![]() |
بعض الظروف المقطوعة عن الإضافة لفظا
بعض الظروف المقطوعة عن الإضافة لفظا من الظروف المختصة بالمكان : الجهات الست ، وهى ظروف مقطوعة عن الإضافة لفظا ، مثل : فوق ، تحت ، يمين ، شمال أو يسار ، أمام أو قدام ، وخلف أو وراء . وهذه الظروف تجري مجرى قبل وبعد . فإن أضيفت أو قطعت عن الإضافة لفظا ، ومعنى كانت معربة . نحو : الكتاب فوق المكتب ، ووقف المدير أمام الطلاب ، وجلست تحت الشجرة ، وسرت يمينا ، واتجهت شمالا وصليت خلف الإمام ، ويهرب الطلاب من وراء السور . ومنه قوله تعالى { وهو القاهر فوق عباده }1 . وقوله تعالى :{ إذ جاءكم من فوقكم }2 ، وقوله تعالى { إذ يبايعونك تحت الشجرة }3 ، وقوله تعالى { تجري من تحتها الأنهار}4 ، وقوله تعالى { بل يريد الإنسان ليفجر أمامه }5 . " وأمام " في الآية ظرف مكان استعير هنا للزمان ، أي ليفجر فيما بين يديه ، ويستقبله من زمان حياته (6) . وليس في القرآن من " أمام " سوى هذه الآية . وقوله تعالى { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه }7 . وقوله تعالى { واتخذتموه وراءكم ظهريا }8 . وقوله تعالى { ومن ورائه عذاب غليظ }9 . * فإن قطعت عن الإضافة لفظا لا معنى بنيت على الضم . نحو : ضع الكتاب فوقُ ، وانزل من فوق ، وقف أمام ، ولا تمش من أمام . ــــــــــــــــــــــــ 1 ـ 18 الأنعام . 2 ـ 10 الأحزاب . 3 ـ 18 الفتح . 4 ـ 25 البقرة . 5 ـ 5 القيامة . 6 ـ انظر البحر المحيط ج8 ص385 . 7 ـ 42 فصلت . 8 ـ 92 هود . 9 ـ 17 إبراهيم . والتقدير : فوق المكتب ، أو من فوق المكتب ، أو من فوق الشجرة . فحذفنا المضاف إليه ونوينا معناه . ومنه قول أبى النجم العجلي : موتق الأعـــلى أمين الأســـفل أقب من تحتُ عريض من عل الشاهد : " من تحت " فهو مبنى على الضم ، في محا جر ، لأنها قطعت عن الإضافة لفظا لا معنى ، والتقدير : من تحته . ومنه قول الآخر : لعن الإله تعلة بن مسافر لعنا يشن عليه من قدام الشاهد : من قدام ، فهو مبنى على الضم ، في محل جر ، لقطعه عن الإضافة لفظا لا معنى ، والتقدير من قدامه . * وإن انقطعت الظروف السابقة عن الإضافة لفظا ومعنى ، وأردت بها جهة غير معينة ، قاصدا التنكير والإبهام أعربتها بالنصب . نحو : اتجه يمينا أو شمالا . أما إن أردت تعيين جهة معينة ، فإنما تعينها بالإضافة ، وتكون معربة بالنصب أيضا . نحو : اتجه يمين المنصة ، وقف يسار المكان . وقد يكون التعيين بحذف المضاف إليه ، وبناء الظرف على الضم . نحو : اتجه يمين ، وقف يشار . ويشبه الظروف السابقة في استعمالها ، ولها نفس أحكامها ، الظروف المكانية التالية : أول ، وأسفل ، ودون . نحو: اجلس أولَ الطلاب ، واجلس أولَ ، وأولُ ، والتقينا عام أولَ ، وسر من أولَ ، واقعد أسفلَ ، وقم من أسفلَ . ومنه قوله تعالى { قل يحييها الذي أنشأها أول مرة }1 ، وقوله تعالى { ثم رددناه أسفل سافلين }2 ، وقوله تعالى { والركب أسفل منكم }3 . ـــــــــــــــــــــــ 1 ـ 79 يس . 2 ـ 5 التين . 3 ـ 42 الأنفال . وقوله تعالى { أإفكا آلهة دون الله تريدون }1 . وقوله تعالى { ودون الجهر من القول }2 . * أما أول وأسفل فلهما استعمالان : 1 ـ أن يكونا صفتين على وزن أفعل التفضيل ، وبذلك يمنعان من الصرف للوصفية ووزن أفعل ، لذا لم ينونا ، ويجرا بالفتحة نيابة عن الكسرة ، نحو : وصل محمد أول ، وسر من أسفلَ ، ولقيته عام أولَ . وأن يكونا اسمين فيصرفان ، نحو : لقيته عاما أولا . ومنه " ما له أول ولا آخر " . ــــــــــــــــــــــــ 1 ـ 86 الصافات . 2 ـ 168 الأعراف . معاني ظروف أسماء الجهات وما في حكمها : أولا ـ فوق : ظرف مكان مبهم من أسماء الجهات نقيض " تحت " . نحو قولهم : القانون فوق الجميع ، والحق فوق الباطل . ومنه قوله تعالى { ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات }1 ، وقوله تعالى { واضربوا فوق الأعناق }2 . ولها أحكام " بعد " ، فهي معربة في ثلاثة أحوال ، وبنية في حالة واحدة . ثانيا ـ تحت : ظرف مكان مبهم من أسماء الجهات نقيض " فوق " ولازم النصب على الظرفية الظاهرة ، أو المقدرة في حالة البناء . كقوله تعالى { وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار }3 . كقوله تعالى { فنادها من تحتها ألاّ تحزني قد جعل ربك تحتك سريا }4 . ولها أحكام قبل وبعد . ثالثا ـ يمين : ظرف مكان مبهم من أسماء الجهات نقيض " شمال " وله أحكامه ، وأحكام " قبل وبعد " نحو : جلست يمين الصف ، وسرت يمينا ، ودخلت من يمينُ . ــــــــــــــــــــــــ 1 ـ 32 الزخرف . 2 ـ 12 الأنفال . 3 ـ 100 التوبة . 4 ـ 24 مريم . رابعا ـ شمال أو يسار : ظرف مكان مبهم من أسماء الجهات نقيض " يمين " ، ويدل على أن شيئا على شمال شيء آخر ، وهو ملازم للإضافة غالبا ، ويكون معربا ، ومبنيا ، وله أحكام قبل وبعد ، فيكون معربا في ثلاثة أحوال هي : إذا كان مضافا ، نحو : وقفت شمال الحائط . وإذا حذف المضاف إليه ونوى لفظه ، نحو : هذه منصة فاجلس شمالَ . أي شمالها . ونحو : هناك جدار سر من شمالِ . أي من شماله . وإذا حذف المضاف إليه لفظا ومعنى ، وفى هذه الحالة يجب تنوينها . نحو : قف شمالا ، وسر يمينا . ويبنى في حالة واحدة وهى : أن يقطع عن الإضافة معنى ، ولم ينو لفظ المضاف إليه . نحو : اجلس شمالُ ، وادخل من شمالُ . " فشمال " ظرف مكان مبنى على الضم ، في محل نصب متعلق بالفعل قبله . خامسا ـ أمام وقدام : ظرف مكان مبهم من أسماء الجهات يدل على أن شيئا قدام شيء ، ولها أحكام قبل وبعد ، وفوق وتحت ، وشمال . نحو : وقفت أمام البابِ ، ومشيت من أمامِكم ، واجلس أمامَ، وقف أماما ، وامش أمامُ . سادسا ـ خلف أو وراء : ظرف وكان مبهم من أسماء الجهات نقيض " أمام " وله إعرابه ، كالآتي : * إذا ذكر بعده المضاف إليه كان معربا منصوبا ، وقد يجر بمن . نحو : وقفت خلف الطلاب ، وسرت من خلفهم . ومنه قوله تعالى { وجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها }1 . وقوله تعالى { فشرد بهم من خلفهم }2 . * إذا حذف المضاف إليه ونوي لفظه كان معربا منصوبا غير منون . دخل الطلاب ودخل المعلم خلفُ . * ويعرب أيضا إذا جرد من الإضافة لفظا ومعنى ، وفى هذه الحالة يكون منونا . نحو : وقف الجمهور يشع لاعبيه خلفا وأماما . * ويبنى في حالة واحدة ، وذلك إذا حذف المضاف إليه ونى معناه ، ويكون بناؤه على الضم . نحو : هاجم الجنود العدو من أمامُ ومن خلفُ . سابعا ـ أول : ظرف زمان بمعنى " قبل " وله أحكامها ، فيكون معربا منصوبا بالفتحة إذا أضيف . نحو : وصلت من السفر أول الصباح . ومنه قوله تعالى { كما لو يؤمنوا به أول مرة }3 . وكذا إذا حذف المضاف إليه ونوى لفظه ، يعرب نصبا بالفتحة بدون تنوين . نحو : تسابق الطلاب فجاء محمد أولَ . ويعرب إذا حذف المضاف إليه كلية ، " لفظا ومعنى " فينصب وينون . نحو : جئت أولاً . نحو : حضرت أولُ . ويبنى على الضم إذا حذف المضاف إليه ونوى معناه . * ويأتي أول اسما بمعنى مبدأ الشيء ، ويعرب حسب موقعه من الجملة . نحو : القطر أول الغيث . " القطر " مبتدأ مرفوع ، وأول : خبره مرفوع . * ويأتي اسم تفضيل فيمنع من الصرف ، كما ذكرنا سابقا . ـــــــــــــــــــــــ 1 ـ 66 البقرة . 2 ـ 57 الأنفال . 3 ـ 110 الأنعام . ثامنا ـ أسفل : ظرف مكان له أحكام أول ، وقبل وبعد . تاسعا ـ دون : ظرف مكان منصوب كثيرا ، وقد يجر بمن ، وهو بمعنى " وراء أو أمام " . نحو : جلست دون النافذة ، والقلم دونك ، والماء دونك . وهي نقيض فوق ، نحو : القماش دون المستوى في الجودة . أي : أحط منه رتبة ومنزلة . ونحو : جلس محمد دون خالد ، أي في مكان منخفض عن مكانه . ولدون أحكام قبل وبعد ، وأسفل وأول وأمام وخلف ... إلخ . فتعرب في حالات وتبنى في حالات ، أما الإعراب ففي الحالات التالية : 1 ـ إذا ذكر المضاف إليه ، نحو قوله تعالى { ومنا دون ذلك }1 . وقوله تعالى { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول }2 . " فدون " في الآيتين السابقتين ظرف مكان منصوب بالفتحة الظاهرة متعلق بالفعل . 2 ـ إذا حذف المضاف إليه ونوى لفظه ينصب بدون تنوين . نحو : هذا منزلي انتظرني دونَ . " فدون " ظرف مكان منصوب بالفتحة ، والتقدير دونه ، وهو متعلق بالفعل انتظرني . 3 ـ إذا حذف المضاف إليه لفظا ومعنى ، ينصب مع التنوين . نحو : قف دونا ، وانتظر دونا . " دون " مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة . 4 ـ إذا جر بالحرف ولم ينوى معنى المضاف إليه ، وجب جره بالكسرة الظاهرة . نحو : بعض الحيوانات تمكث طويلا من دون طعام . ـــــــــــــــــــــ 1 ـ 11 الجن . 2 ـ 205 الأعراف . وتبنى على الضم إذا حذف المضاف إليه لفظا ونوى معناه . نحو : قف دونُ ، واقعد دونُ . " دون " ظرف مكان مبنى على الضم في محل نصب متعلق بالفعل . ونحو : اجلس من دون ، وسر من دون . " دون " ظرف مكان مبنى على الضم في محل جر بكسرة مقدرة متعلق بالفعل . * وتأتى أيضا بمعنى حقير ، وفى هذه الحالة تكون اسما لا ظرفا . نحو : ثوب دون ، ورجل دون ، أي حقير . أحكام بعض الظروف المشتركة في الزمان والمكان : أولا ـ أنىَّ : اسم استفهام مبنى على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية ، ويكون بمعنى " من أين " . نحو قوله تعالى { يا مريم أنى لك هذا }1 . وبمنى " كيف " لإفادة الحال ، نحو قوله تعالى { أنى يحيي هذه الله بعد موتها }2 . وقوله تعالى { أنى يكون لي غلام }3 . وبمعنى " متى " نحو قوله تعالى { أنى كان لك قرين }4 . * وتجيء " أنى " ظرفا غير متضمن معنى الاستفهام ، أو الشرط ، بمعنى " كيف أو متى أو حيث " أو " من أين " . نحو قوله تعالى { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم }5 . فسر العلماء هذه الآية بقولهم : كيف شئتم ، ومتى شئتم ، وحيث شئتم ، ومن أين شئتم ، على أن يكون في الموضع المرخص به شرعا . * وتأتى " أنى " اسم شرط بمعنى " أين " مبنية على السكون في محل نصب على الظرفية ، يجزم فعلين ويتعلق بفعله إذا كان تاما ، وبالخبر إذا كان الفعل ناقصا . مثال الأول : أنى تدعُ الله تجده سميعا . ومثال الثاني : أنى تكن مقيما فسوف أحضرُ لزيارتك . " فأنى " في المثال الأول اسم شرط متضمن معنى الظرفية المكانية ، مبنى على السكون في محل نصب متعلق بالفعل تدعو ، وفي المثال الثاني : اسم شرط متضمن معنى الظرفية المكانية مبني على السكون في محل نصب متعلق بخبر تكن وهو " مقيما " . ـــــــــــــــــــــــ 1 ـ 37 آل عمران . 2 ـ 259 البقرة . 3 ـ 40 آل عمران . 4 ـ 51 الصافات . 5 ـ 223 البقرة . ثانيا ـ لدى : ظرف جامد يفيد المكان أو الزمان ، وذلك حسب ما يضاف إليه ، مبنى على السكون في محل نصب ، بمعنى عند ، ولا يأتي مجرورا بن ، ولا يضاف إلى الجمل ، وتقلب ألفه ياء مع الضمير ، كما تقلب ألف " على وإلى " . مثال مجيئه ظرفا للمكان قوله تعالى { كل حزب بما لديهم فرحون }1 . وقوله تعالى { وألفيا سيدها لدى الباب }2 . ومنه قول زهير : لدى أسد شاكى السلاح مقذف له لبـد إظـفاره لم تقلـــمِ ومثال مجيئه ظرفا للزمان ، وحينئذ تكون بمعنى " الحين " : سأزورك لدى عودتي . * يصح في " لدى " أن تتعلق بمحذوف خبر ، أو صفة ، أو حال ، أو صلة ، وذلك بخلاف " لدن " . نحو : الكتاب لدى محمد . " لدى " متعلقة بمحذوف خبر للكتاب . ونحو : رأيت رجلا لدى الباب . " لدى " متعلقة بمحذوف صفة لرجل . ونحو : تركت محمدا لدى الباب . " لدى " متعلقة بمحذوف حال . ونحو : وصل الذي لديه الخبر . " لدى " متعلقة بمحذوف صلة . والتقدير : الذي يوجد لديه الخبر . * وإن كانت " لدى " بمعنى " عند " إلا أنها تختلف عنها بعد م جرها بالحرف . تقول : أحضرت الكتاب من عند محمد ، ولا يصح أن تقول : من لدى محمد . كما أن " عند " أمكن منها من وجهين : ــــــــــــــــــــــــ 1 ـ 53 المؤمنون . 2 ـ 25 يوسف . 1 ـ أن " عند " تكون ظرفا للأعيان والمعاني . تقول : هذا الرأي عندي صواب ، وعندي فلان عالم . ويمتنع ذلك في " لدى " (1) . 2 ـ تقول : عندي مال ، وإن كان غائبا عنك . ولا تقول : لديَّ مال ، إلا إذا كان حاضرا (2) . ثالثا ـ لدن : ظرف للمكان أو الزمان ، وذلك حسب ما تضاف إليه ، وهو لابتداء الغاية ، مبني على السكون ، بمعنى " عند " ، إلاّ أنها أقرب مكانا ، وأخص منها ، وتكون غالبا مجرورة بمن ، وهو من الظروف المضافة لفظا ومعنى . نحو قوله تعالى { وهب لنا من لدنك رحمة }3 . وقوله تعالى { وعلمن من لدنا علما }4 . وقوله تعالى { من لدن حكيم خبير }5 . " فلدن " في الأمثلة السابقة مضافة إلى الاسم الظاهر والضمير ، وتضاف أيضا إلى الجملة ، كما في قول القطامي : صريع غـوان راقهن ورقنـه لدى شب حتى شاب سود الذوائب ومثال نصبها على الظرفية الزمانية : ذهبت إلى المدرسة لدن طلوع الشمس . * وإذا أضيفت إلى ياء المتكلم ، جاز أن تلحقها نون الوقاية . نحو : لدنُّي . وقد تحذف النون فنقول : لدنُي . ــــــــــــــــــــــــ 1 ، 2 ـ انظر أمالي ابن الشجري ج ص 3 ـ 8 آل عمران . 4 ـ 65 الكهف . 5 ـ 1 هود . * ويجوز حذف نونها ، مثلما تحذف نون كان للتخفيف ، فنقول : لدُ . والاسم الذي يليها يجر بالإضافة . * وإن تلاها ظرف زمان جاز جره بالإضافة ، أو نصبه على التمييز . نحو : وصلت من السفر لدن غدوةٍ ، أو لدن غدوةً . * وتفارق " لدن " " عند " بستة أمور هي : 1 ـ أنها ملازمة لمبدأ الغايات ، فمن ثم يتعاقبان . نحو قوله تعالى { أتيناه رحمة من عندنا وعلمنه من لدنا علما }1 . بخلاف جلست عنده ، فلا يجوز أن تقول : جلست لدنه ، لعدم معنى الابتداء هنا . 2 ـ قلما يفارقها لفظ " من " قبلها . 3 ـ أنها مبنية إلاّ في لغة قيس ، وبلغتهم قرئ قوله تعالى { من لدْنِهِ } . وهى عندهم مضمومة الدال ، غير أن هذا السكون عارض للتخفيف . 4 ـ جواز إضافتها إلى الجمل كما تقدم . 5 ـ جواز قطعها عن الإضافة لفظا ومعنى ، قبل " غدوة " ، وتنصب بها غدوة ، إما على التمييز ، كما ذكرنا سابقا ، وإما على التشبيه بالمفعول به ، أو خبر لكان المحذوفة مع اسمها ، وقد تجر " غدوة " بالإضافة إلى " لدن " . كقول الشاعر : وما زال مهري مزجر الكلب منهم لدن غدوةٍ حتى دنت لغروب 6 ـ لا تقع إلا فضلة ، تقول : السفر من عند دمشق ، ولا تقول : من لدن دمشق . وتفارق " لدن " " لدى " بخمسة أمور : 1 ـ أن لدن تحل محل ابتداء غاية . نحو : جئت من لدنه . وهذا لا يصح في لدى . ــــــــــــ 1 ـ 65 الكهف . 2 ـ أن لدن لا يصح وقوعها عمدة في الكلام ، فلا تكون خبرا لمبتدأ ، وما شابه ذلك ، بخلاف لدى ، فإنه يصح فيها ذلك . نحو : لدينا مال وفير ، ولدينا كنز من العلوم . 3 ـ أن لدن كثيرا ما تجر بمن ، بخلاف لدى فإن جرها ممتنع . 4 ـ أن لدن تضاف إلى الجملة ، نحو : لدن حضرت ، ولدن وصلت . وهذا ممتنع في لدى . 5 ـ إن وقعت لدن قبل غدوة ، جاز في غدوة عدة وجوه . الجر بالإضافة ، أو النصب على التمييز ، أو ما يشبه المفعول به ، أم خبر لكان المحذوفة مع اسمها ، أو الرفع على تقدير : لدن كانت غدوةٌ . رابعا ـ قبل وبعد : ظرفان مبهمان إحداهما نقيض الآخر ، وضعا في الأصل من قبل الجهات الست الموضوعة لأمكنة مبهمة ، ثم استعيرتا لزمان مبهم سابق على زمان ما أضيفتا إليه ، ويكونان بحسب الإضافة إليهما ، فإن أضيفا للمكان ، كانتا ظرفي مكان ، وإن أضيفتا للزمان ، كانت ظرفي زمان . نحو : مكة قبل الطائف ، والرياض بعد مكة . ونحو : وصلت من السفر قبل الظهر ، ورحلت عن المدينة بعد العصر . * تأتى قبل وبعد معربتين في ثلاث حالات ، ويبنيان في حالة واحدة . 1 ـ يعربان ظرفا منصوبا ، أو مجرورا ، إذا سبقهما حرف جر ، وكانتا مضافتين لفظا ومعنى ، وقد صُرح بالمضاف إليه . نحو : سافرنا قبل العشاء ، ووصلنا بعد الفجر ، أو من قبل العشاء ، ومن بعد الظهر ، ومنه قوله تعالى { ألا ليؤمن به قبل موته }1 . ــــــــــــ 1 ـ 59 النساء . وقوله تعالى { وسبح بمحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها }1 . وقوله تعالى { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد }2 . وقوله تعالى { من قبل صلاة الفجر }3 . وقوله تعالى { يردوكم بعد إيمانكم كافرين }4 . وقوله تعالى { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة }5 . 2 ـ ويعبان ظريفين نصبا أو جرا ، إذا حذف المضاف إليه ونوى لفظه . نحو : جئت قبلَ ، أو من قبلِ . وجئت بعدَ ، أو من بعدِ . والتقدير : قبله ، أو من قبله ، وبعده ، أو من بعده . ومنه قول الشاعر : ومن قبلِ نادى كل مولى قرابة فما عطفت مولى عليه العواطف الشاهد : ومن قبلِ ، فقد حذف المضاف إليه ، ونوى لفظه ، فأعربت " قبل " مجرورة بالكسرة ، والتقدير : ومن قبلِ ذلك . 3 ـ ويعربان ظرفين منصوبين مع التنوين ، إذا قطعا عن الإضافة لفظا ومعنى . نحو : جئتك قبلا ، وما ضره أن يأتي قبلا أو بعدا . ومنه قول يزيد بن الصعق : فساغ لي الشراب وكنت قبلا أكاد أغص بالماء الحميم (6) وقول الآخر : ونحن قتلنا الأسد أسد خفية فما شربوا بعدا على لذة خمرا ـــــــــــــــــــــــ 1 ـ 130 طه . 2 ـ 34 الأنبياء . 3 ـ 58 النور . 4 ـ 100 آل عمران . 5 ـ 4 البينة . 6 ـ ونسب البيت في رواية أخرى إلى عبد الله بن يعرب ، وهى : " أكاد أغص بالماء الفرات " والشاهد في البيتين قوله : قبلا ، وبعدا ، فقد نصبا مع التنوين ، لانقطاعهما عن الإضافة لفظا ومعنى ، والتقدير : قبلا ما ، وبعدا ما . * ويبنيان على الضم إذا قطعا عن الإضافة لفظا ونوى معناه ، والمقصود بنية المعنى ، أن نلاحظ المضاف إليه مُعبَّرا عنه تعبيرا ما ، دون الالتفات إلى لفظ بعينه ، ويمون البناء واقعا ، سواء أجر بمن أم لا . نحو قوله تعالى { وحرمن عليه المراضع من قبلُ }1 . وقوله تعالى { لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ }2 . ونحو قوله تعالى { إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين }3 . وقوله تعالى { فإما منّا بعد وإما فداء }4 . مع ملاحظة أن " قبل وبعد " في الآيتين الأخيرتين لم يسبقا " بمن " الجارة . خامسا ـ مع : ظرف ملازم للظرفية الزمانية أو المكانية ، وذلك حسب ما تضاف إليه ، ويكون منصوبا بالفتحة ، ويفيد المصاحبة ، ولا يخرج عنها إلا إلى الجر " بمن" . نحو : جئتك مع العصر ، ومنه قوله تعالى { إن مع العسر يسرا }5 . 58 ـ وقوله تعالى { وكونوا مع الصادقين }6 . ومنه قوله تعالى { وتوفنا مع الأبرار }7 . ـــــــــــــــــــــــ * لرجل من بنى عقيل ، وروى أيضا : فما شربوا بعدُ . 1 ـ 12 القصص . 2 ـ 4 الروم . 3 ـ 46 الطور . 4 ـ 4 الروم . 5 ـ 6 الشرح . 6 ـ 119 التوبة . 7 ـ 193 آل عمران . * وقد تبنى " مع " على السكون وذلك في لغة غنم وربيعة ، فتكون في محل نصب . وذكر سيبويه أن تسكينها ضرورة شعرية ، مثل " هل ، وبل " ، والصحيح أنها لغة . * وذكر المالقي أن " مع " إذا سكنت عينها ، فهي إذ ذاك حرف جر معناه المصاحبة ، والعامل فيها فعل ، وما جرى مجراه ، كسائر حروف الجر ، ولا يحكم فيها بحذف ، ولا وزن ، ولا يُسأل عن بنائها لتبوث الحرفية فيها ، ومثّل بشاهد سيبويه : فريشي منكم وهوايَ مَعْكم وإن كانت زيارتكم لماما وقال : " مَعْكم " هنا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " لهواى " لأنه مبتدأ . والتقدير : وهواي كائن معكم (1) . والرأي عندي : أن بناءها على السكون لا يدخلها في الحرفية ، لأن أكثر النحاة على القول باسميتها ، ولم يذكروها مع حروف الجر ، ولو كان تسكينها يجعلها حرفا لذكروها ضمن الحروف التي تشترك بين الحرفية والاسمية ، والله أعلم . أما أبو علي الفارسي فحكم عليها بالحرفية إذا سكنت . * وقال المرادي : واختلف في " مع " الساكنة ، فقيل : هي حرف جر ، وزعم أبو جعفر النحاس أن الإجماع منعقد على حرفيتها ، إذا كانت ساكنة . والصحيح أنها اسم ، وكلام سيبويه مشعر باسميتها ، بدليل دخول حرف الجر " من " عليها ، وقد سمع جرها بمن ، حكى سيبويه : ذهب من معه (2) . وقرئ قوله تعالى { هذا ذكر من معي }3 . والتقدير : من قِبَلي (4) . ومنه " كان معها فانتزعْته مِنْ مَعِها " (5) . ـــــــــــــــــــــــ 1 ـ انظر رصف المباني ص 394 . 2 ـ الكتاب طبعة بولاق ج2 ص 45 . 3 ـ 24 الأنبياء . 4 ـ الجني الداني ص 306 . 5 ـ انظر لباب الإعراب ص 287 . * وقد تقع " مع " خبرا ، وصفة ، وصلة ، وحالا ، وتجر بمن كما ذكرنا (1) . * وإذا انقطعت " مع " عن الإضافة ، أعربت حالا منصوبة مع التنوين . نحو : جاء الرجلان معا ، ووصل المسافران معا . ومنه قول الصمة القشيرى : حننت إلى ريا ونفسك باعدت مزارك من ريا وشعباكما معا 23 ـ ومنه قول امرئ القيس : مكر مفر مدبر مقبل معا كجلمود صخر حطه السيل من عل * وقد تجيء خبرا كما ذكرنا ، ومنه قول جندل بن عمر : أفيقوا بنى حرب وأهواؤنا معا وأرواحنا موصولة لم تقضب " فمع " خبر المبتدأ " أهواؤنا " ، وقال بعضهم أن " معا " في البيت السابق وقعت حالا ، والخبر محذوف ، والتقدير : وأهواؤنا كائنة معا ، وليس بصحيح (2) . * وتستعمل " مع " للمثنى ، وللجماعة . نحو : سافر الصديقان معا ، وسافر الأصدقاء معا . ومنه قول الخنساء : وأفنى رجالي فبادوا معا فأصبح قلبي بهم مستفزا ومثال مجيئها للمثنى قول متمم بن نويرة : فلما تفرقنا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا * والفرق بين " مع " و " وجميعا " في مثل قولنا : وصلنا معا ، ووصلنا جميعا . أن " معا " يفيد أن وقت الوصول واحد ، بخلاف " جميعا " فهو يحتمل أن الوصول ــــــــــــــــــــــــ 1 ـ الجني الداني ص 306 . ومغنى اللبيب ج 1 ص 333 . 2 ـ انظر الجني الداني ص 307 . لم يكن في وقت واحد ، بمعنى أن " جميعا " يجوز فيها معنى الاجتماع والافتراق ، أما " معا " فلا تفيد إلا لاجتماع حالة الفعل (1) . سادسا ـ علُ : ظرف مبنى على الضم في محل نصب على الظرفية المكانية ، بمعنى " فوق " ، ولا يستعمل إلا مسبوقا " بمن " ، ولا يضاف لفظا على الصحيح . فلا يقال أخذته من علِ المكتب . * أجاز قوم إضافته ، فإذا قدر بعده مضاف إليه ، كان مبنيا على الضم في محل جر ، إذا سبقه حرف الجر نحو : انقض النسر من علُ . أي من فوق شيء معين مخصوص. 24 ـ ومنه قول الفرزدق : ولقد سددت عليك كل ثنية وأتيت نحو بنى كليب من علُ * وإذا جاء نكرة ولم يقدر بعده مضاف إليه ، وسبقه حرف جر ، يكون إذ ذاك معربا صفة لموصوف محذوف . كقول امرئ القيس السابق : مكـر مفـر مقبل مـدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من علِ والتقدير : حطه السيل من مكان عال ، على سبيل الاستغناء بالصفة عن موصوفها . ومنه قول جرير : إني انصببت من السماء عليكم حتى اختطفتك يا فرزدق من علِ * وتخالف " عل " " فوق " في أمرين : 1 ـ أمها لا تستعمل إلا مسبوقة " بمن " الجارة . 2 ـ أنها لا تضاف على الصحيح كما ذكرنا . ثامنا ـ كيف وكيفما : انظرها في باب الاستفهام . ــــــــــــــــــــــ 1 ـ المرجع السابق ص 307 ، وانظر معجم القواعد العربية ص 439 . تنبيهات وفوائد 1 ـ ذكرنا أنه لا بد في ظرفي الزمان والمكان من أن يتضمنا " في " ، إلا أن ذلك يختلف بين نوعين من الظروف ، فنوع تقدر فيه " في " تقديرا مباشرا ، وهذا النوع يشمل ظروف الزمان غير المبنية، وظروف المكان غير المقادير . نحو : سافرت يوم الخميس ، أي في يوم الخميس . وجلست قرب المدفأة ، أي في مكان قرب المدفأة . ونوع لا تقدر فيه " في " تقديرا مباشرا ، بل بتأويل ، وهذا النوع من الظروف يشمل ظروف الزمان المبنية ، وظروف الأماكن الدالة على المقادير . فالظرف " إذا " مثلا مبنى لتضمن معنى " من " لذلك يكون تقدير " في " فيه غير مباشر . فإن قلنا : إذا أتيحت لي الفرصة فسوف أزورك . كان التقدير : إن أتيحت لي الفرصة في أي وقت فسوف أزورك . وكذا الحال في بقية الظروف المبنية : إذ ، ومتى ، وأيان ، ومذ ، ومنذ . ومثال الظروف الدالة على المقادير قولنا : مشيت كيلا أو فرسخا . والتقدير : مشيت في مكان يقدر بكيل أو فرسخ . 2 ـ إذا كان الفعل مما ينقضي شيئا فشيئا ، وجب إظهار " في " مع ظرف الزمان . نحو : حفظت القصيدة في ثلاثة أيام ، وقطعت المسافة في ساعتين . 3 ـ إذا كان ظرف الزمان و المكان غير متضمنين معنى " في " كان حكمهما كحكم الأسماء المنصرفة ، فيكونان مبتدأ أو خبرا أو فاعلا أو مفعولا ، وذلك حسب موقعهما من الجملة ، كما ذكرنا سابقا . نحو : يوم الخميس عطلة أسبوعية . " فيوم " مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة . ويوم الجمعة يوم مبارك . " فيوم " الثانية خبر مرفوع بالضمة الظاهرة . ونحو قوله تعالى { قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه }1 . " فيوم " فاعل مرفوع بالضمة . ونحو قوله تعالى { ويخافون يوما كان شره مستطيرا }2 . " فيوما " مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة الطاهرة . 4 ـ ذكرنا أن ما كان من الظروف المكانية محدودا ، غير مشتق لم يجز نصبها ، بل يجب جرها " بفي " . نحو : جلست في الدار ، وصليت في المسجد ، ولعبت في الملعب . غير أنه يجوز نصبها ، إذا وقعت بعد أفعال معينة " كدخل ، وسكن ، ونزل ، وتوجه ، وسافر " أو ما يشتق منها . نحو : دخلت الدار ، وسكنت مكة ، وتوجهت المدينة ، وسافرت الشام ، ونزلت مصر . لكن بعض النحويين ينصبون هذه الظروف بعد الأفعال السابقة ، على التوسع في الكلام بإسقاط حرف الجر ، وليس على الظرفية . فهي منصوبة انتصاب المفعول به على السعة ، بإجراء الفعل اللازم مجرى المتعدى ، ذلك لأن ما يجوز نصبه من الظروف غير المشتقة ينصب بكل فعل (3) . 5 ـ ينقسم ظرف الزمان من حيث الإجابة إلى نوعين : نوع يصلح جوابا " لكم " الاستفهامية ، نحو : سرت يوما وبعض يوم ، جوابا لمن سأل : كم سرت ؟ 6 ـ تأتى بعض الظروف المعربة غير منصرفة ، كرمضان ، وشعبان ، وألحق بها بكرة ، وعشية ، وغدوة ، وسحر ، وعتمة ، وضحوة . أما عشية ، وبكرة ، فقد وردتا منونتين في القرآن الكريم . كقوله تعالى { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها }4 . ـــــــــــــــــــــ 1 ـ 254 البقرة . 2 ـ 7 الإنسان . 3 ـ جامع الدروس العربية ج3 ص 52 . 4 ـ 46 النازعات . وقوله تعالى { فأوحى إليهم أن سبحوه بكرة وعشيا }1 وقوله تعالى { وتسبحوه بكرة وأصيلا }2 . قال الرضى : غدوة ، وبكرة غير منصرفتين اتفاقا ، وإن لم يكونا معينتين ، لكونهما من أعلام الأجناس ... ، وإذا لم يقصد تعيينهما جاز أيضا تنوينهما اتفاقا (3) . وأما غدوة فيجوز تنوينها وتركه تخفيفا كما ذكر الرضي . نحو : عدت إلى بيتي غدوةً أو غدوةَ . وخلاصة القول أن التنوين في الظروف السابقة هو الأصل ، وعدم التوين يكون من أجل التخفيف . 7 ـ ذكرنا أن بعض الظروف المكانية المبهمة ÷ى الجهات الست ، ومنها أيضا المقادير . مثل : غلوة ، وميل ، وفرسخ ، وبريد ، وكيل . تقول : سرت غلوة ، أو ميلا أو بريدا ، أو كيلا . وتنصبها على الظرفية . أما الغلوة : فهي مئة باع ، وقيل ثلاثمائة ذراع ، والميل : عشر غلوات ، والفرسخ : ثلاثة أميال ، والبريد : أربعة فراسخ ، والكيل : ألف متر . وقد استثنى النحاة من المبهم " جانب " وما في معناه ، مثل : جهة ، ووجه ، وكتف ، وخارج ، وداخل ، وجوف ، وظاهر ، وباطن . فلا ينتصب منها شيء على الظرفية ، بل يجب التصريح معها بالحرف (4) . 8 ـ من الظروف المختصة بالاستقبال " أبدا " وقد يطلق على الزمان المتطاول ، ـــــــــــــــــــــــ 1 ـ 11 مريم . 2 ـ 9 الفتح . 3 ـ انظر شرح الكافية ج 1 ص189 . 4 ـ انظر التكميل والتوضيح ج 1 ص 416 . و" غدا " للزمان المستقبل فقط . كقوله تعالى { خالدين فيها أبدا }1 . وقوله تعالى { ماكثين فيها أبدا } 2 . ونحو قوله تعالى { أرسله معنا غدا يرتع ويلعب }3 . وقوله تعالى { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا }4 . 9 ـ ما ورد من المصادر المنصوبة على الظرفية ، كان عاملها من لفظها ، كما بينا ذلك سابقا ، نحو : قعدت مقعد يوسف . وهذا هو الأصل ، غير أنه سمع شذوذا نصبه بفعل لم يشتق منه . نحو قولهم : هو منى مقعد القابلة ، ومزجر الكلب . وبهذا تعين جره " بفي " عند فقدان الشرط السابق ، وهو رأي سيبويه ، والجمهور ، وذهب الكسائي إلى أن ذلك مقيس . واستدل على صحة رأيه بقوله تعالى { واعتدت لهن متكأ }5 . وقوله تعالى { واقعدوا لهم كل مرصد }6 . وقوله تعالى { وقال اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها }7 . قال صاحب البحر المحيط والعكبري " متكأ : أما أن يراد به الجنس ، وإما أن يراد واعتدت لكل واحدة منهن ، وقال ابن عباس : متكأ : مجلسا ، فيكون ظرف مكان ، أي مكانا يتكئن فيه ، أو يراد الآلات التي يتكأ عليها " (8) . قال ابن اسحق : كل مرصد : ظرف ، كقولك ذهبت مذهبا ، وذهبت طريقا ، ـــــــــــــــــــــــ 1 ـ 57 النساء . 2 ـ 3 الكهف . 3 ـ 12 يوسف . 4 ـ 34 لقمان . 5 ـ 31 يوسف . 6 ـ 5 التوبة . 7 ـ 41 هود . 8 ـ انظر البحر المحيط ج 5 ص 302 ، والعكبري ج2 ص 52 . وذهبت كل طريق ، فلست تحتاج أن تقول في هذا إلا ما تقوله في الظروف ، مثل : خلف ، وأمام ، وقدام . وقال الزمخشري والزجاج : كل مرصد انتصابه على الظرفية ، كقوله تعالى { لأقعدن لهم صراطك المستقيم }1 . ورده أبو على ، لأن المرصد يعنى المكان الذى يرصد فيه العدو ، فهو مكان مخصوص ، لا يحذف الحرف من إلا سماعا ، كما حكى سيبويه ، نحو : دخلت البيت وعسل الطريقَ الثعلبُ . وأقول : يصح انتصابه على الظرفية ، لأن قوله : واقعدوا لهم ، ليس معناه حقيقة القعود ، بل المعنى : أرصدهم في كل مكان يرصد فيه ، ولما كان بهذا المعنى جاز قياسا أن يحذف من حرف الجر " في " . كقول الشاعر : " وقد قعدوا أنفاقها كل مقعد " . فمتى كان العامل في الظرف المختص ، عاملا من لفظه ، أو من معناه ، جاز أن يصل إليه بواسطة " في " . فيجوز : جلست مجلس زيد ، وقعدت مجلس زيد . تريد في مجلس زيد . فكما يتعدى الفعل إلى المصدر من غير لفظه ، إذا كان بمعناه ، فكذلك إلى الظرف . وقال أبن هشام في المغنى " وهذا مخالف لكلامهم ـ يعنى نصب الظرف المختص بعامل موافق له في المعنى ـ إذ اشترطوا توافق مادة الظرف وعامله ، ولم يكتفوا بالتوافق المعنوي كما في المصدر . والفرق أن انتصاب هذا النوع على الظرفية ، على خلاف القياس ، لكونه مختصا ، ـــــــــــــــــــــ 1 ـ 16 الأعراف . فينبغي إلا يتجاوز به محل السماع " (1) . 10 ـ لقد اختصت بعض الظروف بدخول أحرف جر معينة عليها ، فمن هذه الظروف " عند " إذ لا يدخل عليها من الحروف سوى " من " ، نحو : خرجت من عندك . " ومتى " لا يدخل عليها غير " إلى ، وحتى " . نحو : إلى متى تسلك هذا المسلك ، وحتى متى تتمادى في غيّك . " وأين " لا يدخل عليها سوى " إلى ، ومن " ، نحو : إلى أين أنت ذاهب ، ومن أين أتيت . وهناك بعض الظروف التي تخصصت بدخول " من " عليها فقط ، وهى : قبل ، وبعد ، ولدن ، وعند ، ومع . 11 ـ من الظروف المركبة : صباح مساء ، وبين بين ، وليل نهار ، ومنها " بدل " . نحو : تزورنا صباح مساء ، ومكانته عندنا بين بين ، ونحو: ضع هذا بدل ذاك . أي مكانه . 12 ـ قد يحذف المصدر الذي أضيف إليه الزمان ، فينوب منابه ما كان مضافا إليه من اسم عين . كقولهم : لا آتيه الفرقدين ، أي مدة بقائها . ولا أكلمه القارضين ، أي مدة غيبة القارضين . " فالفرقدين ، والقارضين " منصوبان على الظرفية الزمانية لنيابتهما عنه ، وليسا بمصدرين . والقارض : جنى القرض ، وهو نوع من الثمر يدبغ به ، وهو مثل يضرب لما لا يكون أبدا . 13 ـ قال سيبويه : ومما يختار فيه أن يكون ظرفا ، ويقبح أن يكون غير ظرف صفة الأحيان ، تقول : سير عيه طويلا ، وسير عليه حديثا ، وسير عليه كثيرا ، وسير عليه قديما . ـــــــــــــــــــــــ 1 ـ دراسات في أسلوب القرآن الكريم القسم الثالث ج2 ص799 ، وشرح الكافية ج1، ص 185 . وإنما نصب صفة الأحيان على الظرف ، ولم يجز الرفع ، لأن الصفة لا تقع مواقع الأسماء (1) . وذكر ذلك ابن يعش فقال : " ومما يُختار فيه الظرفية ، ولا يتمكن تمكن أسماء الزمان ، صفات الأحيان ، مثل : طويل ، وقليل ، وحديث . تقول : سير عليه طويلا ، وسير عليه قليلا ، وسير عليه حديثا . فلا يحسن هنا إلا النصب على الظرفية ، وهو المختار (2) . وفى شرح الكافية قال الرضي : " ومما يلزمها الظرفية عند سيبويه صفة زمان أقيمت مقامه ، نحو قوله : ألا قالت الخنساء يوم لقيتها أراك حديثا ناعم البال أفرعا والتقدير : زمانا حديثا (3) . ومنه جعلوا قوله تعالى { قال ومن كفرنا متعه قليلا }4 . " فقليلا " صفة لزمان محذوف ، أو لمصدر محذوف . ومنه قوله تعالى { لعل الساعة تكون قريبا }5 . فقريبا انتصب على الظرفية ، والتقدير في زمان قريب ، إذ استعماله ظرفا كثير (6). 14 ـ من الظروف الممتنعة التصرف في التزامها النصب على الظرفية " ذا ، " ذات " عند إضافتهما إلى الزمان . نحو : لقيته ذا صباح ، وذات مرة ، وذات ليلة . ــــــــــــــــــــــــ 1 ـ انظر الكتاب لسيبويه ج 1 ص 116 . 2 ـ انظر شرح المفصل ج 2 ص 43 . 3 ـ شرح الكافية ج 1 ص 190 . 4 ـ 126 البقرة . 5 ـ 64 الأحزاب . وفى شرح الكافية : من المعربة ، غير المتصرفة ... ذات مرة ، ذات يوم ، ذات ليلة ، ذات غداة (2) . ومنه قوله تعالى { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم }3 . وقوله تعالى { ذات اليمين وذات الشمال }4 . " فذات اليمين : جهة ؛ وحقيقتها الجهة المسماة باليمين " (5) . 15 ـ من أحكام الظرف أنه لا يُنعت ، ولا يُؤكد . فلا يقال : محمد خلفك المخصب ، وعليّ وراءك المجدب . كما لا يقال : أخوك عندك نفسه ، باعتبار أن " نفسه " توكيد للظرف (6) . 16 ـ ذكر النحويون أن المصدر الصريح يسد مسد الظرف ، سواء أكان ظرف زمان ، وهو الأكثر ، أو ظرف مكان ، وهو الأقل ، وقد مثلنا له في مكانه . ومنه : جئتك صلاة العصر ، والتقدير وقت صلاة العصر . وجلست قرب الإمام ، أي مكان قربه . ولا يصح أن يقوم المصدر المؤول مقام الظرف ، ــــــــــــــــــــــــ 1 ـ البحر المحيط ج 7 ص 252 . 2 ـ شرح الكافية ج 1 ص 187 . 3 ـ 1 الأنفال . 4 ـ 18 الكهف . 5 ـ الكشاف ج 2 ص 707 . 6 ـ ارتشاف الضرب ص 141 ، وهمع الهوامع ج 1 ص 203 . فلا يقال : جئتك أن يصيح الديك ، ولا سافرت أن تطلع الشمس . وقد أجاز ذلك الزمخشري ، وخالف فيه جمهور النحويين ، فأجاز في قوله تعالى : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن أتاه الله الملك }1 . أن تكون " أن أتاه الله الملك " متعلقا " بحاج " . والتقدير : حاجَّ وقت أن أتاه الله الملك (2) . 17 ـ قال الرضي في شرح الكافية : " قد يتوسع في الظرف المتصرف فيجعل مفعولا به ، فحينئذ يسوغ أن يضمر مستغنيا عن لفظ " في " . كقولك : يوم الجمعة صمته . وأن يضاف إليه المصدر ، والصفة المشتقة منه (3) . نحو قوله تعالى { بل مكر الليل والنهار }4 . وقال في الهمع : " التوسع جعل الظرف مفعولا به على طريق المجاز ، فيسوغ حينئذ إضماره غير مقرون " بفي " نحو : اليوم سرته (5) . ومنه قوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه }6 . " فالشهر " منصوب على الظرفية ، وكذا " الهاء " في " وليصمه " ، ولا يكون مفعولا به (7) . 18 ـ الظروف كلها مذكرة إلا " قدام ، ووراء " ، وهما شاذان (8) . 19 ـ من ظروف الزمان " سحر " ، وحكمه أن يتصرف إذا كان نكرة ، وذلك إذا لم تُرده من يوم بعينه ، ويكون منونا ، أو مجرورا بالباء . ــــــــــــــــــــــ 1 ـ 225 البقرة . 2 ـ الكشاف ج 1 ص 388 ، والبحر المحيط ج 2 ص 287 . 3 ـ شرح الكافية ج 1 ص 190 . 4 ـ 33 سبأ . 5 ـ انظر الهمع ج1 ص 202 . 6 ـ 85 البقرة . 7 ـ انظر الكشاف ج 1 ص 228 . 8 ـ الأشباه والنظائر ج 2 ص 94 . نحو : جئت سحرا ، وكنت عنده بسحر . ومنه قوله تعالى { إلا آل لوط نجيناهم بسحر }1 . أما إذا كان من يوم بعينه ، وجرد من " أل " ، أو "الإضافة " ، فهو معرفة ممنوعا من الصرف ، نحو : أزورك يوم الجمعة سحر . وقد امتنع من الصرف في المعرفة للتعريف ، والعدل ، وذلك أنه كان حقه أن يستعمل بالألف واللام ، فعدل عن ذلك ، كما عدل عمر عن عامر ، وزفر عن زافر ، فامتنع من الصرف للعدل وللتعريف ، فإذا دخلت عليه الألف واللام ، أو أضيف ، كان حكمه أن يعرب بحسب موقعه من الجملة مصروفا (2) . نحو : السحر أطيب من غيره ، " السحر " مبتدأ مرفوع ، وأطيب خبره . ونحو : كان سحرنا طيبا ، " سحرنا " اسم كان مرفوع بالضمة . ونحو : أن سحرنا ممتع ، " سحرنا " اسم إن منصوب . ونحو : جئتك سحرَ يومنا يا محمد ، " سحر " ظرف زمان منصوب بالفتحة . 20 ـ قد يلتبس المفعول فيه بالمفعول المطلق ، عندما ينوب اسم الزمان عن المصدر ، فإن قلنا : كبرت عاما . ناب " عاما " عن المصدر " كبرا " ، والتقدير : كبرت كبرا مقداره عام . أو كبرت مقدار عام ، ولا يمكن أن تكون " عاما " ظرف زمان لأن " في " غير مقدرة . ومنه قول الأعشى : ألم تغتمض عيناك ليلة أرمد وبت كما بات السليم مسهدا ــــــــــــــ 1 ـ 34 القمر . 2 ـ شرح عيون الإعراب ص 144 . " فليلة " نائب مفعول مطلق ، والتقدير : اغتماضا مثل اغتماض ليلة أرمد ، أو ليلة رجل أرمد ، ولا يصح نصب " ليلة " في هذا الموضع على الظرفية ، وإنما هى اسم زمان ناب عن المصدر كما ذكرنا ، وقد مر معنا هذا في موضوع ما ينوب عن المفعول المطلق . ومنه قول الشاعرة سبرة بنت عمرو الفقعسي : وطعنةُ مستبسل ثائــــر ترد الكتيبة نصف النهار والمعنى : أن الشاعرة لا ترى أن الطعنة ترد الكتيبة في نصف النهار ، بل أرادت أنها تردها مقدار نصف النهار ، والتقدير : مسيرة نصف النهار . 21 ـ من ظروف الزمان المبهمة " أثناء " وهى جمع ثنى ، ومعناها " خلال " وتكون منصوبة بالفتحة ، ويضاف للمفرد ( ما ليس بجملة ، ولا شبه جملة ) . نحو : سأحضر أثناء النهار . ومنه قول الشاعر : ينام عن التقوى ويوقظه الخنا فيخبط أثناء النهار فُسُول وقد يأتي معربا فيجر بالكسرة ، إذا أضيف ، وسبق بحرف الجر " في " . نحو : زرتك في أثناء الليل . 22 ـ ومن الظروف المكانية " خلال " ، وهو ظرف مكان منصوب بالفتحة بمعنى " بين " ، نحو : سرت خلال الأشجار . ومنه قوله تعالى { فجاسوا خلال الديار }1 . ـــــــــــــــ 1 ـ 5 الإسراء . نماذج من الإعراب على الظرف 58 ـ قال تعالى { وكونوا مع الصادقين } . وكونوا : الواو حرف عطف ، وكونوا فعل أمر ناقص مبنى على حذف النون ، وواو الجماعة في محل رفع اسمه ، وجملة تكونوا معطوفة على جملة اتقوا . مع : ظرف مكان منصوب بالفتحة ، وهو مضاف .. الصادقين : مضاف إليه مجرور بالياء . 23 ـ قال الشاعر : مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من علِ مكر : صفة للفرس في البيت السابق مجرورة بالكسرة ، ويجوز قطعها على الرفع ، فتكون خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هو مكر . وكذلك الحال في قوله : مفر ، ومقبل ، ومدبر . إذ لهن نفس الإعراب الذي ذكرناه في مكر . معا : حال منصوب بالفتحة من الضمير المستتر في الصفات السابقة ، والتقدير : مجتمعة معا . كجلمود : جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة أخرى للفرس ، ويجوز أن يتعلقا بمحذوف في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هو كجلمود ، وتكون الجملة الاسمية في هذه الحالة في محل نصب حال من الفرس ، أو هي في محل جر صفة من صفات الفرس ، وجلمود مضاف .. صخر : مضاف إليه ، وهو من إضافة الشيء إلى كله ، وتعرف هذه الإضافة بالإضافة البيانية ، وهى ما كانت على تقدير " من " ، وضابطها أن يكون المضاف إليه جنسا للمضاف ، كقولك : هذا باب حديد ، أي : باب من حديد ، فالمضاف بعض من المضاف إليه ، والمضاف إليه من جنس المضاف فانتبه رعاك الله . حطه : فعل ماض مبنى على الفتح ، والضمير المتصل في محل نصب مفعول به ، السيل : فاعل مرفوع بالضمة . من عل : من حرف جر ، وعل اسم مجرور بالكسرة ، والجار والمجرور متعلقان بالفعل حط ، وجملة حطه السيل ... إلخ في محل جر صفة لجلمود . الشاهد : " من علِ " حيث جاء " عل " معربة مجرورة بالكسرة الظاهرة ، لأنها نكرة ، ولم تضف ، وسبقها حرف الجر ، فهي هنا لا يراد بها علوا خاصا ، وإنما علوا أي علو ، فهي صفة لموصوف محذوف ، وكأنه قال : حطه السيل من مكان عال . 24 ـ قال الشاعر : ولقد سددت عليك كل ثنية وأتيت فوق بنى كليب من علُ ولقد : الواو حسب ما قبلها ، واللام موطئة للقسم ، وقد حرف تحقيق . سددت : فعل وفاعل . عليك : جار ومجرور متعلقان بسد . كل ثنية : كل مفعول به ، وهو مضاف ، وثنية مضاف إليه مجرور . وأتيت : الواو حرف عطف ، وأتيت فعل وفاعل ، والجملة معطوفة على جملة سددت . فوق : ظرف مكان منصوب بالفتحة على الظرفية المكانية متعلق بأتيت . بنى كليب : مضاف إليه مجرور بالياء ، لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، وهو مضاف ، كليب مضاف إليه مجرور بالكسرة . من عل : من حرف جر ، وعل ظرف مكان مبنى على الضم في محل جر ، والجار والمجرور متعلقان بأتيت . والشاهد : قوله " من علُ " فقد جاء علُ بالضم وذلك دلالة على بنائها ، لكون المراد بها معينا ، والمضاف إليه بعدها محذوف ، ونوي معناه ، والتقدير : أتيت بني كليب من فوقهم . منقول للفائدة |
الساعة الآن 01:23 AM |
Powered by vediovib4; Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.