ارتبــاط السلــوك بالعقيـــــدة ...
في الإســــلام يرتبــط السلــوك ارتباطــا وثيقــا بالعقيــــدة .
ذلك أن مقتضى العقيدة هو الالتزام بما أنزل الله .
وما أنزل الله يشمل الحياة كلها بجميع جوانبها ، وكل شيء في حياة الإنسان داخل بالضرورة في أحد الأبواب الخمسة التي تشملها الشريعة ،
فهو إما حرام وإما حلال وإما مباح وإما مستحب وإما مكروه . ومن ثم ينطبق قوله تعالى الذي أشرنا إليه آنفا ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ) ،...
ينطبق على واقع الحياة كله . وكل مخالفة لما أنزل الله هي نقص في الإيمان . فالإيمان يزيد وينقص .
يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ، وقد ينتقض انتقاضا كاملا من أصوله إذا أتى الإنسان أعمالا معينة ، يعرفها الفقهاء لا مجال هنا للخوض فيها ،
إنما نثبت فقط هذه الحقيقة وهي أن قول المرجئة :
- إن كفر العمل – على إطلاقه – لا يخرج من الملة . غير صحيح !
- فالسجود إلى الصنم عمل وهو مخرج من الملة ،
- وسب الرسول صلى الله عليه وسلم عمل ، وهو مخرج من الملة ،
- وإهانة المصحف عمل ، وهو مخرج من الملة ،
- والتشريع بغير ما أنزل الله عمل ، وهو مخرج من الملة ،
- وموالاة الأعداء ومناصرتهم على المسلمين عمل ، وهو مخرج من الملة .
ونعود إلى أصل القضية ، وهي ارتباط السلوك بالعقيدة في الإسلام ، بحيث لا يند عنها عمل واحد يأتيه الإنسان بوعيه وإرادته :
"حتى اللقمة التي ترفعها إلى في زوجتك كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحتى ما يبدو أحيانا أنه عمل أرضي بحت . يقول عليه الصلاة والسلام : " وإن في يضع أحدكم لأجرا . قالوا : إن إحدنا ليأتي زوجه شهوة منه ثم يكون له عليها أجر ؟ قال : أرأيت لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فإذ وضعها في حلال فله عليها أجر " .
ومن ثم يكون المؤمن الحق على ذكر دائم لربه في كل لحظة من لحظات وعيه :
( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ) .
أي في جميع أحوالهم ..
وليس معنى ذلك أن المؤمن الحق لا يسهو ولا ينسى ولا يخطئ ..
فكل بني آدم خطاء كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن المؤمن حين يسهو أو ينسى أو يخطئ لا يلج في الغواية ، إنما يعود فيذكر ربه ويستغفر :
( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) .
فالاستغفار سلوك متصل بالعقيدة يمحو الله به السيئات ..
وهكذا يكون المؤمن – فـي جميع أحواله – في دائرة العقيدة ، بفكرهومشاعره وسلوكه .
وخلاصة القول أن المعاصي نقص في الإيمان ، وإن كان صاحبها لا يخرج من الملة إلا إذا استحلها ، وإذا كانت معصيته من النوع الذي يخرج صاحبه من الملة .
وفي مسيرة الأمة الإسلامية تكاثرت – مع مضي الزمن – المعاصي الدالة على نقص الإيمان (والمزيلة للإيمان في بعض الأحيان ) وإن كان خط السير كان دائم التذبذب بين الصعود والهبوط . ولكنه في القرنين الآخرين وصل إلى حضيض لم يصل إليه قط من قبل .
والهبوط وكثرة المعاصي ليس أمرا من لوازم الحياة البشرية التي لا فكاك منها ..
فلئن كان التفلت من التكاليف والميل مع الشهوات نقطة ضعف في الكيان البشري ، فقد وضع الله لها علاجا شافيا في منهجه الرباني ، حيث قال سبحانه :
( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) .
والتذكير ليس كله وعظا كما ظنت الأمة في فترتها الأخيرة ! إنما الوعظ – على ضرورته – دواء مكتوب عليه " لا تتجاوز المقدار " !!
يقول الصحابة رضوان الله عليهم :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة ( أي بين الحين والحين ) مخافة السآمة !
إنما التذكير يكون بالقدوة الحسنة مع الموعظة .. وقبل الموعظة .. وبعد الموعظة !
( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) .
والذي حدث في تاريخ الأمة أن التذكير بالقدوة الحسنة قد قلت نسبته – وإن بقي الوعظ – فتكاثرت المعاصي وحدثت أمراض كثيرة في السلوك .
---------
يتبـــــع