title="منتديات التربيه الاسلامية جنين - الخطب المنبرية - RSS Feed" href="external.php?type=RSS2&forumids=60" /> وقفات مع حر الصيف
  الرئيسية التسجيل خروج  

صفحتنا على الفيس  بوك  صفحتنا على  اليوتيوب  صفحتنا على تويتر  صفحتنا على جوجل  بلس

منتديات التربية الاسلامية جنين ترحب بزوارها الكرام ،،،، اهلا وسهلا بكم ولطفا يمنع نشر اي اعلان او دعاية تجارية هنا مع جزيل الشكر كلمة الإدارة


   
العودة   منتديات التربيه الاسلامية جنين > الأقسام المتخصصة > الخطب المنبرية
   

آخر 10 مشاركات من دلالات الكلام (الكاتـب : - مشاركات : 7 - المشاهدات : 8 )           »          كيفية صناعة محتوى فعّال على فيسبوك (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          تكلفة الدراسة والمعيشة في امريكا (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          كيف تختاري طبيب أسنان أطفال جيد لطفلك؟ (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          كتابة مقالة تتصدر نتائج البحث (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          الاستفهام في الجزء (30) (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          الاستفهام في الجزء (29) (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          الاستفهام في الجزء 28 (الكاتـب : - مشاركات : 2 - المشاهدات : 3 )           »          انا فى خدمتكم (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          الاستفهام في الجزء الـ 27 (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )


وقفات مع حر الصيف

الخطب المنبرية


إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
   
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية عبد الله زيد
 
المدير العام
عبد الله زيد متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 37
تاريخ التسجيل : Sep 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 3,582
عدد النقاط : 10
قوة التقييم :
افتراضي وقفات مع حر الصيف

كُتب : [ 09-11-2015 - 08:40 AM ]


خطبة وقفات مع الصيف والحر الشديد للشيخ سعد الشهاوى
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى يعطى ويمنع ، ويخفض ويرفع , ويضر وينفع ، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما يمنع . يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. يعلم الأسرار ، ويقبل الأعذار ، وكل شئ عنده بمقدار سبحانه كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ: غِنى كُلِّ فَقِيرٍ، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَمَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير
ربي لك الحمد العظيم لذاتك *** حمدًا وليس لواحد إلاَّك
يا مدرك الأبصار والأبصار *** لا تدري له ولِكُنْهِهِ إدراكًا
ولعل ما في النفس من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناك
والكون مشحون بأسرار إذا *** حاولْتَ تفسيرًا لها أعياك
إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيء أستبين عُلاك
من للعباد غيره يدبر الامر ومن يعدل المائل من يشفى المريض ومن يرعى الجنين فى بطون الحوامل من يحمى العباد وهم نيام وهل لحمايته بدائل من يرزق العباد ولولا حلمه لأكلوا من المذابل من ينصر المظلوم ولولا عدله لسووا بين القتيل والقاتل ومن يظهر الحق ولولا لطفه لحكم القضاة للباطل من يجيب المضطر اذا دعاه وغيره استعصت على قدرته المسائل من يكشف الكرب والغم ومن يفصل بين المشغول والشاغل من يشرح الصدور ولولا هداه لنعدم الكوامل من كسانا.من أطعمنا وسقانا..من كفانا وهدانا من خلق لنا الأبناء والحلائل من سخر لنا جوارحنا ومن طوع لنا الأعضاء والمفاصل من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل هو الله,,,هو الله...هو الله الإله الحق وكل ما خلا الله باطل

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، أرسله ربه رحمة للعالمين وإماماً للموحدين وقدوة للمتقين الصابرين فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صُمّاً، وقلوباً غُلفاً.اللهم اجزِه عنا أفضل ما جزيت نبياً عن أمته، وأَعْلِ على جميع الدرجات درجته، واحشرنا تحت لوائه وزمرته، وأوردنا حوضه في الآخرة. وصلى اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً
صلى عليك الله يا علم الهدى واستبشرت بقدومك الأيام
هتفت لك الأرواح من أشواقها وازينت بحديثك الأقلام


يا من يشير إليهم المتكلم وإليهم يتوجه المتظلم وشغلتم كلمي بكم وجوارحي وجوانحي أبداً تحن إليكم وإذا نظرت فلست أنظرغيركم وإذا سمعت فمنكم أو عنكم وإذا نطقت ففي صفات جمالكم وإذا سألت الكائنات فعنكم وإذا رويت فمن طهور شرابكم وبذكركم في خلوتي أترنم

أيها المسلمون: نعيش في هذه الأيام في أشد فصول العام حرارة، بل نعيش في أشد أيام الصيف حرارة، حرٌ شديدٌ يعاني منه الناس معاناة شديدة لحكمة يعلمها علام الغيوب، ومالك الملك فلا إله إلا هو ما أقواه! وما أضعف الإنسان! وما أهونه!.هل يستطيع أحد من البشر أن يخفض درجة الحرارة؟ أم هل يستطيع تخفيف حرارة الشمس؟ما سبب هذا الحر؟ هل له من منافع؟ هل سبق أن مر على الناس مثله؟ أسئلة ومناقشات تدور على ألسنة الناس

من الوقفات المهمة في مثل هذه الأجواء أن نتفكر فى تقلب الزمان وإن المؤمن يعيش حياته دائم التفكر والاعتبار، فعندما يتفكر في تقلب الليل والنهار، والشهور والأعوام، والصيف والشتاء والخريف والربيع، يؤدي عبادة عظيمة يُؤجر عليها، ألا وهي عبادة (التفكر في خلق الله تعالى).

عباد الله: إن في تقلُّب الليالي والأيام، وفصول السنة والأعوام، وفي تناوب الضياء والظلام، وتبدّل الحرارة والبرودة، وطلوع الشمس وأفولها، وولادة القمر واحتضاره، وغيرها من المظاهر الكونية، والتغيرات المناخية والجوية، عبرة لنا و التفكر والاعتبار من صفات أولي الأبصار والألباب، قال تعالى (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَار) [النور:44].

مَعاشرَ المسلمين: في اختِلافِ اللَّيل والنّهار عِبرٌ، وفي تَقلُّبِ الزَّمان مدَّكر، في تلوُّن الزمان من شتاءٍ وصَيف ما يبهر المتعقّلين ويُنبِّه المتذكّرين ويجذِب أفئدةَ الصّادقين إلى الدّلالات الواضِحَة والبراهين البيِّنَة على عَظَمَة الخالق وبديعِ الرّازق وعلى وحدانيَّتِه وقدرته سبحانه وقد ذكر الله لنا في كتابه صفات أولي الألباب أي أصحاب العقول والأفهام النيرة ومنها التفكر في خلق الله تعالى، قال الله جل وعلا:: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190، 191].

هذا الحر دليل من دلائل ربوبية الله تعالى، فهو الذي يقلب الأيام والشهور، ويطوي الأعوام والدهور، وهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، سبحانه وتعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [القصص:71-72]. قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "ثمَّ تأمَّلْ هذه الحكمةَ البالغةَ في الحرِّ والبرد وقيام الحيوان والنبات عليها، وفكر في دخول أحدهما على الآخر بالتدريج والمهلة حتى يبلغ نهايته، ولو دخل عليه مفاجأة لأضر ذلك بالأبدان وأهلكها، وبالنبات، ولولا العناية والحكمة والرحمة والإحسان لما كان ذلك".

سبحانه ينوع الفصول، ويبدل الليالي والأيام، فليل ونهار، وصيف وشتاء، وخريف وربيع، فنحن نعيشُ هذه الأيام مع فصل الصيف موعظةً بليغةً، ودروسًا عظيمة، يشهدُها السميع والبصير، ويُدركها الأعمى والأصم.
وفي هَذا التقلُّبِ وذلك التحوُّل بِنظامٍ دقيقٍ دلالةٌ تسوقُنا إلى شُكر الله -جلّ وعلا- على آلائِه وحَمدِه على نعمائه: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان: 62]. فكم من الحكم والفوائد والعبر في هذه الأحوال المتفاوتة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "وفي الصيف يحتد الهواء، ويسخن جدا، فتنضج الثمار، وتنحل فضلات الأبدان والأخلاط التي انعقدت في الشتاء، وتفور البرودة، وتهرب إلى الأجواف، ولهذا تبرد العيون والآبار، ولا تهضم المعدة الطعام التي كانت تهضمه في الشتاء من الأطعمة الغليظة؛ لأنها كانت تهضمها بالحرارة التي سكنت في البطون، فلما جاء الصيف خرجت الحرارة إلى ظاهر الجسد".فسبحان الحكيم العليم.


ومن الوقفات المهمة في مثل هذه الأجواء: أن نعلم أن الحرّ ابتلاء من الله تعالى لعباده وابن آدم ملول، قد وصفه ربه بأنه ظلوم جهول، ومن جهله عدم الرضا عن حاله، فإذا جاء الصيف تضجَّر منه، وإذا جاء الشتاء تضجَّر منه، وفي ذلك يقول الناظم:
يتمنَّى المرءُ في الصيف الشِّتَا *** فإذا جاء الشِّتَا أَنْكَرهُ
فهْوَ لا يرضَى بحالٍ واحدٍ *** قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرهُ!
وهذا من طبع البشر؛ ولكن المسلم يرضى بما قدر الله له من خير أو شر، قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد:4]، أخرج مسلم عن صهيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عَجَباً لأمر المؤمن! إنَّ أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له". ولن يعدم المؤمن أحد هذين الخيرين بشرط الرضا والشكر والصبر، ومَن حُرِمَ الصبر على ما قدر الله فهو المحروم.

ومن الوقفات المهمة في مثل هذه الأجواء: أن نعلم أن الحرّ قد يكون عذابا ذَكَر المفسّرون في قصّة قوم شعَيب عن ابنِ عباس -رضي الله عنهما- عند قولِهِ تَعَالى: (فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الشعراء: 189]، قال: أرسَلَ الله إليهم سَمومًا من جَهنّمَ، فأَطافَ بهم سبعةَ أيّام حتى أنضَجَهمُ الحرُّ، فحَمِيَت بيوتهم وغَلَت مياههم في الآبار والعيون، فخَرَجوا من منازلهم هارِبين والسَّموم معهم، فسلَّط الله عليهم الشَّمسَ من فوقِ رؤوسهم فغَشِيَتهم، وسلَّط الله عليهم الرَّمضاءَ مِن تحتِ أرجُلِهم حتى تساقَطَت لحومُ أرجُلِهم، ثم نَشَأت لهم ظُلّة كالسّحابة السوداءِ، فلمّا رَأَوها ابتَدَروها يستغيثونَ بظلِّها، فوجَدوا لها بردًا ولذّةً، حتى إذا كانوا جميعًا تحتَها أطبقَت عَلَيهم وأمطَرَت عليهم نارًا فهلَكوا، ونجّى الله شعيبًا والذين آمنوا مَعَه. وذلك مرويٌّ أيضًا عن ابن عمرو -رضي الله عنهما-.والله -جلّ وعلا- ذكَر صفَةَ إهلاكهم في ثلاثَةِ مواطن، كلّ مَوطِن بصفَةٍ تناسب السِّياقَ، يقول بعضُ مفسِّرِي السلف: إنَّ أهلَ مَديَن عُذِّبوا بثلاثةِ أصناف منَ العذاب: أخَذتهم الرجفةُ في دورِهِم حَتى خَرَجوا مِنها، فَلمَّا خرَجوا مِنها أصابَهم فَزَعٌ شديدٌ، ففَرَقوا أن يدخُلوا إلى البيوتِ فتَسقُطَ علَيهم، فأرسَلَ الله عليهم الظّلّةَ، فدَخَل تحتها رجلٌ فقال: مَا رأيتُ كاليومِ ظِلاًّ أطيَبَ ولا أبرَدَ من هذا، هَلُمُّوا أيّها الناس، فدخلوا جميعًا تحتَ الظلّةِ، فصاح بهم صيحةً واحدة، فماتوا جميعًا
إن من الوقفات المهمة في مثل هذه الأجواء: أن يتذكر الإنسان ضعفه ومسكنته، وأنه بأمس الحاجة إلى ربه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)[فاطر: 15-17].فعليه أن يحسن في عبادة ربه، وأن يكثر من دعائه، والتضرع إليه.

و من الوقفات المهمة في مثل هذه الأجواء: أن يفكر الإنسان في إخوانه المسلمين الذين يبقون مددا من الزمن، تصهرهم حرارة الشمس، وتحرقهم حرارة الرمضاء، بلا ظل ولا مأوى.قد شردوا من أوطانهم، وأخرجوا من ديارهم، وأنهكتهم الحروب، ومسهم الجوع في أقطار من العالم. إن لهم حق المواساة بالكسوة والطعام، والدعاء.وهذا يوجب علينا أيضا: أن نشكر الله -جل وعلا- الذي أطعم من جوع، وآمن من خوف.ويؤكد علينا شكر القلب واللسان والجوارح، فعندنا من الأجهزة والوسائل ما ندفع به حرارة الجو، وشدة الصيف عوازل حرارية، وأجهزة كهربائية، ونعم متعددة، وأشربة مبردة: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)[النحل: 34].فأين الشاكرون؟(ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)[التكاثر:8].جاء في سنن الترمذي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة أن يقال: ألم نصح لك جسمك ونروك من الماء البارد؟".

وإن شد حر الصيف الذي نعيشه يذكرنا بموقفين عظيمين، وهما:

الموقف الأول: إن شدة حر الصيف يذكرنا بِحَرِّ يوم القيامة: قال ابن رجبٍ -رحمه الله-: "وينبغي لمن كان في حرِّ الشمس أن يتذكَّر حرَّها في الموقِف؛ فإن الشمسَ تدنُو من رُؤوسِ العبادِ يوم القيامة، ويُزادُ في حرِّها، وينبغي لمن لا يصبِرُ على حرِّ الشمس في الدنيا أن يجتنِبَ من الأعمال ما يستوجِبُ صاحبُه به دخولَ النار؛ فإنه لا قوةَ لأحدٍ عليها ولا صبر".
يوم القيامة يوم طويل، طوله خمسون ألف سنة، (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حميما )سورة المعارج: 1-10
فيوم القيامة طويل، يقوم فيه الناس من القبور لأجل البعث والنشور، والشمس قد دنت على الرؤوس، وجهنم قد اقتربت من الحاضرين، وازدحم الناس فليس لكل واحد منهم إلا موضع قدميه، فاجتمع على الناس ثلاثة أسباب من الحر: قرب الشمس، ودنوها، والزحمة، ومجيء جهنم،( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بجهنم )سورة الفجر: 23.

إنَّ يومَ القيامة يومٌ شديدٌ مليءٌ بالكُربِ والأهوال، كُربٌ يشيب منها الولدان، ويفر فيها المرء من الأهل والخلان
ومن كُرب ذلك اليوم العظيم التي سيواجهها الناس كَرْبُ الإغراق بالعرق ويزداد كرب النَّاس يوم القيامة عندما تقترب الشمس من رؤوس الخلائق في يومٍ كان مقدارُه خمسين ألف سنة!فهو يومٍ عظيم لا تغيب شمسه؛ بل تقترب فيه الشمس من رؤوس الخلائق قدر ميل فلا يموتون بأمر الله تعالى، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "(يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يَتَغَيَّبُ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ" رواه ابن حبان وصححه الألباني. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الآية: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، فقال: "كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة، ثم لا ينظر الله إليكم" رواه الحاكم وصححه الذهبي.

والذي يزيد من هذا الكرب شِدَّةً الوقوفُ والانتظارُ تحتَ لهيب الشمس التي اقتربت من رؤوس الخلائق قدر ميل حتى يغرق الناس في عَرَقِهم كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث المقداد بن عمرو -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُدْنِيَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْعِبَادِ حَتَّى تَكُونَ قِيدَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ"، قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ–وهو التابعي الذي روى الحديث عن المقداد بن الأسود: فَوَاللَّهِ لا أَدْرِي أَيّ الْمِيلَيْنِ يَعْنِي: أَمَسَافَةُ الأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ ؟. قَالَ: "فَتَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ–أي خاصرتيه-، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا "، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ يَقُولُ: "يُلْجِمُهُمْ إِلْجَامًا" رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه ابن حبان والألباني.
قَالَ: والميل عباد الله لو كان بمسافة الأرض فإنه يقدر بــــــ(1848 متراً)، أما الميل الذي تكتحل فيه العين فهو الحديدة التي توضع في المكحلة وهي (أقل من إصبع)، وعلى كلا الحالين فإن المسافة قريبة جداً، فالشمس تبعد عنا ما يقرب من (000,600,149كم)،وعلماء الفلك يقولون: لو أن الشمس اقتربت بمقدار يسير لاحترق كل ما على الأرض، ولو ارتفعت قليلاً لتجمد كل ما على الأرض، فسبحان الله العظيم.

وإنما يكون العرق منهم على قدر أعمالهم حيث ينزل عرقهم في الأرض سبعين ذراعا، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حَقْوَيْهِ–أي خاصرتيه-، ومنهم من يُلجمه العرق إلجاماً)وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه(، أي: يصل عرقهم إلى الفم وحدود الأذنين،ثمَّ يرتفع فيصل عند بعضهم إلى رؤوسهم، أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:" يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ ". رواه البخاري.
وفي معنى (يذهب عرقهم في الأرض): قيل: أي يغور ويغوص في الأرض، وتشربه الأرض إلى سبعين ذراعاً أي ما يزيد عن ثلاثين متراً. وقيل: أي يسيل على وجه الأرض سبعين ذراعاً، والمعنى الأول أشهر.

مثِّـلْ لنفسِكَ أيُّهـا الْمَغْـــرُورُ *** يوم القيامةِ والسماءُ تَمُــورُ
إذا كُوِّرَتْ شمسُ النهار وضاعفت *** حَرَّاً على رأس العباد تفــور
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت *** وتبدَّلَتْ بعد الضياء كـدور
وإذا الجبال تقَلَّعَتْ بأصــــولها *** فرأيتَها مثلَ السَّحابِ تسـير
وإذا العِشار تعطَّلَتْ عن أهلهـــا *** خَلَتِ الدِّيَارُ فما بها مغـرور
وإذا الوحوشُ لدى القيامةِ أُحْضِرَتْ *** وتقولُ للأملاك أين نسيــر
فيقالُ سِيروا تشهدون فظائِـــعَاً *** وعَجَائِباً قد أُحْضِرَتْ وأُمُـور
وإذا الجنين بأمِّه متعلِّقَـــــاً *** خوف الحساب وقلبه مذعـور
هذا بلا ذنبٍ يخاف لهولــــه *** كيف المقيم على الذنوب دهور
مهِّدْ لنفْسِكَ حجةً تنجو بهـــا *** يوم القيامة يوم تبدو العــور

وإذا كان علينا أن نبذل الغاليَ والنفيس لكي نقي أنفسنا من شدَّة حَرِّ الشمسِ في هذه الدنيا، فما أحرانا أنْ نُضَاعِفَ الجهد لكي ننأى بأنفسنا عمَّا هو أشدّ وأخطر.
فماذا أعددنا لهذا الكرب الشديد من عمل؟ إنَّ الناس في فصل الصيف لا يطيقون حرارة الشمس، ويتذمرون منها، فتراهم يهربون من حَرها إلى أماكن الظل، سواء كانت تلك الأماكن تحت مظلة أو شجرة أو سيارة، وقد يبقون في البيوت أو يسيحون في الأرض بحثاً عن البلاد الباردة، ويوصي بعضهم بعضاً بعدم المشي في الشمس حتى لا يتعرض أحد منهم لضربة الشمس المحرقة فتخلُّ بدماغه. بل يُوصَى دولياً على مستوى العالم عبر منظمات حقوق الإنسان بمنع تشغيل العمال ميدانياً إذا تجاوزت الحرارة خمسين درجة مئوية؛ حفاظاً على صحة الإنسان وعقله من حرارة الشمس الشديدة الملتهبة صيفاً. وربما نسي أولئك الناس أنَّ هذه الشمس التي يهربون منها سيلاقونها يوم القيامة بأشدّ ما تكون حرارة وقرباً، أليس من المتحتّم علينا أن نسأل عما يقينا من حَرّ تلك الشمس التي سوف نقف تحت وهجها وحرّها؟ ليس ليومٍ أو يومين، ولا لسنة أو سنتين، وإنَّما لخمسين ألف سنة يبلغ فيها الكرب منتهاه، حتى إنَّ الناس لَيَتَمَنَّوْنَ البدء بالحساب ليستريحوا مما هم فيه من حر الشمس، ولو ذُهِبَ بهم إلى النار!.
نسيتَ لظَى عند ارتِكابِك للهوَى *** وأن تتوقَّى حرَّ شمسِ الهواجِرِ
كـأنَّك لـم تدفِن حميمًا ولم تكُن *** له في سِياقِ الموتِ يومًا بحاضِرِ

فَاعْتَبِرْ -يَا عَبْدَ اللهِ- بِحَرِّ الدُّنْيَا لِحَرِّ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ) [النساء: 56].نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يُجِيرَنَا وَوَالِدِينَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَأَحْبَابَنَا وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الفرقان: 65-66].

وفي أثناء هذا الموقف العصيب يكون أناس في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، أصناف تكون في ظل ظليل يوم أن تدنو الشمس من رؤوس الخلائق، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ–ويشمل الحاكم والسلطان والوزير والقاضي والمدير وكل من ولي من أمر المسلمين شيئاً فعدل-، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ".

ومَن استظل بظل العرش سيمُرُّ عليه ذلك اليوم الطويل كقدر الصلاة المكتوبة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مِقْدَارَ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يُهَوّنُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ" أبو يعلى وصححه ابن حبان والألباني. وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ"، فَقِيلَ: مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمَ! فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّهُ لَيُخَفّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا" رواه أحمد وصححه ابن حبان.

الموقف الثاني:إن شدة حر الصيف يذكرنا بشدة حر نار جهنم:

أيها المسلمون: شمس هذا الصيف تكاد تزمجر من شدة حَرٍّها، وفي زَمَن الحَرِّ يتذكَّر المؤمِن شِدَّةَ حرِّ النّار غيرِ المتَناهي أبَدَ الآبدين ودَهرَ الدّاهرين، فيُقبِل حينئذٍ بكلِّيتِه على العزيز الغفَّار ويَفِرّ من سَخَط الجبَّار وإذا كان الإنسان يفر من حرارة الشمس إلى الظل، ويهرب من الأجواء الحارة إلى الأجواء الباردة ، حفاظا على اعتدال المزاج، وطلبا للصحة، فأولى ثم أولى أن يفر من نار حامية، وأن يقي نفسه وأهله منها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
ورغم ما نجد من شدة الحر في دنيانا، علينا أن نتذكر أن نار جهنم والعياذ بالله هي أشد حراً، قال تعالى: "وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْكَانُوايَفْقَهُونَ" (سورة التوبة:81)،بين الله تعالى لنا في هذه الآية كيف كان المنافقون في غزوة تبوك يثبطون بعضهم بعضاً عن الخروج للجهاد، ويقول بعضهم لبعض: " لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ"، فقال الله لنبيه محمد-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قل لهم، يا محمد أن نار جهنم أشد حرًّا من هذا الحرّ الذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا للجهاد فيه.

إن شدة ما نجد من الحر في الصيف مِن فيح جهنم، كما جاء عن نبينا -صلى الله عليه وسلم فعن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فإن شِدَّةَ الْحَرِّ من فَيْحِ جَهَنَّمَ، )(رواه البخاري ومسلم).والمقصود" تأخيرُ صلاة الظهر عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ شِدَّةُ الْحَرِّ، وَيَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ، فَيَمْشِيَ فِيهِ قَاصِدُ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَمْشِي فِي الشَّمْسِ، إلى قرب صلاة العصر عند اشتداد الحر. وَحُجَّةُ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ المُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْرِدْ» ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: «أَبْرِدْ» حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

ولا يخفى أنَّ شدة الحَرِّ من نَفَس جهنم والعياذ بالله، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ". رواه البخاري ومسلم. قال الحسن البصري -رحمه الله-: "كُلُّ بردٍ أهْلَكَ شيئاً فهُو مِن نَفَسِ جهنَّم، وكُلُّ حَرٍّ أهلك شيئا ً فهو من نفس جهنم"
فإذا كانت شدة الحر في الصيف من نفس جهنم ويحرق بعض الناس ويموت بسببه بعض الناس، فكيف بجهنم نفسَها وكيف بجميع أنفاسها؟! وكيف يكون لهيبها وعذابها، وكيف يكون حال من كانت النار مسكنه ومقامه ومستقره، والعياذ بالله. وما حال من يعذبون فيها؟ ومن هم خالدون مخلدون في النار؟ -نعوذ بالله من جهنم وعذابها-.

إن نار جهنم والعياذ بالله ليست كنار الدنيا، بل إن نار الدنيا هي جزء من سبعين جزءاً من نار الآخرة، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قَالَ: فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا ". رواه البخاري ومسلم
وإن نار جهنم ليست كنار الدنيا حمراء، بل هي سوداء قاتمة مظلمة والعياذ بالله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه:أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "تَحْسَبُونَ أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ مِثْلُ نَارِكُمْ هَذِهِ، هِيَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنَ الْقَارِ " (رواه البيهقي وصححه الألباني).

كيف بكم وقد قال رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا من أَهْلِ النَّارِ يوم الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يا ابن آدَمَ: هل رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هل مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فيقول: لَا والله يا رَبِّ!" رواه مسلم عن أنس -رضي الله عنه-. لقد نسي الهالكُ كلَّ نعيم في الدنيا بمجرد صبغة وغمسة؛ فما ظنُّكم بمن يخلد فيها ويقاسي عذابها؟! أعاذنا الله وإياكم ووالدينا وجميع المسلمين منها.

فيا من لا يطيقون حرارة الجو، ويا من لا يتحملون الوقوف في الشمس ساعة، كيف بكم وحرارة جهنم؟ حمانا الله جميعاً منها! فوالله الذي لا إله غيره! لسنا لها بمطيقين؛ فإنَّ حرَّها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقوم والقيح والصديد، وسلاسلها وأغلالها الحديد. قال سبحانه (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَاْتِكُمْ نَذِيرٌ) [الملك:7-8]، وقال سبحانه: (إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)

ونحن في شدة الحر أيها الكرام عن ماذا نبحث ؟ ، نبحث عن الهواء البارد والماء البارد وظل نستظل فيه من حرارة الشمس، أتعلمون عباد الله ما هو هواء وماء وظل أهل النار، الجواب في قوله تعالى: " وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ، وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ، لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ " (سورة الواقعة:41-44).والسموم عباد الله: هوهواء ساخن حارق يلفح الوجوه ويشوي الأجسام.
والحميم: هو ماء شديد الغليان لا يروي ولا يبرد، ماء يقطع الأمعاء، قال الله تعالى: "وسٍقٍوا مّاءْ حّمٌيمْا فّقّطَّعّ أّمًعّاءّهٍمً "(سورة محمد:15).
واليحموم: هو الدخان الأسود الحار اللافح الخانق، والعياذ بالله.

وبالمقابل أهل الجنة في نعيم مقيم لا يضرُّهم حرٌّ ولا برد، بل جميع أوقاتهم في ظل ظَلِيل ونعيم دائم لا ينقطع، قال تعالى في حقهم: "وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا "(سورة النساء:57)، وقال في وصف جنتهم: "مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلاَ زَمْهَرِيرًا"(سورة الإنسان:13)، وقال تعالى أيضاً: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ" (المراسلات:41) وقال أيضاً:"تلك الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّار" (سورة الرعد:35).
وإن من نعيم الجنة العظيم الظل الممدود الذي فيها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) سورة الواقعة آية 30 " (رواه البخاري ومسلم).
سبحان الله العظيم شجرة يسير الراكب الجواد السريع في ظلها مائة عام ولا يقطعها، نعيم لا تستطيع عقولنا القاصرة على تخيله وتصوره.
عباد الله، الجنة والنار محلان ما للمرء غيرهما ، فاختر لنفسك أي الدار تختار ؟

وَقَدْ كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ يَعْتَبِرُونَ بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ شِدَّةِ الْبَرْدِ أَوْ حُصُولِ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ، فَيَتَذَكَّرُونَ مَا يَقَعُ فِي الْآخِرَةِ مِمَّا هُوَ أَشَدُّ مِمَّا مَرَّ بِهِمْ، فَيَدْفَعُهُمْ ذَلِكَ لِمَزِيدِ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. كان عمر -رضي الله عنه- يقول: "أَكثِروا ذِكرَ النّار؛ فإنَّ حَرَّها شَديد، وإنَّ قعرَها بَعيد، وإنَّ مَقامِعَها حَديد"، وكان بَعضُ السَّلف إذا رجَع من الجُمُعة في حرِّ الظهيرةِ يذكر انصرافَ الناسِ مِن موقف الحسابِ إلى الجنّة أو النار، فإنَّ السَّاعةَ تقوم يومَ الجمُعة، ولا يَنتَصِف ذلك النهار حتى يَقيل أهلُ الجنّة في الجنّة وأهلُ النّار في النار، ثم تلا: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) [الفرقان: 24].
رأى عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- قومًا في جنازة قد هربوا من حَر الشمس إلى الظل، وتوقَّوا الغبار، فأبكاه هذا المنظر، وحال الإنسان يألف النعيم والبهجة، حتى إذا وُسِّد قبره فارقهما إلى التراب والوحشة، فأنشد قائلا:
مَنْ كانَ حِينَ تُصيبُ الشمسُ جبهتَه *** أو الغبارُ يخافُ الشَّيْـنَ والشَعَثـا
ويألفُ الظـــلَّ كي تبقَى بشاشتُه *** فسوفَ يسكنُ يومـًا راغمًا جَدَثًا
في ظـِـــلِّ مُقْفِرَةٍ غبراءَ مُظْلِمَةٍ *** يُطيلُ تحت الثَّرى في غمها اللُّبُثَـا
تجهَّـزِي بجَهَــازٍ تبلُغيـن بــه *** يا نفسُ قبْلَ الرَّدَى لم تُخْلَقِي عَبَثَـا

وكان السّلَف يذكُرون النارَ بدخول الحمّام فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا دَخَلَ حَمَّامَ الْبُخَارِ وهو مكانٌ يُجمع فيه ماءٌ حارّ على كيفيّة معيّنَة لِلتَّنَظُّفِ وَالِاسْتِرْخَاءِ ذَكَّرَهُ مَا يَرَاهُ فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْبُخَارِ وَشِدَّةِ الْحَرَارَةِ بِحَرَارَةِ النَّارِ، جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: نِعْمَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ؛ يُذْهِبُ الدَّرَنَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ! وَبِنَاءً عَلَيْهِ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنْ آدَابِ دُخُولِ حَمَّامَاتِ الْبُخَارِ: أَنْ يَتَذَكَّرَ بِحَرِّهَا حَرَّ النَّارِ، وَيَسْتَعِيذَ بِاللهِ -تَعَالَى- مِنْ حَرِّهَا وَيَسْأَلُهُ الْجَنَّةَ. ودَخَل ابن وَهبٍ الحمّامَ فسمِع تاليًا يتلو: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ) [غافر: 47] فغُشِي عليه

وَصَبَّ بَعْضُ الصَّالِحِينَ عَلَى رَأْسِهِ مَاءً مِنَ الْحَمَّامِ فَوَجَدَهُ شَدِيدَ الْحَرَارَةِ، فَبَكَى، وَقَالَ: ذَكَرْتُ قَوْلَهُ -تَعَالَى-: (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ) [الحج: 19]. وكان بعضُ السّلَف إذا أصابه كربُ الحرِّ قال: "يا بَرُّ يا رحيم: مُنَّ علينا وقِنَا عذابَ السموم"،

وَلَمَّا زُفَّتْ مُعَاذَةُ العَدَويةُ إِلَى صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ أَدْخَلَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَمَّامَ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ بَيْتَ الْعَرُوسِ; بَيْتًا مُطَيَّبًا، فَقَامَ يُصَلِّي، فَقَامَتْ تُصَلِّي مَعَهُ، فَلَمْ يَزَالَا يُصَلِّيَانِ حَتَّى بَرَقَ الصُّبْحُ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْ عَمِّ، أَهْدَيْتُ إِلَيْكَ ابْنَةَ عَمِّكَ اللَّيْلَةَ، فَقُمْتَ تُصَلِّي وَتَرَكْتَهَا. قَالَ: إِنَّكَ أَدَخَلْتَنِي بَيْتًا أَوَّلَ النَّهَارِ أَذْكَرْتَنِي بِهِ النَّارَ، وَأَدْخَلْتَنِي بَيْتًا آخِرَ النَّهَارِ أَذْكَرْتَنِي بِهِ الْجَنَّةَ، فَلَمْ تَزَلْ فِكْرَتِي فِيهِمَا حَتَّى أَصْبَحْتُ. فالْبَيْتُ الَّذِي أَذْكَرَهُ بِهِ النَّارَ هُوَ الْحَمَّامُ، وَالْبَيْتُ الَّذِي أَذْكَرَهُ بِهِ الْجَنَّةَ هُوَ بَيْتُ الْعَرُوسِ.

كان الأخنف بن قيس يجيء إلى المصباح فيضع أصبعيه فيه ويقول حس، ثم يعاتب نفسه على ذنوبه

هكذا كان السلف الصالح حال الحر، وكان ابنُ عمرَ وغيرُه من السلف إذا شربوا ماءً بارداً بكوا وذكروا أمنيةَ أهلِ النار، وأنهم يشتهون الماء البارد، وقد حيل بينهم وبين ما يشتهون، ويقولون لأهل الجنة: (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ)، فيقولون لهم: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) [الأعراف:50].

فهَكَذا هم، يَرَون أنَّ كلَّ ما في الدنيا يَدلُّ على صانِعِه ويُذكِّر به ويَدلُّ على عظمَتِه وسَعةِ صِفاتِه، فما فيها من نعيمٍ وراحةٍ يدلّ على كَرَم خالقِه وفضلِه وإحسانه وجودِه ولُطفِه، وما فيها مِن نِقمةٍ وشِدّة وعَذابٍ يَدلّ على شِدّة بأسِه -عَزّ شَأنُه- وعَظيمِ بَطشِه وقهرهِ وانتِقامِه، قال الحسن في كلامٍ له طويل: "كانوا -يَعني الصحابةَ رضي الله عنهم- يقولون: الحمد لله الرفيق الذي إذا شاءَ جاءَ بِبردٍ يقرقفُ الناسَ -أي: يَرعَد الناسُ من البرد-، وإذا شاء ذهَبَ بذلك وجاءَ بحرٍّ يأخذ بأنفاس الناس؛ ليعلمَ الناسُ أنَّ لهذا الخَلقِ ربًّا هو يحادِثُه بما تَرَونَ من الآيات، كذلك إذا شاءَ ذهَب بهذه الدّنيا وجاء بِالآخرةِ.

بعض الأعمال الموجبة للاستظلال تحت ظل العرش يوم لاظل إلاظله
وإذا كان الناسُ يسألون عن أفضل العوازل الحرارية وأفضل المكيفات لبيوتهم فسأخبركم عن أفضل العوازل الحرارية عن حر شمس يوم القيامة، سأذكر لكم بعض الأعمال الموجبة للاستظلال تحت ظل العرش؛ لعلنا نسارع إليها بعد أن أدركنا وءآمَنَّا بأهميتها يوم القيامة.

الأول: إنظار المعسر حتى يسدِّدَ دَيْنه، أو التخفيف من الدين عنه؛من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، من أَنْظَرَ مدينه المعسر الذي لا يستطيع السداد أو أسقط الدين من ذمته فعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أَنْظَرَ مُعْسِرًا أو وَضَعَ عنه أَظَلَّهُ الله في ظِلِّهِ" رواه مسلم. وعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّهِ: "مَن أَنْظَرَ مُعْسِرًا أو وَضَعَ له أَظَلَّهُ الله يوم الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ" رواه أحمد والترمذي. وعن أبي اليسر -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أول من يستظل في ظل الله يوم القيامة لرجل أنظر معسراً أو تصدق عنه" رواه الطبراني بسنَدٍ حسَن. وعن أبي قَتَادَةَ -رضي الله عنه- قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من نَفَّسَ عن غَرِيمِهِ أو مَحَا عنه كان في ظِلِّ الْعَرْشِ يوم الْقِيَامَةِ" رواه مسلم وأحمد.
فيا أيها المؤمنون من كان له دين على أخيه المعسر فليسامحه لوجه الله تعالى أو ليؤخره حتى يوسر فيسد الدين، طمعاً في أن يكون من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.


الثاني: إعانة المجاهدين فى سبيل الله فعن سَهْلِ بن حُنَيْفٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أَعَانَ مُجَاهِدًا في سَبِيلِ اللَّهِ أو غارماً في عُسْرَتِهِ أو مُكَاتَباً في رَقَبَتِهِ أَظَلَّهُ الله في ظله يوم لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ" رواه أحمد وصححه الحاكم.

الثالث: حفْظ سورتي البقرة وآل عمران؛ فعن عبد اللَّهِ بن بُرَيْدَةَ عن أبيه قال: كنت جَالِسًا عِنْدَ النبي -صلى الله عليه وسلم- فَسَمِعْتُهُ يقول: "تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فإن أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، ولا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ"، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قال: "تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ، وَإِنَّهُمَا تُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يوم الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أو غَيَايَتَانِ، أو فِرْقَانِ من طَيْرٍ صَوَافّ" رواه أحمد والدارمي والبيهقي في الشعب، ورجاله رجال الصحيح، وقال الألباني حسن صحيح.
وعن النَّوَّاسَ بن سَمْعَانَ الْكِلَابِي -رضي الله عنه- يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يوم الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ"، وَضَرَبَ لَهُمَا رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ ما نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قال: "كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أو ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شرقٌ، أو كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ من طَيْرٍ صَوَافّ؛ تُحَاجَّانِ عن صَاحِبِهِمَا" رواه مسلم. فاحرصوا على هاتين السورتين، بدلا من حفظ الأغاني التي لا تزيد القلب إلا ضعفاً ووهناً وبؤساً وشقاء.

الرابع: العدل في الرعية، أو في مَن تحت ولايته ولو كانت ولاية صغيرة، كولاية الرجل على أهل بيته وفى حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم الله تَعَالَى في ظِلِّهِ يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ (إِمَامٌ عَادلٌ " رواه البخاري ومسلم.

الخامس: نشأة الشاب في طاعة الله وعبادته وفى حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم الله تَعَالَى في ظِلِّهِ يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ (وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّه " رواه البخاري ومسلم.
السادس: تعلق القلوب ببيوت الله وفى حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم الله تَعَالَى في ظِلِّهِ يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالْمَسَاجِدِ" رواه البخاري ومسلم.

السابع:. المحبة في الله تعالى وليس لأجلِ مصلحة دنيوية أو غيرها، فعن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ يقول يوم الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلِّي" رواه مسلم. وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ يَحْكِى عن رَبِّهِ يقول: "الْمُتَحَابُّونَ في اللَّهِ على مَنَابِرَ من نُورٍ في ظِلِّ الْعَرْشِ يوم لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ" رواه أحمد والطبراني.
وفى حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم الله تَعَالَى في ظِلِّهِ يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ (وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمَعَا عليه وَتَفَرَّقَا عليه، " رواه البخاري ومسلم.

الثامن: تجنب الزنا ودواعيه التي كثر ترويجها وبثها خلال وسائل الإعلام المختلفة ليل نهار وفى حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم الله تَعَالَى في ظِلِّهِ يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ (وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فقال إني أَخَافُ اللَّهَ " رواه البخاري ومسلم.
ذات منصب وجمال لأن المنصب مغرى والجمال أيضا فقد تطغى عليه بمنصبها بأن تكون رئيسة له فى العمل وتأمره بالزنا طمعا فى ترقيته أو عدم مجازاته فهنا لابد أن يقول إنى أخاف الله وقد يكون من توابع هذه الكلمة الفصل من عمله أو الإضرار به أونقله أومجازاته خاصة إذا كانت المرأة رئيسة له فى العمل أو تعرف من يرأسه في عمله



التاسع:الصدقة على الفقراء والمحتاجين، فقد روى الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وصححه الألباني، عن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ -رضي الله عنه- يقول: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كُلُّ امْرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حتى يُفْصَلَ بين الناس"، أو قال: "يُحْكَمَ بين الناس" رواه أحمد وصححه الحاكم وابن حبان وابن خزيمة والألباني.
قال يزيد بن أبي حبيب: فكان أبو الخير مرثد بن أبي عبد الله -الراوي عن عقبة- لا يخطئه يوم لا يتصدق منه بشيء، ولو كعكة، ولو بَصَلَة!.
وفي رواية لابن خزيمةَ أن مرثَد كان أول أهل مصر يروح إلى المسجد، قال يزيد: وما رأيته داخلا المسجد قط إلا وفي كُمِّه صدقة، إما مال، وإما خبز، وإما قمح، قال: حتى ربما رأيت البصَلَ يحمِلُه. قال: فأقول: يا أبا الخير، إن هذا يُنتِن ثيابك. فيقول: يا ابن أبي حبيب، أما إني لم أجد في البيت شيئا أتصدق به غيره، إنه حدثني رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ظِلُّ المؤْمِنِ يوم القيامة صدَقَتُهُ".

وفى حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم الله تَعَالَى في ظِلِّهِ يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حتى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، " رواه البخاري ومسلم. وفي هذا كناية عن الإخلاص والبعد عن الرياء

وإن مِنْ أَعْظَمِ الصَّدَقَاتِ صَدَقَةَ الْمَاءِ سَوَاءً بوضع الْمبَرَّدَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَطُرُقِ النَّاسِ، أَوْ تَوْفِيرِ الْمِيَاهِ الْمُعَلَّبَةِ الْبَارِدَةِ، وَلَا سِيَّمَا لِمَنْ يَحْتَاجُونَهُ كَالْعُمَّالِ وَالْمُتَسَوِّقِينَ وَنَحْوِهِمْ؛ فَإِنَّ صَدَقَةَ الْمَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الصَّدَقَاتِ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْجَبُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «الْمَاءُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُرْسَلًا، وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ أَنَّ سَعْدًا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَلَمْ تُوصِ أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَعَلَيْكَ بِالْمَاءِ».وفى رواية عَنْ سعد بْنَ عُبَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا، قَالَ : " نَعَمْ " ، قُلْتُ : فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ ، قَالَ : " سَقْيُ الْمَاءِ " (رواه أحمد والنسائي وحسنه الألباني).
وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: الْمَاءُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى أَهْلِ النَّارِ حِينَ اسْتَغَاثُوا بِأَهْلِ الْجَنَّةِ (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) [الأعراف: 50]. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وقال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره: سَقْيُ الْمَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ فَعَلَيْهِ بِسَقْيِ الْمَاءِ، وَإِذَا غُفِرَتْ ذُنُوبُ الَّذِي سَقَى الْكَلْبَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِمَنْ سَقَى رَجُلًا مُؤْمِنًا مُوَحِّدًا أَوْ أَحْيَاهُ بِذَلِكَ؟! نعم أيها الكرام لقد ثبت في صحيحي البخاري ومسلم أن الله غفر لرجل بسقياه لكلب، وفي رواية أخرى غفر لبغي (امرأة زانية) من بغايا بني إسرائيل بسقياها لكلب، فكيف بمن يسقي رجلاً مؤمناً. فمن استطاع أيها الكرام أن يتبرع بماء سبيل في مسجد أو طريق أو نحو ذلك، فلا يحرم نفسه من هذا الأجر العظيم.

إن من أجل العبادات التصدق على الفقراء والمساكين، فالصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه،أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَأُنَبِّئُكَ بِأَبْوَابٍ مِنَ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ, وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ "(رواه أحمد وحسنه الألباني).

وَالْمَاءُ الْمَبْذُولُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ وَالْأَسْوَاقِ لَا يَتَوَرَّعُ عَنْهُ الْأَغْنِيَاءُ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي شُرْبِهِ؛ لِأَنَّهُ بَذْلٌ لِلْعَطْشَانِ، وَلَيْسَ لِلْفُقَرَاءِ، بَلِ التَّوَرُّعُ عَنْهُ مَذْمُومٌ. سُئِلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ -تَعَالَى- عَنِ الْمَاءِ الَّذِي يُسْقَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ، أَتَرَى الْأَغْنِيَاءَ أَنْ يَجْتَنِبُوا شُرْبَهُ؟ قَالَ: «لَا؛ وَلَكِنْ يَشْرَبُونَ أَحَبُّ إِلَيَّ؛ إِنَّمَا جُعِلَ لِلْعَطْشَانِ».

العاشر: البكاء من خشية الله وعند ذكره وفى حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم الله تَعَالَى في ظِلِّهِ يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ (وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " رواه البخاري ومسلم.
والحديث بكامله عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم الله تَعَالَى في ظِلِّهِ يوم لَا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمَعَا عليه وَتَفَرَّقَا عليه، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فقال إني أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حتى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ" رواه البخاري ومسلم.


أعمال تساعد على الوقاية من حر النار أيها المؤمنون: لئن كنا نتقي الحرَّ بأجهزة التكييف والماء البارد، وكل هذه نعمٌ تستوجب الشكر، فهل تأملنا وتفكرنا كيف نتقي حرَّ جهنم؟ كيف ندفع لفحها وسمومها عن أجسادنا الضعيفة، ووجوهنا المنعمة؟فهناك أعمال تساعد على الوقاية من حر النار
أولاً: الإكثار من الاستعاذة بالله من عذاب النارومن حرها فنبيكم صلى الله عليه وسلم، كان يكثر من الاستعاذة من النار ويدعو بأن يقيه الله منها، فعَنْ أَنَسٍ بن مالك رَضي اللَّه عنْهُ، قَالَ: " كانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، وفي الآخِرةِ حَسنَةً، وَقِنَا عَذابَ النَّار " (رواه البخاري ومسلم).

وإن الدعاء بسؤال الجنة والاستعاذة من النار هو من الأدعية التي يسن قولها بعد التشهد في الصلاة وقبل التسليم، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لرجلٍ:"ما تقولُ في الصَّلاةِ"، قالَ: أتشَهَّدُ ثمَّ أسألُ اللَّهَ الجنَّةَ وأعوذُ بِهِ منَ النَّار، أما واللَّهِ ما أُحسنُ دندنتَكَ "(رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني).والدَّندنة: أن يتكلَّم الرَّجُل بكلام تُسمع نغمته ولا يُفهَم.
و قد أرشدنا صلى الله عليه وسلم ، إلى الاستعاذة بالله من عذاب النار بعد التشهد في الصلاة وقبل التسليم فقال صلى الله عليه وسلم مذكراً بالاستعاذة من حرها، وهو من أسباب الوقاية منها فعن أبي هريرة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " (رواه مسلم).والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة القبر، ومن فتنة الدجال، ومن فتنة المحيا والممات، ومن حر جهنم) رواه النسائي

وقد جاء في حديث صحيح أن مَن سأل اللهَ الجنةَ ثلاث مرات دعت له الجنة بأن يدخله إياها، وأن من استجار بالله من النار ثلاث مرات دعت له النار بأن يجيره منها عن أنس بن مالك قال : قال رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ، " مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الجنة ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، قَالتِ الجَنَّةُ : اللَّهُمَّ ، أَدْخِلْهُ الجَنَّةَ ، وَمَن استجار مِنَ النَّارِ ثَلاَث مَرَّاتٍ ، قَالتِ النَّارُ : اللَّهُمْ أَجْرِهُ مِنَ النَّار " (رواه أبو داود ، والنسائي وابن ماجه ، وابن حِبَّانَ في «صحيحه» بلفظ واحد ، ورواه الحاكم في «المستدرك» ، وقال : صحيح الإسناد وصححه الألباني).

وإن من صفات عباد الرحمن الذين مأواهم الجنان، أنهم يدعون الله تعالى أن يصرف عنهم عذاب جهنم، قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا " (سورة الفرقان:65-66).

الثاني:الصِّيَامُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ (ظمأ الهواجر):
إن من العبادات العظيمة في الأيام شديدة الحرارة الصيام، فالأجر على قدر المشقة، والمشقة تكون كبيرة لمن صام يوماً شديداً حره، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتابه لطائف المعارف: " مما يضاعف ثوابه في شدة الحر من الطاعات: الصيام لما فيه من ظمأ الهواجر ".
ولما صبر الصائمون لله في الحر على شدة العطش والظمأ أفرد لهم بابا من أبواب الجنة، وهو باب الريان، من دخله شرب ومن شرب لم يظمأ بعدها أبدا، فإذا دخلوا أغلق على من بعدهم، فلا يدخل منه غيرهم. كان أبوموسى الأشعري في سفينة فسمع هاتفا يهتف: يا أهل المركب قفوا يقولها ثلاثا. فقال أبوموسى: يا هذا كيف نقف! ألا ترى ما نحن فيه، كيف نستطيع وقوفا؟ فقال الهاتف: ألا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه ؟ قال: بلى! أخبرنا. قال: فإن الله قضى على نفسه أنه من عطّش نفسه لله في يوم حار كان حقا على الله أن يسقيه يوم العطش الأكبر ، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك على الصحيحين:ج3/ص530 ح5968)
فكان أبوموسى يتوخى ذلك اليوم الحار الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ منه فيصومه. قال كعب: إن الله تعالى قال لموسى: إني آليت على نفسي أنه من عطش نفسه لي أن أرويه يوم القيامة. وقال غيره: مكتوب في التوراة طوبى لمن جوّع نفسه ليوم الشبع الأكبر، طوبى لمن عطش نفسه ليوم الري الأكبر. وقال الحسن: تقول الحوراء لولي الله وهو متكىء معها على نهر الخمر في الجنة تعاطيه الكأس في أنعم عيشه: أتدري أي يوم زوجنيك الله؟ إنه نظر إليك في يوم صائف بعيد ما بين الطرفين، وأنت في ظمأ هاجرة من جهد العطش، فباهى بك الملائكة وقال: انظروا إلى عبدي ترك زوجته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي، رغبة فيما عندي، اشهدوا أني قد غفرت له، فغفر لك يومئذ وزوجنيك.

إن من صام يوماً واحداً لله تعالى باعده الله عن النار مسيرة سبعين سنة، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: يَقُولُ: " مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " (رواه البخاري ومسلم).
وفى رواية أخرى"مَن صام يومًا في سبيل الله باعَد اللهُ بذلك اليوم حرَّ جهنم عن وجهه سبعين خريفًا" رواه النسائي بإسناد صحيح.وكان أبو سعيد لأجل هذا الحديث ينتقي اليوم الشديد الحرارة فيصومه مع طوله وشدة حره، فمن صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفاً فالحر ليس عائقاً عن عبادة الله، ولا صاداً عن طاعة الله، فالصفوة من عباد الله يرون أن في الحر غنيمة لا تفوت وربما صام صلى الله عليه وسلم لأجل ذلك -أيضاً- صام في يوم شديد الحر،يوما كان يجعل الإنسان يده على رأسه من شدة الحر، صامه هو وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: لقد رأيتنا مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، في اليوم الحار الشديد الحر، وإن الرجل لَيَضَعُ يده على رأسه من شدة الحر، وما في القوم أحَدٌ صائمٌ إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة.. رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ فِي الْيَوْمِ الْحَارِّ فَضِيلَةٌ ويسميه السلف بصيام الهواجر،( الهواجر جمع الهاجرة وهى تعنى اشتداد الحر)، ومكابدة الجوع والعطش في يوم شديدٍ حرُّه، بعيدٍ ما بين طرفيه، ذاك دأب الصالحين، وسنة السابقين وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ لَمْ يَأْسَوْا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا عَلَى خِصَالٍ مِنَ الْعِبَادَةِ، مِنْهَا: ظَمَأُ الْهَوَاجِرِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالصِّيَامِ فِي الصَّيْفِ؛ حَيْثُ شِدَّةُ الْحَرِّ، وَطُولُ النَّهَارِ. وَجَاءَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- الصِّيَامُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، في الصَّيف ويُفطِر في الشتاء وقال القاسم بن محمد: كانت عائشة رضي الله عنها تصوم في الحر الشديد، قيل له: ما حملها على ذلك ؟ قال: كانت تبادر الموت. وكذا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وغيرهم. وَفِي وَصِيَّةِ عُمَرَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- جَعَلَ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ: الصَّوْمَ فِي شِدَّةِ الصَّيْفِ وروى ابن سعد بإسناده: أن عمر رضي الله عنه وصى ابنه عند موته فقال له: يا بني "عليك بخصال الإيمان"، وذكر أولها: الصومَ في شدّةِ الحرِّ في الصيفِ. وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: ستّ من كنّ فيه فقد استكمل الإيمان: قتال أعداء الله بالسيف، والصيام في الصيف، وإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي، والتبكير بالصلاة في يوم الغيم، وترك الجدال والمراء وأنت تعلم أنك صادق، والصبر على المصيبة. وقد روي هذا مرفوعا خرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة له بإسناد فيه ضعف.

كان ابن عمر يصوم تطوّعا فيغشى عليه، فلا يفطر
وعبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أقسم أن يصوم النهار ويقوم الليل طيلة حياته، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال عبد الله: قد قلته بأبي أنت وأمي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر". قال عبد الله: إني أطيق أفضل من ذلك. فقال صلى الله عليه وسلم: "فصم يوماً وأفطر يومين". قال عبد الله: فإني أطيق أفضل من ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام". قال عبد الله: إني أطيق أفضل من ذلك. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أفضل من ذلك" (متفق عليه).

وكان أبو الدرداء -رضي الله عنه-: يوصى أصحابه ويقول: "صوموا يومًا شديدًا حره لحر يوم النشور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور".

ولما مرض معاذ بن جبل -رضي الله عنه- مَرَضَ موته تأسف على فقد ظمأ الهواجر، ما هو ظمأ الهواجر؟ عطش مثل هذه الأيام شديدة الحر، وبكى مُعَاذ بْن جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ الاحْتِضَارِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَجْزَعُ مِنَ الْمَوْتِ وَتَبْكِي؟! فقَالَ:"مالِي لا أَبْكِي، وَمَنْ أَحَقُّ بِذلكَ مِنِّي؟ واللهِ مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ، وَلا حِرْصاً عَلَى دُنْيَاكُمْ، وَلَكِنِّي أَبْكِي عَلَى ظَمَإِ الهَوَاجِرِ–أي الصوم في شدة الحر- وَقِيَامِ لَيْلِ الشِّتَاءِ ". وقال في الليلة التي تُوفي فيها: أعوذ بالله من ليلةٍ صباحها إلى النار، مرحبًا بالموت، حبيبًا جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافك، وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجَرْي الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، ومزاحمة العلماء بالرُّكَب عند حِلَقِ الذكر. هنيئًا لك يا معاذُ أن يكون هذا أسفَكَ على الدنيا، وهذا حزنك على فراقها! لم يتأسف -رضي الله عنه- على مال ولا ولد، ولم يبك على فراق نعيم الدنيا، ولكنه تأسف على قيام الليل، ومزاحمة العلماء بالركب، وعلى ظمأ الهواجر بالصيام في أيام الحر الشديد!.

وقال التابعي الجليل مِعْضَدٌ أَبُو زَيْدٍ الْعِجْلِيُّ رحمه الله: "لَوْلا ثَلاثٌ: ظَمَأُ الْهَوَاجِرِ، وَطُولُ لَيْلِ الشِّتَاءِ، وَلَذَاذَةُ التَّهَجُّدِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا بَالَيْتُ أَنْ أَكُونَ يَعْسُوباً". (أي ما تمنيت أن أكون شيئاً ولو يعسوب، واليعسوب: ذَكَر النحل).

ويروي أن ابن عمر رضي الله عنهما خرج في سفر ومعه أصحابه ، فلما وضعوا سفرتهم ، مر بهم راع فدعوه إلى أن يأكل معهم ، فقال أني صائم ، فقال ابن عمر : في مثل هذا اليوم الشديد حره ، وأنت بين هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وأنت صائم؟ فقال الراعي أبادر أيامي هذه الخالية . فهلم -عباد الله- نبادر أيامنا الخالية، حتى تلتذ أسماعنا، وما ألذه من مقال، يوم يُقال: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة: 24].

نزل الحجاج في بعض أسفاره بماء بين مكة والمدينة، فدعا بغدائه، ورأى أعرابياً، فدعاه إلى الغداء معه، فقال الأعرابي، وهو لا يعرف الحجاج: دعاني من هو خير منك فأجبته، فقال: ومن هو؟ قال: الله تعالى، دعاني إلى الصيام فصمت، قال الحجاج: في هذا الحر الشديد؟ قال: نعم، صمت ليوم أشد منه حراً، قال: فأفطر وصم غداً، قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد، قال: ليس لي ذلك، قال: فكيف تسألني عاجلاً بآجل، ولا تقدر عليه.

ذكروا في ترجمة روح بن زنباع -وهو أمير أموي- أنه مر بالصحراء معتمراً، وكانت له سفرة كبيرة فيها لحوم وفواكه وخضراوات ومشروبات، فمر بأعرابي وهو يرعى غنمه، فقال له روح بن زنباع : تعال أيها الأعرابي كل معي من الغداء. فقال الأعرابي: لقد دعاني من هو أكرم منك إلى مأدبته. قال: ومن هذا؟ قال: الله رب العالمين، قال: بماذا؟ قال: أنا صمت وسوف أفطر له. قال روح : أفطر اليوم وصم غداً. فقال الأعرابي: وهل تضمن لي أيامي يا أيها الأمير؟ فبكى الأمير، وقال: حفظت أيامك وضيعنا أيامنا.
فإن العبادة كل العبادة أن تكون في سبيل الله عز وجل، وأن تكون لوجهه، وأن تجد المشقة في سبيله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، حينها لا تجد للتعب في نفسك كلفة، ولا تجد للجوع ولا للظمأ مشقة.
إن كان سَرَّكم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم

وكان مجمع التيمي يصوم في الصيف حتى يسقط وكان الإمام أحمد يصوم حتى يكاد يغمى عليه، فيمسح على وجهه الماء. وسئل عن من يصوم فيشتد عليه الحر؟ قال: لا بأس أن يبل ثوبا يتبرد به، ويصب عليه الماء.

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه لطائف المعارف: " كانت بعض الصالحات تتوخى أشدّ الأيام حرّاً فتصومه،
وَقِيلَ لِها: إِنَّكِ تَعْمَدِينَ إِلَى أَشَدِّ الْأَيَّامِ حَرًّا فَتَصُومِينَهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ السِّعْرَ إِذَا رَخُصَ اشْتَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ.( إن السلعة إذا رخصت اشتراها كل واحد)تشير إلى أنها لا تؤثر إلا العمل الذي لا يقدر عليه إلا قليل من الناس لشدته عليهم ، وهذا من علو الهمة لديهم رحمة الله عليهم أجمعين .

وَلَا يُشْرَعُ لِمَنْ صَامَ فِي الْحَرِّ أَنْ يَقْصِدَ الشَّمْسَ لِيَزْدَادَ عَطَشُهُ وَمَشَقَّتُهُ؛ لِأَنَّ التَّعَبُّدَ بِتَعْذِيبِ الْجَسَدِ لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ، لَكِنْ مِنْ لَوَازِمِ الْعِبَادَةِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَشَقَّةٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ، وَلاَ يَسْتَظِلَّ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبُلَّ ثَوْبًا يَتَبَرَّدُ بِهِ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعَرَجِ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ.

الثالث :الجهاد في سبيل الله وهو من الأمور العظيمة التي تعين على الوقاية من حر النار وَالنَّفِيرُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ مِنْ أَشَدِّ الْجِهَادِ؛ وَلِذَا كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ أَشَدَّ الْغَزَوَاتِ؛ لِأَنَّهَا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَقَطَعُوا طَرِيقًا طَوِيلًا، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ الْعُسْرَةِ، وكانت في زمن عُسرة وشدة من الحرِّ وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، فَتَخَلَّفَ عَنْهَا الْمُنَافِقُونَ، والذين في قلوبهم مرض وَثَبَتَ فِي حَرِّهَا الْمُؤْمِنُونَ الصادقون،(وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة:46]
وقال الله تعالى في المتخلفين عن الغزوة: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [التوبة:81].وقالوا لاَ تَنفِرُواْ فِي الحر) ولكن أجابهم ربنا عز وجل في كتابه بجواب، فقال: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)

تَفِرُّ مِنَ الهَجِيرِ وَتَتَّقِيـهِ *** فَهَلَّاً مِنْ جَهَنَّمَ قَدْ فَرَرْتَا؟
وَلَسْتَ تُطِيقُ أهونَها عذابًا *** وَلَوْ كُنْتَ الحَدِيـدَ بِهَا لَذُبْتا
وتُشْفِقُ للمُصِرِّ على الخَطَايَا *** وتَرْحَمُهُ وَنَفْسَكَ مَا رَحِمْتَا
ولا تُنْكِرْ فإنَّ الأمرَ جِـدٌّ *** وَلَيْسَ كَمَا حَسَبْتَ ولا ظَنَنْتا

وخرج الرسول وصحابته فى هذه الغزوة فى شدة الحر.. وكلما أمعنوا في السير ازدادوا جهدا ومشقة، فجعل الرجل يتخلف، ويقولون يا رسول الله تخلف فلان، فيقول:" دعوه.فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم..وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه"..!!
وتلفت القوم ذات مرة، فلم يجدوا أبا ذر.. وقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام:لقد تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره..
وأعاد الرسول مقالته الأولى.. :" دعوه.فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم..وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه"..!!
كان بعير أبي ذر قد ضعف تحت وطأة الجوع والظمأ والحر وتعثرت من الإعياء خطاه..وحاول أبو ذر أن يدفعه للسير الحثيث بكل حيلة وجهد، ولكن الإعياء كان يلقي ثقله على البعير..ورأى أبو ذر أنه بهذا سيتخلف عن المسلمين وينقطع دونهم الأثر، فنزل من فوق ظهر البعير، وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه، مهرولا، وسط صحراء ملتهبة، كيما يدرك رسوله عليه السلام وصحبه..وفي الغداة، وقد وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا، بصر أحدهم فرأى سحابة من النقع والغبار تخفي وراءها شبح رجل يغذ السير..وقال الذي رأى: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق وحده..وقال الرسول عليه الصلاة والسلامكن أبا ذر)..وعادوا لما كانوا فيه من حديث، ريثما يقطع القادم المسافة التي تفصله عنهم، وعندها يعرفون من هو..وأخذ المسافر الجليل يقترب منهم رويدا.. يقتلع خطاه من الرمل المتلظي اقتلاعا، وحمله فوق ظهره بتؤدة..بعد أن عجز الجمل سفينة الصحراء على المشى فى شدة الحر ولكنه مغتبط فرحان لأنه أردك القافلة المباركة، ولم يتخلف عن رسول الله واخوانه المجاهدين..وحين بلغ أول القافلة، صاح صائهحم: يار سول الله: انه والله أبا ذر..وسار أبو ذر صوب الرسول.ولم يكد صلى الله عليه وسلم يراه حتى تألقت على وجهه ابتسامة حانية واسية، وقال:[يرحم الله أبا ذر..يمشي وحده..ويموت وحده..ويبعث وحده..].
وبعد مضي عشرين عاما على هذا اليوم أو تزيد، مات أبو ذر وحيدا، في فلاة الربذة.. بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه.. ولقد بعث في التاريخ وحيدا في عظمة زهده، وبطولة صموده..ولسوف يبعث عند الله وحيدا كذلك؛ لأن زحام فضائله المتعددة، لن يترك بجانبه مكانا لأحد سواه..!!!
والآن يعالج أبو ذر سكرات الموت في الربذة.. فتعالوا بنا اليه نؤد للراحل العظيم تحية الوداع، ونبصر في حياته الباهرة مشهد الختام.ان هذه السيدة السمراء الضامرة، الجالسة إلى جواره تبكي، هي زوجته..وانه ليسألها: فيم البكاء والموت حق..؟فتجيبه بأنها تبكي: " لأنك تموت، وليس عندي ثوب يسعك كفنا"..!!"..قال لا تبكي، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول: ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين..
وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، ولم يبق منهم غيري .. وهاأنذا بالفلاة أموت، فراقبي الطريق،، فستطلع علينا عصابة من المؤمنين، فاني والله ما كذبت ولا كذبت".وفاضت روحه إلى الله..
ولقد صدق..فهذه القافلة التي تغذ السير في الصحراء، تؤلف جماعة من المؤمنين، وعلى رأسهم عبدالله بن مسعود صاحب رسول الله.وان ابن مسعود ليبصر المشهد قبل أن يبلغه.. مشهد جسد ممتد يبدو كأنه جثمان ميّت، والى جواره سيدة وغلام يبكيان..ويلوي زمام دابته والركب معه صوب المشهد، ولا يكاد يلقي نظرة على الجثمان، حتى تقع عيناه على وجه صاحبه وأخيه في الله والإسلام أبي ذر.وتفيض عيناه بالدمع، ويقف على جثمانه الطاهر يقول:" صدق رسول الله.. تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك".!

وأختم خطبتي بأمور هامة:
الأمر الأول: أيها المؤمنون الحر خلق من خلق الله فيه مصالح للأبدان، وللزروع والثمار، فلا يجوز سبه أولعنه، فالحر قدر من أقدار الله تعالى، ولا يجوز أن نسخط على قدر الله تعالى، وكذلك إن الصيف زمان من الأزمنة التي خلقها الله تعالى، ولا يجوز سبه فإن سب الصيف سب لخالقه، فهذا من سب الدهر، فعَن ْأبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ ، وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ " (رواه البخاري ومسلم).
وعَنْ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ " (رواه الترمذي وصححه الألباني).

ولكن إذا قال المسلم -متألماً لكنه راضٍ-: هذا اليوم شديد الحرارة، أو تعِبْنا اليوم من شدَّة الحرارة، فهذا لا بأس به، قال الله عن نبيِّه لوط عليه السلام: " وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ " (سورة هود:77)، فقول سيدنا لوط عليه السلام: (هذا يوم عصيب) من باب وصف ما كان فيه من حال وليس من باب السخط.

وهذه الشمس بحجمها الهائل، وحرارتها المحرقة، ولهبها المتوهج، ودخانها وقوتها وضخامتها تسجد بين يدي ربها مذعنة ذليلة قال تعالى(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وكثير حق عليه العذاب) [الحج:18].
و روى البخاري عن أبي ذر قال: كنت مع رسول الله في المسجد حين غربت الشمس فقال: "يا أبا ذر، أتدري أين تذهب الشمس؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم! قال: "فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها، ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس:38].

لقد تناغمت أجزاء الكون كلها في منظومة واحدة، تُعلن الوحدانية لمن خلقها، تدين بالطاعة لمن فطرها، تسبح ربها،وتسجد له فلماذا يتلكأ الإنسان عن الاستجابة؟! لماذا يخالف الكونَ كلَّه ويتمرد وهو المخلوق الضعيف؟ فيعصي العظيم الجليل -سبحانه-، يتجرأ على ربه، وهو ذرة صغيرة في هذا الملكوت الطائع؟! ليتنا نلبي طائعين منيبين مخبتين، ليتنا نَقدُر الله حقَ قدره

الأمر الثاني: يسن للمسلم أن يغتسل إن أصابه العرق، حتى لا يؤذي إخوانه برائحته ويؤذي الملائكة فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، ويجب على كلُّ مصلٍّ فيه رائحة يتأذَّى منها المصلون، ويُمكن أن يزيلها،أن يزيلها سواء كانت هذه الرائحة بسبب اتِّساخ الثياب، أم بسبب قلَّة الاغتسال والعرق الكثير، فيجب عمل ما من شأنه إزالة الرائحة، سواء بتبديل الثياب، أم الغسل، أم غير ذلك والجماعة في المسجد يجتمعون للصلاة لا يحل لأحد منهم أن يؤذي غيره بقوله أو بفعله أو حتى برائحته؛وحتى لايؤذى الملائكة فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) رواه مسلم ، فهم يتأذون من الرائحة الكريهة ، والأقذار والأوساخ .
ولذا شرع التطهر والتزين للصلاة قال تعالى﴿ يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف:31] وعن عائشة رضى الله عنها أنَّها قالت: "كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي، فيأتون في العَبَاء، ويصيبهم الغُبار، فتخرج منهم الرِّيح، فأتى رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إنسانٌ منهم وهو عندي، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو أنَّكم تطهرتم ليومكم هذا))"؛ رواه البخاري (902)، ومسلم (847) واللفظ له.
وفى رواية النسائى عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " كان الناس يسكنون العالية فيحضرون الجمعة وبهم وسخ، فإذا أصابهم الروح سطعت أرواحهم فيتأذى بها الناس، فذُكِرَ ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم– فقال: " أولا يغتسلون ؟ " أخرجه النسائي.

وإن أساس سن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غسل الجمعة، ما كان يصيب المسلمين من العرق الذي يؤذي بعضهم بعضاً ويؤذي الملائكة، فعَنْ عكرمةمولى ابن عباس، أَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ جَاءُوا ، فَقَالُوا: يَاابن عباس، أَتَرَى الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنَّهُ أَطْهَرُ وَخَيْرٌ لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدْءُ الْغُسْلِ، كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ إِنَّمَا هُوَ عَرِيشٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَعَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ حَتَّى ثَارَتْ مِنْهُمْ رِيَاحٌ آذَى بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الرِّيحَ، قَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمَ فَاغْتَسِلُوا وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَفْضَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ " (رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ( أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ (الدرن : الوسخ) ؟ قَالُوا لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ فَكَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا » صحيح البخاري ومسلم

قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم: "وأستحب الغسل عند تغير البدن بالعرق وغيره تنظيفًا للبدن ".بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال في كتابه الفتاوى الكبرى: " ويجب غسل الجمعة على من له عرق أو ريح يتأذى به غيره ".
ويدخل في الحكم إيذاء المسلمين بكل ما له رائحة كريهة، كأَكل البصل والثَّوم فيتأذَّى مَن حوله من المصلين برائحته، ورُبَّما هَجَرَ بعضُ المصلين مكانًا في المسجد؛ لأجل فلان، وما فيه من رائحةٍ كريهة، فلذلك تحرم أذيَّة المصلين بهذه الرَّوائح، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلم - قال: ((من أكل ثومًا أو بصلاً، فليعتزلنا))، أو قال: ((فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته))؛ رواه البخاري ، ومسلم وفي إحدى روايات مسلم: عن جابرِ بن عبداللهِ عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن أَكَل من هذه البَقْلةِ؛ الثُّومِ)) وقال مَرَّةً: ((من أكل البصل والثُّوم والكرَّاث، فلا يقربنَّ مسجدنا فإن الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ " (رواه مسلم).
وروى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : ( من أكل الثوم والبصل والكراث ، فلا يقربنّ مسجدنا ؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )
فعلى الآكل اعتزالُ مساجدِ المسلمين ومُصَلَّيَاتِهم أو أكل ما يزيل هذه الروائح الكريهة كأكل النعناع وغيره مما له رائحة طيبة او استعمال السواك حتى زوال الرائحة الكريهه وإذا زالت الرائحة وجب حضوره؛ لأنَّ الحكم يدور مع عِلَّته وجودًا وعدمًا، وإذا حضر الآكل الجماعة بالرائحة الكريهة، شرع لمن له ولاية إخراجه من المسجد، فحضوره منكر يجب إنكاره مع القُدرة وأمن الفتنة.فقد خطب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوم الجمعة، ومما قال في خطبته: "ثم إنَّكم أيها الناس تأكلون شجرتين، لا أَرَاهما إلاَّ خبيثتين، هذا البصل والثَّوم، لقد رأيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد، أمر به فأُخرِج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخًا"؛ رواه مسلم (567)؛ أي: ليمت رائحتهما بالطبخ.
ومَن أكل ما له رائحة من البصل والثَّوم والكُرَّاث؛ لأنَّ نفسه تشتهيه، جازله الأكل، ويتخلف عن الجماعة، فأكله عُذْر يُسقِطُ الجماعة، لكنَّه بأكله حَرَمَ نفسه الأجر، وإن أكل لأجل عدم حضور الجماعة، أَثِمَ؛ لأنَّ الحيل لا تسقط الواجبات، وعِلَّة النهي عن أكل ما له رائحة مُؤذية مركبة من تأذِّي المصلين والملائكة، فلو لم يتأذَّ المصلون، يبقى حق الملائكة، فلا يحضر الجماعة، وقد نصَّ أهلُ العلم من الفُقهاء والمحدِّثين أنَّ أكل البصل والثوم من الأعذار المسقطة للجماعة، وقد بوَّب ابن حبان في صحيحه (5/439)، في أعذار ترك الجماعة، فقال: "العذر العاشر: أكل الإنسان الثَّوم والبصل إلى أن يذهب ريحها". اهـ.
والنَّهي يقتضي التحريم، فإذا أكل البصل والثَّوم ونحوهما نيِّئًا، أو طُبِخ طبخًا لم يُذهِب رائحته - فلا يحضر الجماعة والله أعلم

فعلى الإنسان أن يغتسل حتى يذهب عنه الرائحة الكريهة من عرق وغيره وليتعاهد المسلم نفسه دائماً، وليكن حسن المنظر طيب الرائحة، لا يُرى منه إلا ما يَسُّر.

الأمر الثالث : ضرورة ترشيد الكهرباء علينا أن نرشد في استهلاك الكهرباء، ونقتصر فيه على قدر الحاجة لما فيه من النفع بخفة الأحمال، واستمرار التيار بالوصول إلينا، إن شاء الله ونتصور حالنا لو انقطعت الكهرباء في هذا الحر الشديد.. علينا أن نرشد في استهلاك الكهرباء حتى لاتنقطع علينا جميعا والله أعلم

ختاماً أسأل الله تعالى أن يجيرنا من النار، وأن يظلنا تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب الناراللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة.اللهم اكتب لنا أجر الصابرين.ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالدي والدينا ولمشايخنا وللمسلمين أجمعين.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلي اللَّهُم على سيدنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.









المراجع
القران الكريم
رجال حول الرسول للأستاذ خالد محمد خالد
خطبة تذكرة في الحر وفصل الصيف - للشيخ : ( محمد المنجد
خطبة فصل الصيف والإجازة الشيخ عبد الرحمن السديس
خطبة حَرّ الآخرة وعوازل الحماية منه الشيخ منديل بن محمد آل قناعي الفقيه
خطبة حر الصيف .. حكم وتوجيهات الشيخ عبد الله الطريف
خطبة حرّ_الصيف_والتذكير_بنار_جهنم الشيخ عبدالرازق البدر
خطبة حر الصيف الشيخ/ صالح العويد
خطبة الصيف عظة وعبرة الشيخ صالح الخضيري
خطبة واعظ الصيف الشيخ/ سامي بن خالد الحمود
خطبة المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده للشيخ سعد الشهاوى ‏
خطبة حرارة الصيف.. دروس وعبر للشيخ / محمد بن إبراهيم السبر
خطبة الحر الشديد..عبر وأحكام الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل
خطبة وقفة اعتبار مع حرارة الصيف الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ
خطبة حرارة الصيف(1)للشيخ ناصر بن محمد الأحمد
خطبة حرارة الصيف(2)للشيخ ناصر بن محمد الأحمد
خطبة بعنوان (حر الصيف الشديد .. العبر والعظات والأحكام) محمد رفيق مؤمن الشوبكي
لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف تأليف: الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي



منقووووووووووووووول


اختكم ام محمد

توقيع :

رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 2 )
المدير العام
رقم العضوية : 3
تاريخ التسجيل : Jun 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 6,417
عدد النقاط : 10

سهاد دولة غير متواجد حالياً

افتراضي

كُتب : [ 09-11-2015 - 04:15 PM ]


اللهم اجرنا من حر النار

بوركت اخي الكريم على حسن النقل


رد مع اقتباس
إضافة رد
   
الكلمات الدليلية (Tags)
الصيف, وقفات
   

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




Loading...

   
   

جميع الحقوق محفوظة لمنتديات التربية الاسلامية جنين