كيفية الجمع بين الحديثين إدناه ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"من رأى منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" [رواه الإمام مسلم في "صحيحه" ..
-------------------------------
وهناك حديث آخر روي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "إن الله يسأل العبد يوم القيامة حتى يقول له: ما منعك إذا رأيت المنكر فلم تغيره؟ فيقول: خشيت الناس، فيقول الله تعالى: (أنا أحق أن تخشاني)" [رواه الإمام أحمد في "مسنده .
ﻻيوجد أي تعارض بين الحديثين :
لأن الحديث الأول يدل على أن إنكار المنكر لابد منه، ولكنه على مراتب: فالمرتبة الأولى: أن يغيره بيده وذلك إذا كان من أهل السلطة وأهل الحسبة الذين يأخذون على يد العصاة بالأدب والعقوبة، وليس هو كما ذكر السائل القوي في بدنه والقوي في نفسه، لا بل المراد به صاحب السلطة الذي يتمكن من إزال المنكر بالقوة لكونه سلطانًا أو مأمورًا من قبل السلطان، أو لكونه صاحب البيت؟ لأن صاحب البيت له السلطة على من فيه من أولاده وأهله فيغير عليهم المنكر بيده؛ لأن الله أعطاه السلطة عليهم، فإذا لم يكن بيده سلطة عامة ولا خاصة فإنه يغير بلسانه بأن يبين المنكر وينهى عنه ويحذر منه إن استطاع ذلك، فإن لم يستطع أن يبين بلسانه لكونه يخشى مفسدة أشد فإنه ينكره بقلبه، ويبغض المنكر وأهل المنكر ولا يطمئن إلى العصاة ولا يأنس بهم، وإنما يخالفهم ويتباعد عنهم، ولا يكون كبني إسرائيل الذين كانوا ينهون عن المنكر في أول الأمر ثم لا يمنعهم بعد ذلك أن يجالسوا العصاة وأن يأنسوا بهم، هذا ما يدل عليه الحديث الأول.
أما الحديث الثاني وهو أن الله سبحانه يسأل العبد يوم القيامة: لماذا لم ينكر المنكر؟ فيقول: إني خشيت الناس، فيقول الله: أن أحق أن تخشاني الحديث أيضًا ظاهر في أن هذا في شخص كان يستطيع أن ينكر بيده ولكنه لم ينكر، أو يستطيع أن ينكر بلسانه ولكنه لم ينكر، بل ادخر وسعه وترك ما يقدر عليه من إنكار المنكر مداراة للناس ومجاملة لهم، فهذا هو الذي يكون ملومًا، أما الذي يترك إنكار المنكر بيده أو بلسانه لكونه لا يستطيع ذلك، أو يخشى من مفسدة أشد، فهذا يكون معذورًا في هذه الحالة على أن ينكر ذلك بقلبه ويبتعد عنه وعن أهله، فلا تعارض بين الحديثين، ولله الحمد.