( الجمعة 5/ 10/2012- 19 ذو القعدة 1433)
إن الحمد لله نحمدك ربي ونستعين بك ونستغفرك ونتوب إليك ...ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضل له ..ومن يضلل فلا هادي ...وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ...وأشهد ان محمدا عبده ورسوله وخيرة الله من خلقه ..أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتنكبها إلا ضال ..... اللهم إنا حرمنا الاجتماع به في الدنيا فلا تحرمنا مرافقته يوم القيامة ...اللهم أوردنا حوضه واسقنا من يديه الشريفتين شربة لا نظمأ بعدها ابدا ..آمين ..آمين
أما بعد ...( وصية وخير زاد )...هذا هو عنوان الخطبة ....
ونحن نودع حجاج بيت الله الحرام ... ونسأل الله أن يرزقنا جميعا حج بيته العظيم ...خير وصية وزاد نوصيه للحجيج ولأنفسنا ..ما أوصى الله به ... في معرض الحديث القرآني عن شعيرة الحج ..يقول جل وعلا " الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }
" فان خير الزاد التقوى " وهذه ليست وصية للحجيج وإنما وصية لكل مؤمن ...التقوى ... التقوى
كلمة تمر على الآذان بسهولة ..ولكنها أساس الشرع والدين ... فالناظر في كتاب الله يعلم أن الأحكام الشرعية ما شرعت الا لتحقيقها ... فالصيام " لعلكم تتقون " ..وكتب القصاص " لعلكم تتقون " ...والعبادة كلها " لعلكم تتقون "
اللهم أملأ قلوبنا تقوى لك ..." فإنها من تقوى القلوب "
التقوى ليت مجرد كلمة ولكنها منهج ..ورحم الله الإمام علي ..رضي الله عنه وكرم الله وجهه يوم سئل ...ما التقوى يا إمام؟ ...فأجاب الذي تربى في حجر النبوة .. التقي النقي الذي عايشها على أرض الواقع
" التقوى الخوف من الجليل ,,, والعمل بالتنزيل , والرضا بالقليل ... والاستعداد ليوم الرحيل " يا الله ما أبلغا وأعظمها من عبارات
الخوف من الجليل ...آه لو حققنا هذا المعنى ... في وقت أصبح الخوف من الله شبه معدوم ... انظر بالله لواقعنا .. للدماء التي تنزف ... والمسلمون كل يوم يقتلون بالمئات ... أين الخوف من الجليل ؟؟ بالله لو كانت الخوف من الله موجود أكنت ترى زعيما يتجرأ على شعبه كما نرى ...لو كان الخوف موجودا أسترى مرتش ...أو جارا يعتدي على جاره .. او آكلا للحرام .؟؟..." ولمن خاف مقام ربه جنتان " .. من خاف الله في الدنيا أمن في الآخرة ...ومن أمن الله في الدنيا وتجرأ عليه .خاف في الآخرة ... والعجيب انك ان خفت شيئا هربت منه ...ولكنك ان خفت الله هربت إليه ....
متى سنرى الخوف من الله بيننا ... كإفراد ..ومجتمعات ..وشعوبا ..وحكومات ... هذا أعظم وازع ورادع ..ولو انتشر لعم الأمن والرخاء
" والعمل بالتنزيل " .." وانه لتنزيل رب العالمين " .. العمل بالقرآن ... التفاعل مع آيه وتطبيقها على أرض الواقع ...بالله أين هذا في حياتنا .... لقد حجرنا ديننا ... وجعلت تعاليم القرآن بالشعائر .." وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورا".... هجر القران والعمل به .. للأسف أصبحت آياته لتزيين جدران البيوت ... أو التحلي به زينة في الصدور كما تفعله النساء ..وأصبحت آياته فقط للمآتم وبيوت العزاء ... أين المصاحف التي تدب على الأرض فقه وعملا وأخلاقا ....هذه هي التقوى لا تقوى الألسنة فقط ... فاللهم استرنا في الدنيا والآخرة
( والرضا بالقليل ) الرضا ... القناعة ... أن تحمد الله على ما انت فيه هو من عيون التقوى ....
انظر للواقع الذي نحياه ... الشاب والرجل يقلد جاره .. في موديلات السيارات .. و بناء البيوت والديكورات .. والبنت والزوجة تهلك زوجها وأباها بالمتطلبات ..وكأننا بتنا نعمل ونرهق أنفسنا بالكماليات
صغير يطلب الكبرا......... وشيخ ودّ لو صغرا
وخال يشتهي عملاً....... وذو عمل به ضجرا
ورب المال في تعب..... وفي تعب من افتقرا
وذو الأولاد مهموم......... وطالبهم قد انفطرا
ومن فقد الجمال شكى... وقد يشكو الذي بهرا
ويشقى المرء منهزماً.... ولا يرتاح منتصرا
أتراهم حاروا مع الاقدار .....أم هم حيروا القدرا ؟؟
التسخط والتبرم وعدم الرضا والتقليد .. بات ديدن الكثيرين فمتى سنقلع عنه ... رحماك ربنا رحماك !!!
( والاستعداد ليوم الرحيل ) ... ليوم الرحيل .... ليوم القدوم على الله .. وفقد الخلان ... والحمل على الأكتاف ... ومفارقة المال ... والبنين " يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من آتى الله بقلب سليم "
التقوى أن تستعد للقبر وضمته وسؤاله ... آه له من مكان
بيـتٌ يـُرى مِـن أُودِعَــه .. قـَـد ضمَّهُ واستـُودِعَـه
بَعْــدَ الفـَضَـاءِ والسّعَـة .. قـَيـدَ ثــَـلاثِ أذرُع ِ
لا فـَـرقَ أنْ يَحـُـلـّــهُ .. دَاهِــيـَـةٌ أوْ أبْــلـَـهُ
أوْ مُـعْـسِـر أوْ مَن لـَـهُ .. مُـلـكٌ كـَمُـلكِ تــُبـّع ِ
وَبعْـدَهُ العَـرضُ الـذِي .. يَحْـوِى الحَيـِـيَّ والبــَذِي
والمُبتـذِي والمُحـتــَـذي .. وَمَن رَعَى ومَن رُعِـي
فـَيَا مَـفـازَ المُـتــّقِـي .. وَرِبحَ عَـبـْدِ قـَد وُقِـي
سُوءَ الحِسَاب المُـوبـِـق ِ .. وَهَــولَ يَـوْم الفـَـزَع
فاللهم استرنا فوق الأرض وتحت الارض ويوم العرض عليك ...أستعد لهذا اليوم يوم توضع وحدك ..وينثر على رأسك التراب ...وبعدها ستلاقي رب الأرباب ..ومسبب الأسباب
استعد من الان ..وبعد أن سمعت هذا الكلام ..وتزود بزاد لا يذهب خير زاد
" وتزودوا فان خير الزاد التقوى"
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ....
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ..وأشهد ان لا اله الا الله اعترافا بشأنه ..وإقرارا بالآئه ..,اشهد ان سيدنا محمد الداعي الى رضوانه .. اللهم صل سلم وزد وبارك عليه وعلى اله وأصحابه وخلانه وبعد
" ولقد وصينا الذين أوتوا الكتب من قبلكم واياكم ان اتقوا الله"
معاشر المصليين .. ايها الاخوة الاحبة ... لا تحسب ان الله يضيع لك عملك وتقواك " وان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين"
فاذا زرعت هذه الشجرة في حياتك حتما ستثمر
يا من تتقي الله لا تحزن فأنت حبيب الله ... قال تعالى "ِانَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ"
يا من تتقي الله لا تحزن فأنت في معية الله وما اعظم ان تكون في معيته وحفظه ... قال تعالى " ان الله مع المتقين"
يا من تتقي الله لا تحزن ولا تقلق فان الله وعدك ان يبعد الضيق عنك ... قال تعالى "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً" "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً"
يا من تتقي الله لا تحزن فأنت في وفد الله ... قال تعالى " يوم نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً "
يا من تتقي الله لا تحزن فأنت من الناجيين باذن الله ... قال تعالى " ُثمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً "
يا من تتقي الله لا تحزن فأنت من اهل الجنة ان شاء الله ... قال تعالى " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ" " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ"
اللهم ارزقنا الجنة وما قرب اليه من قول وعمل .....تزود بهذا الزاد ...فانه خير زاد ينفعك في الدنيا والمعاد
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ... كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم
[/frame] 
العرض العادي
