4- لماذا نقبل الحجر الأسود؟:وهو حجر لا يضر ولا ينفع كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما خاطبه بقوله: (إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنني رأيت رسول الله يقبلك ما قبّلتك)[12] ولعلّ الحكمة في هذا التقبيل تكمن في ذلك الاتصال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته، فهو اتصال من نوع خاص، اتصال عاطفي وروحي وقلبي وكياني وكأنه عليه الصلة والسلام قبَّلَ الحجر الأسود ليكون هذا بمثابة الاتصال المادي والحسي بينه وبين أمته، أليس هو القائل: (وددت لو أني رأيت أحبابي) وفي هذا روى بعض المستشرقين وأعداء الدين الذين يعدون أن تقبيل الحجر الأسود من بقايا الوثنية في الإسلام وهم لا يعلمون الحكمة من ذلك وهي حب النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأحبابه الذين لم يراهم ولم يروه وآمنوا به والذين سيأتون من بعده كما أسلفنا لقوله: (طوبى لمن رآني وآمن بي ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني)[13] وقوله صلى الله عليه وسلم: (وددت لو رأيت إخواني قالوا أولسنا إخوانك يا رسول الله قال لا أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين يأتون من بعدي ويؤمنون بي ولم يروني)[14] فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرون الرسول صلى الله عليه وسلم ويصافحوه ويعانقوه ويسمعون الوحي المنَزّل عليه من فمه الشريف، وهذا ما جعلهم من أفضل الناس كجيل فريد متميز أما المؤمنون من بعدهم فهم لم يواكبوا هذه الأحداث الملموسة وآمنوا بها بالرغم من عدم رؤيتهم لها فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطبع على جبين كل واحد منهم بمثابة وسام تكريم لهم على إيمانهم ومحبتهم لهذا الدين من خلال تقبيله الحجر الأسود، فكأنما صار هذا الحجر الواسطة بينهم لنقل هذه المشاعر وتقليدهم هذا الوسام الرفيع.
5- لماذا الطواف في الكعبة سبعة أشواط؟: فإن الكون بما فيه الإنسان تحكمه وتسيره قوانين ونظم دقيقة وبتقدير محكم من رب العالمين قال تعالى في أول سورة الفرقان: ((وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا)) وكذلك جميع المخلوقات والأحياء بما فيها الإنسان كما في قوله سبحانه وتعالى في سورة التغابن: ((خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير))[15] وقوله في سورة الذاريات: ((وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون))[16] ولمّا كان القرآن الكريم هو منهاج الكون والحياة وهو كلام رب العالمين الأزلي والكون هو من خلق رب العالمين فلأن مصدرهما واحد فلا بد أن تربط بينهما قوانين ونظم واحدة، خاصّة أن القرآن هو السابق والكون هو اللاحق ومن إحدى هذه المنظومات أو القوانين هو النظام السباعي (والله أعلم) فالسماوات السبع والأرضين السبع وطبقات الجو (الغلاف الجوي) سبع وطبقات الأرض سبع والطيف الشمسي سبعة ألوان ومدارات الذرة سبعة (وهي التي تدور بها الإلكترونات حول النواة) وعدد أيام الأسبوع سبعة وغيرها كثير. وفي القرآن الكريم هذا الكتاب المعجز تحكمه في ترتيب آياته وسوره وكلماته وأحرفه هذه الظاهرة (المنظومة السباعية) استناداً لقول الله تعالى في سورة الحجر
(ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم))[17] والسبع المثاني هي سورة الفاتحة التي تقوم على هذه القاعدة أيضاً وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف) فإذاً لمّا كانت هذه القاعدة إحدى النظم التي خلق بموجبها الكون، بموجب المنهج القرآني كما قلنا سابقاً، فقد جاءت بعض العبادات متناسقة مع هذه الظاهرة والتي منها الطواف حول البيت سبعة أشواط[18] والله أعلم لتكون مثالاً على هذا التناسق البديع في خلق الكون والإنسان ولتكون هذه العبادات منسجمة مع فطرته ومع النواميس الكونية قال تعالى في سورة الروم: ((فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون))[19] .صدق الله العظيم
[1] رواه مسلم والنسائي .[2] سورة تبارك/14.[3] رواه مسلم (حديث قدسي) .[4] البقرة/144.
[5] Robert Colman – Stanford University –USA./مجلة علوم / العدد 68 /ص92/1992م.[6] الشورى/7.[7] البقرة/143.[8] يس/40.[9] الرعد/2.[10] يس/40.
[11] يس/40.[12] أخرجه الجندي في فضائل مكة وأبو الحسن القطان في المطولات والحاكم والبيه قي في شعب الإيمان .[13] أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه .
[14] رواه الإمام أحمد وأبو يعلى .[15] التغابن/3.[16] الذاريات/20-21.[17] الحجر/87.
[18] قال ابن عباس (رضي الله عنهما) عندما سئل عن ليلة القدر: (إنّ الله تعالى وتر يحب الوتر فجعل أيام الدنيا تدور على سبع، وخلق الإنسان من سبع، وجعل فوقنا سنوات سبعاً وخلق تحتنا أرضين سبعاً وأعطى من المثاني سبعاً ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين عن سبع، وقسّم الميراث في كتابه على سبع ونقع في السجود من أجسادنا على سبع وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة سبعا وبين الصفا والمروة سبعاً ورمى الجمار سبع لإقامة ذكر الله في كتابه فأراها في السبع الأواخر من شهر رمضان والله أعلم) قوله رضي الله عنه. كتاب الدر المنثور في التفسير المأثور للإمام السيوطي: 3/578.[19] الروم/30