير أول قد استغرق المحال والأحوال كافة ، وما رُكِزَ فِيهَا من قوى تَقْبَلُ ، وكذا الأسباب التي تعالج ، وما رُكِزَ فِيهَا من قوى تُؤَثِّرُ ، وما أُجْرِيَ لكلٍّ من السنن المحكم ، فذلك ما لا يكون إلا بالعلم ، وتأويله ما يكون بَعْدًا من الفعل ، فعلِ المشيئة التي تُرَجِّحُ ، وآخر من الخلق والرزق والتدبير ، فآحادها كافة مما يحدث بالمشيئة ، فَثَمَّ أنواع تَقْدُمُ من أوصاف الفعل : الخلق والرزق والتدبير وكلها يحصل في الخارج بالمشيئة ، وهي ، أيضا ، مما يصدق فيه قدم النوع وحدوث آحاد في الخارج تُصَدِّقُ ، فالمشيئة فعل من الأفعال ، وإن كانت الجامعة إذ بها تأويل غَيْرٍ من أفعال التكوين والتدبير ، فَثَمَّ من ربوبية الخلق وألوهية الشرع ، ثم منهما آحاد في الخارج تَحْدُثُ ، بما يكون من تَنَزُّلِ الملَك الموكَّل ، فمنه الموكَّل بالشرعِ ، كما روح القدس ، عليه السلام ، فهو يَتَنَزَّلُ بالوحي ، إن الخبرَ أو الحكمَ ، وهو ما قَدُمَ في الأزلِ ، وله من المحل أول ، فذلك العلم المحيط المستغرق الذي قام أولا بذات الخالق المهيمِن ، جل وعلا ، فذلك من وصف ذاته القدسية ، فَلَا يُعَلَّلُ ، كما وصف الغنى فهو المطلق ، فغنى الخالق ، جل وعلا ، غنى ذاتي لا يُعَلَّلُ ، فلا يفتقر إلى سبب من خارج به يَسْتَغْنِي ، فيحصل له من الكمال ما لم يكن ، بل كماله الكمال الذاتي المطلق ، فقد كَمُلَ فِي الأزل والأبد ، وبه ، كما تقدم في موضع ، تأويل اسمي "الأوَّل" و "الآخر" ، فَثَمَّ من دلالة "أل" في كلٍّ ما تَنَاوَلَ وجوهَ المعنى وآحاده ، فَثَمَّ أولية وآخرية مطلقةٌ ، وثم أولية الذات وما يقوم بها من الاسم والوصف والفعل والحكم ، فأولية الخلق والرَّزق والتدبير ...... إلخ ، ولو لم يكن ثم مخلوق ولا مرزوق ولا مدبَّر ، فالرب ، جل وعلا ، له من ذلك وصف الأول ، وهو ما لا مبدأ له في الوجود ، فَثَمَّ منه قوة أولى ، كما اصطلح النظار ، ولو لم يكن ثم فعل في الخارج يصدق ، فذلك ما قد شاء الرب المهيمن ، جل وعلا ، بَعْدًا ، فكان من المشيئة ما أَظْهَرَ ، فهو تأويل ما كان ابتداء من الأوصاف الأولى في الأزل ، فليست المشيئة تُنْشِئُ ما لم يكن من الأوصاف ، وإن كان بها حدوث آحاد من الأفعال تصدق ، فالله ، جل وعلا ، خالق في الأزل قبل أن يخلق بالفعل بما كان من مشيئةٍ تُرَجِّحُ ، وكلماتِ خَلْقٍ عَنْهَا تَصْدُرُ ، وهو ، تبارك وتعالى ، المخرِج ، وذلك محل الشاهد في الآي المصدق : (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، فهو المخرِج ، وإن لم يكن ثم بَعْدُ من المخرَج ما يُصَدِّقُ بالفعل ، فكان من ذلك وصف أول ، وذلك أصل في الباب يُسْتَصْحَبُ ، فَثَمَّ من الكمال الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، ثَمَّ منه ما ثَبَتَ له ، جل وعلا ، في المبدإ والمنتهى ، أولية وآخرية لا يَعْرِضُ لَهَا نَقْصٌ ولا آفة ، ولا يكون منها حدوث بعد عدم ، وإن حدثت آحاد فهي تصدق ما كان أولا من الكمال المطلق ، لا أنها تُنْشِئُ أو تُؤَسِّسُ ما لم يكن قَبْلًا من الوصف ، بل هي تظهر ما كان في الأزل فلم يُسْبَقْ بالعدم ولم يُلْحَقْ بالنقص ، فَثَمَّ كمال في الذات والوصف قد عم فاستغرق الأزل والأبد ، فكان من ذلك أولية وآخرية مطلقة ، فلم يكن ثم تعطيل له ، جل وعلا ، من وصف الكمال ، ولم يكن ثم حدوث منه بعد عدم ، وإنما الحدوث : حدوث آحاد تُصَدِّقُ ، وذلك ما به تأويل لمقدورات أولى في العلم المحيط المستغرِق ، فهي ، أيضا ، مما قَدُمَ نوعه ، لا آحاده في الخارج ، فَقَدُمَ نَوْعُهُ إذ قام بالعلم الأول القديم ، فَالْقِدَمُ ، لو تدبر الناظر ، قِدَمُ العلمِ به ، وَقِدَمُ تقديرهِ الأول ، لا قِدَمُ أعيانٍ منه فهي مما يحدث بعدا بما يكون من مشيئة ترجح ، وبها تأويل ما كان من وصف الفعل الأول ، وهو ما يخرِج المقدور من العدم إلى الوجود ، كما إخراج الأجنة من البطون ، فذلك تال في الوجود يُصَدِّقُ ما كان لدى المبدإ من المقدور ، فتأويله في الخارج ما يكون من الحدوث ، حدوث آحاد من المشيئة تُرَجِّحُ ، وعنها كلم التكوين النافذ يصدر ، وهو حكاية أوصاف من الفعل تَتَنَوَّعُ ، فكلمة خلق بها تأويل الخلق ، وأخرى من الرَّزق وثالثة من التدبير ...... إلخ من كلمات التكوين النافذة ، وكذا أخرى من التشريع حاكمة ، فَنَوْعُهَا ، أيضا ، إن الخبر الذي يصدق أو الإنشاء الذي يمتثل ، نوعها ، أيضا ، مما يصدق فيه أنه أول يقدم ، وثم آحاد منه قد تَنَزَّلَتْ بالمشيئة ، وهي كُتُبُ الوحيِ التي جاءت بالشريعة وأبانت عن الطريقة ، إن الاعتقادَ أو القولَ أو الحكمَ ، فَثَمَّ منها ما تَنَاوَلَ أجزاء القسمة في الخارج ، قسمة الدين المجزئ بما كان من شعب إيمان تَنْصَحُ ، ولكلٍّ من الخبر أو الإنشاء ما يَرْفِدُ ، وَكُلٌّ بالمشيئة يحدث ، آحادا ونجوما في الخارج تُصَدِّقُ مَا ثَبَتَ في العلم الأول المحيط ، وما سُطِرَ بَعْدًا في لوح التقدير ، وهو الجامع للمقاديرِ كَافَّةً ، إِنِ الكونية والشرعية ، فكان من الوحي ما ثَبَتَ أولا في العلم ، وهو وصف الذات الذي لا يُعَلَّلُ ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلى سبب من خارج يَرْفِدُ ، بل منه كمال أول قد أُطْلِقَ ، وكان من الوحي محل تال يصدق بما سُطِرَ في لوحِ التقديرِ المحكَم ، وَثَمَّ تأويل له بما يَتَحَمَّلُ الملَك الموكَل بالوحي ، فَنَزَلَ به روح القدس ، عليه السلام ، وكان من المحل تال في الأرض ، وهو فؤاد صاحب الشرع صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وبه قد نطق بلاغا يصدق وبيانا يَنْصَحُ ، فَثَمَّ واسطة من الملَك تثبت ، إذ سمع الوحي من الله ، جل وعلا ، فكان من ذلك آحاد كلام تحدث ، قد سمعها الملك واحتمل ، وذلك أصل آخر في الباب يستغرق ، إذ ثم من جنس الملَك ما عم : ملك الوحي ، وملك القطر ، وملك الموت ، وملك النفخ ، وملك الرياح ، وملك الجبال ..... إلخ ، فكلها المدبِّرات المحكِمات ، وبها كان الإقسام في الآي المحكَمات : (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) ، وذلك ما عم فاستغرق بما كان من دلالة "أل" في "المدبِّرات" ، فهي تحكي بَيَانًا لجنس المدخول ، وهي تاليا تستغرق منه الوجوه ، وإن لم يستقل بالتأثير والفعل ، فَثَمَّ أول عنه يصدر الملَك ، فلا يَسْبِقُهُ بالقول ، وهو بأمره يَفْعَلُ ، كما آي من الذكر المنزل قد أبان عن عبودية الملك ، فـ : (قَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) ، فكان من صاحب الدعوى الباطلة : نسبة الملَك إلى الله ، جل وعلا ، نسبة الولد ، وقد نَسَبَ منه الأدنى كما في آيٍ أخرى من الذكر قد بَيَّنَتْ إِذْ : (جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) ، فكان من ذلك جعل الاعتقاد المبطِل ، وهو ما تحكم صاحبه في الدعوى ، فَرَجَّحَ بلا مُرَجِّحٍ ، ولم يكن ثم مستند إذ لم يشهد الخلق ، ولم يأت خبر عن آخر من الخلق قد شهد ، ولم يكن ثم نظير في الخارج يضاهي ، فَلَيْسَ إلا التحكم في الدعوى أَنْ صارت هي الدليل ! ، وذلك الدور الذي يَبْطُلُ ، أَنْ يُسْتَدَلَّ على الشيء بِنَفْسِهِ ، فلا دليل إلا صورة الخلاف التي لا يُسَلِّمُ بها الخصم ، ولو فُرِضَ جَدَلًا أن الدعوى في نَفْسِهَا جائزةٌ ، فهي المحالة الممتنعة لذاتها ، إذ ثَمَّ مِنْهَا دعوى ما لا يجوز في حق الرب المهيمِن ، جل وعلا ، فالولد ، وإن كان كمالا في حق المخلوق ، فلا ينفك يحكي من النقص وصف ذات لا يُعَلَّلُ ، بما يكون من مِيْلٍ في الجبلة ، مَيْلِ الذَّكَرِ إلى الأنثى ، والأنثى إلى الذكر ، بما رُكِزَ في كلٍّ من قوى الغريزة والشهوة ، وما يكون من طلب الأب لولدٍ يحمله إذا عجز ، ويديم ذكره في الأرض إذا هلك .... إلخ ، وكل اولئك بداهة من النقص المطلق ، فهو الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ من وصف المخلوق ، إذ الفقر فيه ، كما يقول بعض من حقق ، وصف ذات لا يعلل ، فلا ينفك يطلب سببا من خارج به يستغني ويكمل ، وذلك مما يَتَسَلْسَلُ في الشهادة والغيب حتى ينتهي ضرورة إلى أول لا أول قبله ، فَلَهُ من ضِدٍّ ، وهو وصف الغنى المطلق ، له منه آخر ذاتي لا يُعَلَّلُ ، مع آخر من الفعل الذي يَتَعَدَّى ، فذلك وصف الإغناء الذي يُنَاطُ بالمشيئة ، وبها إغناءُ غيرٍ من الخلق ، إذ له من الوصف ضد ، فهو يطلب المغني ، بل والموجِب الموجِد بادي الخلق ، فَثَمَّ ترجيح بالمشيئة التي تَنْفُذُ ، فآحادها تحدث ، وعنها كلمات التكوين تَصْدُرُ ، فيكون من الإيجادِ ما يصدق أولا من التقدير ، ويكون من الإغناء ما يَرْفِدُ بِسَبَبٍ ذِي قوة تُؤَثِّرُ ، ومحل بِقُوَّةٍ أخرى يَقْبَلُ ، فَثَمَّ من ذلك تأويل في الخارج يَنْصَحُ ، فهو لِمَا قُدِّرَ في الأزل يُصَدِّقُ ، فكان من الضرورة في النقل والعقل كَافَّةً ، انتهاءُ الموجوداتِ المحدثاتِ وهي ابتداء من الجائِزات المحتمِلات ، انْتِهَاؤُهَا جميعا إلى أول لا أول قَبْلَهُ ، فهو واجب الوجود لذاته إذ استغنى عن موجِد موجِب له يسبق ، بل الموجودات كَافَّةً إِلَيْهِ تَفْتَقِرُ ، أَنْ يُقَدِّرَ في الأزل ، وَأَنْ يُوجِدَ بَعْدًا فذلك تصديق ما كان لدى المبدإِ من العلمِ المحيطِ المستغرقِ الذي قام بذات الخالق المهيمن ، جل وعلا ، في الأزل ، فتلك الأولية آنفة الذكر ، التي استغرقت الذات وما يقوم بها من الاسم ، ومنه اسم العليم ، والوصف ومنه العلم ، وهو وصف الذات الذي لا يُعَلَّلُ ، وإن كان من آحاد المقدورات فيه ما يحدث بعدا فَيَصْدُقُ فيه اسم الحدوث ، فذلك حدوث آحاد تُصَدِّقُ ، لا أخرى تُنْشِئُ وَتُؤَسِّسُ من الكمال ما لم يكن ، بل ثم منه أول قد أطلق ، فاستغرق ، كما تقدم ، الذات وما يقوم بها من الاسم والوصف والفعل والحكم .
فَثَبَتَ في العقل ضرورة : انتهاء المخلوقات المفتقرات فَقْرَ الذَّاتِ الذي لا يُعَلَّلُ ، انتهاؤها إلى أول له من الوصف ضِدٌّ ، فغناه الغنى الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، فهو واجب الوجود لذاته ، وهي الجائزات المحتملات التي تَفْتَقِرُ إلى مرجِّح من خارج يُوجِبُ وَيُوجِدُ وَيُكْمِلُ مِنَ الوصفِ مَا نَقَصَ لدى المبدإ ، وإن ثَبَتَتْ منه قوة أولى بما رُكِزَ في الجبلة ، كما تقدم من وصف النطق ، فهو مما ثبت مبدأ التقدير والخلق ، فكان من ذلك قوة قد رُكِزَتْ في وجدان الوليد ، فهو الناطق بالقوة ، وإن لم يكن الناطق بالفعل ، فذلك ما يحدث شيئا بعد شيء ، فيكون من ذلك كمالٌ بعد نقص ، فلا ينفك يَفْتَقِرُ إلى سبب به يكمل ، بما يكون من التعلم ..... إلخ ، وكلها أسباب لا تكمل ، فليست بالعلة التَّامَّةِ التي لا تفتقر إلى آخر من خارج ، بل لا تَنْفَكُّ تَطْلُبُ مِنَ المانع ما يُنْفَى ، أن تصح آلة السمع والنطق ، وأن يكون ثم أولا ما نَصَحَ من العقل فلا آفة في الدماغ وهو واسطة بها تأويل ما يقوم بالعقل من المعنى ، فالدماغ يعالجه بما يكون من إِفْرَازٍ وَنَبْضٍ محكم ، فلا يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ ، وإلا كان الاعتلال والمرض إذ يخرج المحلُّ عن حال الاعتدال إلى آخر يختل ، فيكون من ذلك ما آثاره تظهر في القول والفعل ، إما لِعِلَّةٍ أولى تَثْبُتُ ، فتكون تلك حاله ابتداء من المولِد ، أو لعلة أخرى تَطْرَأُ بِمَا يُصِيبُ العقلَ من الذهول لحزن يهجم أو فَرَحٍ يجاوز الحد .... إلخ ، أو يصيب الدماغ من العطب ، بما يكون من الهرم ، أو آخر يحدث بما يكون من طارئ يصدم ، كضرب آلة أو نحوه ، فكل أولئك موانع يجب انْتِفَاؤُهَا ، وثم آخر من الشرط يجب استيفاؤه ، فشرطها حصول التعليم بما يكون من التَّلْقِينِ تَارَةً ، وهو أقل ، والسمع أخرى ، فالطفل يعالج من المسموعات ما به مُعْجَمُ دلالاته يزيد ، فَكُلَّمَا زَادَ المسموع ، زَادَ المنطوق بَعْدًا فهو تأويلٌ لِمَا ثَبَتَ لدى المبدإ من المعاني التي عالجها وجدان الطفل بعد سماع أول من الأب والأم ومن أحاط ، فَثَمَّ المعلَّم وثم الملقَّن ..... إلخ ، فكل أولئك مما يرفد المحل يما يُخْرِجُ الوصفَ ، وصف النطق ، من القوة إلى فِعْلٍ تَالٍ يُصَدِّقُ ، فهو ، كما تقدم ، الجائز لدى المبدإ ، وإن كان ثم تقدير أول يثبت ، فَلَا يَنْفَكُّ يَطْلُبُ السَّبَبَ المرجِّح من خارج ، فكان من ذلك ما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى سببٍ أول لا سَبَبَ لَهُ يَسْبِقُ ، فَثَمَّ افتقارُ المخلوق الذاتي ، فهو الوصف الذي لا يُعَلَّلُ ، فالمخلوق يفتقر إلى سبب أول يَقْدُمُ ، وهو ما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى الخالق الأول ، جل وعلا ، فَلَهُ من الوصف أولية تُطْلَقُ ، فَلَا تَفْتَقِرُ كَمَا أولية المخلوق ، لا تَفْتَقِرُ إِلَى سَبَبٍ من خارج ، بل المحال والأسباب كافة إليها تَفْتَقِرُ ، فَكَانَ من ذلك أوليةُ تَقْدِيرٍ في الأزل ، وأولية إيجاد تال يُرَجِّحُ ، فذلك وصف المخلوق المحدَث ، إذ الفقر وصف ذات له لا يُعَلَّلُ ، فَافْتَقَرَ إلى موجِد من العدم ، ومعلِّم من الجهل ، فالمبدأ جهل إذ أُخْرِجَ من الرَّحِمِ وهو لا يعلم شيئا ، وإن كان ثَمَّ رِكْزٌ أول من قُوَّةِ التَّعَلُّمِ والنطق ، فَلَا تَنْفَكُّ تَطْلُبُ سَبَبًا به حصولُ تَالٍ من الفعل فهو يُصَدِّقُ ما كان أولا من تقدير القوة في العلمِ المحيطِ المستغرِق ، فيكون من ذلك ما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى الخالق الأول ، إذ عنه تصدر المحال والأسباب كَافَّةً ، فهو الغني الغنى المطلق في الأزل ، فَلَا يُعَلَّلُ وَلَا يَفْتَقِرُ إلى سببٍ يَسْبِقُ ، وهو المغنِي بَعْدًا بما يكون من وصفِ فعلٍ يَتَعَدَّى ، فَثَمَّ منه نَوْعٌ أول يَقْدُمُ ، وثم تال من الآحاد في الخارج يُصَدِّقُ ، وبه تأويل أول من المقدور قَدْ عَمَّ المحال والأحوال ، وما تُبَاشِرُ من أسباب ، ومن ذلك ما تَقَدَّمَ من قوة الغريزة التي رُكِزَتْ في الذكر والأنثى ، وبها حصول المباضعة طلبا للولد ، فلا ينفك الوصف ، وإن كان كمالا من وجه ، لا ينفك يحكي فَقْرًا ذاتيا لا يُعَلَّلُ ، وذلك ، بداهة ، ما تَنَزَّهَ عنه الرب المهيمِن ، جل وعلا ، لا جرم حكى الوحي المقال : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا) ، فَأَضْمَرَ فلم يظهر ، إذ أَهْمَلَ شأنهم فهم أدنى أَنْ يُذْكَرُوا ، بل قد فَحُشَ مقالهم فكان إضمارهم أولى من الإظهار ، وهو تال يحكي من العموم ما يستغرق ، فلا يقتصر على الناطق الأول ، وإن كان أَوَّلَ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ العام يدخل ، فهو كالسبب الذي نَزَلَ عليه العام المستغرق ، فكان من ذلك ضمير الجمع المتكلم في "قَالُوا" ، وهو ما حُدَّ للجمع المذكر ابتداء بما كان من وضعٍ أَوَّلَ في اللسان المفهِم ، وثم من دلالة التغليب ما جاوز ، فذلك اعتقاد ، ولو باطلا ، وهو ما تستوي فيه المحال المكلفة جميعا ، المذكَّرَةُ والمؤنثة ، وثم من الإضمار ما يحكي آخر من الإطلاق فهو يستغرق كُلَّ مَنْ قَالَ ذلك ، سواء أَقَصَدَ الحقيقة أم المجاز ، فَثَمَّ من قال بالبنوة الحقيقية ، وثم آخر قد تأولها بالمعنوية ، فَقَالَ بالأقنومِ ، أقنوم المعنى ، ولو تَكَلَّفَ له من التأويل ما تَكَلَّفَ ، أَنْ يَحِلَّ اللطيف في ناسوت كثيف لا يَنْفَكُّ يعرض له من النقص ما رُكِزَ في جبلة الخلق ، وهو ما تَنَزَّهَ عنه ، بداهة ، وصف الرب ، جل وعلا ، ومنه الكلمة ، مع آخر يخالف عن ضرورات العقل المصرَّح ، أَنْ تُفَارِقَ الصفة الموصوف ، وتحل في آخر أو تَتَّحِدَ ، وَنِسْبَتُهَا إلى الأول لم تَنْقَطِعْ ، وهي للثاني لم تَتَّصِلْ ! ، فكل أولئك مما يخالف عن العقل المصرَّح ، وكلٌّ يدخل في عموم الولد ، فمنه المحسوس ومنه آخر يُعْقَلُ ، وذلك ما اطرد في مذاهب قد غَلَتْ فِي العرقِ والعنصرِ ، فَكُلٌّ يَزْعُمُ أنه الولد والحِبُّ ، كما كان من أهل الكتاب الأول ، فـ : (قَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ، فَثَمَّ من ذلك بُنُوَّةُ المحبةِ والاصطفاء ، لا على قاعدة الإيمان والتقوى ، وبها الاصطفاء الذي اطرد في الأمم كافة ، فكان من ذلك اختيار لهم قد ثبت ، فـ : (لَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) ، وذلك اصطفاء به تعظم المنة ، ومناطه ، لو تدبر الناظر ، الوحي والنبوة ، فقد نصرهم الله ، جل وعلا ، على خصم قد بَغَى وعلا في الأرض ، وهو ما نص عليه الوحي في موضع آخر من الذكر المحكم ، فـ : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) ، فَثَمَّ التوكيد بالناسخ "إِنَّ" ، وهو نص في الباب ، فذلك المؤكد نصا ، لا جرم كان من حده في الإعراب أنه حرف التوكيد والنصب ، فَنَصَّ على المدلول المعنوي أولا ثم العمل النحوي تاليا ، وقد يَتَبَادَرُ منه أنه مؤكد اللفظ ، إذ حُدَّ منطوقا ومكتوبا ذا صوت وخط ، فذلك اللفظ الذي يُنْطَقُ ، وَثَمَّ ، كما يقول أهل الشأن في مراتب الوجود ، ثَمَّ وجود في الخارج ، وثم آخر في الذهن إذ يُعَالِجُ الحسُّ الحقيقةَ في الخارج ، فيكون ثم وجود في العين أو غَيْرٍ من الْحَوَاسِّ ، وثم ثالث يصدق بما يكون من وجود في الذهن يَثْبُتُ ، وثم رابع من وجودِ النطق الذي يُسْمَعْ ، وآخرها ما يكون من الْكَتْبِ الَّذِي يُسْطَرُ ، فَثَمَّ من معنى التوكيد ما يَقُومُ بِالنَّفْسِ ، ولا ينفك يطلب دليلا في الخارج يُظْهِرُ ، وذلك ما يكون من لَفْظٍ يُنْطَقُ ، وله من الوجود تَالٍ يُسْطَرُ ، فكان من ذلك نَصٌّ في الباب ، وهو الناسخ المؤكد ، فَثَمَّ من مدلوله توكيدٌ ، وثم آخر في العمل ، إذ ضُمِّنَ معنى الفعل ، فعل التوكيد على تقدير : أؤكد ، فذلك مما أَشْبَهَ به الحرفُ الفعلَ أَنْ ضُمِّنَ معناه ، فكان من ذلك أصل في قِيَاسٍ تَالٍ قَدْ تَنَاوَلَ العمل ، فَلَمَّا أشبهه في المعنى ، أشبهه في آخر من العمل ، فَقِيسَ عليه في النصب لَفْظًا إذ أشبهه أولى في المعنى توكيدا ، فَثَمَّ من لفظه ما يجري مجرى النص في الباب ، باب التوكيد ، وثم من المعنى إذ ضُمِّنَ معنى التوكيد ، وبعض يَتَنَاوَلُهُ أنه من المؤكِّد اللفظي ، إذ ثم حَدٌّ منطوق ، وآخر يَتَنَاوَلُهُ أنه من المؤكد المعنوي إذ ضُمِّنَ ، كما تقدم ، معنى التوكيد ، وعلى كلا الوجهين ، فإن الناسخ نص في الباب ، باب التوكيد ، وهو أُمُّ البابِ لَا جَرَمَ صُدِّرَ به الكلام ، فلا يزاحمه آخر من جنسه ، كما لام الابتداء ، وهي مما تمحض فيه معنى التوكيد اللفظي ، إذ لا تفيد معنى بعينه حَالَ الابتداء بها لَفْظًا ، وإنما زِيدَتْ في المبنى فَحَكَتْ زيادةً أخرى في المعنى ، كما قَرَّرَ أهل الشأن ، وقل مثله في حروفِ زِيَادَةٍ قد اصطلح أنها حروف تزيد ، لا أنها مما يَثْقُلُ بِهِ الكلام وَيَقْبُحُ ، فيكون منه زيادة لا تَنْفَعُ ، وإنما زيادتها ، أيضا ، زيادة مبنى تحكي أخرى تضاهي من المعنى ، ومنها حروف الجر الزائدة ، فإنها تفيد التوكيد لفظا ، وَجَرُّهَا لِمَا تَلَا من اللفظ : جَرُّ اللَّفْظِ لا المعنى ، فالمعنى لا يتغير ، فيكون من الإعراب ما يتناول اللفظ الذي يجر ، إذ يتأثر بالعامل الذي يسبق ، والمعنى ، مع ذلك ، سالم لم يتغير ، فإن كان فاعلا ، فهو الفاعل المجرور لفظا المرفوع محلا ، فذلك كسر المناسبة أن دخل عليه حرف الجر الزائد ، كما في آي من الوحي النازل أن : (كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) .

والله أعلى وأعلم .

رد مع اقتباس