title="منتديات التربيه الاسلامية جنين - منتدى اللغة العربية وآدابها - RSS Feed" href="external.php?type=RSS2&forumids=54" /> من دلالات الكلام
  الرئيسية التسجيل خروج  

صفحتنا على الفيس  بوك  صفحتنا على  اليوتيوب  صفحتنا على تويتر  صفحتنا على جوجل  بلس

منتديات التربية الاسلامية جنين ترحب بزوارها الكرام ،،،، اهلا وسهلا بكم ولطفا يمنع نشر اي اعلان او دعاية تجارية هنا مع جزيل الشكر كلمة الإدارة


   
العودة   منتديات التربيه الاسلامية جنين > الأقــســـام الــعـــامــة > منتدى اللغة العربية وآدابها
التسجيل مركز التحميل الروابط الإضافية المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث
   

آخر 10 مشاركات كيف اختار طبيب تقويم اسنان مناسب لطفلي (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          من دلالات الكلام (الكاتـب : - مشاركات : 9 - المشاهدات : 10 )           »          الربح من التدوين (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          القلق والتوتر (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          القلق والتوتر (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          مجالات التدوين (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          الفرق بين زراعة الأسنان الفورية والتقليدية (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          مشروع كوافير رجالي (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          كيفية علاج التهابات سقف الحلق: الأسباب والعلاجات (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 1 - المشاهدات : 2 )           »          ورقة عمل اللام في لفظ الجلالة (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 16 - المشاهدات : 17 )


من دلالات الكلام

منتدى اللغة العربية وآدابها


 
   
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
   
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
 
 رقم المشاركة : ( 10 )
عضو جديد
رقم العضوية : 10053
تاريخ التسجيل : Feb 2024
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 9
عدد النقاط : 10

مهاجر أحمد غير متواجد حالياً

افتراضي

كُتب : [ 05-12-2024 - 03:04 PM ]


وهو ، لو تدبر الناظر ، ما لم تخرج عنه الحداثة ، فالفقر الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ أصل في الإنسان يُسْتَصْحَبُ ، فاقترحت من دعوى الحرية أنها تُعْتِقُ الإنسان من رِقِّ الكهنوت المبدِّل والمحرِّف لما نَزَلَ من الوحي المحكم ، فقد صَيَّرَهُ المتشابه بما أحدث من المدلول الذي يأتي على الأصل بالإبطال ، كما التثليث الذي حَدَثَ في دين المسيح عليه السلام ، وهو ما يَنْقُضُ عُرَى التوحيدِ ، وهو الأصل الجامع لرسالات السماء كافة ، فاقترحت الحداثة من دعوى الحرية أنها تُعْتِقُ الإنسان من هذا الكهنوت المحدث ، وإن أطلقت فلم تقيد بالقيد آنف الذكر ، فهو يبطل دعواها ، إذ يحكي من الدين جنسا عاما يستغرق ، فمنه الصحيح المحكم ، ومنه آخر قد بطل ، فهو المبدَّل المحرَّف ، والتحرير من الثاني حسن يجمل ، لا التحرير مطلقا كما اقترحت الحداثة لتبطل مرجع الرسالة ، فساوت بين المختلفين تحكما في الاستدلال ، وَصَيَّرَتِ الدينَ كُلَّهُ دينَ الكهنوت المبدَّل ، وهو ما يَسَّرَ بَعْدًا النفيَ العامَّ الذي يستغرق ، ولا يخلو من تحكم في التَّعْمِيمِ إذ ساوى بين الصحيح والعليل ، المحكَم والمبدَّل ، فَزَعَمَتِ الحداثة ، وفي بعض زعمها حق لا يجحد ، زعمت أن من دين الكهنة ما لا يُعْقَلُ ، لا أنه الجائز المحتمل الذي يحار العقل في حقيقته وَكَيْفِهِ ، وإن جَوَّزَهُ ، بادي النظر ، بل ثم من دين الكهنة ما لا يُعْقَلُ ، فهو المحال الممتنع لذاته ، كما الحلول والاتحاد في شخصِ المسيحِ ، عليه السلام ، وإن واطأته الحداثة فوقعت فيما عَابَتْهُ منه ، فكان من ذلك حلول واتحاد أعم ، إذ ثم الغلو في النوع الإنساني أَنْ صَارَ هو الإله الذي يسود ، فقد حصل له من الآلة ما به يحكم العالم ، وذلك ، لو تدبر الناظر ، مِمَّا لا يحسم سؤالَ التسلسلِ ، فإن الإنسان قد خَلَقَ هذه الآلة ، فَقَدَّرَ أولا ثم أوجد تاليا ، وذلك الخلق المقيد إذ تَنَاوَلَ أولا من المادة فمن خلق العنصر الذي رَكَّبَ في المعمل والمصنع ؟! ، فَخَلْقُ الإنسانِ للآلة : تحويل ، أو جمع بعد تفريق ، فهو التركيب من أجزاء أولى ، ولا تنفك تطلب الموجِد الأول ، فَلَيْسَ الإنسانَ إذ يَطْلُبُ ، أيضا ، الموجِد الأول ، الذي قَدَّرَ على هذه الهيئة المخصوصة ، فذلك دليل الإرادة التي تخصص ، وهي بِعِلْمٍ أول تُسْبَقُ ، علم الإحاطة الذي يستغرق ، فَثَمَّ مِنَ التَّسَلْسُلِ ما اطَّرَدَ إن في الإنسان الصانع ، أو ما يَصْنَعُ في الخارج ، وهو ما يطلب أولا لا أول قبله ، وله من العلم ما أحاط فاستغرق وبه كان التقدير الأول في المبدإ ، وإن لم يجاوز حَدَّ العدم ، فذلك ما كان من المقدور الثابت في العلم الأول المحيط ، فوجود المقدور فيه : وجود القوة إذ ثم من نوعه ما يقدم ، لا أنه شريك يضاهي الخالق الأول ، جل وعلا ، فيشاطره وصف الأولية المطلق ، فَقِدَمُ نَوْعِ الحوادث مما يعدل في الحد : قِدَمَ العلمِ الذي اسْتَغْرَقَهَا بالتقدير المحكم ، وذلك ما عَمَّ الكليات والجزئيات كافة ، وَقِدَمُ المشيئة التي تُرَجِّحُ ، فَثَمَّ من آحادها بعدا ما يحدث فهو يرجح في المقدور الأول ، وهو كان عدما ، فَيُخْرِجُهُ إلى وجود تال يُصَدِّقُ ، فيكون من ذلك ترجيح في جائز قد استوى طرفاه في الحد ، وإن استصحب منه عدم أول ، فلا يصير ذا وجود في الخارج يزيد ، وهو الواجب ، لا لذاته وإنما لغير بما كان من قرينة ترجيح من خارج ، وإلا كان التحكم ترجيحا بلا مرجِّح ، فلا يكون من الجائز بعدا واجب في الخارج يصدق ، الواجب لغيره ، لا يكون ذلك إلا أن يكون ثم سبب يُوجِبُ من خارج ، فهو يخرج المقدور الجائز من القوة إلى الفعل ، من العدم إلى الوجود فَقِدَمُهُ لَيْسَ قِدَمَ ذاتٍ في الخارج تحصل في الأزل فيكون من ذلك شرك في الأولية يقول بقدم العالم ، إن علة مادية أو أخرى صورية ، بل قدمه في هذه الحال قِدَمُ التقدير الذي يَتَنَاوَلُهُ ، وإن معدومًا في الأزل ، فلم يكن ثَمَّ إلا الخالق الأول ، جل وعلا ، واجب الوجود الأول ، ذو الوجود الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ بِسَبَبٍ من خارج يُرَجِّحُ ، فذلك إنما يكون في الجائز ، فهو الطالب للمرجِّح من خارج ، لا في واجب الوجود لذاته ، فلا بد من أول هو الواجب لذاته ، وله من وصف القدم ما عم فاستغرق الذات وما يقوم بها من الاسم والوصف والفعل والحكم ، فَثَمَّ مِنْ الفعل والحكم ما قَدُمَ منه النوع ، فكان بعدا من الآحاد الحادثة في الخارج ما يصدق ، وكان بها الترجيح في جائز قد استوى طرفاه في الحد ، فَاسْتُصْحِبَ منه عَدَمٌ أول ، وهو المحتمِل بعدا الإيجاد بما يكون من سَبَبٍ يُرَجِّحُ من خارج ، فلا يكون ذلك تحكما يوجِد بلا موجِد ، فذلك مما يخالف عن بدائه العقل ، أن يكون ثم فعل بلا فاعل ، محدَث بلا محدِث ، وهو ، كما تقدم في مواضع ، مما يَنْتَهِي ضرورة إلى أول لا أول قبله ، له من وصف الوجوب : وصف الذات الذي لا يعلل ، وبه قد انفرد ، فكل ما سواه فهو محدَث جائز ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، إذ وجوده وجود القوة لا الفعل ، فلا ينفك يطلب المرجح الذي يخرجه من القوة إلى الفعل ، فكان من ذلك قدم الوصف الذي به التقدير : عِلْمًا قد أحاط فاستغرق ، وخبرة بها آخر أخص فهو يَتَنَاوَلُ ما دَقَّ من الجزئيات ، وحكمة بها تهيئة المحال أن تقبل الأسباب بما رُكِزَ في كلٍّ من قوى تنصح ، إن قابلة في المحال أو مؤثرة في الأسباب ، وكل أولئك من وصف الجمال الذي ثبت أولا ، فكان من ذلك علم محيط قد استغرق وفيه المقدورات كافة تثبت ، ثبوت القوة الأول ، وهو ما يطلب بعدا المرجِّح الموجِب من خارج ، فكان من ذلك آخر من الوصف ، وهو قسيم الجمال في الحد ، فثم من الجلال ما به الثَّنَاءُ والحمد ، ومنه ما يكون من المشيئة والقدرة التي تُرَجِّحُ في المعلوم الأول من المقدور الجائز ، فتخرجه من العدم إلى وجود تال يصدق ما كان من التقدير الأول في العلم المحيط المستغرِق ، فَثَمَّ جمال العلم الذي يُقَدِّرُ ، وثم قسيمه من جلال المشيئة التي تُرَجِّحُ ، وبهما الكمال المطلق يثبت ، فدليل العقل الذي به الخصم يَتَبَجَّحُ ، لا ينفك يدل على ضد من قوله المحدَث ، فهو يحكي ضرورة حاجة تلجئ إلى أول لا أول قبله ، فله من الوصف كمال هو المطلق ، وهو في الأزل يَثْبُتُ ، وصفَ ذاتٍ لا يُعَلَّلُ ، ومن أفعاله ما قَدُمَ نَوْعُهُ ، وَكَاَن من تَالٍ من الآحادِ ما يُصَدِّقُ ، ومناطه المشيئة التي تُرَجِّحُ من خارجٍ ، وما يكون من كلمِ تكوينٍ حادث ، فهو عنها صادر ، والخلق بها كائن فهو يغايرها في الحقيقة والكيف ، فَثَمَّ ضرورة تلجئ أن يكون ثم تمايز بين الخالق الأول ، جل وعلا ، ذاتا واسما ووصفا وفعلا وحكما ، والمخلوق المحدث ، فذلك فارقُ ضرورةٍ يَثْبُتُ في العقل المصرَّح ، ولو كان ثم اشتراك فلا يجاوز المعاني المجردة في الذهن ، وهي الأجناس الدلالية المطلقة ، عمومات لا أعم منها ، وتحتها من الأنواع والآحاد ما يمتاز بالقيد ، فهو فَصْلٌ في التعريف والحد ، كما اصطلح النظار ، فكان من ذلك ما يبطل مقال الحلول والاتحاد الذي صارت إليه الحداثة لِتَنْزِعَ عن الإله الحق السيادة ، وتخلعها على الإنسان الذي صار في الأرض السيدَ والإله ! ، فكان من ذلك ما تناول المحسوس ، كما الاتحاد بشخص المسيح ، عليه السلام ، أو ما كان من حلول واتحاد أعم ، فد تَنَاوَلَ النوع الإنساني جنسا يجرده الذهن فهو مثال الإله في الأرض ، وصورته التي تظهر في السيادة والحكم ، فكان من ذلك الغلو الذي سَلَكَتِ الحداثة جادته ، وإن أنكرته على الدين المبدَّل فقد وقعت في عين ما أَنْكَرَتْ ، وَزَادَتْ في الحدِّ ، فَثَمَّ من ذلك تعصب آخر يَتَحَكَّمُ أَنْ قَصَرَ هذا الحلول والاتحاد على الإنسان الأرقى ، وهو الوحش الأشقر ، كما اصطلحَ بَعْضٌ ، وله من القوة ما به يَبْقَى ، وإن ظَلَمَ الضعيف وسحق ، فذلك حكمه في عالم لا يُقِرُّ بالسيادة إلا للقوي ، فهو الأصلح ، وإن كان أظلم وأفجر ، فمعيار الصلاح هو القوة لا الحق ، وثم من ذلك ما ألجأ الحداثة أن تَنْزِعَ عن الإنسان وصف العبد الخاضع الذي يتأله بما نَزَلَ من الوحي الحاكم ، فأبطلت الحداثة خاصة الروح إذ صَيَّرَتِ الجسد وحدَه مناط الإثبات والنفي بما رُكِزَ فيه من الحواس ، مع قُصُورٍ فِيهَا يَظْهَرُ ، وَخَلَلٍ عَلَيْهَا يَطْرَأُ ، فهي رافد من جملة روافد تُمِدُّ العقل بمادة من العلم يعالجها بما استقر من مقدمات الضرورة في النظر والاستدلال ، فَلَيْسَتِ الحواس مرجع الاستدلال الأول ، وليست من باب أولى المرجع الأوحد ، بل ثم من العقل ما نَصَحَ ، ومن الفطرة ما سَلِمَ ، وثم الخبر الذي يَرْفِدُ العقل بمادة من العلم تجاوز ، فلا يُطِيقُهَا العقل مبدأَ النظرِ ، إثباتا أو نفيا ، وإن كان منها جائز يحتمل ، فلا ينفك يطلب المرجِّح المثبِت من خارج ، فذلك خبر الوحي النازل ، بل ثم من ضرورات العقل ما ثبت مبدأ النظر ، والعقل ، مع ذلك ، لا يستقل بالتفصيل ، بل إثباته المجمل الذي يَطْلُبُ مِنَ الدليلِ ما يُبَيِّنُ ، كما تقدم من ضرورةٍ في الوجدان تَقْضِي ضرورةً أَنَّ ثَمَّ دَارًا تجاوز هذه الدار ، إذ فِيهَا تُسْتَوْفَى المظالم ، فَثَمَّ منها ما لم يُقْضَ في هذه الدار ، فَسَلِمَ الظالم من العقاب الناجز ، وإن كان منه خفي لا يظهر ، فذلك ذل وحزن وكآبة منظر ، وإن اجتهد ما اجتهد أَنْ يَتَزَيَّنَ ، فَثَمَّ من قُبْحِ الصورةِ الباطنة ما لا تخطئه عين المسدَّد الذي يجاوز الزينة والزخرف إلى آخر أدق يحكي حقيقة النفس ، وتلك فراسة من آمن بالحق ، وصدق الوحي ، فَثَمَّ عقاب آخر أدهى وأمر ، وهو ما به تستوفى الحقوق والمظالم ويكون من ذلك شفاء صدر ناصح ، وإن شُرِعَ منه في الأولى بَذْلُ السببِ الذي يشفي ، ومنه قِتَالُ من كفر وجحد ، فكان من ذلك الأمر الموجِب أَنْ : (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، فلا يَبْلُغُ ذَلِكَ في أحيان حَدَّ التمام ، فلا يكون الجزاء الأوفى إلا في دار أخرى تجاوز ، وبه معنى العدل يَنْصَحُ تأويلا في الخارج يَسْلَمُ من النقص والظلم والخطإ ، إذ ثم من الحكومة : حكومةُ غَنِيٍّ لَا يَفْتَقِرُ إلى سببٍ ليظلم ويقهر ، فَيَسْتَلِبَهُ من مالكِه الأول ، كما ملوك الدنيا إذا حَادُوا عن جادة العدل والحكمة ، فالعدل التام لا يُنَالُ في هذه الدار ، فَثَمَّ من دليل الحس والنظر ما يعالج مظالم تَكْثُرُ ، ولم تستوف فيها الحقوق ، فدل ذلك ضرورةً في العقل تَنْصَحُ على دارٍ أخرى ، دارِ الحسابِ المحصي والجزاء الأوفى ، وإلا كيف يكون ثم عدل ؟! ، وهو محل الإجماع لدى كُلِّ ذِي عقلٍ ، ومن عجب آخر أن الحداثة تُنْكِرُ هذه الضرورة العلمية الملجئة ، أن ثم دارا أخرى تُسْتَوْفَى فيها المظالم ، على التفصيل آنف الذكر ، وهي بَعْدًا تُعَظِّمُ العدل ، وتحتج بما اصطلح أنه معضلة الشر والظلم إذ ثم من ذلك ما لم تستوف حكوماته ، فإذا قيل إن ثم ضرورة تلجئ أن ثم دارا أخرى فيها تأويل العدل المطلق الذي تطلبه الحداثة ، لم يكن منها إلا الجحود ، جحود ما تطلب من العدل المطلق ! ، فقد لزم منه إثبات ما تَفِرُّ منه ! ، أن يكون ثم دار أخرى تجاوز عالم الحس المحدث الذي صَيَّرَتْهُ الغاية والمبدأ ، وكان من ذلك ذريعة مذهب لا يجاوز الحس المحدث ، فلا مرجع ينصح في الإثبات والنفي إلا الحس المحدَث ! ، وهو التحكم الذي تقدم ، إذ يُصَيِّرُ العقل وهو آلة الفهم ، يُصَيِّرُهُ مرجعَ الحكمِ على قاعدة من الحس المحدَث ، والصحيح أنه يُعَالجُ من المادة ما له روافد تجاوز الحس ، كما الفطرة الأولى الناصحة ، ومقدمات الضرورة في القياس الناصح ، وما كان من خبر صادق يرفده من خارج إذ يخبر بما لا يخالف عن معيار العقل المحكم ، فلا يأتي بالمحال الممتنع لذاته ، وإنما يأتي بالمحار الذي لا يدرك العقل منه الحقيقة والكيف في الخارج ، وإن جَوَّزَ منه الوجود المطلق دون خوض في ماهية أو كيف ، فذلك ما لا يطيق إذ لم يشهده ، ولم يشهد مثيلا له في الخارج ، ولم يأته خبر صادق عَمَّنْ شاهد ، وذلك ما أبطل فَرْضَ التطور الذي اقترحته الحداثة ، مع مخالفة أولى لصريح المعقول بما تقدم من جملة فروض تتحكم ، ولازمها المخالفة عن مقدمات ضرورة تلجئ ، كما الإحداث الذي لا يكون إلا بمحدِث أول ، خلاف ما اقترحت الحداثة من مادة أولى تقدم ، بسيطة لا تَتَرَكَّبُ ، وليس بها حسمٌ لمادة التسلسل في المؤثرين أزلا ، فإنها موات لا حياة فيه ، ولا علم له يُقَدِّرُ ، ولا مشيئة له تحدث ، فليس الأول الذي به حسم مادة التسلسل في المؤثرين أزلا ، وكذا يقال في التطور الموجه الذي رَامَ السلامة مما لم يسلم منه مقال التطور الذي يصدر عن خبط عشواء ، فلا علم ولا إرادة ، فَرَامَ الآخر أن يسلم من الاستدراك ، فالتطور عنده مما يُسْبَقُ بِتَقْدِيرٍ أول ، وثم من المشيئة ما يُرَجِّحُ ، وهو ما لا يجيب أيضا عن سؤال : (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) ، وإن اقترح ، كما يقول بعض من حقق ، ما هو جائز لدى المبدإ ، ولكنه لا يجزئ في قدر تال يَزِيدُ من الإثبات ، فهو ما يطلب الدليل المثبِت من خارج العقل والحس ، وإن لم يخالف عن مقدماتهما الضرورية في النظر ، فليس التجويز المطلق مما يجزئ في حكاية قصة من الخلق الأول تَصْدُقُ ، فَهِيَ من الغيب المطلق الذي لا يُتَلَقَّى إلا عن مرجعٍ من خارج يصدق ، فيكون من الخبر ما يَرْفِدُ العقلَ ، فهو يُرَجِّحُ في هذا الجائز ، فَثَمَّ من قصة الخلق ما احتمل التطورَ الموجَّه إذ سَلِمَ مِمَّا لم يَسْلَمْ منه التطور الذي اقترحته الحداثة إذ صيرته عشواء تخبط ، واحتمل آخر من الخلق المباشر ، فصار من ذلك جائز يحتمل وجوها ، وليس العقل والحس يستقل في ذلك بإثبات أخص ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، وذلك دليل الخبر الصادق ، فكان من ذلك ما يبين عن حاجة العقل إلى الوحي عامة ، وَحَاجَتِهِ في هذا الموضع خاصة ، فقد رَجَّحَ في هذا الجائز ما كان من قصة الخلق المباشر ، فـ : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، فلا واسطة في الخلق ، فـ : (قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ، فَخَلَقَهُ بِيَدِهِ تَقْدِيرًا قَدْ أُحْكِمَ ، وَنَفَخَ فيه من مادة الروح ما به الحياة في الجسد بُثَّتْ ، وكل أولئك ، بداهة ، مما لا يدرك بالحس المحدَث ، فذلك الغيب المطلق الذي يَفْتَقِرُ إلى مرجعٍ من خارج يجاوز ، لا جرم اجتهدت الحداثة أن تُنْكِرَ هذا الخلق خاصة ، وَتُنْكِرَ مرجعَ الوحي عامة ، فأبطلت كل ما جاوز الحس فهو من الغيب ، وَإِنِ الجائزَ المحتملَ ، بل منه ما تجد آثاره في الخارج ضرورةً ، فَلَوْ أحسنتِ القياس لاستدلت بالأثر على المؤثِّر ، ومنه ما يكون من خصائص النفس التي تميز ذا العقل التام الذي يجاوز مدارك الحس الظاهر ، فثم من حركات الحب والبغض ..... إلخ من حركات الباطن ، ثَمَّ ما لا يطيق البحث والتجريب له قياسا ، وإن وجد آثاره في إِفْرَازٍ وَنَبْضٍ ، لا تنفك آثاره تظهر في الخارج ، إن بالقبض أو بالبسط ، فأبطلت الحداثة ، خاصة العقل فليس إلا الدماغ وهو آلة تتوسط بين العقل ، فذلك معدن الفكرة ، والبدن فهو تأويل لها بالحركة ، وأبطلت قصة الخلق الأولى ، واقترحت فرض التطور ، وأبطلتِ الإلهَ الحقَّ ، وله من السيادة ما يُطْلَقُ ، واقترحت أخرى للإنسان المحدَث ، وثم آخر أَدَقُّ ، وبه الحلول والاتحاد في المعنى ، فكان من ذلك تأليه الدولة ، مثال السياسة المحدَث ، إذ حَلَّ فيه المطلق الأعلى ، فَأَبْطَلَتْ رِقَّ الزراعة في العصر الوسيط ، وأدخلت الإنسان بَعْدًا في رِقِّ الصناعة في العصر الحديث ! ، فلم تَعِبْ شيئا على الكهنوت القديم إلا ووقعت فيه في مثالها الحديث ! ، وهو ما يَرُدُّ عَجُزَ كلامٍ إلى صدر أول ، إذ ثم من سقف الشهادة ما لا تجاوِزُهُ أسبابُ الحسِّ ، وليس بها حسم ما امتنع من مادة التسلسل في المؤثرين أزلا ، لا جرم كان من ذلك ما استوجب في العقل المصرح : الخروج عن الشهادة إلى غَيْبٍ ليس بالحس يُدْرَكُ ، فآلات الجسد لا تَتَنَاوَلُهُ ، وهو ، مع ذلك ، موجودٌ قد ثَبَتَ ، وليس للحسِّ أن يحتَجَّ أنه مما لا يُدْرَكُ بِهِ ، فَعَدَمُ وجدانِه بالحس لا يستلزم عدم وجوده بالفعل ، بل ثم من الغيب ما دَقَّ وَلَطُفَ ، فَلَهُ وجود في الخارج يثبت ، وليس الحس له يُدْرِكُ ، فثم آخر من الدليل يثبت ، فالإنسان إذ كُلِّفَ بالأمانة ، أمانةِ الخلافةِ ابتلاءً ، بما تَنَزَّلَ من حكومات الديانة ، فهي مما يُنَاطُ بالمحلِّ الأشرفِ ، محلِّ العقلِ وهو غَرِيزَةٌ تَلْطُفُ فَتُجَاوِزُ الدماغ المدرك بالحس المحدث ، كما الروح جوهر يلطف فهو يجاوز جسدا في الخارج يَكْثُفُ ، فَالرُّوحُ مَعْدِنُ العقلِ ، وهو ما يحصل في جنانٍ يجاوز ، أيضا ، القلب الذي يدرك بالحس ، إذ يضخ الدم في العروق ، فَكَذَا الجنان يَضُخُّ في الأركان إراداتِ الأفعالِ والتروكِ ، وذلك أدق في الحقيقة ، لا جرم كان من المحل ما دَقَّ ، فلا يتناوله التجريب والبحث ، فَغَايَتُهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ منه آثارا في الخارج تُرْصَدُ ، إذ ثَمَّ من الفكرة ما يطرأ ، فَلَهُ محل أول في العقل يَثْبُتُ ، وثم من الحركة بَعْدًا ما يَتَأَوَّلُ ، وذلك مما يُشْهَدُ بالحسِّ وَيُرْصَدُ ، وليس هو المبدأ في الوجود أو العدم ، إذ ثم من الجنان ما يجاوز البدن ، فالجنان معدن يلطف وفيه الفكرة تحدث ، وهي باعث يَتَنَاوَلُ من الدماغ ما يُتَرْجِمُ بما رُكِزَ فيه من قوى تَتَحَكَّمُ في الحواس الظاهرة ، فَثَمَّ فكرةٌ هي المبدأ ، وهي مما غاب فلا يُرْصَدُ بالحسِّ ، وليس يحسن الناظر له حدا يُعَرِّفُ ، بل ثم من الفكرة ما لطف فلا يزيدها الحد المعرِّف إلا إجمالا ، فليت المعرِّف ما عَرَّفَ ! ، واضرب له المثل بالمحبة والبغض ، فمن ذا يحدها بالفعل ، وإنما يجتهد في التقريب ، وهو ، مع ذلك ، يحدها بمعان لا تدرك بالحس من لطف الإشارات ودقة الحركات وقبول النفس لآثار الصورة في الخارج ، وإن لم يكن ثم حلاوة تدرك بالحس ، كما أُثِرَ عن فَقِيهِ النفس ابن حزم ، فإن من الحلاوة آخر يلطف وهو ما يعالج الجنان الباطن ، فليس يُنَالُ بالحس الظاهر ، بل قد يدل الحس الظاهر على ضِدٍّ ، فلا يكون من حلاوة الصورة الظاهرة ما يُفَسِّرُ هذه الحركة الضرورية الحاصلة في الوجدان ، فهي تلجئ المحبَّ أن يميل إلى الحبيب ، وإن لم يكن بمعيار الحس : الجميلَ ، بل قد يكون على ضد في عين أخرى لها من المعيار ما قَصُرَ فلم يجاوز صورة الحس الظاهر ، فتقبح عنده ، وهي عند المحب : الأجملُ ، فلا صورة لها تَعْدِلُ ، وذلك ، بداهة ، مما لَطُفَ في الحدِّ فَجَاوَزَ الحسَّ المحدَث ، فليس الدماغ فيها هو المنشأ ، وإن كان لذلك يُتَرْجِمُ ، فيكون من المحبة أول يحصل في الوجدان الباطن ، فَثَمَّ من حركاته ما غاب ولطف ، فليس مما يشهد في الخارج ، وإن ظهرت آثاره في حركات الجوارح بما يكون من اضطراب إذا ذُكِرَ الحبيب ، ولهفة تَفْضَحُهَا العين ، وَتَغَيُّرٍ في الوجه بما يكون من انشراح وبسط ، وجارحة تباشر باللمس والملامسة ، إذ ثم من المحال ما يواطئ بما جُبِلَ عليه الخلق من ميلِ ضِدٍّ إلى ضدٍّ ، فلا يميل إلى مِثْلٍ إلا إذا فسدت الجبلة ، فَنُكِسَ صاحبُها على رَأْسِهِ ، وإن تأول لذلك ما تأول أنه مما جبل عليه الخلق فهو قسيم للأول لا عدولٌ عن جادته التي تَنْصَحُ ، فذلك التأويل الباطن الذي لا يَنْفَكُّ يطلب من المثال ما نَدُرَ أو عَدُمَ ، فَيُصَيِّرُهُ أصلا في الخلقِ يَطَّرِدُ ، وإن خالف عن فطرة أولى تَنْصَحُ ، فمنها ما تَقَدَّمَ من ميلِ ضدٍّ إلى ضده ، فالذكر يميل إلى الأنثى ، ومن ذلك ميل أعم بما رُكِزَ في الخلقة من قوى ، وثم آخر أخص ، وبه ، كما تقدم ، تأويل يبين عما لَطُفَ من الحد ، حد المحبة ، فذلك ما يحصل أولا في الوجدان ، وذلك مما غاب فلا يشهد بالحس ، إذ لا يطيق له حدا يُعَرِّفُ ، وإن اجتهد ما اجتهد ، كما تقدم من كلام ابن حزم ، وهو ، لو تدبر الناظر ، شاهد في الباب يصدق ، فلم يكن من كلامه إلا ما لطف ، فليس مما حَدَّ به المحبة : مَا يُطِيقُ الحس له دَرَكًا ، بل قد جاء بما يخالف عن الحس في إثبات الحسن أو القبح ، فالمحبة تجاوز ذلك ، فلا يشترط فيها حلاوة الظاهر ، فَثَمَّ أخرى في الباطن هي الأصل والمعدن ، سواء أجامعت حلاوة الظاهر ، أم كان منها ما أجزأ في حَدِّ المحبة ، فهي ، كما تقدم ، الأصل والمعدن ، وإن كان ثم أَثَرٌ لحلاوة الظاهر لا يُجْحَدُ بما رُكِزَ في النَّفْسِ من الميل إلى الصورة الجميلة ، وإلا ما شرع لِلْبَصَرِ الْغَضُّ سَدًّا لذريعة الافتتانِ بالصورة ، فذلك مما اعتبر بالنظر في غَرَائِزِ الجسد ، وهي تجزئ في تعلق أول لا ينفك يَفْتُرُ إذا نال الجسد حظه من اللمسة أو القبلة أو الملامسة ، ولكلٍّ حظُّه ، كما في الخبر ، فـ : "«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، وَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ»" ، فإذا نال ما قصد من لذَّةِ حسٍّ تطرأ ، فلا تنفك السكرة تذهب ، وبعدها من الفكرة ما يؤلم ، وتلك عقوبة تعجل ، وإن كان ثم من النشوة ما يحصل ، فبعدها ألم وملل ، إذ لم تجاوز المحبة حلاوة الظاهر فإذا قضى منها وطرا فهو الزاهد ، لا جرم كان من الحلاوة أخرى هي مناط محبة تدوم ، فلا يزيدها الوصال إلا شوقا ، فتلك حلاوة الباطن ، وهي ما لا يدرك بالحس الظاهر ، وهو في الباب محل الشاهد ، إذ ثم من الغيب ما لطف ، والعقل يُثْبِتُهُ ضرورةً تُلْجِئُ ، وإن لم يكن من دليل الحس ما يُثْبِتُ ، فليس يطيق له حدا في الخارج ، وإن وجد من ذلك آثارا ، مبدؤها في الدماغ بما حصل فيه من مَرَاكِزِ الحواس ، فليست في الباب تُنْشِئُ ، وإنما هي تُبِينُ وَتُظْهِرُ ما قام بالوجدان أولا من الفكرة ، ومحلها الروح التي تُقَاسِمُ الجسد حَدَّ الإنسان ذي الباطن اللطيف والظاهر الكثيف ، فَثَمَّ جنان يجاوز القلب الذي يضخ الدم ، فالجنان معدن الإثبات والنفي ، الأمر والنهي ، التصديق والتكذيب ، المحبة والبغض ، الإرادة وبها الفعل والترك ، فذلك تأويل تال يَظْهَرُ بما يكون من حركات في الخارج تُرْصَدُ ، فالحس يتناولها ، والبحث والتجريب يَقِيسُهَا ، فهو يَقِيسُ الإفراز وَالنَّبْضَ في الدماغ إذ تعمل المراكز بما رفدها من المشاعر ، فالمراكز لا تصنع المشاعر ، إذ محلها ، كما تقدم ، جنان أول يلطف ، وإنما المراكز عنها تَصْدُرُ في تأويل تال يصدق ، فهي الحكم وهو عن التصور فَرْعٌ يحدث ، فَلَيْسَ الأصلَ الذي يُنْشِئُ ، بل الأصل في الجنان أولا يَثْبُتُ ، فَثَمَّ من العقل اللطيف ما جاوز الدماغ الكثيف ذا التلافيف ، وفيها قد ضُمِّنَتْ مراكز الحس ، حكايةَ إتقانٍ في الخلقة وإحكام في السنة ، لا ينفك ، أيضا ، يسلك جادة التسلسل ، فهو المحدَث الذي يفتقر إلى محدِث أول يسبق ، وذلك مما يَتَسَلْسَلُ في المؤثرين أزلا ، فلا ينفك يجاوز سقف الشهادة ، فيصير إلى غيب أول لا يدرك بالحس الظاهر ، وإن وَجَدَ الناظر آثاره ضرورة بما يعالج في الخارج من آي الأنفس والآفاق ، فهي دليل على أول يُقَدِّرُ ، تقديرَ إحاطةٍ قَدِ اسْتَغْرَقَ ، فَثَمَّ من الإتقانِ والإحكامِ ما لا يكون إلا عن متقِن محكِم أول ، فَلَهُ من العلم ما أَحَاطَ فَاسْتَغْرَقَ ، فَتَنَاوَلَ الكليات والجزئيات كَافَّةً ، وهو ما عم المحال والأسباب ، وما رُكِزَ في كُلٍّ من قوى تَقْبَلُ أو تُؤَثِّرُ ، ولا تنفك تطلب من السنن ما يحكم ، فالمحل والسبب لها يتأول إذ يسلك جادتها ، وهو ما استوجب في الخارج شرطا يجب استيفاؤه ومانعا يجب انتفاؤه ، فكان من ذلك المجموع المركب ، وهو العلة الأولى التي تسبق المعلول في الوجود فهو عنها يصدر صدور المسبَّب عن المسبِّب ، وذلك مما يَتَسَلْسَلُ في التأثير ، فلا ينفك يجاوز سقف الشهادة إلى الغيب الذي يَفِرُّ منه الخصم الذي اتَّخَذَ الحداثة مرجعا في التصور والحكم فلا تجاوز الجسد ذَا الحواس المحدودة التي تَقْصُرُ أَنْ تُدْرِكَ ما جاوز مداركها من الغيب ، إن النسبي أو المطلق من باب أولى ، وهو ، كما تقدم ، ما يَفِرُّ منه الخصم ، فإذا به يفجؤه في كل جَادَّةٍ يَسْلُكُهَا ، فتلك الضرورة الملجئة في العلم بما رُكِزَ من قِوًى في العقل المكلَّف ، فَلَيْسَ عقل الحيوان الأعجم الذي لا يدرك من الحقائق إلا ما يَتَنَاوَلُهُ بالحس الظاهر ، فما جاوز فلا يدركه إذ قد عَجَزَ العقل أن يَتَنَاوَلَهُ ، وتلك خطة خسف قد نَزَلَ العقل عليها إذ انتحل من مذهب الحداثة ما انحط به إلى دركة دنيا ، فلا يدرك من الحقائق إلا ما تناوله الحس الظاهر ، فصار من حد الإنسان في مواضع ، كما يقول بعض من صَنَّفَ ، أنه إنسان السوق ، فلا غاية له تنصح إلا أن ينتج ويستهلك ، فلا يجاوز عالم الأشياء ، كما اصطلح بعض من حقق ، إلى آخر من الأفكار ، بل قد صار الإنسان بَعْدًا شيئا من الأشياء التي تُسْتَهْلَكُ ، فدخل في رِقٍّ آخر ، وإن زعم التَّحَرُّرَ ، فَلَمْ يُحَرَّرْ منه إلا الظاهر ، ولم يكن من المحرِّر أمين ناصح ، بل ما حَرَّرَهُ من قَيْدٍ إلا ليدخله في آخر ، فَمِنْ قَيْدِ الإقطاع في العصر الوسيط إلى آخر في العصر الحديث ، فذلك رِقُّ المصنع الذي ينتج ، والجسد الذي يستهلك ، وهو ما حَدَّ الإنسان أنه الكائن الاقتصادي بما اصطلح المعيار الحداثي المتأخر ، فهو ، كما يقول بعض من صنف ، الكائن المالك ، ملك الأشياء من الآلات والذخائر ، فليس من الحرية ، كما يقول بعض من حقق ، إلا ذريعة بها رأس المال قد استبد وتحكم ، فصار هو الأصل ، وصار الإنسان شيئا من جملة أشياء تدرك بالحس ! ، فلا اعتبار لما لطف من الحقيقة الروحية ، فليس ثم إلا الحقيقة الجسدية التي تَسْتَهْلِكُ مَا يُنْتِجُ من سِلَعِ اللذة ، فالوسائل قد صارت مقاصد لذاتها تطلب ! ، فصارت الغريزة هي الباعث والمحفز ، فَلَيْسَ ثَمَّ من الفكرة ما جاوز من خارج ، وليس ثم من المحل ما لَطُفَ ، روحًا في مقابلِ جسدٍ ، عقلا في مقابل دماغ ، فَثَمَّ من الأول ما فيه الفكرة تَثْبُتُ ، وهي أول قبل حركة لها تتأول ، فيكون من العقل باعث ، ومن الدماغ فاعل ، فليس هو المنشئ لما يحصل في النفس من مشاعر وبواعث ، وليس هو مناط العلم حصرا ، إذ ثم من الغيب ما جاوزه ، فلا يدرك إلا بخبر من خارج يصدق ، فلا يجحد الغيب إذ لم يدركه بالحس ، فذلك ، كما تقدم ، التحكم الذي يحتج به الجاهل إذ جهل على العالم إذ علم ! ، وَمَنْ عَلِمَ فهو الحجة على من لم يَعْلَمْ ، فَثَمَّ من مرجع الخبر ما نصح من خارج الحس ، بل وجاوز العقل ، لا أنه يرفده بالمحال الممتنع لذاته ، وإنما العقل يحار في حقائق ما غَابَ فَلَمْ يُدْرَكْ بالحسِّ ، وإلا انقلب شهادة وذلك مما استوى فيه الخلق جميعا ، بل الحيوان الأعجم له منه حظ أوفر من قوى الأكل والشرب والشبق ...... إلخ .
فالغيب ضرورةٌ تُلْجِئُ ، وإن في علوم التجريبِ المحدَث التي اتخذتها الحداثة مرجعا في الباب هو الأوحد ، فإن منها ما لا يدرك من الغيوب ، وإن النسبيةَ ، فقد عالج البحث منها : الأثر في الخارج ، فاستدل به على المؤثِّر ، وهو ، كما تقدم في موضع ، مما يحكي التسلسل الذي لا ينفك يطلب أبدا الأول الذي لا أول قبله ، فله من ذلك وصف الإطلاق إذ لا يفتقر إلى سبب من خارج يسبق ، فوجوده الوجود الذاتي الذي لا يعلل ، فكان من المقدمة الناصحة في العقل السالم من الآفة : أَنَّ التَّأْثِيرَ لا بد له من سبب يسبق وهو المؤثِّر بما رُكِزَ فيه من قوى بها يُؤَثِّرُ ، وذلك مما لا يستقل بالتأثير ، وإن حصل به المسبَّب لا عنده كما الكسب المحدَث قد اقْتَرَحَ ، والتزم ما لا يلزم في باب الآيات والمعجزات الرسالية ، إذ لو كَانَ ثم سبب يُؤَثِّرُ لبطلت المعجزة ! ، وليس ذلك بلازم ، بل ثم من السبب ما به المعجزة تَثْبُتُ إذ تجاوزه ، فلو لم يكن ثم سبب فما الإعجاز الذي يجاوز ؟! ، فلا يثبت إلا أن يجاوز ما اطرد من الأسباب والسنن ، فالسبب يُؤَثِّرُ بِمَا رُكِزَ فيه من قوى تُؤَثِّرُ ، ومنها ما يُشْهَدُ بالحسِّ ، ومنها آخر يدق ، ولو في التجريب والبحث ، فالحس يدرك منه الآثار وبها يستدل على المؤثِّر ، وتلك المقدمة الناصحة في باب العلل والأسباب ، فالمسبَّب المحدَث دليل على أول من السبب يُؤَثِّرُ ، ومن السبب : ما شُهِدَ ومنه آخر قد غَابَ ، وهو ما لا تجحده الحداثة في علوم الحس والتجريب ، فَثَمَّ من الغيوب النسبية ما لا تدركه ، وهي ، مع ذلك ، تُثْبِتُهُ ، إذ ثم من آثاره ما تَرْصُدُ ، فكيف بهذا الكون ؟! ، آيَ آفاقٍ وأنفسٍ ، أفلا يدل على السبب الذي يسبق من باب أولى ؟! ، وهو ما تسلسل فاستوجب في العقل حكمَ ضرورةٍ آخر إذ قد امتنع فيه التسلسل في المؤثرين أَزَلًا ، فَثَمَّ أول لا أول قَبْلَهُ ، ومن ذلك ما يكون من تَفْسِيرِ الحركات في الخارج ، وإن حركاتِ الحسِّ الظاهر ، فإن لها أولا في الدماغ يَبْعَثُ بما يكون من نَبْضٍ وإفراز يحدث ، ولا ينفك يطلب المجموع المركب في باب التعليل أَنْ يُسْتَوْفَى الشرط وَيَنْتَفِيَ المانع ، فتصح الآلة وتسلم من الآفة ، والدماغ ، مع ذلك ، ليس الأول في السببية ، بل ثم ما جاوزه فَجَاوَزَ سَقْفَ الشهادةِ ، فَانْتَهَى إلى غَيْبٍ يَلْطُفُ ، وإن المخلوقَ المحدَثَ ، بما يكون من العقل المجاوز للدماغ ، فهو معدن الفكرة التي تَبْعَثُ الحركة ، كما الروح باعث الجسد أن يَنْهَضَ أو يَقْعُدَ ، فالروح باعثة له من وجه ، قسيمة له من آخر ، وبهما حصول الحقيقة الإنسانية الأشرف ، الحقيقة التي حُمِّلَتِ الأمانة بما حصل لها من عقل ينصح ، فهو يجاوز مدارك الحس المحدث ، فَثَمَّ مِنْ سَقْفِ الشهادة ما يجاوز السببُ ، فمنه آخر في الغيب يَثْبُتُ ، ومنه ما تقدم من الروح وهي معدن العقل الذي تصدر عنه الفكرة ، والروح محدَثة لَا تَنْفَكُّ ، أيضا ، تَطْلُبُ المحدِث الذي يَتَقَدَّمُ ، وذلك مما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى أول لا أول قبله ، فالعقل يُثْبِتُهُ ضرورة ، وإن حار في الحقيقة والكيف ، لا جرم افْتَقَرَ إلى خَبَرٍ من خارج يجاوز ، فكان مِنْهُ خَبَرُ الوحي الناصح الذي يعالج من قوى التصديق والامتثال ما به المكلَّف قد امْتَازَ من الحيوانِ الأعجمِ ، ومناطه ما كَمُلَ من العقلِ ، فَجَاوَزَ الغريزة والحس ، فمناط التكليف هو العقل الذي حصل لِقَبِيلِ الإنسِ والجنِّ ، وإن كان لقبيلِ الإنسِ من ذلك ما علا وَشَرُفَ ، لا جرم كان من حملانه الأمانة ما لم يحمل غير ، لا الملَك فقد جبلوا على الطاعة حصرا ، فليس ثم من الاختيار ما به التكليف يثبت ، ولا الجنُّ ، وإن كان لهم من العقل بَعْضٌ ، وبه قد خوطبوا بالأمر والنهي ، وهم ، مع ذلك ، دون البشر ، فأولئك مَنْ للأمانة قد احتمل ، فكان من العقل التام ما لا ينصح إلا أن يثبت من الغيب ما جاوز الحس المحدَث ، وإن التجويز المحض الذي يطلب المرجِّح من خارج ، فلا يُنْفَى ولا يَثْبُتُ ، وَإِنِ اسْتُصْحِبَ منه عدم أول ، فليس عدم المحال الذي امْتَنَعَ ، بل ذلك الأصل فِي الخارج ، وإن كان مِنْ سَبْقِ المقدورِ أنه وَاقِعٌ ، فذلك وجود أول في علمِ التقديرِ ، والمقدور فيه لا يجاوز القوة ، فهو العدم حتى يكون ثم من المرجِّح ما يُوجِدُ بالفعلِ ، وجودا تاليا في الخارج فهو يصدق ما كان من تقدير أول ، فَثَمَّ من الوجودِ بالفعلِ ما يُصَدِّقُ أولا من وجود القوة ، فالوجود ، من هذا الوجه ، جنس عام قد استغرق ، فَثَمَّ من القسمة في الخارج : وجود القوة الأول في علم تقدير قد استغرق ، ووجود الفعل الذي يُصَدِّقُ ، وَثَمَّ من الوجود آخر من القسمة ، فَثَمَّ الوجود الواجب وآخر هو الجائز ، ولا ينفك الجائز يطلب المرجِّح من خارج إذ استوى طرفاه في الحد ، فلا ينفك يطلب المرجِّح الموجِب من خارج ، وهو ما يَتَسَلْسَلُ حتى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى واجب أول ، فله من ذلك وصف ذات لا يعلل .
فَثَمَّ ، كما تقدم ، وجود القوة الأول وذلك ما ثبت أزلا في علم التقدير الأول ، وهو عدم لِمَّا يَأْتِ تَأْوِيلُهُ بَعْدُ ، وثم آخر من وجودِ الفعلِ الذي يُصَدِّقُ ما كان أولا من العلم المحيط المستغرق ، فإن التكوين دليل يصدق ما كان أولا من التقدير ، فَثَمَّ مناط أول : وهو العلم المحيط المستغرق ، فالشيء يوجد فيه ، لا وجود العين التي تجاوز ، فَلَمَّا يَأْتِ بَعْدُ تَأْوِيلُهَا في الخارج ، وإنما الوجود الأول : وجود التقدير في الأزل ، وذلك العدم ، وإن جائزا يحتمل الوجود بعدا بما يكون من دليل من خارجٍ يُوجِبُ ، فهو يرجح في الجائز ، فيوجد بعدا : وجودا في الخارج يُصَدِّقُ ما كان من وجود أول في الأزل ، وجود القوة في العلم المحيط المستغرق ، فَثَمَّ من المحل أول ، وذلك مناط العلم المحيط المستغرق الذي عَمَّ المعلوماتِ كَافَّةً ، ولو المحالَ الذاتي الذي يمتنع ، فَثَمَّ من ذلك الفرض المحض تَنَزُّلًا في الحدال مع الخصم أَنْ يَسْتَبِينَ له لازم ما يقترح من المحال الممتنع ، فذلك مما تناوله العلم الأول ، فهو العام الذي لا أعم منه ، فلا يَتَنَاوَلُهُ التخصيص ، كما القدرة فهي مما يُرَجِّحُ في الجائز ، فَيُنَاطُ بها كل مقدور يجوز في الخارج ، فلا تَتَنَاوَلُ القدرةُ المحالَ الذاتي الذي يمتنع ، فالقدرة لا تكون إلا على المقدور ، فهو الشيء الذي يَحْتَمِلُ بَعْدًا الوجود ، فالمحال عدم ، فليس بشيء يحتمل الوجود الزَّائِدَ في الخارج ، ليكون من ذلك وصف المقدور الذي تُنَاطُ به القدرة ، كما المثل قد ضرب في موضع بما كان من سؤال يَتَحَكَّمُ ، إذ يقترح من المحال ما لا يجوز ، بادي النظر ، ولو جائزا لا ينفك يُسْتَصْحَبُ منه عدم أول ، فالمحال لا يجوز ، ولو احتمالا يَتَنَاوَلُهُ الترجيح بَعْدًا ، فَيُسْتَصْحَبُ منه عدم أول ، فلا يكون ، وهو الجائز ، لا يكون ذَا وجودٍ في الخارج إلا أن يكون ثم من السبب ما يُرَجِّحُ من خارجٍ ، فالمحالُ لا يدخل في هذا الحد ، وإن شاطره قسمة العدم في الخارج ، فَعَدَمُ الجائزِ مما يحتمل بعدا من الوجود ما يُصَدِّقُ أولا من المقدور ، فهو جائز تُنَاطُ به القدرة ، فكان من ذلك تخصيص بالعقل يَثْبُتُ ، فالله ، جل وعلا ، على كل شيء قدير ، وهو ما يقيد بوصف المقدور الجائز ، فالله ، جل وعلا ، على كل شيء مقدور يَقْدِرُ ، فلا يَتَنَاوَلُ هذا العموم المحالَ الممتنع لذاته ، كما المثل يضرب بسؤال يقترحه المجادِل المسفسِط : هل يقدر الله ، جل وعلا ، أن يموت ؟! ، فيكون من ذلك ما يُصَحِّحُ مقال المثلثة في القيامة ، أن الله ، جل وعلا ، وهو الفداء المقدس الذي لم ينله ما نال الخلق من وصمة الفعل المدنِّس ، أنه قد فَدَى الخلق بذاته المقدسة ، فَمَاتَ وَصُلِبَ ، ثم قام بعد أن دُفِنَ ، فما يمنع أن يموت ، أليس على كل شيء يقدر ؟! ، فَأَجَابَ مَنْ مَازَ المقدور ، وهو المعدوم عدمَ الجائز فاحتمل الوجود بعدا في الخارج ، فأجاب من ماز هذا المقدور من المحال الممتنع لِذَاتِهِ وهو المعدوم العدم الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، أجاب : إن ذلك ابتداء ليس بشيء ، ولو جَائِزًا في الذهن ، فَلَا تُنَاطُ به القدرة ، فهو المحال الممتنع لِذَاتِهِ إذ به وصفُ الخالقِ الأول بمعنى نَقْصٍ مطلَقٍ ، وهو ، كما تقدم ، المحال الممتنع لذاته ، إذ قد خالف عن النص المصرِّح لمن يؤمن بأخبار الوحي المنزَّل ، فـ : (تَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) ، وخالف عن العقل المصرِّح ، فإن القدرة ، كما تقدم ، لا تناط بالمحال الذاتي الذي يمتنع ، فليس بشيء ، ولو شَيْئِيَّةَ الجائزِ مبدأ النظر ، فَلَئِنِ اسْتُصْحِبَ من الجائز : عدم أول ، فهو مما احتمل بعدا من الوجود في الخارج ما يُصَدِّقُ ، فَلَيْسَ كَذَا المحال الممتنع لذاته ، فإن عدمه ، أيضا ، العدم الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، فَهُوَ مِمَّا يُسْتَصْحَبُ أولا وآخرا ، فلا يحتمل الإيجاد أبدا ، فَلَيْسَ يَقْبَلُ المرجِّح من خارج ، مشيئةً وقدرةً تُرَجِّحُ ، إذ ليست بالمحال الممتنع تُنَاطُ ، لا كَعَدَمِ الجائزِ الذي يُسْتَصْحَبُ أولا وهو بَعْدًا يحتملُ الإيجادَ المصدِّق في الخارج ، فَثَمَّ من القدر الفارق ما يميز الجائز الذي تُنَاطُ به القدرة ، من المحال الممتنع الذي لا تُنَاطُ به القدرة ، وثم آخر من الحس يشهد ، فإن موت الإله الذي يُدَبِّرُ الكون بما يكون من الأمر والنهي ، ذلك مما يؤذن بالفساد والاضطراب ، وله من الحس شاهد يصدق ، وهو ما يجري مجرى القياس ، قياس الأولى ، فَلَوْ غَابَ المدبِّر لآلة ، فَلَمْ يَنْصَحْ لها في النظر والفعل ، فهي تَفْسَدُ ، وليس من مادَّتِها ما يَنْفَعُ ، بل لا بد من نظر أول يُقَدِّرُ الأوليات التي تعالجها الآلة ، فيقدر منها الكيف والقدر ، والوصف الأخص بما يكون من الوعاءِ والظرفِ ، فلا بد من نظر أول في هذه الأوليات ، وفعل تَالٍ فهو يخرجها من القوة إلى الفعل ، بما يكون من ائْتِلَافِهَا على مقادير مخصوصة ، في أحوال معلومة ، وجريانها على سنة معهودة ، فَكُلُّ أولئك ، بداهة ، ما لا يكون إلا وثم فاعل قد أحكم في التقدير وَأَتْقَنَ في التدبير ، فلا يكون من الصنعة ما يستقل بِنَفْسِهِ ، كما قال بعض وقد جَحَدَ الإله الأول ، وَأَجْرَى الأمر على سَنَنٍ في الكون قد أُحْكِمَ ، وذلك حق ، ولكنه قد استغنى عن المحكِم الذي يجري ، وذلك الباطل الذي يخالف عن بدائه العقل والحس ، فَالسَّنَنُ الكوني فعل ، ولا بد له من فاعل أول يسبق ، وهو ما تَسَلْسَلَ حَتَّى انْتَهَى ضرورةً إلى فاعل أول لا فاعل قبله ، فَثَمَّ أول من مُسَلَّمَاتِ الضرورةِ أن الفعل لا بد له من فاعل يسبق في الوجود وفي الفعل ، وهو ما يشهد الفعل ، فلا يغيب عنه ويأفل ، فيحضر الأمر وَيُبَاشِرُ الفعل ، وإلا فسدت الحال ، ولو في صنعة مخلوق ، فكيف بهذا الكون المتقَن المحكَم ، فلو غاب عنه الرَّبُّ الخالق المدبِّر لفسد نظامه من باب أولى ، فلا ينفك يطلب أولا يُقَدِّرُ ، وهو بعدا يُوجِدُ وَيُدَبِّرُ ، ولا يكون ذلك إلا بعلم وإرادة ، وتلك صفات لا تقوم بداهة إلا بحي ، فالحياة أصل لكل صفة بها التقدير والإيجاد والتدبير ...... إلخ من أفعال الربوبية ، وهو ما اتصل ، فالمقادير أبدا تَتَعَاقَبُ ، فـ : (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ، وذلك ، أيضا ، مما يشهد به الحس الظاهر ، ولو في أحوال الفرد في الخارج ، فكيف بأفراد تَكْثُرُ ؟! ، ولهم من الأحوال ما لا يحصى عَدُّهُ ، بل كيف بالكواكب والأجرام ، فكل أولئك ما لا يُحْصَى تدبيره آحادا من المقادير تَتَعَاقَبُ ، وهي ، أبدا ، من الجائز مبدأَ النظرِ ، ووجودها في الخارج بَعْدًا وجودًا تاليًا يُصَدِّقُ ، ذلك مما استوجب أولا لا أول قبله ، حَسْمًا لمادة التسلسلِ في المؤثرين أزلا ، فَثَمَّ من تدبير الفرد أو حركة الكوكب أو الجرم ، ثَمَّ من ذلك ما يطلب أولا من العلة ، إذ ثم المحل الذي يباشَر ، والسبب الذي يباشِر ، وثم من الشرط ما وجب استيفاؤه ، ومن المانع ما وجب انتفاؤه ، فَحَصَلَ من ذلك مجموعٌ مركَّبٌ في باب التعليل ، وهو ما افْتَقَرَ إلى سبب أول يَسْبِقُ ، وهو مما يَتَسَلْسَلُ فِي الخلقِ والتدبيرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى أول لا أول قبله ، فهو الذي يُقَدِّرُ بما أحاط من العلم الأول المستغرِق ، ولا يكون ذلك ، بداهة ، إلا بذات لها من وصف الحياة أول ، فذلك ، كما تَقَدَّمَ ، أصل الصفات كافة ، إن الذاتيةَ أو الفعلية التي تُنَاطُ آحادُها بالمشيئَةِ ، فالقول بالموت الذي يَسْلب الحياة ، ذلك مما يخالف عن الأدلة كافة ، دليل النقل المصدَّق ، وآخر من العقل المصرَّح إذ يَلْزَمُ من ذلك عَدَمُ الأوَّلِ الذي تَرْجِعُ إليه الأسباب كَافَّةً حسمًا لمادة التسلسل في المؤثرين أَزَلًا ، فكيف يكون خلق وتدبير ، والأوَّلُ قد مات فلا حياة ؟! ، فليس ثم لزوما بَعْدَ سَلْبِهَا ، ليس ثم علم يحيط بالمقدورات ، وليس ثم قدرة تُرَجِّحُ في الإيجاد المصدِّق لما كان من تقدير في العلم المحيط المستغرق ، وكذا الحس شاهدٌ بِبُطْلَانِ هذا الفرض المحض الذي لا يجاوز في ذلك حد التجريد في الذهن ، فإن من انتظام أمر هذا العالم ما يشهد ضرورةً بالأول الذي لا أول قبله ، فَلَهُ من ذلك وصف الذات الذي لا يُعَلَّلُ ، فهو واجب الوجود لذاته ، فليس يَفْتَقِرُ إلى سبب من خارج ، فلا يكون من هذا الأول موت أو غياب ، وبذا استدل الخليل ، عليه السلام ، وهو يناظر الخصوم من عباد الكواكب والنجوم ، فـ : (لَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) ، فالآفل هو الغائب ، فكيف يدبر هذا العالم وهو يغيب عنه ؟! ، وليس يلزم من ذلك ، بداهة ، أن يشهده الخلق بالحس ، بل هو يحضر بما كان من علم محيط يستغرق ، وبما كان من سمع وبصر يحيط ، وذلك ما لا يَقُومُ بذاتِ مَيِّتٍ قد سُلِبَ وصفَ الحياةِ ، فهو يَقْدِرُ أن يميت نفسه ! ، سفسطةً في السؤال تخدع ، إذ تقترح من السؤال ما يمتنع ، فإن القدرة ، كما تقدم ، لا تناط إلا بجائز يحتمل ، فلا تناط بمحال يمتنع ، فَثَمَّ من الضروري الذي أجمعت عليه الأدلة كافة : الدليل المصحَّح ، والعقل المصرَّح ، والحس السالم من الآفة ، ثم من ذلك ما يُثْبِتُ في الخارج ضرورةً : الأول الذي لا أول قبله ، وهو العليم الذي أحاط بكلِّ شيءٍ عِلْمًا ، ومحل الشاهد منه : علم التقدير الأول ، وما يكون بعدا من إيجادٍ يُصَدِّقُ ، فيكون من العلم تَالٍ يُوَاطِئُ ، فَثَمَّ تقدير أول ، وثم تال يبين ويكشف ، فعلم ظهور وانكشاف ثان يُصَدِّقُ أولا من علمِ تَقْدِيرٍ يَسْتَغْرِقُ ، وَثَمَّ من المحل ما تَوَسَّطَ ، كَتْبًا فِي لوحِ التقديرِ المحكَمِ ، وثم آخر في صحف الملَك ، فذلك القضاء المعلق في صحفِ تَقْدِيرٍ لا يَنْفُذُ حَتَّى يكون ثم من الشرط ما يُسْتَوْفَى ، ومن المانع ما يُنْفَى ، فَثَمَّ من ذلك أسباب تُؤَثِّرُ في رَدِّ القدر المعلَّق في صحف الملَك ، لا رَدَّ القضاءِ المبرَمِ في لوح التقدير المحكم ، وليس أحد يعلم لا هذا ولا ذاك ، فلا يصح به الاحتجاج حالَ النَّقْصِ ، أن ذلك مما قَدَّرَ الرَّبُّ ، جل وعلا ، فقد يكون منه تقديرٌ مُعَلَّقٌ يطلب من السبب ما به يُدْفَعُ ، فإذا باشره المكلَّف فاجتهد أن يُقْلِعَ ، وَتَضَرَّعَ في الدعاء أن يَتْرُكَ ، أو كان من دعاء آخرَ ما يَنْصَحُ ، فكلُّ أولئك مما يَرُدُّ القدر المعلَّق في صحفِ الملَك ، ولا يكون حالَ النَّفَاذِ أو الرَّدِّ ، لا يكون إلا مُوَاطِئًا لِمَا تَقَدَّمَ من قضاءٍ مبرَم في لوح التقدير المحكم ، فذلك مما لا يُبَدَّلُ أَبَدًا ، وليس الاحتجاج به يَنْصَحُ ، كما تقدم من صحف الملَك ، فلا يعلم المكلف لا هذا ولا ذاك ، فلا يجوز له الاحتجاج بهما على ما نَقُصَ من حَالِه أو فَحُشَ من فعلِه أو مقالِه ، ومحل الشاهد ما تَقَدَّمَ من علمٍ محيطٍ قد استغرق ، فمنه : علم التقدير الأول ، ومنه ما سُطِرَ في لوح التقدير المحكم ، ومنه ما احتمل الملَك من صحف القدر المعلق ، ومنه ما حصل بَعْدًا ، فكان من علم الظهورِ والانكشافِ ما يُصَدِّقُ أَوَّلًا من علم التقدير في الأزل ، فَسُطِرَ في كُتُبِ الملَك ، وَنُسِخَ في كتابٍ جامعٍ يَنْطِقُ ، فهو شاهدُ صدقٍ بما كان من قول وفعل ، فـ : (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، فذلك وصف الواجب ، واجب الوجود لذاته ، إذ يُدَبِّرُ هذا العالم بما كان من علم تَقْدِيرٍ أول قد أحاط بالمقدورات كَافَّةً ، بل ثم من العلم ما جاوز التقدير ، فمنه ما تَنَاوَلَ المحَالَ الممتَنِعَ لِذَاتِهِ ، كما الجائز الذي يحتمل ، فمناط العلم أعم ، ولو الفرضَ المحض تَنَزُّلًا في الجدال مع الخصم ، فَثَمَّ من التدبير ما يكون بِعِلْمِ التقدير الأول ، وهو ما عَمَّ فَاسْتَغْرَقَ المقدوراتِ كَافَّةً ، وليس شيء منها في الخارج يَحْدُثُ ، فيكون منه شاهدُ صدقٍ يَنْصَحُ إذ به المقدور يخرج من العدم إلى الوجود ، ليس شيء منها في الخارج يحدث حتى يكون ثم من المشيئة والقدرة ما يُرَجِّحُ ، فَهِيَ تُنَاطُ بالجائزِ لا المحال الممتنع ، فيكون من المشيئة آحاد تصدق ما قَدُمَ من نَوْعٍ أول ، وهي ، بَعْدًا ، تصدق ، ما كان من علم تقدير أول ، فَثَمَّ من المشيئة ما يُرَجِّحُ في المقدور فيخرجه من العدم إلى الوجود ، فيكون من ذلك كلمات تَنْفُذُ ، فهي كلماتُ تكوينٍ وتدبيرٍ تُصَدِّقُ ما كَانَ من التقدير الأول ، فتأويله ما يكون بعدا في الخارج من الموجودات بالفعل ، فهي تأويلُ أَوَّلٍ من الموجودات بالقوة بما كان من علمِ تَقْدِيرٍ يَسْتَغْرِقُ ، وَكُلُّ أولئك ، بداهة ، لا يقوم بميِّتٍ لا حياة فيه تَثْبُتُ ، فالقول بأنه مما تَعْتَرِيهِ السِّنَةُ والنوم والغفلة ....... إلخ ، ذلك من المحَالِ الممتنِع لذاته ، وإلا فَسَدَ نظام هذا العالم ، وكان من اضطِّرَابِهِ ما يَعْظُمُ ، بل وَزَوَالِهِ وَخَرَابِهِ ، وإن كان ذلك مآلَه آخر أمره ، فـ : (إِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا) ، فليس ذلك اضطرارا وإنما بما كان من مَشِيئَةٍ تَالِيَةٍ تَنْفُذُ ، أن يكون ثم من الدار أخرى تَعْقُبُ ، وتلك حال تَطْرَأُ ، فليست مما يستصحب فيكون منه أصل يَثْبُتُ ، بل الأصل الثابت أن ثم من الإتقان في الخلقة ، والإحكام في السنة ، والتدبير العام الذي تَنَاوَلَ الكائنات كافة ، الأعيان وما يقوم بها من الأحوال ، إن الاضطرارَ أو الاختيارَ ، فالأصل الثابت أن من ذلك ما لا يكون بداهة من مَيِّتٍ قَدْ سُلِبَ وصف الحياة وهو الأول ، فذلك أصل لكلِّ ما تلا من الصفاتِ ، إن الذاتيَّةَ أو الفعليةَ ، فالقول بِالسِّنَةِ أو النوم أو الغفلة ...... إلخ ، كل أولئك مما امتنع ضرورةً الامتناعَ الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، فكيف بما جاوز من الموت ، فيكون من سؤال السفسطة في الجدال : هل يقدر على الموت ؟! ، وذلك ، من باب أولى ، من المحال الممتنع لذاته ، فلا يناط بالقدرة ، وإن كان من العلم ما أحاط به إحاطة الفرض المحض تَنَزُّلًا في الجدال مع الخصم ، فلا يكون تدبير هذا العالم إلا عن حي له من وصف الحياة : وصف ذات لا يُعَلَّلُ ، فلا يفتقر إلى سبب من خارج به يَحْيَى ، فحياته أولى قد أُطْلِقَتْ ، فَلَمْ تُسْبَقْ بالعدمِ ، ولا يلحقها الفناء ، ولا تَعْتَرِيهَا الآفة أو النقصان ، فذلك مما ثَبَتَ ضرورةً في النقل المصحَّح والقياس المصرَّح والفطرة الناصحة والحاسة السالمة ، فاجتمع له من الأدلة ما تَعَاضَدَ ، فهو المعلوم ضرورةً لدى كلِّ عاقلٍ ، فأمر هذا العالم يُرَدُّ إلى أول ، له من وصف الحياة : وصف الذات الذي لا يُعَلَّلُ ، وله من وصف العلم : علم التقدير الأول ، وله من وصف المشيئة بَعْدًا ما يُرَجِّحُ بما يكون من آحادٍ منها تَحْدُثُ ، فنوعها القديمُ الأوَّلُ ، وثم من آحادها بعدا ما يُصَدِّقُ ، وعنها كلمات التكوين تصدر ، وبها يدبر الخالق الأول ، جل وعلا ، هذا العالم وهو خارجه ، فَلَمْ يحل فيه ولم يتحد ، فَثَمَّ من الحد ما يميز ضرورة : الواجب من الجائز ، الخالق ، جل وعلا ، من المخلوق الحادث ، فلا يكون ثم حلول ولا اتحاد ، لا الذات ، كما قال بعض ، فـ : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) ، فكان من ذلك اتحاد أَخَصُّ ، فَقَدْ حَلَّ اللاهوت الأعلى في الناسوت الأدنى ، وثم من ذلك التحكم في الإثبات أو النفي ، فإن من لوازم هذا القول أن يوصف اللاهوت الأعلى بوصف الناسوت الأدنى ، وله من وصف النقص الذاتي ما لا يُعَلَّلُ ، فذلك الافتقار الضروري ، ولو إلى الموجِب الموجِد إذ كان مبدأ الأمر تقديرا في الأزل ، وهو ما تناوله العلم المحيط المستغرق ، فَنَوَاسِيتُ الشهادة من الأجساد المحدَثة ، وهي أعيان في الخارج مخلوقة من العدم ، موجودةٌ بعد أن لم تكن ، تلك النواسيت مما يَفْتَقِرُ إلى سبب به توجد ، وذلك أصل ضروري في النظر المصرح ، أن المسبَّب لا بد له من سبب أول يَقْدُمُ ، وهو ما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورة إلى أول لا أول قَبْلَهُ ، فَلَهُ من وصف الوجود : الوصف الذاتي الذي لا يعلل ، فلا يفتقر إلى سبب من خارج يسبق ، وله من وصف الفعل تال به الترجيح في غيرٍ من الجائز المقدر في الأزل ، وذلك وصف الإيجاب والإيجاد ، وإن لم يكن ثم بعد موجَب أو موجَد في الخارج يُصَدِّقُ ، فَثَمَّ من الوصف ما ثَبَتَ في الأزل ، فنوعه قديم بالقوة ، وإن لم يكن ثم آحاد بَعْدُ تحدث ، فتخرج من القوة إلى فِعْلٍ تَالٍ في الخارج يصدق ، وهو ما لا يكون إلا وثم مرجح ، وإلا كان التحكم تَرْجِيحًا بلا مرجِّح ، فخروج وصف الخلق من القوة إلى الفعل المصدِّق في الخارج لا ينفك يطلب المرجِّح ، آحادَ مشيئةٍ تُرَجِّحُ ، ولها ، أيضا ، نوع أول يَقْدُمُ ، فَثَمَّ من الآحاد بَعْدًا ما يحدث ، وبها خروج المقدورات من العدم إلى الوجود ، من القوة إلى الفعل ، فلا يكون شيء من هذا الخلق في الخارج إلا أن يكون ثَمَّ سَبَبٌ يَسْبِقُ ، وهو الموجِب الموجِد ، فعنه الموجَب الموجَد يصدر ، وذلك مما يَتَسَلْسَلُ في التاثير ، من أسباب تُشْهَدُ ، كما مشيج في الرحم يحصل ، فَثَمَّ من السبب ما يرصد بالحس من قذف به حصول النطفة في الرحم ، وحصول العلوق بَعْدًا ، فيكون من ذلك المشيج الذي يسلك جادة محكمة من الخلق ، فيكتمل الجسد وَتُنْفَخُ فيه الروح بعد حين مقدَّر ، فينتقل من طور إلى طور ، حتى يكتمل الخلق ويخرج الجنين ، فَثَمَّ سبب يشهد بالحس ، وهو ما يَتَسَلْسَلُ حتى يجاوز الشهادة إلى الغيب ، فيكون من ذلك سبب يجاوز الحس ، وهو ما لا يحسم مادة التسلسل الممتنعة ، فلا تحسم إلا أن يكون ثم أول لا أول قبله ، فعنه المخلوقات المحدثات كافة تصدر ، صدور المخلوق المحدَث عن الخالق المحدِث ، الموجَب الموجَد فلا بد له من موجِب موجِد يسبق ، وهو ، أيضا ، ما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى موجِب موجِد أول ، فلا موجِب موجِد قَبْلَهُ ، بل له من ذلك وصف أولية يُطْلَقُ ، فَثَمَّ من وجوده : الوجود الواجب فهو الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، وله من وصف الكمال أول يُطْلَقُ ، فهو الغني فلا يَفْتَقِرُ إلى سبب يُوجِدُ أو يَرْفِدُ فيكون منه سبب إبقاء بعد وجود ، بل بقاء الخالق الأول ، جل وعلا ، بقاء ذاتي لا يعلل ، كما سائر اسمه ووصفه وفعله وحكمه ، فكلها مما قدم في الأزل ، إِنِ الْقِدَمَ الذاتي أو قِدَمَ أْنْوَاعٍ من الفعل والحكم فما آحادها بعدا إذ تحدث إلا دليلٌ لَأَوَّلٍ يشهد ، فيتأوله في الخارج بما يُوَاطِئُ علم التقدير الجامع .
فلا يَفْتَقِرُ الغني إلى سبب يُوجِدُ أو يَرْفِدُ فيكون من ذلك كمال محدَث بعد أن لم يكن ، بل كماله ، كما تقدم ، الذاتي الذي لا يعلل ، وما الخلق في الخارج إلا أَثَرٌ من آثار كماله ، فَثَمَّ من تأويله ما يكون من آحاد الأفعال ، وهي مما حدث بالمشيئة ، ونوعها أول يَقْدُمُ ، إذ ثَمَّ من ذلك كمال في الأزل هو المطلق ، فحدثت الآحاد بالمشيئة ، من وجه ، وهي تأويل علم أول يُقَدِّرُ ، فذلك العلم المحيط المستغرق ، الذي تَنَاوَلَ المقدورات كافة ، بل والمعلومات كافة ، فذلك العموم الذي لا أعم منه ، وهو المحفوظ فلا يَتَنَاوَلُهُ التخصيص ، ولو بالعقل ، إذ تَنَاوَلَ كل شيء ، إِنِ الواجبَ أو الجائزَ ، بل والمحال الممتنع لذاته ، ولو الفرضَ المحضَ تَنَزُّلًا في الجدال مع الخصم ، فكان من العلم أول قد أحاط فاستغرق المقدورات كافة ، الكليات والجزئيات ، فذلك علم التقدير الأول ، وثم تال من المشيئة يُرَجِّحُ ، وبه المقدور يخرج من العدم إلى وجود تال يصدق ، فَثَمَّ القدر الفارق ضرورة في النقل والعقل والفطرة والحس ، القدر الفارق بين الخالق الأول ، جل وعلا ، والمخلوق المحدَث ، وإن كان ثم اشتراك في جنس الوجود الأعلى ، فهو مما انْقَسَمَ في الخارج ، فمنه الواجب ومنه الجائز ، القديم والمحدَث ، فَثَمَّ وجود الخالق ، جل وعلا ، الأول ، وهو الوجود الواجب ، فذلك وصف الذات الذي لا يُعَلَّلُ ، وثم وجود المخلوق ، وهو الوجود الجائز ، فلا ينفك يفتقر إلى مرجِّح من خارج ، ووصف الفقر فيه ذاتي لَا يُعَلَّلُ ، ولو إلى الموجِب الموجِد الذي يسبق ، وهو ، كما تقدم في موضع ، مما يَتَسَلْسَلُ حتى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى واجب الوجود الأول ، وله من وصف الكمال ضد قد أُطْلِقَ ، فهو ، أيضا ، الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، فَثَمَّ غَنِيٌّ الغنى المطلق : وصفَ ذاتٍ لا يُعَلَّلُ ، وثم الفقير الفقر المطلق : وصفَ ذاتٍ لا يُعَلَّلُ ، ولو افْتِقَارًا إلى الموجِب الموجِد الذي يخرجه من العدم إلى الوجود ، فتلك قسمة تضاهي : الواجب والجائز ، فَثَمَّ الغني والفقير ، وثم الخالق ، جل وعلا ، في حَدٍّ ، والمخلوق في آخر ، وهو ما يُبْطِلُ مقال الحلول والاتحاد الحادث ، إن العام بالمخلوقات كافة ، وهو الأقبح ، أو الخاص بمخلوق بعينه ، كما غلت النصارى في المسيح ابن مريم ، عليه السلام ، ولو كان من شَرَفِ وصفه ما قد عُلِمَ ضرورة ، فإنه لا ينفك يوصف بالنقص الذي تَنَزَّهَ عنه الخالق الأول ، جل وعلا ، ولو افْتِقَارَهُ إلى الموجِب الموجِد ، فإن ناسوت المسيح ، عليه السلام ، ليس بداهة الأزلي الذي يَقْدُمُ ، وإن كان من خَلْقِهِ بَعْدًا ما أعجز ، إذ كان من أم بلا أب ، فذلك إعجاز في الخلق ، ولكنه لَا يَنْفِي أصلَ الخلقِ ، ولو خالف عن العادة المطردة في خلق البشر من أب وأم ، فلا ينفك المسيح ، عليه السلام ، يَفْتَقِرُ إلى الخالق الذي يخلق ، وهو ، بداهة ، يفتقر إلى الأسباب التي بها يحيى كما سائر الخلق ، فهو يأكل ويشرب ....... إلخ .

والله أعلى وأعلم .

رد مع اقتباس
 
   
الكلمات الدليلية (Tags)
الكلام, دلالات
   


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




Loading...

   
   

جميع الحقوق محفوظة لمنتديات التربية الاسلامية جنين