نصاب الأوراق النقدية والمقدار الواجب فيها
أولا: تعد الأوراق النقدية في عصرنا الحاضر من المستجدات، وقد اختلف فقهاؤنا المعاصرين في تكييفها، واستقر قرار مجمع الفقه الإسلامي على اعتبارها أثمانا بالأصالة.
ثانيا: هل يمكن القول أن نصابها هو نصاب الذهب أو نصاب الفضة؟؟ وأن المقدار الواجب فيهما هو ربع العشر؟؟ وهل يمكن القول أن نصابها معتبر بالنصاب الحيواني؟؟ أو بنصاب الزروع والثمار؟؟
ثالثا: إذا نظرنا إلى التاريخ الاقتصادي من لدن العهد النبوي إلى عصرنا الحاضر، فإنا نلحظ الأمور التالية:
1- أن سعر الصرف بين الدنانير الذهبية والدراهم الفضية هو 1 دينار : 10 دراهم .. وهذا يعني أن نصاب كل منهما آنذاك متساو، فنصاب الذهب بما هو 20 دينارا مساو لنصاب الفضة بما هو 200 درهم.
2- ثبت أن قيمة الفضة قد انخفضت كثيرا عن قيمة الذهب، وأن قيمة الذهب قد ارتفعت كثيرا عما كانت عليه، ومع أن الواقع يثبت ذلك، إلا أنه لا ضير من الإشارة إلى بعض الآثار التي تشير إلى تغير قيمة كل منهما ومن ذلك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن "أن في النفس مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف دينار"[1] وأن ابن عباس رضي الله عنه روى أن رجلاً من بني عدي قُتل، "فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ديته اثني عشر ألفاً"[2]. فالدية بحسب الرواية الأولى هي ألف دينار ذهب أي عشرة آلاف درهم فضي بحسب سعر الصرف، بينما الدية بحسب الرواية الثانية هي اثني عشر ألفا من الدراهم الفضية أي بمعدل ألف ومائتي من الدنانير الذهبية بحسب سعر الصرف. وهذا مما يدل على تغير في قيمة كل من الذهب والفضة.
3- أورد أ.د السبهاني أن سعر الصرف الدينار الذهبي يوم أن حرر بحث "النقود الإسلامية في عصور الاجتهاد" هو 131 درهم فضي لكل دينار ذهبي.
4- وبناء عليه فإنه يمكن القول:أن اعتماد قيمة الذهب في تقدير نصاب النقود الورقية يجعله أضعافا مضاعفة قياسا مع نصابها إذا ما تم اعتماد قيمة الفضة، وهذا يعني أن اعتماد نصاب الذهب لتقدير نصاب النقود الورقية في أيامنا هذه ينطوي على تفريط بحق الفقير، في حين ينطوي اعتماد نصاب الفضة على مضارة للغني، ومن وجهة نظر الشريعة فإن لا يسوغ الميل إلى أحد الفريقين على حساب الآخر[3]، وعلى ذلك:
نتيجة:
وعلى ذلك فإنه يمكن القول:
1- نصاب الأوراق النقدية متغير بتغير أسعار الذهب والفضة.
2- أخذ الوسط بين الفضة والذهب لتحديد نصاب الأوراق النقدية أمر مسوغ من الناحية الشرعية لأنه أقرب إلى العدل.
3- أما فيما يتعلق بالمقدار الواجب (2.5%) فهو ثابت لا يتغير بتغير أسعار الذهب والفضة.
إشكالية قد ترد على الرأي السابق:
1- ثبت بحسب الواقع التاريخي أن قيمة الفضة قد انخفضت إلى حد لا يمكن القول معه باعتبارها نصابا للأوراق النقدية، ذلك أن قيمة نصابها من الأوراق النقدية -والذي يفترض فيه أن يكون علامة على الغنى- لا يكاد يلبي احتياجات فرد واحد، فما بالنا بأسرة كاملة.
2- إذا قلنا بجواز أخذ الوسط ما بين الذهب والفضة، وعلى افتراض أن قيمة الفضة بالنسبة إلى الذهب لا تكاد تذكر، فمعنى ذلك: أننا نقول بأن نصاب الأوراق النقدية هو ما يساوي تقريبا نصف نصاب الذهب، ذلك لأن الوسط الحسابي هو مجموع قيمتين إحداهما لا تكاد تذكر والثانية مرتفعة إلى حد أعلى بكثير من الأخرى، فتكون النتيجة هي ما يساوي تقريبا نصف قيمة النصاب المرتفع، وبذلك فإنه يمكن القول أن الأخذ بالوسط فيه خروج عن نصاب الفضة والذهب معا.
وجهة نظر أخرى: تقدير نصاب الأوراق النقدية بحسب النصاب الحيواني
1- ذهب كل من د. القرضاوي ود. السبهاني إلى تقدير نصاب النقود الورقية بما يساوي نصف قيمة النصاب الحيواني، أي ما يوازي متوسط نصف قيمة خمس من الإبل أو أربعين من الغنم في أوسط البلاد وأعدلها كما رأى القرضاوي، أو باعتبار بلد المكلف والحيز التجاري الذي يتعامل فيه كما رأى السبهاني[4].
2- واعتمدوا على أن ثمن الشاة في العهد النبوي هو 10 دراهم، وأن الأربعين شاة 400 درهم، فيكون بذلك النصاب الحيوان هو نصف نصاب الدراهم.
3- والباعث على هذا التوجه: أن نصاب الأنصبة الأخرى الثابتة بالنص، والتي لا تتغير بتغير النقود، لها قيمة ذاتية ثابتة، وإن اختلفت قيمتها النقدية بين بلد وآخر، وبين عصر وآخر، فالقيمة الذاتية لخمس من الإبل أو أربعين من الغنم لا ينازع فيها أحد، ولا يعتريها كثير تغير، من حيث حاجة البشر إليها، وانتفاعهم بها[5].
4- ومما قد يشكل على هذا الرأي أن ثمن الشاة في بعض الروايات هو 5 دراهم فتكون الأربعين شاة بــــ 200 درهم أي أن النصاب الحيواني هو نصاب الدراهم. إلا أنهم رجحوا الثمن الأول بترجيح محققي المذهب الحنفي ابن نجيم وابن الهمام.
[1] - سنن النسائي (8/57)
[2]- سنن أبي داوود (4/308)
[3]- السبهاني: دراسات متقدمة في النقود والصيرفة الإسلامية 56
[4]- القرضاوي فقه الزكاة (1/131) السبهاني: دراسات متقدمة 57.
تنويه .. مما تجدر الإشارة إليه أن القرضاوي عدل عن تحديد نصاب النقود الورقية بنصاب الزروع والثمار؛ لأن قيمة نصاب الزروع (الأوسق الخمسة) تقل كثيرًا عن قيمة نصاب الأنعام، وقد بين الحكمة من ذلك في كتابه فلا أثبته هنا لعدم الحاجة إليه. كما أنه عدل أيضا عن تحديد نصابها بالذهب لاحتمالية ارتفاعه إلى حد كبير مما يلحق الضرر بالمستحقين، كما رفض تحديد نصابها بالفضة لما أن انخفاضها جعلها معيارا غير صالح كنصاب _إن صح التعبير- ذلك أن النصاب بما هو معيار الغنى لا يتحقق واقعا مع نصاب الفضة.
[5]- القرضاوي: فقه الزكاة (1/129)
العرض العادي
