صيد الخاطر لابن الجوزي
جلال العبادة و جمال العابدين
كلما أوغلت الفهوم في معرفةالخالق فشاهدت عظمته و لطفه و رفعته ، تاهت في محبته ، فخرجت عن حد الثبوت .
و قد كان خلق من الناس غلبت عليهم محبته ، فلم يقدروا على مخالطة الخلق .
و منهم من لم يقدر على السكوت عن الذكر .
و فيهم من لم ينم إلا غلبة، و فيهم من هام في البراري ، و فيهم من احتراق في بدنه .
فيا حسن مخمورهمما ألذ سكره ، و يا عيش قلقهم ما أحسن وجده . . . ! !
كان أبو عبيدة الخواصقد غلبه الوجد فكان يمشي في الأسواق يقول : [ وا شوقاه إلى من يراني و لا أراه . [
و كان فتح بن سخرف يقول : قد طال شوقي إليك ، فعجل قدومي عليك .
وكان قيس بن الربيع كأنه مخمور من غير شراب .
و كان ابن عقيل يقول إن التبذلفيه سبحانه أحسن من التجمل في غيره .
هل رأيت قط عراة أحسن من المحرمين ؟
هل رأيت للمتزينين برياش الدنيا سمتاً كأثواب الصالحين ؟
هل رأيتخماراً أحسن من نعاس المتهجدين ؟
هل رأيت سكراً أحسن من صعق الواجدين ؟
هل شاهدت ماء صافياً أصفى من دموع المتأسفين ؟
هل رأيت رؤوساً مائلةكرؤوس المنكسرين ؟
هل لصق بالأرض شيء أحسن من جباه المصلين ؟
هل حركنسيم الأسحار أوراق الأشجار فبلغ مبلغ تحريكه أذيال المتهجدين ؟
هل ارتفعتأكف و انبسطت أيد فضاهت أكف الراغبين ؟
هل حرك القلوب صوت ترجيع لحن أو رنةو تر كما حرك حنين المشتاقين ؟
و إنما يحسن التبذل في تحصيل أو في الأغراض .
فلذلك حسن التبذل في خدمة المنعم .