title="منتديات التربيه الاسلامية جنين - منتدى اللغة العربية وآدابها - RSS Feed" href="external.php?type=RSS2&forumids=54" /> من دلالات الكلام
  الرئيسية التسجيل خروج  

صفحتنا على الفيس  بوك  صفحتنا على  اليوتيوب  صفحتنا على تويتر  صفحتنا على جوجل  بلس

منتديات التربية الاسلامية جنين ترحب بزوارها الكرام ،،،، اهلا وسهلا بكم ولطفا يمنع نشر اي اعلان او دعاية تجارية هنا مع جزيل الشكر كلمة الإدارة


   
العودة   منتديات التربيه الاسلامية جنين > الأقــســـام الــعـــامــة > منتدى اللغة العربية وآدابها
التسجيل مركز التحميل الروابط الإضافية المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث
   

آخر 10 مشاركات ورقة عمل تلاوة خامس/ احكام النون الساكنة والتنوين (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 48 - المشاهدات : 49 )           »          كيف اختار طبيب تقويم اسنان مناسب لطفلي (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          من دلالات الكلام (الكاتـب : - مشاركات : 9 - المشاهدات : 10 )           »          الربح من التدوين (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          القلق والتوتر (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          القلق والتوتر (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          مجالات التدوين (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          الفرق بين زراعة الأسنان الفورية والتقليدية (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          مشروع كوافير رجالي (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          كيفية علاج التهابات سقف الحلق: الأسباب والعلاجات (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 1 - المشاهدات : 2 )


من دلالات الكلام

منتدى اللغة العربية وآدابها


إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
   
رقم المشاركة : ( 1 )
 
عضو جديد
مهاجر أحمد غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 10053
تاريخ التسجيل : Feb 2024
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 9
عدد النقاط : 10
قوة التقييم :
افتراضي

كُتب : [ 02-24-2024 - 04:31 PM ]


فكان من الأسوة الحسنة ما أُطْلِقَ ، وهو ما عَمَّ في المدلول ، وَإِنْ تَوَجَّهَ ، بادي الاستدلال إلى أفعال التعبد ، ولها في الشرع معنى أخص ، فَثَمَّ ، أيضا ، أفعال في الجبلة قد شُرِعَ فِيهَا الاقتداء على قاعدة من المحبة فهي باعث التقليد في الخارج ، فالنفس قد جُبِلَتْ أَنْ تُقَلِّدَ من تحب ، فيكون من الظاهر ما يحكي آخر من الباطن هو الباعث والمنشأ ، فالمغلوب قد جُبِلَ على تَقْلِيدِ الغالب ، وهو ما يكون عن استحسان لحال القوي ، فيغتر الناظر بما له من قوة ، وإن لم تُشْفَعْ بالحق ، فليس لها من خارج مرجع يأطر ، بل قد صارت هي المرجع ، فليس إلا المادة التي لا تجاوز مدارك الحس ، وليت المغلوب يحسن يقلدها أن يتناول أسبابها بحثا وتجريبا ، وإنما هي الجعجعة بلا طحين ، والانهزام أمام القوي الغالب ، فيكون من فساد النظر أن لم يجاوز الحس ، وهو ، مع ذلك ، يحكي أصلا في الباب يطرد ، فقد أَحَبَّ المغلوبُ الغالبَ ، أو أحب ما له من رياسة وسيادة ، وإن لم تكن عن ناصح من الأخلاق والديانة ، فاغتر بما ظهر ، وَأَحَبَّ حُبَّ التقليد لا التحقيق ، وإن خالف عن التشريع العادل والخلق التام ، وذلك مناط التقليد الذي يحمد ، لا آخر يصدر عن انهزام وهوان ، لم يكن لصاحبه من الاستعلاء بالإيمان ما يحمد ، فمعيار صاحبه محكم لا يشتبه ، فيكون من ذلك آثار في الخارج تظهر ، ومنها حكاية المحبة ، لا على سبيل التعبد بماهية مخصوصة ، فذلك ما لا يثبت إلا بالنص ، فـ : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، وهو ، كما تقدم ، مما تناوله التوكيد بلام الجواب لقسم أول قد قُدِّرَ صَدْرَ الكلامِ ، فكان من ذلك خلاف الراجح في الباب ، إذ دَلَّ المذكور المتأخر على المحذوف المتقدم ، والأصل أن يكون من المذكور أول يَثْبُتُ ، وبه المرجع في الذهن يحصل ، ثم يكون منه دليل على تال هو المحذوف المتأخر ، فذلك الأصل في باب الذكر والحذف ، وإن جاز ضد ، كما في هذا الموضع ، إذ دل المذكور المتأخر على المحذوف المتقدم ، وكان من اللام وما دخلت عليه من "قد" التحقيقية إذ دخلت على العامل الماضي "كَانَ" ، كان منهما دليل على أول من القسم تقدم ، وكلهم في باب التوكيد ينصح ، فَثَمَّ التوكيد بالإنشاء غير الطلبي ، وذلك التوكيد القسمي ، وثم توكيد لفظي بما زِيدَ في الحد من لام الجواب في "لَقَدْ" ، فزيادتها ، بادي النظر ، زيادة في المبنى تعدل أخرى تضاهي في المعنى ، وهي ، من وجه آخر ، ذات مدلول أخص ، فهي لام الجواب لِقَسَمٍ يَتَقَدَّمُ في الرتبة ، ذُكِرَ أو قُدِّرَ ، كما في هذا الموضع ، وثم ، أيضا ، "قَدْ" ودلالتها دلالة التحقيق إذا دخلت على الماضي ، وقد تُفِيدُ من ذلك ما يَلْطُفُ ، كَمَا قَرَّرَ بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ ، فَتُفِيدُ التَّقْرِيبَ الذي يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التحقيقِ ، كما في لفظ الإقامة : قد قامت الصلاة ، فَلَمَّا يَشْرَعِ المصلون فِيهَا بَعْدُ ، وإنما قُرِّبَ ذلك فُنِزَّلَ منزلة الواقع في نفس الأمر ، وقد تُفِيدُ ثالثا من التشكيك إذا دخلت على المضارع ، وإن أفادت التحقيق في مواضع ، كما في قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) ، فكان من ذلك علم قد أُطْلِقَ ، وهو ما قد عَمَّ فَتَنَاوَلَ علم التقدير الأول في الأزل ، وهو العلم المحيط الذي استغرق الكليات والجزئيات كافة ، فَلَهَا مِنْ ذَلِكَ ما اصطلح أنه القدم النوعي ، لا قِدَمُ أعيانِ المقدورات ، فالمبدأ منها عدم ، وإن كان ثم إثبات لعلم محيط يستغرقها ، فذلك علم التقدير الأول ، فلا يخرجها من العدم إلى الوجود ، بل هي الجائزة التي تَفْتَقِرُ إلى مرجِّح من خارج ، فهي ثابتة في العلم المحيط الأول ، ثبوت المقدور لا الموجود في خَارِجٍ يُصَدِّقُ ، فذلك ، لو تدبر الناظر ، ثبوت عدمي ، وهو مما قد يوهم التناقض بالجمع بين نقيضين ، الثبوت والعدم ، وليس ذلك مما يُوهِمُ إِذِ الجهة قد انْفَكَّتْ ، فجهة الثبوت هي العلم المحيط الأول ، إذ قد عَمَّ المقدورات كَافَّةً ، وجهة العدم هي الوجود في الخارج ، فَلَمَّا توجد الأعيان والأحوال بَعْدُ بما يصدق ما كان من تقدير أول في الأزل ، بل هي ، كما تقدم ، الجائزة التي استوى طرفاها في الاحتمال ، فلا تنفك تطلب المرجِّح من خارج ، كما تقدم من المشيئة وعنها كلم التكوين النافذ يصدر ، فهو المرجح في الجائز أن يكون له من ذلك وجوب في الخارج يصدق ، فليس الوجوب الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ فلا يفتقر إلى سبب من خارج ، فذلك ما اخْتُصَّ به الرب الخالق ، جل وعلا ، فهو واجب الوجود لذاته ، فوجوده الوجود الأول ، وذلك مما في الوصف قد أُطْلِقَ ، فلا يفتقر إلى سبب من خارج يَسْبِقُ ، بل المحال والأسباب كافة إليه تَفْتَقِرُ أن يوجدها ويدبرها بما سَنَّ من السنن المحكم ، وذلك الفعل الذي لا ينفك يطلب فاعلا هو الأول ، إذ يَقُومُ به ، وذلك مما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى فاعل أول لا فاعل قبله ، فعنه يصدر الفعل لدى المبدإ إذ يُرَجِّحُ في غَيْرٍ من المخلوقات المحدثة ، فَيُخْرِجُهَا من العدم الأول إلى وجودٍ تالٍ في الخارج يُصَدِّقُ ما كان من تقدير في علم إحاطة يَسْتَغْرِقُ ، وفيه قد ثَبَتَتِ المقدورات كافة ، لا الأعيان فَلَيْسَتْ تقدم بل هي مما يحدث بعدا بما يكون من مشيئة فيها ترجح ، وإنما ثبت في العلم الأول ما كان من تقدير في الأزل يثبت ، فذلك وصف أول يقدم ، وله من ذلك إطلاق يَعْدِلُ قدم الذات القدسية الأولى ، فَثَمَّ قِدَمٌ يَتَنَاوَلُ ما قَامَ بها من الوصف ، ومنه وصف التقدير الأول الذي استغرق ، ووصف المشيئة التي تُرَجِّحُ ، وإن لم يَقَعْ بَعْدُ من آحادها ما يُصَدِّقُ ، وبه الجائز من المقدور لَدَى المبدإ يصير موجودا بالفعل في الخارج ، فَثَمَّ من المشيئة والقدرة ما ثبت أزلا ، فلم يكن الخالق ، جل وعلا ، عن الفعل بمعطل ، وإن لم يكن ثم من آحاده في الخارج ما يحصل ، فَلَهُ ، جل وعلا ، من ذلك نَوْعٌ أَوَّلُ يَقْدُمُ ، وذلك ما يعدل في اصطلاح الحكمة الأولى : القوة ، وله آحاد في الخارج تحدث بما يكون بعدا من مشيئة ترجح ، وهو ما يعدل في اصطلاح الحكمة آنف الذكر : الفعل ، فَيُصَدِّقُ أولا من القوة إذ به تَأْوِيلُهَا في الخارج ، فيكون من المفعول ما تحدث آحاد منه تُصَدِّقُ مَا كَانَ من نوعٍ أول يَقْدُمُ ، إِنْ نَوْعَ الفعل الذي يُرَجِّحُ في المقدور ، أو نَوْعَ المقدور لا آحاده ، فنوعه مما ثَبَتَ أولا بما كان من علم تقدير يستغرق ، وهو بعدا يطلب مرجِّحا من خارج يوجب فيه فهو الجائز ، ويوجده في الخارج إذ المبدأ منه عدم أول ، فلم يكن من أعيان المقدورات شيء في الأزل ، بل كان الله ، جل وعلا ، ولم يكن معه أحد ، ومن وجوده الأول في الأزل ما تَنَاوَلَ علم التقدير الذي يستغرق أنواع المقدورات ، فهي مما يقدم العلم به ، لا أعيانها فهي المحدَثة ، فالعالم المحدَث ليس بقديم ، ونوعه مبدأ التقدير مما يصدق فيه أنه قديم ، فذلك قدم العلم الذي أحاط به واستغرق ، علم التقدير الأول ، وهو مما قام بذات الخالق ، جل وعلا ، لدى المبدإ ، إذ كان من أَوَّلِيَّتِهِ المطلقة ما عَمَّ الذات وما يقوم بها من الاسم والوصف والفعل والحكم ، ومنه وصف العلم ، علم التقدير المستغرق لآحادِ المقدوراتِ كَافَّةً ، ومنه فعل الترجيح بالمشيئة والقدرة ، فلم يكن ، جل وعلا ، بمعطَّل عن وصفِ الكمالِ المطلقِ ، لا وصفَ الذات ولا آخرَ من الفعل ، وإن كان من الأخير ما قَدُمَ في النوع ، فآحاده بعدا تحدث وبها تأويل المقدور الأول أن يخرج من العدم إلى وجودٍ تَالٍ يُصَدِّقُ ، فانفكت الجهة في هذا الباب : جهة القدم التي تَتَنَاوَلُ الأنواع ، وجهة الحدوث التي تَتَنَاوَلُ الآحاد ، وبه إبطال الشبهة في مسألة قِدَمِ العالم ، وهي مما عمت به البلوى في كل جيل ، ولها في الجيل المتأخر مناط خصومة تستحكم بين الحداثة التي تَنْفِي الخلق الأول ، بل وتجحد الخالق ، جل وعلا ، وإن تكلفت لذلك من الأدلة ما يصدق فيه أنه عين السفسطة ، إذ تُنْكِرُ المعلوم الضروري من بدائه الاستدلال ، فالفعل لا بد له من فاعل أول ، وذلك ، كما تقدم في موضع ، مما يَتَسَلْسَلُ حتى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى فاعل أول لا فاعل قَبْلَهُ ، وله من وصف الفعل ما قَدُمَ ، فلم يكن عاجزا عن الفعل ثم قَدَرَ ، بل له من ذلك أول قد ثَبَتَ ، وَإِنْ ثبوتَ القوَّةِ ، فَلَمَّا تَأْتِ بَعْدُ أفعالٌ له تصدق في الخارج ، بما يكون من مشيئة ترجح ، فكانت الخصومة آنفة الذكر بين الحداثة والرسالة ، فجاء الوحي من ذلك بما يواطئ القياس المصرح ، وأبان عن إجمال في الباب يجاوز العقل والحس من قصة أولى من الخلق ، فَلَا يَنْفَكُّ الناظر فيها يَفْتَقِرُ إلى مرجع من خارج يجاوز العقل والحس ، وإن لم يخالف عن بدائه الضرورة في القياس والنظر ، فلا يخبر بمحال ذاتي يمتنع ، وإنما يخبر بجائز في العقل لدى المبدإ ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، والإخبار عنه يطلب ، أيضا ، المرجع المجاوز من خارج العقل والحس ، فيأتي الوحي ، كما يقول بعض من حقق ، يأتي بالمحار في كَيْفِهِ لا المحال الذي يمتنع في العقل الصريح مبدأَ النظرِ ، فذلك الوحي الذي أُمِرَ الخلقُ بِاتِّبَاعِهِ ، وهو ما أُطْلِقَ الأمر فيه أَنِ : (اتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) ، وذلك ما عَمَّ الاتباع في آحاد الأمور المخبر بها أن تُصَدَّقَ ، والأوامر المكلَّف بها أَنْ تمتثل ، فَعَمَّ في الباب : القول والعمل ، مع آخر من الإطلاق قد استفيد ، إذ تناول وجوه المعنى ، فذلك الاتباع التام في مسائل الشريعة كافة ، الخبر والإنشاء ، فكان من ذلك عموم في التأسي والاقتداء ، كما تقدم من حال ابن عمرو ، رضي الله عنهما ، فإنه كان يكتب كُلَّ شيءٍ ، فَلَئِنْ كان من القرينة ما يُقَيِّدُ ، فذلك كَتْبُ ما له وجهٌ في الشريعة يَثْبُتُ ، إلا أن ثم آخر أعم بما يكون من اقتداء المحب ، ولو في أفعالِ الجبلة ، فيكون من ذلك مناط تعبد يُثَابُ فيه الفاعل ، لا أنه للفعل قد بَاشَرَ ، فهو فعل جبلة يستوي فيه الخلق كافة ، وإنما لمناطٍ أخص ، وهو الحب ، فذلك باعثه في الفعل ، فعل التأسي والاقتداء ، فالنفس مولعة بتقليد من تحب ، وهو ما يحمل العموم في حديث ابن عمرو على الحفظ ، فَهُوَ العام المحفوظ ، مِنْ هَذَا الوجهِ ، لا المخصوص الذي لا يُجَاوِزُ الشرع المنقول ، وهو ، أيضا ، كما في أول قد تَقَدَّمَ من نهي قريش ، فكلاهما مما يصدق فيه أنه العام الذي يراد به خاص ، فلم يكتب كل شيء ، على التفصيل آنف الذكر ، وإنما كتب خاصا وهو ما تناول مسائل الشرع إرادةَ حفظِها ، كما قَدْ نَصَّ في الخبر : "أُرِيدُ حِفْظَهُ" ، وهو في تأويل المفعول لأجله ، على تقدير : إرادةَ حِفْظِهِ ، والمضارعة ، كما تقدم في موضع ، مما به الصورة تُسْتَحْضَرُ ، فابن عمرو يحكي حاله التي اتصلت زَمَنَ التكلم ، وهو ما رُوِيَ مضارعا وقد انْقَضَى ، فكان من ذلك استحضار له بعد حدوثه ، فَثَمَّ مقام التكلم الذي يصدر عنه ابن عمرو ، وثم مقام الحكاية وهو ما يقصه غيره ، فهو يُخْبِرُ عنه وقد غاب ، فكان ابن عمرو يكتب فهو يريد حفظ ما كتب ، فحصل من المقام ما يميز المتكلم من الغائب ، والمتكلم من المخاطَب ، فلكلٍّ في اللسان وضع أول ، إِنِ البارزَ أو المستترَ في باب الضمير ، وَالْبَارِزُ هو الأصل ، وبه يُقَدَّرُ المستتر فهو فَرْعٌ عنه ، وقد يَنُوبُ بَعْضٌ عن بعض ، كما بَعْضُ من بحث هذه الظاهرة ، نِيَابَةَ الضمائرِ ، كما بعض من بحث هذه الظاهرة يضرب المثل بِنِيَابَةِ ضميرِ الجر عن ضميرِ الرفع في "لولاي" و "لولاه" ، فالقياس أن يقال : لولا أنا ، ولولا هو ، فتلك نيابة أولى في الباب ، نيابة المتصل عن المنفصل ، وعكسه نيابة المنفصل عن المتصل في نحو قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، فالقياس أن يتأخر الضمير ويتصل ، فيكون من ذلك خطاب يتوجه إلى الرب المهيمن ، جل وعلا ، أن : نعبدك ، وهو ما يصح لفظا ومعنى ، ولكنه في باب التوحيد لا يجزئ ، إذ يقبل الشريك ، ولو احتمالا ، على تقدير : نعبدك ونعبد غيرك ، فكان الاحتراز أَنْ قُدِّمَ المفعول المتصل ، وَحَقُّهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ ، إذ المفعول تال في الرتبة واللفظ لما كان أولا من الفاعل والفعل ، فحصل من ذلك توكيد وحصر ، كما اطرد لدى أهل الشأن ، فذلك أصل يطرد في كُلِّ متأخِّرٍ إذا قُدِّمَ في الذكر ، سواء أكان الظرف أم غيره ، كما المفعول وهو ما يَتَأَخَّرُ ، فإذا قُدِّمَ فلا يكون ذلك إلا وثم ما يُسَوِّغُ من معنى يزيد أو آخر به اللفظ يَحْسُنُ ، كما فاصلة الآي المنزل في قوله تعالى : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) ، فقدم الظرف "فِي نَفْسِهِ" وحقه أَنْ يَتَأَخَّرَ ، فهو ، من وجه ، يفيد التوكيد والحصر ، مع تعيين المحل الذي حصل فيه الخوف ، وذلك آكد في الدلالة ، فالخوف قد حصل في نفسه ، وهي محل العلوم والإرادات ، وعنها يصدر الظاهر من الحركات ، وذلك مما يتلازم في الحد ، فإن التصور الباطن أول وعنه حركات الظاهر تصدر ، وبينهما من الحركة الباطنة ما يجاوز التصور ، وهو ما يعدل في الإيمان حد التصديق الأول ، وهو المسبوق بالعرفان المجرد الذي يحصل في وجدان المخاطَب ، آمن أو كفر ، فَثَمَّ تَصَوُّرٌ أول لِمَا يُؤْمِنُ به أو يَكْفُرُ ، وثم تال من حركة الباطن ، وهي ما يكون من التصديق الجازم ، فذلك معنى أخص من أول يقوم بالجنان من مطلق التصور ، وهو الأعم ، فَثَمَّ أخص في الباب يَقْضِي في الأعم ، فالتصديق تَصَوُّرٌ وزيادةٌ ، إذ يكون من حركة الجنان ما يُرَجِّحُ في المعلوم الأول ، وهو ما لِلْجَائِزِ عند النظار يَعْدِلُ ، فالجائز مما استوى طرفاه في الحد ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، فكان من حركة الجنان أخص من التصديق ، وهو ما يَقْضِي في أَعَمَّ من التصور ، فَثَمَّ دليلُ قبولٍ وإذعانٍ وانقيادٍ واستسلامٍ ، وتلك معان أخص تحصل في القلب ، فَتُرَجِّحُ الإثباتَ ، وثم أخرى تُرَجِّحُ ضِدًّا من النفي ، فيكون التكذيب ، وهو ، أيضا ، المرجِّح من خارج ، وله أمارات في الظاهر بما يكون من العداوة والبغضاء ، فإن المصدِّق يُحِبُّ وَيُوَالِي ، والمكذِّب يَكْرَهُ وَيُعَادِي ، وذلك مما اطرد في الحكم وانعكس ، فالجنان محل التصورات ومعدن البواعث الأولى التي عَنْهَا تصدر الإرادات ومن وَرَائِهَا تَالٍ من حركات الظاهر ، قَوْلًا وَعَمَلًا ، فَثَمَّ عرفان مجرَّد ، وهو في الوجود أول ، وهو الأعم الذي استوى فيه الخلق ، من آمن ومن كفر ، من صدَّق ومن كذَّب ، وثم تال أخص بما يكون من حركة في القلب تُرَجِّحُ ، فالعرفان المجرد جائز قد استوى طرفاه في الحد ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، فيكون من المرجِّح : تصديقٌ أو تكذيبٌ ، ولكلٍّ : لازم عنه يصدر ، صدور المسبَّب عن سبب هو الأول ، فيكون من التسليم والانقياد والإذعان والاستسلام ، يكون من ذلك لازم لِمَا حَصَلَ من التصديقِ ، وثم آخر من إرادةٍ في الجنان تحدث ، وهي عمل يَبْطُنُ ، كما التصديقُ : حركةٌ في الوجدان تجاوز المجرَّد من العرفان ، فكل أولئك مما يَصْدُقُ فيه اسم العمل ، وَإِنْ خَفِيَ وَلَطُفَ ، فَلَمْ يُدْرَكْ بالحسِّ الظاهرِ ، كما القول والعمل في الخارج ، فَثَمَّ آخر من قولِ الجنانِ ، وذلك التصديق ، وثم عمل فيه يَثْبُتُ بما يكون من إرادةٍ تَحْدُثُ ، وهي عَنِ التَّصَوُّرِ فَرْعٌ أول ، فهي الحكم الباطن الذي يصدر عنه القول والعمل الظاهر ، إِنْ فِعْلًا أو كَفًّا ، فَثَمَّ من جنس الإرادة ما انْقَسَمَ في الخارج ، فمنه إرادة الفعل وهي لازم الرغبة بما يكون من وعد يصدق وَحُسْنٍ في الماهية يَجْمُلُ ، فَمِنَ الحسن باعث مباشرة وفعل لما يحسن ، وذلك قياس العقل المصرَّح ، فالحسن مما تَرْضَاهُ النفوس كَافَّةً ، بل من سلك ضِدًّا من القبيح ، فلا ينفك يَلْتَمِسُ له التأويل أنه الحسن الجميل ، ولو كان ظاهرَ الْقُبْحِ في الماهية والحد ، فلا ينفك يطلب من الجمل الرئيسة في الباب لحاءً يكسو به ما قَبُحَ من القول والعمل ، ولا ينفك يجد من المجمل ما به يَتَذَرَّعُ ، ولو في موضع جزئي يطلب التفصيل ، لا جرم كان من منهاج المحدِثة في الملة : الاستدلال بالعمومات المجملة في مواضع أخص لا تثبت إلا بالنص ، فَمَحِلُّهَا التَّوْقِيفُ ، وَذَلِكَ ما يطلب زِيَادَةً في الدليل ، فَمَا شُرِعَ عَلَى حَدِّ الإطلاق لا يلزم منه آخر حالَ التَّقْيِيدِ ، كَمَا يَقُولُ بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ ، وهو يَتَنَاوَلُ الذِّكْرَ المحدَث ، فإن من حُجَجِ أصحابِه ، أدلة عامة في موضع أخص فهو يَفْتَقِرُ إلى دليل يَزِيدُ ، فكان من ذلك استدلالهم بإطلاق الأمر في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) ، فذلك الأمر الذي أُطْلِقَ ، وهو ما انْصَرَفَ ، بادي النظر ، إلى الإيجاب الملزِم ، وهو مما يُسْتَصْحَبُ حَتَّى يكون ثم دليل يَصْرِفُ ، فَثَمَّ من جنسِ الذِّكْرِ وما وجب في الجملة ، ولا ينفك الإطلاق يجاوز المنصوص من الواجب كما ذِكْرٌ في الصلاة وهي الفرض ، فكان من حَدِّهَا في الاصطلاح أنها أقوال وأفعال مخصوصة تُفْتَتَحُ بالتكبير وهو ركن ، والتسليم وهو ، أيضا ، مِنَ الْأَرْكَانِ الَّتِي بِهَا تحصل ماهية الفعل في الخارج ، وهما من الذكر الواجب ، بل لهما من المنزلة ما يجاوز فهما الفرض اللازم ، وإلا ما حصلت الحقيقة في الخارج ، ولو أدنى ما تصدق فيه ، كركعة الوتر ، وهي أدنى ما يصدق فيه الاسم ، اسم الصلاة ، فَثَمَّ من الذكر ما فُرِضَ ، فهو ركن رَئِيسٌ من أركان الحقيقة في الخارج ، كما التكبير وكما التسليم ، وكما فاتحة الكتاب ، فلا تجزئ صلاة إلا بها ، على تفصيل في الباب يطلب من كتب الفروع ، إذ ثم نَفْيٌ قد تَوَجَّهَ في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»" ، وهو ما يحمل ، كما يقول أهل الشأن ، على نفي الحقيقة وذلك أول يستصحب حتى يكون ثم من القرينة ما يصرف ، فإذا تَعَذَّرَ حِمْلَانُ النَّفْيِ على الحقيقة وَجَبَ صَرْفُهُ إلى آخر وهو المجاز ، على قول من يُثْبِتُهُ في اللسان والوحي ، وهو ما تَفَاوَتَ فمنه القريب الذي يَتَبَادَرُ ، وذلك نَفْيُ الصِّحَّةِ ، فلا صلاة تصح لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب والذكر ، ومنه بعيد لا يظهر ، بادي النظر ، وذلك نَفْيُ الكمالِ ، فلا صلاة تكمل لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب المنزل ، فَإِذْ تَعَذَّرَ حملان النفي على الحقيقة ، فَثَمَّ وجود لها في الخارج قد ثَبَتَ ، وَإِنْ غَيْرَ مجزِئٍ في الخروج من عهدة الحكم ، فإن من الوجود ما يصدق فيه أنه الحسي ، وقد يواطئ آخر هو الشرعي وقد لا يواطئ ، فَمَنْ صَلَّى وهو محدث ، فَثَمَّ من حقيقة الحس ما ثَبَتَ في الخارج ، وليست تجزئ في ثُبُوتِ أخرى أخص من حقيقة الشرع إذ قد فات الشرط ، وهو الطهارة من الحدث .
فَإِذْ تَعَذَّرَ حملان النفي على الحقيقة ، فَثَمَّ وجود لها في الخارج قد ثَبَتَ ، فالواجب صَرْفُهُ إلى آخر من نَفْيِ المجاز ، فَنُفِيَ منه القريب الذي يَتَبَادَرُ ، وذلك نفي الصحة ، وهو ما يُسْتَصْحَبُ في النفي إِذْ تَعَذَّرَ استصحابُ أول ، وهو الأصل ، فذلك نفي الحقيقة في الخارج ، فَإِذْ تَعَذَّرَ ، فَثَمَّ نفي المجاز القريب من الصحة ، وهو ما حمل عليه النفي في الخبر آنف الذكر : "«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»" ، وثم نفي المجاز البعيد من الكمال ، وهو ما حَمَلَ بَعْضٌ النَّفْيَ في الخبر عليه ، فَقَدْ فَاتَ ما يصدق فيه أنه الواجب ، فالكمال ، أيضا ، جنس عام يَتَنَاوَلُ آحادا في الخارج ، فَثَمَّ نفي الكمال الواجب ، وثم آخر من نَفْيِ الكمال المستحب ، ونفي الكمال الواجب هو ما يَتَبَادَرُ حَتَّى يكون ثم قرينة تصرف إلى آخر من المستحب ، فهو مما لا يظهر ، بادي الرأي ، فَثَمَّ مَنْ نفى الصحة وهم الجمهور ، وثم من نفى الكمال الواجب ، وهو مذهب الحنفية رحمهم الله ، فالفاتحة عندهم من الواجب الذي ثَبَتَ بدليل ظني وهو خبر الآحاد ، فلا يقضي في عام متواتر من آيٍ قد أَطْلَقَ في الذكر ، فـ : (اقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، فذلك مما يجزئ في الخروج من عهدته : تلاوةُ أَيِّ آيٍ سوى الفاتحة ، وذلك المتواتر القطعي في ثبوته ، ولهم من الأصول ما يمنع قضاء الآحاد في المتواتر ، ولو بالتخصيص لا بالنسخ ، فلا يخصص العام المتواتر عندهم بالآحاد ، فالخبر آحاد قد أوجب فاتحة الكتاب ، والآي متواتر ، وإن كان عاما في دلالته ، فلا يقضي فيه الخاص من الخبر ، بل كلاهما مما يستصحب في الباب ، فيكون ذلك من إعمال الأدلة فهو أولى من الإهمال ، فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ ، أَنَّ مَا تَيَسَّرَ سوى الفاتحة يُجْزِئُ في الخروج من عهدة الصحة ، وإن لم يَخْرُجْ به القارئ من عهدة الواجب ، فَتَرْكُهُ مِمَّا يَقْدَحُ في الكمال الواجب لا في أصلِ الصحة ، فليس بالفرض ، إذ الفرض عندهم جنس أخص من الواجب ، فلا يثبت الفرض إلا بدليل قاطع ، خلاف الواجب الذي يثبت بدليل ظني ، كما خبر الآحاد آنف الذكر أَنْ : "«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»" ، فَفَاتَ تاركَ الفاتحة ، فَاتَهُ الواجبُ فصلاته صحيحة ولو أَثِمَ بِتَرْكِ الواجب ، إذ تَرْكُهُ لا يأتي على أصل الصحة بالإبطال ، ولم يَفُتْهُ الفرض ، فحصل له من ذلك ما يصدق فيه الحد ، حد الصلاة الصحيحة ، ولو ناقصةً ، لا جرم تأولوا النفي في الخبر أنه نفي الكمال الواجب لا الفرض اللازم ، وكان لهم من ذلك إعمال الدليلين فهو خير من الإهمال ، فالدليل المتواتر : (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، ذلك مما يجزئ في حصول أول من الصحة دون تال من الكمال الواجب ، فذلك مما لا يحصل إلا بفاتحة الكتاب النازل ، فجمعوا بين الاثنين ، إذ العام عِنْدَهُمْ قطعي الدلالة كما الخاص ، فكيف والعام في هذا الموضع قطعي الثبوت فهو من المتواتر ، فلا يَقْضِي فيه آخر دونه من ظني الثبوت من الآحاد ، ولو كان قطعيَّ الثبوتِ ، فَلَا يَقْضِي فيه ظَنِّيُّ الثبوتِ إلا أن يكون من دليل التخصيص للمتواتر : متواتر مثله ، فهو يُضْعِفُ دلالته ، وَيُصَيِّرُهُ بَعْدًا قابلا للتخصيص بما هو أَضْعَفُ من خبرِ الآحاد ، فلا يَقْوَى الأخير أن يخصصه حال الابتداء ، والجمهور على ضِدٍّ ، فإن العام ظني الدلالة ، وهو ما يعدل في الحد : الجائز لدى النظار ، وذلك مما استوى طرفاه في الاحتمال ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، وهو الدليل الصارف إلى ضِدٍّ من المؤول ، وهو الخاص الذي يقطع في الدلالة ، فالخاص لدى الجمهور قَاضٍ في العام ، ولو كان الأول ظني الثبوت والثاني قطعي الثبوت ، إذ الأول قطعي الدلالة والثاني ظني الدلالة ، والعبرة في المعاني بالدلالة لا بالثبوت ، فيجزئ من الأخير ما به الصحة تَثْبُتُ ، ولو ظنا يَرْجُحُ ، كما خبر الآحاد إذا صَحَّ أو حَسُنَ ، فكلاهما يجزئ في الاستدلال وبه المعنى يثبت ، وإن تَفَاوَتَا في الدرجة ، فَثَمَّ أول من الخبر يوجب التَّوَقُّفَ احترازا في الرواية الدينية وهي مما به الْبَلْوَى تَعْظُمُ ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ ، كما آي من الذكر يَنْصَحُ ، فـ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ، فَثَمَّ تَوَقُّفٌ حتى يكون ثم تال من التَّبَيُّنِ ، إلا أن يكون من حال الناقل ما يكمل ، فهو العدل الضابط ، وذلك من شرط الصحيح واحد ، كما حده أهل الشأن ، فَلَهُ من الشرط : الاتصال ، وعدالة الناقل ، وضبطه ، مع سلامة من اثنين : الشذوذ والعلة القادحة ، وهو ما يصدق فيه ، من وجه ، أنه اشتراط إيجاب وسلب ، فإيجاب في شرط الاتصال والعدالة والضبط ، وسلب في نفي الشذوذ والعلة القادحة ، مع آخر يصدق فيه أنه عطف العام على الخاص ، فإن الشذوذ خاص ، والعلة القادحة عَامٌّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ سَبَبٍ يَقْدَحُ في صحة الحديث ، ظهر أو خفي ، وإن خصت العلة لدى أهل الشأن بوصف الخفي لا الظاهر ، وكذا يقال في الشذوذ والنكارة ، فَثَمَّ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَهِيَ مخالفة الراوي لمن هو أوثق ، وثم من خص الشاذ بمخالفة الثقة ، والمنكر بمخالفة الضعيف ، فَإِذَا ثَبَتَ الخبر وَصَحَّ فاستوفى الحد آنف الذكر ، إن في الإيجابِ أو في السلبِ ، فإذا كان ذلك فهو مما يُسْتَصْحَبُ ، فالخبر في الاحتجاج يجزئ ، ولو ظَنِّيًّا يَرْجُحُ ، فليس يجزم الناظر بِصِحَّتِهِ في نَفْسِ الأمرِ ، إذ ليس من المتواتر الذي يحصل به القطع ، وإن كان من الآحاد ما يجاوز الظن إلى العلم ، لا علم الضرورة الذي يفيده المتواتر بادي النظر ، فهو مما استوى فيه الخلق كافة ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلى نَظَرٍ زَائِدٍ ، وإنما الآحاد قد يجاوز أولا من الظن الراجح ، فَيُفِيدُ العلم لا تحكما وإنما بما احْتَفَّ به من القرائن ، وذلك عمل في العقل زائد ، لا جرم اخْتُصَّ به أهل الشأن ، فذلك العلم النظري الذي لا يحصل لكلِّ أحدٍ ، فلا يحصل إلا بِنَظَرٍ يَزِيدُ لا يحسنه إلا أهل الفن ، وذلك ما اطرد في العلوم والفنون كافة ، إذ ثم فِيهَا تَوَاتُرٌ أخص لا يحصل إلا لأهل الشأن ، إذ يثبت عندهم ويتواتر ما لا يحصل نظيره لدى غيرٍ ، والآحاد ، مع ذلك ، مما يجزئ في الاستدلال ، ولو ظَنِّيًّا يرجح ، فذلك ما يعدل في الاستدلال : الظاهر الذي يُسْتَصْحَبُ مع احتمال ضِدٍّ من المؤول ، فلا يصار إليه ، بادي النظر ، إلا أن يكون ثَمَّ من القرينة ما يصرف ، وإلا كان التحكم في الباب : ترجيحا بلا مرجح ، بل ترجيحًا لما هو ابتداء المرجوح ، فالترجيح في الجائز وقد استوى طرفاه مما لا يسلم لصاحبه إذ ثم من الدعوى ما يفتقر إلى بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ ، وهي من خارج تُرَجِّحُ ، فكيف بالمرجوح في مقابل الراجح ، فالمصير إلى الأول يفتقر إلى البينة من باب أولى ، وإلا كان تحكم آخر ، وهو في النظر أفسد ، فيرجح الناظر المرجوحَ بلا دليل يَصْرِفُ عن أصل أول يُسْتَصْحَبُ من ظاهر يَرْجُحُ ، فذلك تحكم بدعوى مجردة من الدليل ، بل قد صَيَّرَهَا صاحبُها الدليلَ ، فكان من ذلك فساد آخر إذ يصادر على المطلوب ، فيحتج للدعوى بعينها ، وهي صورة الخلاف التي يُسْتَدَلُّ لها لا بها ، فلا يكون من دعوى التضعيف بعد ثبوت الصحة المعتبرة أو الحسن ، لا يكون منها ما يجزئ في الاستدلال حتى يقيم صاحبها البينة التي تشهد بفوات شرطٍ من الصحيح ، فالتوقف أولا مما به الاحتراز في نَقْلِ الأخبار الدينية ، ثم الإثبات تاليا لا تحكما في الدعوى أَنْ تَصِيرَ هي الدليل على نَفْسِهَا ، وإنما بما كان من بَيِّنَةٍ من خارج تَشْهَدُ ، وهي شرط صحة تَنْصَحُ ، وبها زِيدَ في وصف الخبر أنه الصحيح أو الحسن ، فاستصحب من ذلك أصل تال ، وإن ظاهرا يَرْجُحُ ، فصاحبه في الحكم لا يَقْطَعُ ، وإنما أَجْزَأَ ظَاهِرًا في الباب يُسْتَصْحَبُ حتى يكون ثم من الدليل ما يُرَجِّحُ ضِدًّا من المؤَوَّل ، فَيُقِيمُ المخالِف بَيِّنَةً تَقْدَحُ فِي الصحة أو الحسنِ المستصحَبِ ، وإلا فهما في الاستدلال يجزئان ، وإن تَفَاوَتَا في الدرجة ، فذلك مما يصار إليه حال الترجيح بَيْنَهُمَا إِذَا تَعَذَّرَ الجمع ، وهو ، كما تقدم ، الأولى ، فالإعمال أولى من الإهمال ، فإذا تَعَذَّرَ الجمع بين صحيح وحسن ، فالصحيح يَرْجُحُ الحسنَ ، وإن كان كلاهما في الباب يجزئ ، باب الثبوت ، وكذا إذا تعذر الجمع بين عام وخاص ، فالخاص يرجح إذ يقضي في العام بالتخصيص ، وإن كان كلاهما في الباب يجزئ ، باب الدلالة ، وهو ما سلك الجمهور في هذا الموضع ، موضع الفاتحة ، فالخاص من خبر الآحاد : "«لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»" ، يقضي في العام المتواتر من آي الذكر المحكم أَنِ : (اقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، وهو ما يصدق فيه ، أيضا ، إعمال كِلَا الدليلين ، بل ليس ثم تعارض ، بادي النظر ، فلا تعارض بين عام وخاص في الدلالة ، إذ الخاص في الباب أقوى فهو قاض في العام ، وإنما يكون التعارض بين اثنين قد استويا في الدرجة ، فيكون التعارض بين عام وعام ، أو خاص وخاص ، لا جرم لم يصير الحنفية المسألة من هذا الوجه ، وإلا لزمهم التخصيص آنف الذكر ، وإنما صيروا العام قطعيا كما الخاص ، فصار ذلك تعارضا في الباب ، وإن قالوا بعد ذلك بالجمع إعمالا فهو أولى من الإهمال ، فأعملوا المتواتر في الخروج من عهدة الصحة الأولى ، وأعملوا الآحاد في الخروج من عهدة الكمال الواجب وهو تال بعد حصول الصحة مبدأَ النظر ، كما يُقَالُ في باب الإيمان ، فإن منه أولا وبه حصول أدنى ما يصدق فيه اسم الإيمان في الخارج ، ومنه تال يزيد ، فذلك مما يحصل به الكمال الواجب ، فالأول يَخْرُجُ بِهِ صاحبُه من عهدة الكفر الناقض لأصل الملة ، والثاني يخرج به صاحبُه من عهدة القادح في الكمال الواجب لا الأصل الجامع ، كما لا يكون تعارض بين المتواتر والآحاد في الثبوت ، وإنما يكون بَيْنَ متواترٍ ومثلِه ، أو خاص ومثله ، فَشَرْطُ التَّعَارُضِ بَيْنَ دليلين أَنْ يَسْتَوِيَا في الدرجة ، إن في الثبوت أو في الاستدلال ، وهو ما يرد عجز كلام إلى صدر تقدم ، فإن الأمر بالذكر المطلق كما في آي من الذكر المحكم أَنْ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) ، ذلك مما لا يجزئ في مواضع أخص ، إذ كان فيها النص على ذكر مخصوص ، كما ذكر الصلاة ، وهو ، لو تدبر الناظر ، جنس عام يتناول آحادا في الخارج ، فمنه الفرض ، كما تكبيرة الإحرام والتسليم والفاتحة ، على تفصيل تقدم ، ومنه الواجب كما التسبيح في الركوع والسجود ، ومنه المستحب كما الزيادة في الحد ، حد التسبيح ، فالواجب منه مرة وبه يخرج المصلي من العهدة ، إذ يجري مجرى المطلق الذي يخرج المكلَّف من عهدته أن يأتي منه في الخارج بأدنى ما يصدق فيه الاسم ، وهو المرة ، فهي أدنى ما تحصل به الحقيقة في الخارج ، فالواجب مرة ، وأدنى الكمال ثلاث ، وأعلاه عشر ، فما زاد عن المرة فهو المستحب ، وكذا يقال في دعاء بخير ، إِنْ في دين أو في دنيا ، فذلك ما اسْتُحِبَّ ، ولو استحبابًا أَعَمَّ ، إذ ليس ثم فيه نَصٌّ أخص ، وذلك محل الشاهد في بابِ الذِّكْرِ ، فإن ما شُرِعَ عاما ، فليس يزيد فيه المكلَّف هَيْئَةً خاصة من القول والعمل إلا أن يكون ثم نص يُبَيِّنُ ، فَلَا يُسْتَدَلُّ بالعام في موضع خاص ، فيزيد المكلف من ألفاظ الذكر وهيئاته المخصوصة ما يَفْتَقِرُ إلى الدليل ، كأن يخصص زَمَنًا بعينه ، فيجعل له من الذكر لفظًا بِعَيْنِهِ ، فتلك زيادات في بابِ تَوْقِيفٍ ، فلا تثبت إلا بدليل ، وإلا كان التحكم آنف الذكر ، تخصيصا بلا مخصِّص ، فهو من جنس الترجيح بلا مرجِّح ، وليس ذلك مما في الاستدلال يَنْصَحُ ، فَلَئِنْ شُرِعَ الذكر مطلقًا في كل وقت ، فإن التقييد بِزَمَنٍ أو هيئةٍ مما يَفْتَقِرُ إلى دليلٍ بِعَيْنِهِ ، فلا يُحْتَجُّ بالعام أو المطلق في موضعِ تخصيصٍ أو تقييدٍ ، كما لا يستدل الناظر بما شُرِعَ من نافلة الصلاة ، أن يزيد فيها صلاة مخصوصة بزمن أو هيئة ، فذلك مما يفتقر إلى دليل أخص ، فلا يحتج بذلك في نافلة في وقت نهي ، فإن الدليل النادب إلى النافلة : دليل عام ، ودليل النهي عن الصلاة في أوقات : دليل خاص ، فلا يستصحب الأول فيكون منه ما يسوغ النافلة في وقت النهي ، إذ ثم منه دليل أخص يَنْهَى عن الصلاة في هذا الوقت ، وإن كان ثم آخر يَقْضِي في عموم النهي ، فالنافلة التي تحرم في وقت النهي هي المطلقة بلا سبب ، لا المقيدة من ذوات الأسباب ، على تفصيل في الباب يطلب من كتب الفروع ، ومحل الشاهد أن الاستدلال العام لا يجزئ في مواضع التخصيص إذ تَفْتَقِرُ إلى دليل في الباب يزيد ، فلا يحتج بالأمر المطلق أَنْ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) ، وهو ما يوجب ، بادي النظر في دلالة الأمر في لسان العرب ، وهو مما استصحب في أصول الاستدلال الشرعي ، إذ يعالج منه النص العربي الذي نَزَلَ بِلِسَانِ القوم ليبين لهم الخبر والحكم ، فذلك أصل عام يستصحب في الرسالات كافة ، فـ : (مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) ، لا جرم كان لسان الجيل الأول في كلِّ رسالةٍ هو معيار الاستدلال ، إذ نَزَلَ به الوحي ، وهم أعلم به من غَيْرٍ ، إن العلم بِلِسَانِهِ فهو لسانهم الذي حصل لهم ضرورة لا تفتقر إلى نظر يزيد من التجريد ، تجريد قواعد النطق من المعجم والنحو والصرف والبيان ، فتلك علوم قد حدثت في الجيل المتأخر ، إذ قد فَسَدَ منه النطق بما كان من عجمة ولحن ، فَصَارَ الضروري الذي يباشره الجيل الأول بلا كُلْفَةٍ ، صار نظريا يتناوله المتأخر بالنظر والدرس ، لا جرم كان للأول على الثاني درجة ، مع آخر يزيد فالجيل الأول قد شهد التنزيل ، ولم يشهده المتأخر ، وإن كان من النقل ما يَصْدُقُ ، فليس كمن عاين وباشر بنفسه ، إذ أَفَادَهُ ذلك ، كما يقول بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ ، عقل المعنى ، فإن الكلام مجموع يأتلف من كلمات لها مدلول أول ، وهو ما يجرد المعجم المفرد إذ يجتهد في استقراء المواد المتداولة من الألفاظ ، فَيَمِيزُ المستعمل من المهمل ، وهو بحث احتمال في تأليف الألفاظ من الحروف ، كما صنع الخليل ، رحمه الله ، في "العين" ، فاستقرأ وجوه الاحتمال في تأليف الألفاظ من الحروف المقطعة ، فَثَمَّ ماد من النطق أولى ، وهي أصوات مقطعة ، لها من المخارج ما يميز ، وهي مما يصدر من العاقل وغيره ، وإن كان للعاقل منها ضبط أدق ، إذ ثم من صوته ما يصدر بالإرادة والقصد ، وذلك ما يميز المكلف من غير ، فَثَمَّ من درس الصوت ما تناول المخارج والصفات لحروفٍ هي المقطَّعات التي تُنْطَقُ مُفْرَدَةً ، فيكون من تَتَبُّعِ المجرى ، مجرى الهواء في جهاز النطق ، وما يَنْتَهِي إليه في كل حرفٍ ، يكون من ذلك ما يميز المخارج ، من الحلق إلى الشفة ، وبينهما تجويفُ الفمِ ، واللثةُ ، وذلك أول ما يتناول الباحث في ظاهرة الكلام التي اختص بها العاقل ، فهي ، كما تقدم في مواضع ، مما يجاوز المنطق الظاهر ، حرفا مقطعا أو كَلِمًا مُتَّصِلًا أو سياقا مُرَكَّبًا ، مذكورا أو مقدرا ، فكل أولئك مما يظهر ، وله أول في الوجدان يبطن ، فذلك منطق العقل الذي رُكِزَ في الجنان فهو يحكي خاصة الروح التي تلطف ، فثم من المعنى ما جاوز المادة المدركة بالحس من الجسد وآلاته ، ومنها آلة الصوت التي تحكي ما يقوم بالنفس من المعنى ، فالمعنى هو مراد المتكلم ، ولا يكون ذلك إلا أن يكمل العقل ، فيجاوز غَرَائِزَ الحس ، فلا يكون منه استجابة لمؤثر من خارج تتناوله المدارك الظاهرة ، فذلك ما استوى فيه الإنسان وسائر الأنواع ، وإنما امتاز الأول بما كان من عَقْلٍ قد اكتمل ، وهو مناط تكليف من الدين والأخلاق ، من الأمر والنهي ، وما يكون من أوصاف الحسن والقبح التي رُكِزَتْ فِي الوجدانِ مجملةً ، ولها الشريعة قد جاءت مُبَيِّنَةً ، فَثَمَّ من الشرع المصحَّح ما واطأ المركوز في النفس من العقل المصرَّح ، فلا ينفك إجمال الأحكام العقلية في باب الحسن والقبح ، لا ينفك يطلب تاليا يبين ، ولا يكون إلا من مرجعٍ من خارج يجاوز العقل والحس ، وهو ما احتالت الحداثة أن تجحده ، فاقترحت آخر من المرجع المجاوز ، وهو عقل الجمع ، فيصدق فيه أنه الموضوعي المجاوز لعقل الفرد ، ولكنه لا ينفك يطلب آخر يجاوز ، فإنه لا يسلم ، كما عقل الفرد ، من العوارض ، فَثَمَّ نقص قد ثبت ضرورة ، وجهل بالمآلات وما كان من البدايات ، وإن ثبت من ذلك شيء فهو المجملات ، كما قصة الخلق الأولى ، فالمبدأ في إثباتها مجمل ضروري في الوجدان أن المحدَث لا بد له من محدِث يسبق ، وأن ذلك مما يتسلسل فيجاوز المشهود من الأسباب إلى المغيَّب ، وهو ، أبدا ، يطلب الأول الذي لا أول قبله ، فذلك مما وجب ضرورة في النظر حسما لمادة في الوجدان تمتنع ، وهي التسلسل في المؤثرين أزلا ، فلو سُلِّمَ بها جدلا ، لأفضى ذلك إلى العدم ، إذ ليس ثم أول عنه تصدر العلة التامة التي لا تفتقر إلى سبب من خارج ، بل المحَالُّ والأسباب كافة إليها تَفْتَقِرُ ، فذلك مما ثَبَتَ ضرورةً في العقل ، وتلك مقدمة أولى في النظر المصرح إذ يتناول قصة الخلق المحدث ، فكان من ذلك ضرورة لا ينكرها إلا جاحد أو مسفسط ، وهي ، مع ذلك ، مما افتقر إلى المبيِّن ، مرجعا من خارج يجاوز هذا العالم ، فمن خلقه فهو غيره ، إذ لم يخلق نفسه بداهة ، ولم يخلق من غير شيء ، فيكون هذا العالم ، ولو مطلق الحدوث الأول ، يكون بلا محدِث له يسبق ، فذلك مما يجافي المعيار الناصح لدى كل عاقل ، إذ المحدَث لا بد له من محدِث ، والمحدِث ، بداهة ، غير المحدَث ، فخالق هذا العالم غيره ، فليس هو ، كما آخر قد اقترحت الحداثة ، من مادة حلول واتحاد تروم إنكار الغيبيات ، فثم اتحاد المادة بالمعنى ، وصيروة الأولى هي الحقيقة التي يباشرها الناظر ، فلا حقيقة لها من المعنى تجاوز ، بل الحس قد تناول المادة فصار من ذلك مرجع أوحد به المعارف تثبت ، وكان من ذلك تحجير لواسع من المصدر والمرجع ، فإن من مصادر المعرفة ، كما يقول أهل الشأن ، ما تَنَوَّعَ ، فالحس مصدر لا يجحد ، ولكنه ليس في الباب الأول ، وليس ، من باب أولى ، الأوحدَ ، فَثَمَّ من العلم ما يجاوزه ، إذ له من الحد ما يأطره ، فإذا جاوز البحث مداركه وَجَبَ عليه التوقف ، فلا ينفي ولا يثبت ، ولا يتحكم في الباب أن يجعل عدم العلم دليلا على العلم بالعدم ، فذلك الغرور والفرح بما كان له من ظاهرِ علمٍ لا يجاوز الحياة الدنيا ، فلا يجاوز مدارك الحس الدنيا ، وتلك حكايةُ مَذْهَبٍ قَدْ تَنَاوَلَ من الإنسان الجسدَ ، وهو جزء من الماهية لا يُجْحَدُ ، ولكنه ، أيضا ، ليس الأول ، وليس الأوحد من باب أولى ، بل ثم من الحقيقة الإنسانية ما ائْتَلَفَ فَتَرَاكَبَ من روح هي محل المعنى ، وجسد هو المادة ، فَثَمَّ قسمة في الباب تستغرق : المعنى الذي يلطف في حد ، والمادة التي تَكْثُفُ في آخر ، فَلَيْسَا يتحدان ، فيضمحل المعنى في المادة ، وتصير هي الحقيقة الثابتة في الخارج ، فلا حقيقة لها تجاوز ، فيكون من الحس مرجع واحد في الإثبات ، فما جاوزه فهو المعدوم ، والصحيح أنه المجهول ، إذ ثم من الغيوب ما جاوز مدارك الحس ، فهو يجهلها ، وليس جهله بها حجة على من علم ، إذ قد تَنَاوَلَ الغيوبَ من مصادر أخرى للمعرفة ، وهي ما جاوز الحس ، فثم آخر قد وسع ما لم تسع الحداثة إذ تحكمت فحجرت الواسع ، فثم مقدمات العقل المصرح ، وثم فطرة أولى تنصح ، وهي جمل من العلوم الضرورية التي لا تفتقر إلى نظر أو استدلال ، لا جرم ضاهت من هذا الوجه : مقدمات العقل فهي مبادئ ضرورة في النظر ، وبها حصول النَّتَائِجِ إِذْ تَأْتَلِفُ ، فالعقل يَنْظِمُ المقدمات الأولى في سلك جامع ، فيكون من ذلك علم نظري تال ، فالمبدأ : ضروري أول ، وذلك مما يحصل بالاستقراء ، استقراء الأدلة من خارج ، والحس واحد منها ، فَثَمَّ آخر يجاوز في باب غيب لا تدركه الحواس ، وجهلها ، كما تقدم ، ليس بحجة على من يعلم ، فقد يكون من العلم ما يثبت بآخر يجاوزها ، وذلك الخبر ، فذلك مرجع من خارج العقل والفطرة والحس ، وهو رابعها في القسمة ، قسمة المصادر التي بها تنال العلوم والمعارف ، لا كما حجرت الحداثة الواسع ، فَقَصَرَتِ المصادرَ والمراجعَ على الحس ، إذ حجدت آخر من القسمة ، وهو المعنى ، فقد حَلَّ واتَّحدَ بالمادة ، وكانت تلك ذريعة بها جحدت الوحي ، وهو مرجع المعنى المجاوز من خارج .

والله أعلى وأعلم .

توقيع :

رد مع اقتباس
إضافة رد
   
الكلمات الدليلية (Tags)
الكلام, دلالات
   


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




Loading...

   
   

جميع الحقوق محفوظة لمنتديات التربية الاسلامية جنين