title="منتديات التربيه الاسلامية جنين - منتدى اللغة العربية وآدابها - RSS Feed" href="external.php?type=RSS2&forumids=54" /> من دلالات الكلام
  الرئيسية التسجيل خروج  

صفحتنا على الفيس  بوك  صفحتنا على  اليوتيوب  صفحتنا على تويتر  صفحتنا على جوجل  بلس

منتديات التربية الاسلامية جنين ترحب بزوارها الكرام ،،،، اهلا وسهلا بكم ولطفا يمنع نشر اي اعلان او دعاية تجارية هنا مع جزيل الشكر كلمة الإدارة


   
العودة   منتديات التربيه الاسلامية جنين > الأقــســـام الــعـــامــة > منتدى اللغة العربية وآدابها
   

آخر 10 مشاركات كيف تختار الطريقة الأنسب لتحقيق دخل ثابت؟ (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          تطوير الذات - خطوات حقيقية قدرت اطور نفسي بيها خلال سنتين من البيت (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          دليل شامل لإنشاء مدونة ناجحة من الصفر: خطوة بخطوة (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          كم يستغرق علاج التهاب المريء؟ (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          تحميل ايمو 2024 Imo للكمبيوتر والموبايل مجانا (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          شرحٌ مُصوّرٌ لتعريب ويندوز 7 مع ملفّ التّعريب (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          برنامج كاسبر ايندبوينت سكيورتي -مفعل الى عام 2037 - Kaspersky Endpoint Security 11.6. (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          تحضير مادة التلاوة الفصل الأول 2023-2024 (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 9 - المشاهدات : 10 )           »          تأثير التصميم الجيد للمواقع الإلكترونية على التسويق الرقمي (الكاتـب : - مشاركات : 0 - المشاهدات : 1 )           »          متى يمكن معرفة نوع الجنين بوضوح؟ (الكاتـب : - آخر مشاركة : - مشاركات : 1 - المشاهدات : 2 )


من دلالات الكلام

منتدى اللغة العربية وآدابها


إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
   
 
 رقم المشاركة : ( 11 )
عضو جديد
رقم العضوية : 10053
تاريخ التسجيل : Feb 2024
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 11
عدد النقاط : 10

مهاجر أحمد غير متواجد حالياً

افتراضي

كُتب : [ 05-21-2024 - 05:39 PM ]


وهو ما قَصَّهُ الوحي في آي قد أحكم ، فـ : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ، وذلك مما يجري مجرى المبالغة بالقصر ، القصر بالنفي والاستثناء ، وهو الأقوى ، وذلك ، من وجه آخر ، مِمَّا يجري مجرى الْقَلْبِ ، قَلْبِ اعتقادِ المتكلم الذي غلا في المسيح ، عليه السلام ، فَصَيَّرَهُ ، في قول ، الإله ، إذ قد حل بلاهوته الأعلى في الناسوت الأدنى ، مع ما تقدم في مواضع من مخالفة ذلك لما استقر ضرورة في الوجدان ، فَثَمَّ من فطرة الضرورة التي استقرت في النفوس كافة ، أن الخالق ، جل وعلا ، يُغَايِرُ المخلوق ، فالمخلوق جائز يحتمل ، وإن كان ثم تقدير أول قبل الإيجاد والتكوين المصدِّق في الخارج ، فالتقدير ، وإن ثَبَتَ مِنْهُ شَيْءٌ ، وهو وصف المقدِّر ، فالتقدير من علمه الذي يسبق ما يكون في الخارج من وجود زائد يجاوز الوجود العلمي الأول ، إذ لم يخرج التقدير به عن حد العدم ، فهو وصف لآخر هو المقدِّر ، لا المقدور ، فالتقدير الذي تَقَدَّمَ قَبْلَ تَالٍ من التكوين يصدق ، ذلك التقدير ليس وصف المقدور ، ولكنه وصف المقدِّر ، فليس ثم من المقدور شيء في الخارج ، وإن كان ثم تقدير أول هو الكائن ، فَلَمَّا يَأْتِ بَعْدُ تأويله في الخارج ، فلا زَالَ على قَيْدِ الجائز الذي يحتمل ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، وهو ما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى موجِب موجِد أول ، له من وصف الوجود : الوصفُ الذَّاتِيُّ الَّذِي لَا يُعَلَّلُ ، فَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى سَبَبٍ مِنْ خَارِجٍ ، يُوجِدُ أو يُكْمِلُ ، وإنما يكون من أفعاله في الخارج آثار كمال أول قد ثَبَتَ ضرورةً في الأزل ، فَلَهُ من ذلك وصف القدم المطلق ، وما الأفعال التي تحدث آحادها إلا آثار هي تَأْوِيلُ كَمَالِهِ الأول الذي أُطْلِقَ ، فَهُوَ العام المستغرِق لوجوه المعنى وآحاده ، وهي ما يَثْبُتُ بِالسَّمْعِ ، فمداره التوقيف ، وإن دل عليه العقل المصرح في مواضع ، كما أفعال الخلق والرَّزق والتدبير ، وهو ما تَنَاوَلَهُ أصل جامع قد اصطلح النظار أنه دليل الاختراع والعناية ، فَثَمَّ من الْبَدْعِ لَا عَلَى مِثَالٍ تَقَدَّمَ ، وهو ما استوجب رَدَّهُ إلى قديم أول ، له من ذلك وصفٌ يُطْلَقُ ، فهو الأول فَلَا أَوَّلَ قَبْلَهُ ، وإلا كان الممتنع في القياس المصرَّح أن يكون ثَمَّ تَسَلْسُلٌ في المؤثِّرين أَزَلًا ، فذلك ما يُفْضِي إلى القول بالعدمِ ، فَلَمَّا تَنْتَهِ الأسباب بَعْدُ إلى سبب أول لا سَبَبَ قَبْلَهُ ، فكان من التَّسَلْسُلِ ما يَعْدِلُ فِي الحدِّ : العدم ، فلا يكون من الوجود بَعْدًا مَا يَثْبُتُ إِلَّا أن يكون ثم أول لا أول قَبْلَهُ ، فَلَيْسَ يَفْتَقِرُ إلى سَبَبٍ يسبق ، بل وجوده الأول : الوجود الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، وله من وصف الإيجاب ما به يُرَجِّحُ ، لا بالذات ، كما قال من قال بالإيجاب الذاتي ، بل إيجاب الخالق الأول ، جل وعلا ، إيجاب بِفِعْلٍ قَدْ قَامَ بِذَاتِهِ ، فهو الوصف الذي يقوم بالموصوف ، فالموصوف فاعل بوصف الفعل ، لا بذات مجرَّدة من الوصف ، وهي ما اصْطَلَحَتِ الحكمة الأولى أَنَّهُ الْعِلَّةُ الفاعلةُ بالطبع ، فكان من الإيجاب : وصفُ فِعْلٍ يُنَاطُ بآحادٍ من المشيئة تَنْفُذُ ، فهو يُرَجِّحُ في جائزٍ من المقدور أول ، فَيُخْرِجُهُ مِنَ العدمِ إلى وجود تال في الخارج يُصَدِّقُ ، لا عَلَى مِثَالٍ تَقَدَّمَ ، فذلك دليل الاختراع آنف الذكر ، وثم آخر من العناية بما يكون من رَزْقٍ وَتَدْبِيرٍ ..... إلخ ، فذلك ، أيضا ، مما قَدُمَ نَوْعُهُ ، فآحاده بَعْدًا في الخارج تصدق ما كان من تقدير أول في العلم المحيط المستغرق .
فَثَمَّ من وصف الفعل ما هو واجب قد ثَبَتَ بالعقل المصرح ، كما دليل الإيجاد الذي لا يحدث إلا أن يَصْدُرَ عَنْ أَوَّلٍ له من وصف الأولية ما يُطْلَقُ ، فَهُوَ وَاجِبُ الوجودِ الأوَّلِ ، وذلك وصفُ ذَاتِهِ الَّذِي لَا يُعَلَّلُ ، وهو الموجِب الموجِد الذي يُرَجِّحُ في الخارج ، فيكون من ذلك إيجاد أول ، وَثَمَّ من دليل الإتقان والإحكام ما يَحْكِي من الإرادة ما به التَّخْصِيصُ وَالتَّرْجِيحُ ، وهو ما يُرَدُّ إلى علم أول قد استغرق ، فَثَمَّ من ذلك ، أيضا ، وصف الذات الذي لا يعلل ، وثم من وصف الفعل بَعْدًا ما يُوجِبُ وَيُوجِدُ ، وبه إخراج المقدور من العدم إلى الوجود ، من القوة إلى فعل تال في الخارج يصدق ، فيكون من المرجح : آحاد مشيئة تَنْفُذُ ، ولها ، كما تقدم في موضع ، وصف أول يقدم ، فذلك النوع ، والآحاد له بعدا في الخارج تصدق بما كان من تأويل ينصح ، فتأويل المقدور الذي ثبت في الأزل ما يكون بعدا في الخارج ، من وجود بالفعل ، فَثَمَّ من الوجود الأول : وجود العلم المحيط المستغرق ، فليس ذلك وصف المقدور ، فإنه لما يَزَلْ عَلَى قَيْدِ المعدومِ ، وإن كان ثم تقدير أول ، فهو لِلْوُجُودِ في الخارج يَسْبِقٌ ، فَتَقْدِيرٌ ثُمَّ إيجادٌ يُصَدِّقُ ما كان من تقدير أول ، وهو ما تَنَاوَلَهُ العلمُ المحيطُ المستغرقُ الَّذِي تَنَاوَلَ المعلومات كَافَّةً ، الدينية والكونية ، الواجبة والجائزة بل والممتنعة المحالة لذاتها ، ولو الفرض المحض تَنَزُّلًا في الجدال مع الخصم ، فذلك العلم الذي يجرده الذهن ، عَامًّا لا أعم منه ، ذلك العلم هو المحفوظ الذي لا يُخَصَّصُ ، ولو بالعقلِ ، إذ تَنَاوَلَ أجزاءَ القسمةِ كَافَّةً ، الواجب والجائز والممتنع ، على التفصيل آنف الذكر ، فذلك ما قَدُمَ وَصْفَ ذاتٍ لَا يُعَلَّلُ ، فَعِلْمُ اللهِ ، جل وعلا ، قديم لم يحدث من العدم ، ولم تحدث آحاد منه بعد أن لم تكن ، وإنما يحدث من آحاد المقدورات ما به تأويل العلم الأول الذي تَنَاوَلَهَا فَهُوَ المفصَّل ، فَلَيْسَ العلم الكلي المجمل ، كما اقترحت الحكمة الأولى ، فذلك إلى التعطيل أَقْرَبُ ، إذ تُنْكِرُ العلم الجزئي المفصل الذي استغرق آحاد المقدورات كافة ، فَثَمَّ من العلم بالجزئيات ما أحاط ، وهو مدلول "كل" في قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، فذلك نص في العموم ، كما قَرَّرَ أهل الأصول ، فَيَحْدُثُ من آحاد المقدورات في الخارج ما يصدق فيه أنه الموجود بعد عدم ، وإن كان ثم تقدير في الأزل ، فهو وصف المقدِّر لا المقدور ، فحصل من ذلك إيجاب في جائز أول ، فالإيجاب المرجِّح وصف أول يقدم ، وله من ذلك أولية تُطْلَقُ ، إذ التَّسَلْسُلُ في التأثيرِ لا يمتنع ، بل هو إلى الإيجاب أقرب ، فذلك وصف الموجِب الموجِد الأول ، وهو الخالق المهيمن ، جل وعلا ، فذلك مما قَدُمَ فِي الأزلِ نَوْعًا ، وإن كان ثم آحاد بَعْدًا تحدث ، فلا يقال إن التأثير بالترجيح في الجائز قد حدث بعد أن لم يكن ، فكان الخالق المهيمن ، جل وعلا ، غير قادر أن يخلق خلق الإيجاد المصدق لما كان من خلق تقدير أول ، ثم صار قادرا بعد أن لم يكن ، فذلك ، بداهة ، مما لا يصح في حَقِّ من له الوجود الواجب أزلا ، وجود الكمال المطلق ، فليس يعجز ثم يقدر ، بل هو القادر الأول ، وذلك وصف القوة ، وَثَمَّ مِنْ آحادِ الْفِعْلِ بَعْدًا ما يُصَدِّقُ بما كان من مشيئة تُرَجِّحُ ، فهي تخرج الفعل من القوة إلى الفعل ، لا أنها توجده من العدم ، فيكون قادرا بعد عجز ، فذلك ما امتنع ضرورةً في حق الخالق الأول ، جل وعلا ، فَلَمْ يَسْتَفِدْ كمالا لم يكن ، وإنما آحاد الأفعال تُظْهِرُ ما كان من كمال أول ، وهو الكمال المطلق ، فَالتَّسَلْسُلُ في التأثيرِ مما جَازَ في الأزلِ ، بل وَوَجَبَ ، إذ به إِثْبَاتُ الأوليةِ المطلقة ، أولية الكمال الذي حَصَلَ في الأزل ، وَإِنْ نَوْعًا يَقْدُمُ فَهُوَ يَطْلُبُ بَعْدًا من الآحاد ما يُظْهِرُ ، فَلَيْسَتْ مما يُثْبِتُ ما لم يكن ، وإنما تظهر ما كَانَ وَوُجِدَ أَوَّلًا وجودَ الكمال المطلق ، فما آحاد الأفعال المحدَثة إلا دَلِيلٌ لَهُ يُصَدِّقُ ، فليست آحاد الأفعال الإلهية بِمُثْبِتَةٍ ما لم يكن أولا من الوصف ، بل تلك حالُ المخلوق لا الخالق ، جل وعلا ، فالمخلوق يُوجَدُ من العدم ، فَثَمَّ من الوجود ما يكون بعد أن لم يكن ، وإن كان ثم تقدير أول قد ثَبَتَ في الأزل ، فهو ، كما تقدم ، وصف الخالق المهيمن ، جل وعلا ، لا وصف المخلوق المحدث ، فهو الموجود بعد العدم ، الكامل بعد نقص ، فيكون من آحاد فعله ما به يكمل ، لا كما آحادٍ من فعل الخالق المهيمن ، جل وعلا ، فهي مما لكماله المطلق تُظْهِرُ ، فيكون منها تأويل في الخارج يُصَدِّقُ مَا كَانَ مِنْ نَوْعِ الوصفِ الأوَّلِ ، فهو القديم ، وإنما تحدث الآحاد المصدِّقة المظهرِة لَهُ ، فلم يكن بها إثبات وصف أو فعل لم يكن ، فَيَقْدِرُ بَعْدَ أَنْ عَجَزَ ، ويفعل مَرَّةً فُيْخْطِئُ ، ثم يستفيد من ذلك عِلْمًا بِمَا قَدْ جهل ، فَيَفْعَلُ أُخْرَى ، وَلَا يَزَالُ يَعْلَمُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ما لم يكن ، فذلك ، بداهة ، مما تَنَزَّهَ عنه الخالق المهيمن ، جل وعلا ، إذ ثم من علمه الأول المحيط ما استغرق المعلومات كافة ، على التفصيل آنف الذكر ، فهو القادر أَنْ يَخْلُقَ وإن لم يكن ثم مخلوق به تأويل الوصف ، أن يكون من آحادِه في الخارج ما يُصَدِّقُ ، وهو القادر أَنْ يَرْزُقَ وَيُدَبِّرَ ...... إلخ ، فكل ذلك ما ثَبَتَ فِي الأزلِ ، فالتسلسل في التأثير ، من هذا الوجه ، واجب ، إذ به إثبات الوصف الكامل في الأزل ، ومنه وصف الفعل الذي قَدُمَ نَوْعُهُ ثم كان من الآحاد بعدا ما يُصَدِّقُ ، ومن آثارها في الخارج ما يَشْهَدُ ، فإن المحدَث لا بد له من محدِث أول ، وهو ، أيضا ، مما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى أول هو المحدِث فلا محدِث قَبْلَهُ ، فَلَهُ من ذلك أوليةٌ تُطْلَقُ ، فَالتَّسَلْسُلُ فِي المؤثرين أزلا يمتنع ، لا التسلسل في التأثير ، تأثير الأول المطلق ، لا بذاته ، كما اقترحت الحكمة الأولى من علة فاعلة بالطبع مجردة من الوصف ، بل الخالق ، جل وعلا ، فاعل بما قام بذاته القدسية من الأوصاف الفعلية ، وهو الخالق بالعلم المقدر وإرادة بَعْدًا تُرَجِّحُ وَتُخَصِّصُ ، فهي تخرج المقدور من العدم إلى الوجود ، وبها تأويل ما ثَبَتَ لدى المبدإِ من العلم المحيط المستغرق ، فذلك مما قدم نوعا ، فلم يكن الخالق ، جل وعلا ، عاجزا عنه ثم قدر ، بل هو القادر أزلا ، وإن لم يكن من آحاد الفعل بعد ما يُصَدِّقُ ، فإذا شاء كان منها في الخارج ما به تأويل لتقدير أول هو الثابت ، فالقدم في هذه الحال : قدم التقدير الأول الذي عم فَتَنَاوَلَ المقدوراتِ كافة ، وقدم النوع ، نوع الفعل الذي يخرج المقدور من العدم إلى الوجود ، وقدم المشيئة التي بها الترجيح ، فآحادها في الخارج بعدا ترجح في الجائز من وصف الخالق ، جل وعلا ، فيكون من آحاده خلقا وَرَزْقًا وتدبيرا ....... إلخ ، ما يُصَدِّقُ أنواعا أولى من الوصف تقدم ، فَثَمَّ قِدَمٌ يَتَنَاوَلُ المقدورَ لَا من جهة أعيانه في الخارج ، فهي المحدَثة بعد أن لم تكن ، وإنما من جهة التقدير بالعلم المحيط المستغرِق ، وليس ذلك وصف الأعيان المخلوقة ، بل هو وصف الخالق الأول ، وهو المقدِّر القديم ، فوصفه ، أيضا ، القديم ، سواء أكان من وَصْفِ الذَّاتِ ، أم من وصفِ الفعلِ ، فالأخير منه قِدَمُ النَّوْعِ ، وإن حدثت آحاد منه بَعْدًا ، فهي تأويل لأول قد تَقَدَّمَ من النوع ، وبها ظهورُ آثارٍ لكمالٍ أول قد أُطْلِقَ ، فليست مما به الكمال يَثْبُتُ بعد أن لم يكن ، أو يكمل بَعْدَ نَقْصٍ ، بل ثم من الكمال أول قد أُطْلِقَ ، وله من أنواعِ الأفعالِ والأحكامِ ما قَدُمَ ، ولها من الآحاد بعدا ما يحدث إذ يُنَاطُ بمشيئةٍ من خارج تُرَجِّحُ ، وبها تأويل يَظْهَرُ ، لا اسْتِئْنَافٌ لكمالٍ بَعْدَ نَقْصٍ ، بل الكمال أول قد ثَبَتَ ، مُطْلَقٌ لم يحدث من العدم ، وليس من آحاده ما يَسْتَأْنِفُ زِيَادَةً ، بل هو يُبِينُ وَيُظْهِرُ ، فهو تأويل يَصْدُقُ لكمالٍ أول هو المطلق ، فما الإتقان والإحكام الذي يعالجه الحس المحدث ، ما ذلك إلا تأويل لأول قد ثَبَتَ فِي الأزل ، وهو الكمال المطلق ، ومنه كمال الفعل نَوْعًا ، فآحاده تحدث بَعْدًا بالمشيئة التي تُرَجِّحُ ، فيكون من ذلك تأويل في الخارج ، وبه الفعل المصدق لما كان أولا من قوة في الأزل تَثْبُتُ ، فتأويل القوة الأولى : آحاد من الأفعال تُصَدِّقُ ، وذلك الترجيح في الجائز ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، وبه السلامة من التحكم المحض ، أن يكون الترجيح بلا مرجِّح ، فذلك مما يخالف عن بَدَائِهِ العقلِ المصرَّح ، فالمسبَّب لا بد له من سبب ، وهو ما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى أول له من ذلك وصف التأثير الأزلي ، فآحاده بَعْدًا في الخارج تحدث ، وبها تأويل المقدور أن يخرج من العدم إلى الوجود ، فَثَمَّ من ذلك وصف الفعل ، ومنه ما دل عليه العقل ضرورةً ، كما الخلق ، وآخر قد دل عليه الحس بما يُعَالِجُ من إتقانِ الخلقةِ وإحكام السنةِ ، فكل أولئك مما قَدُمَ في الأزل ، وله من الآحاد بَعْدًا ما يُرَجِّحُ بما يكون من آحادِ مشيئةٍ تَنْفُذُ ، ومن وصف الفعل ما يجوزه العقل ، مبدأ النظر ، فَلَا يُثْبِتُ ولا يَنْفِي إلا بدليلٍ من الوحي أخص ، دليل السمع ، فلا ينفك يطلب الدليل المرجِّح من خَبَرِ الوحيِ المنزل الذي يَرْفِدُ العقل ، إذ يُبِينُ عَمَّا أُجْمِلَ فيه من ضرورةِ العلمِ ، ومنه العلم بأن ثم أولا إليه الكائنات جميعا تُرَدُّ ، فَيُصَدِّقُ أَوَّلًا ، وَيُبَيِّنُ تَالِيًا ، وَيُقَوِّمُ ما اعوج من فطرة الضرورة الملجئة ، إن في الأخبار أو في الأحكام ، فَثَمَّ من الجمل الكلية ما جُبِلَتْ عَلَيْهِ النَّفْسُ ، وهو ما عَمَّ الخبر والحكم ، فَلَا يَنْفَكُّ يَعْرِضُ له في مواضع ما يخالف به عن الجادة المحكمة ، فالكليُّ لا يخلو من إجمال ، ولو مرجوحا لَا يَتَبَادَرُ ، فيتناوله التأويل بما يكون من الوسواس ، وما يعرض من الحظوظ والأهواء ، فلا ينفك صاحبها يَتَأَوَّلُ لها من الدليل ما يَشْهَدُ ، وَإِنْ مَرْجُوحًا لا يظهر ، بل وآخر يَبْطُلُ وَيَبْطُنُ ، وهو ما عمت به البلوى في القديم وفي الحديث ، فكان من ذلك تأويلات الحداثة التي تخالف عن صريح الرسالة ، وهو ما يحكي نُزُوعَ الإنسان إلى الطغيان والتأله بما اغتر به من السبب المحدَث الذي حصل له بعد عدم ، وذلك في نفسه دليلٌ يُبْطِلُ دَعْوَى التَّأَلُّهِ التي تَسْتَلْزِمُ الغنى المطلق ، وهو ما ثَبَتَ أولا في الأزل ، فَحَالُ الإنسان شاهدة بضد ، فلم يحصل السبب في يده مَبْدَأَ الأمر ، بل ولم يكن لهذا الإنسان أَوَّلًا وجودٌ يَثْبُتُ ، فقد كان عدما في الخارج ، وإن كان ثم تقدير أول قَبْلَ الإيجادِ المصدِّق ، فلا ينفك يطلب المرجح من خارج ، وهو ما يحكي الافتقار الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، ولو إلى الموجِب الموجِد ، فهو يوجب الجائز ، ويصيره الموجود في الخارج ، فَثَمَّ من الوجود تال يصدق ، وجود الفعل الذي يصدق أولا من وجود القوة ، فذلك الافتقار الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، افتقار الجائز ، وهو أولا من المعدوم ، وإن كان له من وصف الوجود شيء ، فهو وجود القوة لا الفعل المصدِّق في الخارج ، فلا ينفك يفتقر إلى موجِب موجِد يخرجه من الجواز إلى الإيجاب ، لا الإيجاب الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، فذلك وصف واجب الوجود الأول ، وهو واحد لا شريك له في هذا الوصف ، وإلا كان الشرك ، إذ ثم من تعدد القدماء ما يَلْزَمُ من القول إِنَّ ثَمَّ أكثر من واجب أول ، له من وصف الوجوب ما لا يُعَلَّلُ ، فذلك مما امْتَنَعَ ضرورةً في النقل المصحَّح والعقل المصرَّح ، وإلا سُلِبَ هَذَانِ الاثْنَانِ اللذان مُنِحَا وصف الوجوب الذاتي ، سُلِبَا هذا الوصف ، فَصَارَا من الجائز ، وَوَجَبَ رَدُّهُمَا إلى أول هو الواجب ، فلا بد من واجب وجود أول ، لا شريك له في هذا الوصف ، فهو مما انْفَرَدَ به في الأزل ، وكلٌّ بَعْدُ إليه يَفْتَقِرُ ، أَنْ يُوجِدَهُ من العدم ، وَأَنْ يُقَدِّرَهُ قَبْلًا ، فَيُقَدِّرَ من الحقيقة والكيف ما يُتْقَنُ ، ويجري من السنن ما أُحْكِمَ ، إذ يُبَاشِرُ السببُ المحلَّ بما رُكِزَ في كُلٍّ من قوى ، قوى القبول في المحل وأخرى من التأثير في السبب ، فَثَمَّ الافتقار الذاتي إلى أول يقدر ، وثم آخر إلى أول يُوجِبُ وَيُوجِدُ ، فيخرج المقدور من العدم إلى الوجود ، من القوة إلى فعل تال يصدق ، وكذا الافتقار بَعْدًا إلى سبب به يَسْتَغْنِي الإنسان ، فالسبب الذي اتَّخَذَهُ ذريعةً إذ طَغَى ، فَرَامَ التَّأَلُّهَ ، ذلك السبب شاهد بضد يحكي افْتِقَارَ هذا الطاغوت الافْتِقَارَ الذَّاتِيَّ الذي لا يُعَلَّلُ ، فَافْتِقَارٌ في التقدير ، وآخر في التكوين ، وثالث في التدبير بما يُجْرَى من الأسباب ، فكلُّ أولئك أدلة تُبْطِلُ دعوى الطغيان والتأله ، فالفقير لا يكون إلها يُدَبِّرُ ، إذ يَفْتَقِرُ إلى آخر يُدَبِّرُ أمرَه ، وهو ما يَتَسَلْسَلُ فِي التَّأْثِيرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى سَقْفٍ من الشهادة ليس بعده إلا الغيب ، فَثَمَّ من السبب ما غاب فلا يُدْرَكُ بالحسِّ ، وليس عدم وجدانه في الخارج بالحواس دليلا على عدم الوجود في نَفْسِ الأمرِ ، بل قد يوجد ، وليس الحس يدركه ، ولو في عالم الشهادة ، فَثَمَّ من أسبابه ما يَتَفَاوَتُ الخلق في دَرَكِهِ ، فَثَمَّ من خاصة الحيوان الأعجم ما رَجَحَ الإنسان في حواس ، كما الشم ، فهو لدى الكلب أشد ، فيدرك من الرَّوَائِحِ ما دَقَّ ، وهو الغيب في حق الإنسان إذ لم يُدْرَكْ ، فخاصة الشم عنده أضعف ، وليس له أن يَحْتَجَّ بِعَدَمِ وجدانِه الرائحةَ الَّتِي تَخْفَى وَتَدقُّ ، أنها غير موجودة بالفعل ، بل قد توجد ، وليس لها يدرك ، إذ ثم من حاسته ما حُدَّ فَلَا يجاوز الحد المقدَّر ، وثم من أخرى لدى الكلب ما جاوز ، فصارت الرائحة الخفية في حقه شهادة ، وإن كانت في حق الإنسان غَيْبًا ، فليس عدم وجدانه لها بحسه دليلا أنها عدم لم يحصل ، بل لها من الوجود في الخارج ما يَثْبُتُ ، وإن الغيبَ فليست من الشهادة في حَقِّ الإنسانِ ، فذلك الغيب النسبي الذي يُدْرِكُهُ بَعْضٌ ولا يُدْرِكُهُ آخر ، وليس لمن جهل أن يحتج بجهله على من عَلِمَ ، بل من عَلِمَ فهو الحجة على من جهل فلم يعلم ، وهو ما يَطَّرِدُ في الغيب المطلق من أسباب تَثْبُتُ ، وهي تجاوز عالم الشهادة المدرَك بالحسِّ ، ولها من الوجود في الخارج ما يَزِيدُ على وجود أول من التَّقْدِيرِ ، فَثَمَّ من الغيب ما يُطَابِقُ الشهادة في اللفظ ، طباقَ الإيجابِ الذي يستغرق شَطْرَيِ القسمة في الخارج ، فَلَيْسَ الغيبُ يطابق الوجود ، فيكون عَدَمًا ، بل من الغيب ، أيضا ، جنس عام يستغرق ، فإن منه المعدوم ، سواء أكان جائزا مبدأ الأمر ، فلا ينفك يَطْلُبُ بَعْدًا المرجِّح الذي يخرجه من العدم إلى الوجود ، وليس يَلْزَمُ من ذلك أن يخرجه من الغيب إلى الشهادة ، بل قد يكون الموجودَ بالفعل في الخارج ، وليس المشهودَ بالحس أو آلة رصد ، فَمِنَ الغيبِ جِنْسٌ عَامٌّ يَسْتَغْرِقُ ، فمنه المعدوم سواء أكان الجائز أم الممتنع المحال لذاته ، فليس الممتنع لذاته بشيء في الخارج ، وإن كان شَيْئًا يُفْرَضُ في الذهن تَنَزُّلًا في الجدال مع الخصم أن يُلْزَمَ بِلَازِمِ قولِه ، فمن الغيب : المعدوم ، على التفصيل آنف الذكر ، ومنه الموجود ، وإن لم يَتَنَاوَلْهُ الحس فَقَدْ يجاوز مداركه في الخارج ، سواء أكان الغيب المطلق أم آخر نِسْبِيًّا يُدْرِكُهُ بَعْضٌ دون آخر ، كما تقدم من حاسة الشم التي تَرْجُحُ لدى الكلب ، فيدرك بها ما خفي من الروائح ودق ، فليس للإنسان ، وحاسة الشم لديه أدنى ، ليس له أن يحتج بعدم وجدان الرائحة أنها ليست موجودة بالفعل ، بل قد تُوجِدُ ولا يدركها ، إما لخفائها فهي تطلب من الحاسة ما هو أعلى ، أو لضعف حاسة الشم عنده لعلة تَعْرِضُ ، فلا يحتج بذلك على ما ثَبَتَ لدى غير ، فهو غيب عنده ، مشهود عند آخر قد أَدْرَكَهُ بالحس الظاهر .
فمن الغيب مَا له وجود في الخارج يَثْبُتُ ، وإن غاب عن الحس فلم يُدْرَكْ ، إذ قوى الحواس لا تدركه ، إما مطلقا ، فهو من الغيب المطلق ، وإما نسبيا ، فهو من الغيب النسبي الذي تَتَفَاوَتُ الكائنات في دَرَكِهِ ، بل الإنسان وهو واحد في الجنس ، قد يحصل لآحاد منه ما به الغيب يَصِيرُ شهادة ، إذ يدركه بحاسة من حواسه ، سواء أكان ذلك بآلة تدق ، فكان غَيْبًا ثم شُهِدَ ، فلم يكن من الكشف بالآلة ما به إيجاد من العدم ، بل إخراج لما كان أولا قد وُجِدَ ، إخراج له من الغيب إلى الشهادة ، سواء الأعيان أم السنن والأحوال ، كما قوى قد ركزت في عناصر تدق ، فَثَمَّ من التجريب والبحث ما يتأول هذه القوى المركوزة في العناصر لدى المبدإ ، فالبحث والتجريب لم يحدث هذه القوى من عدم ، بل هي الموجودة قَبْلًا ، وإنما أبان عنها وأظهر إذ تأولها بجمع العناصر وإخضاعها لمؤثِّر من خارج ، فَاسْتَحَثَّ منها ما وُجِدَ أولا : وجود القوة لا الفعل ، فكان من ذلك ما رَجَّحَ باجتماعها في المعمل ما لا يكون حال انفرادها لدى المبدإ ، فهو تأويل لِمَا رُكِزَ فيها من القوى ، فَهُوَ لَهَا يُظْهِرُ ، وليس لها يُنْشِئُ من العدم ، فيكون من ذلك تأويل في الخارج يَصْدُقُ بما يكون من المركب من آحاد من العناصر ، فذلك المركَّب ليس الموجود من العدم ، بل هو الموجود من عناصر أولى تَسْبِقُ ، وَمِنْ سَنَنٍ عليه تجري فَهُوَ المحكَم ، ومن مُؤَثِّرٍ من خارج له تخضع ، فهو يُحَفِّزُ التفاعل في المعمل ، ومن مَانِعٍ قد وجب انْتِفَاؤُهُ إذ له من الأثر ما يمنع ، وهو ما اصطلح أهل الشأن أنه الحافز السام ، إذ يُحَفِّزُ الامتناعَ مبدأَ التفاعلِ ، أو الإيقاف بعد الشروع فيه ، أو الإبطاء منه ، فالكشف في هذا الحال يُظْهِرُ ، وليس يُنْشِئُ من الوجود ما لم يكن ، فَلَيْسَ يخلق من العدم ، وإن صدق فيه وصف الخلق ، فهو خلق يُحَوِّلُ الحقائقَ في الخارجِ من صورة إلى أخرى ، فلا يحدث من الحقائق ما لم يكن قبلا ، وإنما يَتَنَاوَلُ العناصرَ الموجودة قبل التفاعل ، فَيَتَأَوَّلُ القوى المركوزة فيها بأصل الخلقة بما يكون من الجمع بعد التفريق ، وهو ما استوجب خاصا من التأثير ، بما يكون من شَرْطٍ يُسْتَوْفَى وَمَانِعٍ يُنْفَى ، فَثَمَّ من ذلك مَحَالٌّ هي العناصر ، فبعضها يَمْنَحُ وآخر يَقْبَلُ ، أو قد يَكُونُ مِنَ التَّشَارُكِ ما يُجْزِئُ فِي بُلُوغِ كُلٍّ الغايةَ التي تطلب ، أن يكون من ذلك الاستقرار والمكث بحصول الكفاية من جسيمات تدق ، فلكلِّ عنصرٍ من ذلك مثال الكفاية فلا يَرُومُ بَعْدًا المنح أو القبول ، فقد بَلَغَ من الغاية المطلوبَ ، فَثَمَّ المحال التي تجتمع ، وهي العناصر ومنها ما يمنح ، ومنها ما يَقْبَلُ ، وثم الشرط الذي يُسْتَوْفَى من مؤَثِّر خاص يزيد ، وثم المانع الذي يُنْفَى ، وذلك المجموع المركب الذي اصْطَلَحَ النظار أنه العلة ، ولا تنفك تطلب أولى تَسْبِقُ ، وذلك مما يَتَسَلْسَلُ في الشهادة ثم الغيب ، إن النسبي الذي يدرك بآلة رصد تحدث ، أو المطلق ، وكلٌّ آخرَ أمرِه يَنْتَهِي ضرورةً إلى أول لا أول قَبْلَهُ ، فهو السبب الذي لا سبب له يَسْبِقُ ، فَوَصْفُهُ أَنَّهُ العلة التامة فلا تَفْتَقِرُ إلى سببٍ من خارج ، بل الأسباب كافة إليها تَفْتَقِرُ ، إذ بها تُوجَدُ وَتُدَبَّرُ على مثالٍ من التقدير قد تَقَدَّمَ ، فالتقدير يَسْبِقُ ضرورةً الإيجادَ والتدبيرَ بَعْدًا في الخارج ، فكان من ذلك محل إجماع ضروري لدى كلِّ ذِي عقلٍ يَنْصَحُ ، فإثبات الأول الذي لا أَوَّلَ قَبْلَهُ ، ذلك مما يجري مجرى الضرورة الملجئة ، مقدِّمَاتٍ أولى في النظر ، وهي محل الإجماع القاطع ، فلا يخالف عنها إلا مسفسِط أو جاحد ، فَثَمَّ محلُّ الإجماعِ الضروريِّ أن المسبَّب لا بد له من سبب أول ، وأن المحدَث لا بد له من محدِث يسبق ، وهو ، كما تقدم في موضع ، مما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى أول لا أول قبله ، وبه حسم ما امتنع ضرورة من التسلسل في المؤثرين أَزَلًا ، فَثَمَّ من الأول ما يُرَجِّحُ ، فهو في المقدور يُؤَثِّرُ أَنْ يُخْرِجَهُ من العدم إلى وجود في الخارج يُصَدِّقُ ، وذلك ما يكون بوصف الفعل الذي يُرَجِّحُ ، وهو ما قام بالذات قِيَامَ الوصفِ بالموصوف ، فَثَمَّ من ذلك فعل في الأزل قد ثَبَتَ ثُبُوتَ الْقُوَّةِ ، فَلَمَّا يَأْتِ بَعْدُ من آحاده في الخارج ما به تأويلُ نَوْعٍ أول يَقْدُمُ ، فوجود الفعل آحَادًا يصدق وجود القوة أَنْوَاعًا ، فيكون من آحاده ما يُؤَثِّرُ في إخراجِ المقدورِ الأول من العدم إلى وجود تال يُصَدِّقُ ، وذلك ما أوجزه الوحي في آي قد أحكم ، فكان من العموم ما لآحاد المقدوراتِ الجائزاتِ كَافَّةً قَدِ اسْتَغْرَقَ ، فـ : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) .
والشاهد أن الإنسان ، وهو واحد في الجنس ، قد يحصل لآحاد منه ما به الغيب يصير شهادة ، إذ يدركه بحاسة من حواسه ، سواء أكان ذلك بآلة تدق ، أم بخارقة تُجَاوِزُ ، فقد انكشفَ لِبَعْضٍ من الغيوب ما أُجْمِلَ ، فليس يلزم منه وصف الكمال ، بل لا بد من مرجعٍ من خارج يُجَاوِزُ ، فَهُوَ قَاضٍ فِي هذا الخارقِ قضاءَ المحكَمِ فِي المتشابِه ، فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي حَالِ من حصل له ، أعلى الجادة أم لها يخالف ؟! ، مع دعواه التي يَتَنَاوَلُ نُبُوَّةً أو كرامةً ، مع أول قد وجب استصحابه أن تكون تلك الدعوى ، مبدأ النظر ، مما يجوز ، فلا تكون من الممتنع إما لذاته وإما لسبب من خارج ، كما دعوى النبوة ، فهي ابتداء من الجائز في حَقِّ البشرِ كَافَّةً ، ولكنْ ثَمَّ سبب من خارج قد صَيَّرَهَا من المحال الممتنع ، وإن لغير ، بما كان من دليل الختم ، فـ : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) ، فَمَنِ ادَّعَاهَا بَعْدًا فهو الكاذب ، كما في الخبر الصادق : "إنَّه سيكونُ في أمَّتي ثلاثونَ كذَّابًا ، كلُّهم يزعمُ أنَّه نبيٌّ ، وأنا خاتمُ النبيينَ لا نبيَّ بعدي" ، وهو ما حُمِلَ على مَنِ اشْتُهِرَ من أولئك ، وإلا فقد جَاوَزُوا الثلاثين ، والسياق ، ابتداء ، ليس بحاصر ، فلم يقل : لا يكون في أمتى إلا ثلاثون كذابا ، كما في خبر آخر لم يحصر ، فـ : "للهِ تبارَك وتعالى تِسعةٌ وتسعونَ اسمًا مَن أحصاها دخَل الجنَّةَ" ، فلم يقل : ليس لله ، جل وعلا ، إلا تسعة وتسعون اسما .
فَلَمْ يَكُنْ من ذكر ثلاثين كذابا في الخبر ما يحصر ، فلا يخلو عصر من مُدَّعٍ يَتَنَبَّأُ ، وله من الخارقة في موضع ما يفتن الجاهل الذي يصير الخارقة في نَفْسِهَا دليلَ نُبُوَّةٍ أو ولايةٍ دون نظر في الحال والدعوى ، على التفصيل آنف الذكر ، فقد كان من بَعْضٍ قد تَنَبَّأَ ، كما الحارث الدمشقي زَمَنَ عبد الملك بن مروان الأموي ، فكان الحارث من المتعبدة المتزهدة مع قلة علم وفقه يعصم إذ يميز الدعاوى ويرجح ، فعرض له من الخارقة ما فَتَنَ ، وليس إلا الوسواس الذي يُضِلُّ ، وهو ما كان لبعض كالمختار الثَّقَفِيَّ ، وهو واحد من اثنين من ثقيف قد خرجا : الكذاب والمبير ، وقد تأول له ابن عمر ، رضي الله عنهما ، آي الشعراء المحكم : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) ، فَعَرَضَ له من الخارقة ما فَتَنَ ، ولم يكن ثم من العلم مَا عَصَمَ ، أن يميز الدعاوى وَيُرَجِّحَ ، فتلك دعوى لدى المبدإ تمتنع ، وإن لغير بما احتف بها من قرينة من خارج ، وهي ما تقدم من ختم النبوات ، فلم يكن من خارقة في هذا الموضع إلا ما أغوى وفتن الجاهل فليس له من العلم عاصم ، بل كان من الأثر ما زَادَ الفتنة بالحارث ، أن طعنه طاعن فلم ينفذ ، فهو الممنوع من العدو الذي يَتَرَبَّصُ ، فَلَمَّا سَمَّى الطاعن فذكر اسم الرب الخالق ، جل وعلا ، كان من ذلك ما نَفَذَ ، إذ بطل الخارق الباطل بذكر اسم الخالق ، جل وعلا ، فلم يكن من الخارق ما هو دليل في نفسه ، بل لا ينفك يطلب من القرائن ما يُرَجِّحُ ، فَيُرَدُّ إلى محكم أول ، كما أُثِرَ عن بَعْضِ الْعُبَّادِ ، وقد أخذته الرقة ، فكان من مادة النور ما سَطَعَ ، وكان من المتكلم ما نطق ، أنه الخالق ، فلم يكن من العابد إلا أن استعاذ وبصق ، فاضمحل النور ، فَلَيْسَ إلا الوسواس المرجوم ، وإنما اعتصم العابد في هذا الموضع بالعلم الذي يميز الدعاوى ، صحيحها من باطلها ، وكذا ما أُثِرَ عن الجيلاني ، وهو من كبار أهل الطريق ، ممن لهم استقامة على جادة التنزيل ، فحصل له من الهاتف أن الرَّبَّ له يخاطب ، وقد أحل له ما قد حَرُمَ من الخبائث ، فكان من العلم ما نصح ، فذلك نَسْخٌ لِشَرْعٍ قَدْ ثَبَتَ ، فَأُحْكِمَ فَلَا يُنْسَخُ إِذِ انْقَطَعَ الوحي بِقَبْضِ صاحبِ الشَّرْعِ المحكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، مع أول في الباب يستصحب ، فـ : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ، فكيف يُبِيحُ الوحي الصادق ما ثَبَتَ خُبْثُهُ وَفُحْشُهُ ضرورةً ، وتحريمه مما أجمعت عليه الشرائع كافة ، فتلك أصول لا يَتَنَاوَلُهَا النسخ ابتداء ، ولو احتمالا ، فكان من العلم ما عُصِمَ به الجيلاني ، فهو المحكم الذي رَدَّ إليه ما تشابه من الخارقة المجردة ، فلا تنفك تطلب المرجع المجاوز من خارج الذي يَقْضِي فيها باعتبار أو بإهمال ، فهي ابتداء كالمرسل الذي لا يُشْهَدُ له مبدأَ النظرِ باعتبار أو بإلغاء ، حتى يكون من الدليل ما يُرَجِّحُ ، بما تقدم من فحوى الدعوى وحال صاحبها ، فليست الخارقة دليلَ صِحَّةٍ فِي نَفْسِ الأمرِ ، بل صاحب الكرامة إذا ابْتُلِيَ بالخارقة ، فَلَا يَنْفَكُّ يَسْتَتِرُ بها فلا يُعْلِنُ ، فإن الكرامة في حقه هي لزومُ الاستقامة في عَامَّةِ شَأْنِهِ ، وقد يكون من الخارقة بعدا ما يجري مجرى الإباحة فهي تُعِينُهُ عَلَى أمرٍ من دنياه ، وذلك الأدنى ، وقد يكون منها ما يَشْرُفُ في الوصف ، فهي تُعِينُهُ على أمر دينه ، وبها يُثَبَّتُ في مواضع الفتنة ، وقد يستوجب ذلك إظهارها والتحدي بها لا انتصار لنفسه أو طلبا لمحمدة من الخلق ، وإنما انتصارا للحق ، كما كان من خالد ، رضي الله عنه ، إذ شرب السم ، فلم يضره ، أن ذكر اسْمَ رَبِّهِ ، جل علا ، في موضع تَحَدٍّ لمن جَحَدَ ، فكان من كرامة الولي ما الأصل فيه الاستتار وعدم التحدي ، وإن وقع التحدي في موضع ، فَثَمَّ من مصلحة الدين ما يُرَجِّحُ العدول عن الأصل الأول المستصحب وهو الاستتار فليس لها يظهر ، وكان من آية النبوة ، كما يقول بعض من حقق ، كان منها ضد ، فالأصل فيه التحدي ، وإن كان منها ابتداء ما لم يَتَحَدَّ به النبي ، بل كان من آيٍ في أَمْرِ دُنْيَا ما به العناية بالجمع ألا يقع في الحرج أو الجهد ، كما سأل الكليم ، عليه السلام ، الرَّبَّ ، جل وعلا ، السقيا ، وهي من أمر الدنيا ، فـ : (إِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ، وكما كان يوم الخندق من تكثير طعام جابر ، رضي الله عنه ، حتى أكل منه الناس جميعا ، وكما كان من تكثير الطعام في موضع آخر ، ونبوع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فَكُلُّهَا من آي النبوة ، وهي ما لم يُتَحَدَّ به خَصْمٌ يَجْحَدُ ، وإنما كانت رعاية لحال الجمع ألا يقع في الحرج والجهد .

فلم يكن من حصول الخارقة في نفسه دليل يثبت دعوى ، بل وجب ابتداء النظر في الدعوى وحال صاحبها ، على التفصيل آنف الذكر .

وكذا يقال في حال الساحر ، فلا يُفْتَتَنُ من له علم يعصم بما يكون من خوارق السحرة كالإخبار بِبَعْضِ ما غُيِّبَ ، وَسِحْرُهُ في نَفْسِهِ غَيْبٌ يلطف ، وله من الفعل ما يُؤَثِّرُ ، فَتِلْكَ حقيقة في الخارج تَثْبُتُ ، وإن لم تدرك آثارها بالحس المحدَث ، فلم يكن عدم وجدان هذا الخفي اللطيف ، لم يكن عدم وجدانه دليلا على عدم وجوده بالفعل ، بل قد وُجِدَ في الخارج ، وكان من آثاره ما يضر فلا ينفع ، وإن كان من ذلك ما يَخْدَعُ بما يكون من نَفْعٍ يطرأ ، فمآله الضر والفساد ، فالآثار تظهر ، إذ : (مَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ) ، وهي دليل على أول من الغيب يثبت بما كان من فعلِ سحرٍ يَلْطُفُ ، فالأثر المشهود بالحس يشهد لما تقدم من السبب المغيَّب ، فعنه يصدر ، وذلك ، كما تقدم في موضع ، مما به استدل الأعرابي المفصح بما جبل عليه من فطرة تنصح ، فاستدل بالأثر على المؤثر ، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على العليم الخبير ؟! ، فذلك مما ثَبَتَ ضرورة بالقياس الصريح .

والشاهد أن الخارقة ابتداء : جنس عام يستغرق آحادا في الخارج ، فمنها آية النبوة ، ومنها كرامة الولاية ، ومنها خارقة السحر والكهانة ، ولكلٍّ من الأدلة من خارج ما يميز ، فليست الخارقة في نفسها دليلا ، بل لها من الاحتمال ما يتعدد ، فلا يحكم بالنوع الأخص ، إلا أن يكون ثم قرينة من حال صاحبها ، فهو صاحب دعوى لا تنفك تطلب من الدليل ما يرجح ، فليس الترجيح بعين الدعوى ، وهي الخارقة ، بل لا تَنْفَكُّ تطلب دليلا أخص يبين عن حال صاحبها ، إن بالخير أو بالشر ، وهو ما استوجب دليلا قد اصْطُلِحَ في بحثِ النبوات أنه المسلك الشخصي ، مسلك صاحب الدعوى ، وهو ما أبان عنه الشافعي ، رحمه الله ، بقوله : "إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة" ، فَثَمَّ من دعوى الولاية ما عظم ، وأعظم منها دعوى النبوة ، فَلَيْسَ تحتمل إلا الصدق المحض أو نقيضه في الخارج ، فليس ثَمَّ واسطة بينهما ، فدعوى النبوة إما أن يدعيها أصدق صادق ، ويكون من الدليل المؤيد شاهد صدق ، ومنه الآية ، وهي ما خرق العادة من كل وجه ، فَلَيْسَ خَرْقُهَا للعادة كخرق الكرامة في حق الولي ، أو الخارقة المجردة في حق الكذاب الدَّعِيِّ ، وآية النبوة ، من وجه آخر ، دليل من جملة أدلة ، فليست الدليل الأوحد ، بل وليست الدليل الأول ، إذ ثم منها ما يُتَحَدَّى به ، وثم آخر يكون من باب العناية ، فَلَمْ يَتَحَدَّ به النبي ، وإنما حصل له رعاية ، كما آي الكليم ، عليه السلام ، فمنها ما تحدى به فرعون ، فـ : (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) ، فذلك علم يقين يجزم ، وإن لم يفد فرعون إيمانا يجزئ في حصول اسم ديني ينفع إذ لم يشفع بِتَالٍ من الإقرار والإذعان والانقياد والاستسلام ، ومنها ما لم يَتَحَدَّ به الكليم ، وإنما وقع له رعاية وعناية ، كما ضَرْبُ الحجرِ بالعصا وَانْفِجَارُ الْأَعْيُنِ منه ، وَإِنْزَالُ المن والسلوى ، وكما ثَبَتَ من سيرة النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فمن آيه التي تخرق العادة ما تَحَدَّى به ، كما انشقاق القمر ، وهو ما ظَهَرَ في الخارج شهادة أَدْرَكَهَا الخصم بالحس ، فقامت الحجة عليه من هذا الوجه ، ومنها ما لم يَتَحَدَّ به مبدأ الأمر ، كما الإسراء والمعراج ، فلم يكن الإخبار إلا بعد أن سُئِلَ ، وهو من الآي التي يَصْدُقُ فيها أنها من الغيب الذي لم يشاهده الخصم كما انشقاق القمر ، وإن أقام صاحب الشرع صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدليل عليه ، فَوَصَفَ بَيْتَ المقدس ، ولم يَزُرْهُ قَبْلًا ، فَقَصَّ من وصفه ما دل يقينا على صدقه ، وكان من أصل الدعوى مبدأ النظر ، ما هو جائز ، فالانتقال من مكان إلى آخر ، ولو بَعُدَ ، ذلك مما جاز مبدأ النظر ، وليس التجويز المحض ، كما تقدم في مواضع ، ليس يجزئ في حصول تال أخص من الوجود الذي يثبت في الخارج ، بل لا بد من دليل يُوجِب وَيُوجِدُ ، فكان من ذلك ما ثَبَتَ من الخبر ، وما قَصَّهُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من وصف البيت المقدس ، وكان منه ألطف ، وهو ما استدل به الصدِّيق المسدَّد ، رضي الله عنه ، فـ : "لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ" ، فذلك من قياس الأولى ، فالأولى أن يشتغل الناظر بتحرير أدلة النبوة التي تخبر بالإسراء والمعراج ، فَإِذَا ثَبَتَتْ صِحَّةُ الدعوى في نفس الأمر بما كان من مسلك النوع الذي ينظر في عين الدعوى ، ومسلك الشخص الذي يعالج أحوال صاحب الدعوى ، فليست الخارقة ، كما تقدم ، بدليل مطلق ، بل قد وَجَبَ تَقْيِيدُهُ بِحَالِ صاحبها ، فإذا ثَبَتَتْ صحة الدعوى في نفس الأمر ، فما يكون بعدا من أخبارها تَبَعٌ لها في التصديق ، فلا يتوقف الناظر ، بل هو يُقَلِّدُ ، وليس ذلك بالتقليد الذي يذم ، فإن صاحبه قد اجتهد أولا في إثبات الأصل ، فَكُفِيَ بَعْدًا مؤنة الفروع من الأخبار والأحكام ، فكان من تقليد النبوات التقليد المطلق ، كان من ذلك عينُ اجتهادٍ يحمد ، فقد اجتهد أن يَتَحَرَّى مقلَّده ، فاختار من يقطع بصحة ما يخبر به ويحكم في نفس الأمر ، فلا يحتمل الخطأ ، بل خبره الصدق المحض ، وحكمه العدل المحض ، فمن اجتهد في أصل الدعوى فقد كُفِيَ مؤنة الفروع ، فكان من عَمَلِ العقلِ أول قد اجتهد في تحري المسالك : النوعية والشخصية حتى قامتِ الْبَيِّنَةُ التي تشهد لدعوى النبوة أنها صحيحة في نفس الأمر ، فلم يطلب بَعْدُ لخبرها وحكمها دليلا أخص في كل موضع ، بل خبرها وحكمها هو عين الدليل الذي به يستدل ، والعقل ، مع ذلك ، لا ينفك يدل على الآية النَّبَوِيَّةِ ، ولو دليل التجويز المحض دون إثبات في نفس الأمر ، فالنبوات قد جاءت بما يحار العقل في حقيقته في الخارج لا بما يحيله من المحال الممتنع لذاته ، فَلَمْ تَأْتِ النُّبُوَّةُ بِشَيْءٍ من ذلك ، فَتُحَمِّلَ المكلَّف ما لا يطيق أن يؤمن بالمحال الذاتي الذي يمتنع في نفس الأمر ، فغايته أن يُفْرَضَ الفرضَ المحض تَنَزُّلًا في الجدال مع الخصم أن يُلْزَمَ بِلَازِمِ قوله المحال ، فلم تأت النبوات بشيء من ذلك ، فتخبر بالمحال الممتنع لذاته ، وإنما أخبرت بما جاز أولا في العقل ، كما قَطْعُ مسافاتٍ طويلة في أوقات يسيرة ، وشاهد الحس في الجيل المتأخر بذا يشهد ، فقد حصل الإنسان منه بعض يصدق ، وقد كان في القديم من المحار الذي لا يدرك العقل حقيقة منه في الخارج تَصْدُقُ ، فكان من الحكمة ألا يُبَادِرَ ، كما بَادَرَ أبو جهل ، فيكذب ويشنع ، وَيُصَيِّرَ ذلك دليلا يُنَفِّرُ ، بل قد كان منه ما يفتن ، فَفُتِنَ من ضعف إيمانه وارتد ، ومن رَسَخَ إيمانه ونصح عقله كما الصديق فقد باشر القياس الصريح ، قياس الأولى آنف الذكر ، فقد اشتغل مبدأ النظر أَنْ حَرَّرَ أدلة الدعوى ، فكان من مسلك النوع والشخص ما قَطَعَ ، فإن كان قال فقد صدق ، إذ ثم من الدليل الأول ما قطع بالصدق يقينا يجزم ، فهو المقلَّد الذي يُؤْمَنُ تَقْلِيدُهُ ، تَقْلِيدَ الوحي المعصوم ، فَفِي تقليده في الخبر والحكم عصمة من الخطإ ، وكذا كان المستند من العقل ، على التفصيل آنف الذكر ، فذلك من الجائز مبدأ النظر ، فالعقل لا يحيله ، وهو ، مع ذلك ، لا يثبته ، وإنما يجوزه مبدأ الأمر التجويزَ المحض ، فلا ينفك يطلب المرجِّح المثبت من خارج ، فكان من ذلك دليل الوحي الناصح ، دليل : "لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ" ، كان منه ما رَجَّحَ في الجائز المحتمل فَصَيَّرَهُ الواجب ، وإن لِغَيْرٍ بما احتف به من قرينة الترجيح المعتبرة ، الخبر الصادق ، فذلك ما به الإثبات لما غاب فجاوز مدارك الحس ، وإن لم يجاوز أولا من حكم العقل ، ولو التجويز المحض ، فلا ينفك يطلب المرجح من خارج ، وإلا كان التحكم ترجيحا بلا مرجح ، فدعوى الإسراء والمعراج من الجائز مبدأ النظر ، فلا تنفك تطلب الدليل المرجِّح الذي يثبتها في نفس الأمر ، فكان من خبر النبوة ما قد رَجَّحَ ، فَأَثْبَتَهَا صحيحةً صادقةً في نفس الأمر ، إذ النبوة وهي الدعوى الأولى ، مما تناوله دليل المسلك آنف الذكر ، مسلك النوع والشخص ، فكان النظر المحقق في نَوْعِ الدعوى ، وهي ما أتت به من الأخبار والأحكام ، وفي شخص صاحبها ، وما عهد من أخلاقه ، فـ : (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) ، فما عهدوا إلا الصدق والأمانة ، حتى صار ذلك لقبا لصاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل البعثة ، فحصل من ذلك ما أَجْزَأَ بَعْدًا فِي التصديقِ ، ولو بِرَسْمِ التقليد ، فهو المحمود حمدا مطلقا ، إذ يُقَلِّدُ صاحبه من عُصِمَ ، وهو المقلِّد المجتهد ! ، إن صح الوصف ، فظاهره التناقض ، وهو ما يَزُولُ إذ الجهة فِيهِ قَدِ انْفَكَّتْ ، فهو المجتهد قَبْلًا أَنْ نَظَرَ في أدلة النبوات ، نَوْعًا وَشَخْصًا ، حتى حصل له من اليقين ما يجزم ، فصارت الحكمةُ ، كلُّ الحكمةِ ، أَنْ يُقَلِّدَهَا بَعْدًا التقليد المطلق ، فَيُصَدِّقَ بخبرها وَيَمْتَثِلَ حكمها ، وهو ما صدقته الشهادة بَعْدًا ، فكان من الجيل المتأخر اكْتِشَافُ آلة بها تُقْطَعُ المسافات الطويلة في أوقات قصيرة ، وبها يُعْرَجُ إلى السماء ، ولو مطلقَ العروج ، فكان من ذلك مثال يُبِينُ عن الجواز ، وليس يَعْدِلُ في الوصف ، فالمعراج الرسالي بداهة يجاوز الحادث في الجيل المتأخر ، وإنما الغرض حكاية الجواز في نفس الأمر ، فكان من ذلك جواز أول في العقل فليس يمتنع ، بل وآخر في الحس بَعْدًا قد حدث ، وقد كان المغيَّب زمن المعراج الأول ، فلم يكن لمن جهل أن يحتج بجهله ، فما غاب عن حسه قد وُجِدَ ، وَوُجِدَ بَعْدًا من المثال في الجيل المتأخر ، ما يشاطره الجنس المطلق ، جنسَ العروجِ ، وإن اختلفت الآحاد في الخارج ، فالمعراج الرسالي قد تَفَرَّدَ بداهة ، وإن حصل الاشتراك في الجنس الدلالي الذي يجرده الذهن ، جنس العروج المطلق ، فَلَيْسَ يَلْزَمُ منه آخر في الحقائق في الخارج ، بل لكلِّ عروجٍ في الخارج حَقِيقَةٌ تُقَيِّدُ ، وهو ما به التفاوت بين الآحاد يثبت ، فمنها ما يدرك الحس ، ومنها ما غاب إذ جاوزه ، ومنها ما كان غَيْبًا لدى الجيل المتقدم ، ثم صار بعدا من الشهادة بما كان من آلة تعرج إلى السماء ، فلم يكن احتجاج الأول أَنْ غَابَ ذلك عنه فلم يدركه بالحس ، لم يكن بحجة على تَالٍ قد شَهِدَ ما لم يشهد ، فمن علم فهو حجة على من لم يعلم ، وعدم وجدان المتقدِّم ذلك بالحس ليس بدليل على عدمه في نفس الأمر ، بل قد يكون منه المغيَّب ، وهو ما تَفَاوَتَ ، فمنه النسبي ، كما العروج المقيد بما كان من آلة عروج تحدث ، ومنه المطلق ، كما العروج الرسالي ، فذلك من الغيب المطلق الذي لم يدركه أحد بالحس إلا من عُرِجَ به إلى السماء ، وهو صاحب الشرع المحكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فشهد بما كشف له من حجب الغيب آيةَ نبوةٍ تَنْصَحُ ، وصار خبره في نفسه هو دليل الدعوى ، إذ ثم من صدق دعواه ما ثَبَتَ أولا ، كما تقدم من مسلك النوع والشخص في باب النبوات ، وتلك الآية المغيبة التي يحار العقل في درك ماهيتها ، وإن لم يُحِلْهَا في نفس الأمر ، فهي من الجائز الذي يطلب المرجِّح من خارج ، فليس عدم العلم بها دليلا على عدمها في نفس الأمر ، بل هي ابتداء من الجائز الذي يحتمل ، وذلك ما لا يخرجها عن حَدِّ العدم ، لا عدم المحال الذاتي الذي يمتنع ، وإنما عدم الجائز الذي يحتمل بعدا الإيجاد بما يكون من سبب من خارج يرجح ، فهو يوجِب ويوجِد ، وثم آخر من الدليل الخبري الذي يثبت ، فهو يخبر بالمحار لا بالمحال ، على التفصيل آنف الذكر ، فلم يكن عجز الحس أن يدرك المغيَّب ، لم يكن ذلك بدليل له يحيل ويمنع ، بل هو الجائز الذي يطلب دليلا أخص من خارج ، إن دليلا يُوقِعُهُ بما كان من سبب يتسلسل ، وهو ما يجاوز حد المشهود إلى المغيب ، حتى ينتهي ضرورة إلى سبب أول لا سبب له يسبق حسما لمادة التسلسل في المؤثرين أزلا ، أو آخر يثبته بما كان من خبر الصادق الذي دَلَّ الدليل يقينا على صدقه ، فكان من حسن الاستدلال أن يشتغل الناظر لدى الابتداء بمعالجة أدلة النبوة الأعم ، لا أن يشتغل بالأدلة الأخص ، وإن كانت مما يَنْفَعُ لا سيما في الأحكام معقولة المعنى التي يحرر العقل مناطها الأخص ، فَيُلْحِقُ بأصولها فروعًا تشاطرها المعنى ، وهو العلة التي يدور معها الحكم وجودا وعدما ، فالأولى مبدأ النظر : الاشتغالُ بالأدلة الكلية التي تُثْبِتُ الأصل ، وهو مما في الجدل يجدي نفعا ، أَيَّ نَفْعٍ ، فلا يقع المجادل عن النبوات في الفخ ، أن يشتغل بِرَدِّ الشبهات الجزئية التي تدق ، فهي مما يُجْهِدُهُ به الخصم ، فيصرفه عما هو أولى أن يعالج أصل الخلاف ، الخلاف في النبوة ، جوازِها مبدأَ النظرِ ، ثم الأدلة التي توجب منها ما صدق ، فذلك الاستدلال الكلي الذي يغني بعدا عن آخر هو الجزئي ، فيجزئ فيه المقال الصديقي : "لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ" ، فإن كانت النبوات قد أخبرت بذلك ، فهو الصدق ، وإن كانت حكمت بذلك فهو العدل ، فَلَهَا من المرجع المحكم ما جاوز العقل والحس المحدث ، وإن لم تُوقِعْهُمَا في الحرج فَتُكَلِّفْهُمَا الإيمان بمحال ذاتي يمتنع ، بل غاية ما به تخبر وتحكم ، أن يكون من الجائز مبدأ النظر ، فلا ينفك يطلب المرجِّح من خارج ، وذلك ، كما تقدم ، دليل الوحي النازل الذي يفصل في الخصومات كافة ، الخبرية والإنشائية ، برسم : "لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ" ، فذلك مدلول النص المصحح والقياس المصرح الذي يوجب الرد لمرجع من خارج يجاوز الحس والعقل المحدَث ، إن المفرد أو المجموع ، فالعقل المجموع وإن جاوز العقل المفرد ، فصدق فيه أنه مرجع من خارج يحكم ، إلا أنه ، لو تدبر الناظر ، لا يجاوز هذا الوجود المحدَث ، فلا يسلم من الخطإ والفساد بما يَطْرَأُ من العوارضِ ، أهواءً وحظوظًا تَتَدَافَعُ ، ولكلِّ أمَّةٍ من العقل المجموع ما عنه تصدر ، وهي به تدافع غيرا ، وكلٌّ يَزْعُمُ لنفسه الصحةَ المطلقة ، ويعتقد في المقابل خطأَ غيرِه ، فاستوت الدعاوى في الحد ، وتعارضت في الوجه ، فلا يحسم الخصومة بَيْنَهَا إلا مرجع من خارج يجاوزها ، وإلا فلكلٍّ عقل ، إن الفرد أو الجمع ، وذلك ما نهجت الحداثة المتأخرة ، فَصَارَ الفرد هو الأصل ، وهو ما اصطلح بعضٌ أنه الانغماس الذاتي الذي لا يرى صاحبه إلا ذاته المشخصة أو المعتبرة ، فَثَمَّ لَذَّاتُ الحسِّ التي تَتَنَاوَلُ الذات المشخصة ، وثم لَذَّاتُ المعنى التي تَتَنَاوَلُ الذات المعتبرة ، فالفرد هو الأصل الذي لأجله تكون الفكرة والحركة ، فلا مرجع من خارج يجاوزه ، وذلك الطغيان الذي يجاوز الحد ، أَنْ يَصِيرَ المخلوق المحدث ، والفقر فيه وصف ذات لا يعلل ، أَنْ يَصِيرَ هو مرجع الفكرة والشرعة ، وهو لا ينفك يتأول من ذلك ما يواطئ الهوى والحظ ، إذ يطلب منه ما يسد فاقته ، ويكمل نقصه ، وذلك ، بداهة ، مما لا تؤمن حكومته في فكرة أو حركة ، إذ لا يسلم الناظر من تهمة التأويل الذي يُسَوِّغُ ما به حصول حاجته ، ولو خالف عن المحكم من الشرائع ، فَيَتَنَاوَلُ كليَّاتٍ ظاهرها حق ، وَيُضَمِّنُهَا من باطن التأويل ما هو باطل محض ، فَثَمَّ من خاصة الطغيان ما جاوز الحد بما حَصَّلَ الإنسان من أسباب المعنى والحس ، وهي ، كما تقدم في موضع ، شاهدة بِضِدٍّ ، إذ تحكي من الافتقار الذاتي ما لا يُعَلَّلُ ، وهو ما يُبْطِلُ دعوى الطغيان والتأله ، فكان من ذلك ما عَمَّتْ به البلوى في جيلِ الحداثةِ المتأخر ، وله من الأصل ما به اخْتُصَّ قَبِيلٌ من الخلق قد وجد من عسف الأحبار والكهنة أن بَدَّلُوا الدين وَحَرَّفُوا ، فَأَوْقَعُوا العقل في الحرج ، أي حرج ! ، إذ يُعْرَضُ عليه المحال الذاتي الذي يمتنع ، كما مقال التثليث آنف الذكر ، وما كان من حلول واتحاد ، وهو ما جاوز به الأحبار والكهنة الحسَّ إلى المعنى ، فَثَمَّ روحُ تشريعٍ قد حلت في الكاهن الذي صار إلها يطغى بما حصل له من سبب تأويل يبطن ، وبه استجاز الزيادة والنقص ، فله من وصف الإثبات والنفي ، الإباحة والحظر ، له من ذلك ما أُطْلِقُ ، فما عقده في الأرض فَلَيْسَ في السماء يُحَلُّ ، وما حَلَّهُ في الأرض فَلَيْسَ في السماء يُعْقَدُ ، إذ له من وصف المشرِّع ما أطلق ، طغيانا في الوصف ، وإنما الأمر عنده من الأرض لا من السماء ، وإن انْتَحَلَ النبوات والأمر فيها من هَا هُنَا ، من السماء إلى الأرض ، فكان من ذلك ، لو تدبر الناظر ، مِثَالُ حَدَاثَةٍ يَنْفِي المرجعَ المجاوِزَ من خارج ، وَإِنِ انْتَسَبَ ، ولو بأصل الرسالة ، إلى الديانة ، فَقَدْ أَتَى بِضِدٍّ لها من مادة حداثة أولى ، أن صار الإنسان في الأرض هو المصدر والمرجع ، فلا مرجع يجاوزه من خارج ، فتلك دعوى الحبر والكاهن الذي اتخذه الأتباع رَبًّا وَإِلَهًا ، وإن كان المحدَث في الأرض ، فهو يطلب أَوَّلًا يَخْلُقُ وَيُدَبِّرُ ، وذلك مما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى أول لا أَوَّلَ قَبْلَهُ ، له من الوجود : وجود أول يَثْبْتُ ، ووصفه الكمال المطلق ، وهو الذَّاتِيُّ الذي لا يُعَلَّلُ ، الغائب الذي لا يُدْرَكُ بالحسِّ ، وإن دل عليه العقل المصرَّح بَادِيَ النظر ، فتلك دلالة الضرورة حسما لمادة التسلسل في المؤثرين أَزَلًا ، فالإنسان عامة ، محدَث بعد عدم ، وإن كان ثم وُجُودٌ أول ، فهو وجود في علم التقدير المحيط ، وهو وصف الرب الأول ، جل وعلا ، فليس يَثْبُتُ بِهِ وجودٌ لمخلوق يَقْدُمُ ، بل وجود المخلوق محدَث بعد أن لم يكن ، وإن كان ثم تقدير أول في الأزل ، وحدوث الإنسان بعد عدم ، مما يحكي ضرورة أولا هو السبب ، وهو ما يَتَسَلْسَلُ حتى ينتهي ضرورة إلى الخالق الأول ، فَلَا أَوَّلَ قَبْلَهُ ، فحصل من ذلك قسمة في الخارج ذات شطرين ، وبها حسم مادة الطغيان المجاوِز ، فَثَمَّ الجائز من المخلوق المحدَث في حد ، وثم من الحس ما يعالج حقيقته في الخارج ، وما ثَبَتَ من آيٍ محكَم في الخلق والتدبير ، فكان من ذلك الإتقان والإحكام الذي يطلب أولا يُتْقِنُ وَيُحْكِمُ ، فيكون من ذلك التسلسل آنف الذكر الذي يَنْتَهِي ضرورةً إلى الخالق الأول ، جل وعلا ، فحصل من فَقْرِ الإنسان عامة إلى المقدِّر الموجِد المتقِن المدبِّر ، حصل من ذلك ما يبطل ضرورة رَدَّ الأمر إلى مخلوق محدَث في الأرض ، إذ وصف ذاته الفقر ، ولو إلى الموجِد من العدم ، وذلك أصل به يُحَاجُّ قَبِيلُ الإنسان عامة ، والطاغوت الذي تَأَلَّهَ خَاصَّةً فَصَيَّرَ نَفْسَهُ المرجع المجاوز ، كما الحبر والكاهن الذي تَحَكَّمَ في مسائل التشريع بما ادَّعَى من حلولٍ واتِّحَادٍ ، ولو بالمعنى لا بالحس ، فَثَمَّ من روح التشريع ما بِنَاسُوتِهِ قَدْ حَلَّ ، وَتِلْكَ دعوى من جنس الدعوى التي غَلَتْ في المسيح ، عليه السلام ، أَنْ حَلَّ اللاهوت الأعلى في ناسوته الأدنى ، فالإنسان عامة ، والحبر والكاهن خاصة ، لهما من وصف الفقرِ الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ، وَإِنْ في الإيجاد لدى المبدإ بعد تقدير هو الأول ، مع فَقْرٍ تَالٍ إلى الأسباب ، ولو التي بِهَا حفظ الأعيان في الخارج ، فَلَهُمَا من ذلك الوصف ، فَقْرُ الذَّاتِ الذي لا يُعَلَّلُ ، لهما منه ما يَنْفِي دعوى الطغيان والتأله ، أَنْ يُصَيِّرَ الإنسانُ ذاتَه هي المرجع ، إذ حَلَّتْ فيه روح التشريع ، وهي وصف من أوصاف الأول ، فَحَلَّتْ فِيهِ الكلمة أو أُقْنُومُ العلمِ ، إِنِ الأخصَّ ، كما دعوى المثلِّثة في المسيح ، عليه السلام ، أنه الأقنوم الثالث ، أقنوم الكلمة والعلم ، أو الأعم ، كما ادعى الأحبار والرهبان فَصَيَّرُوا أنفسهم الأرباب الَّتِي تُحِلُّ وَتُحَرِّمُ ، دون رجوع إلى مرجع من خارج يجاوز ، فقد حَلَّ فيهم المرجع من أعلى ، فصار لهم من وصف التشريع ما يُطْلَقُ ، فهو الذاتي الذي لا يُعَلَّلُ ! ، فَصَيَّرَ الإنسانُ ذاتَه هي المرجع ، إذ حلت فيه روح التشريع ، وهي وصف من أوصاف الأول ، فَحَلَّتْ فيه الكلمة أو أقنوم العلم ، أو قد حَلَّ فيه الإله وهو ما كان أولا من غلو آخر لدى فئام من المثلثة ، فقد حل اللاهوت الأعلى في ناسوت المسيح الأدنى ، مع ما تَقَدَّمَ من مخالفة ذلك للنقل المصحَّح والعقل المصرَّح ، فكل أولئك ، وَإِنِ انْتَسَبَ إلى الرسالة ، فقد مَهَّدَ بعدا لما كان من الحداثة ، أن يصير الإنسان هو المرجع الذي يحكم حكومة الإطلاق فلا يخضع لمرجع مجاوز من خارج ، فقد حل فيه المطلق الأعلى .

والله أعلى وأعلم .

رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 12 )
المدير العام
رقم العضوية : 37
تاريخ التسجيل : Sep 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 3,604
عدد النقاط : 10

عبد الله زيد غير متواجد حالياً

افتراضي

كُتب : [ 05-22-2024 - 10:32 PM ]


جزاك الله خيراَ

رد مع اقتباس
 
 رقم المشاركة : ( 13 )
عضو جديد
رقم العضوية : 10053
تاريخ التسجيل : Feb 2024
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 11
عدد النقاط : 10

مهاجر أحمد غير متواجد حالياً

افتراضي

كُتب : [ 05-30-2024 - 06:56 PM ]


وجزاكم وباركم فيكم ونفعكم ونفع بكم أستاذنا الكريم .

وَثَمَّ من ذلك ، كما تقدم في موضع ، ما اقْتَرَحَ بَعْضٌ في مُثُلِ السياسة المحدَثة ، فكان منه ما اصْطُلِحَ أَنَّهُ الدولة الإله التي حَلَّ فيها المطلق الأعلى ، أو قد حَلَّ في عِرْقٍ أو فِي عُنْصُرٍ ، أو شَعْبٍ قد اختاره فَصَيَّرَهُ السيد ، ولو تحكما في الدعوى ، فكان من ذلك أطروحة في السياسة المحدَثة قد حملت اسم نهاية التاريخ والإنسان الأخير ، فَثَمَّ تحكم في مقالِ تَطَوُّرٍ محدَث ، لم يجاوز حَدَّ الفرض المجرد في الذهن ، فقد نشأ هذا الكون المحدَث من مادة أولى تدقُّ ، وهي بسيطة غير مركبة ، قد وجدت دفعةً بلا موجِد ، ثم كان من الخبط والعشواء ما لا محرِّك له ، ولو المحرِّك المجبور بلا إرادةٍ تُرَجِّحُ ، فَثَمَّ من الجبر ما لا علم له يَسْبِقُ ، فيكون من ذلك تقدير أول ، فذلك في نَفْسِهِ حكاية الاختيار ، فمنه التقدير قَبْلَ التَّرْجِيحِ ، فالتقدير لا يخلو من إِرَادَةٍ تُخَصِّصُ ، وثم أخرى بَعْدًا تُرَجِّحُ ، فيكون من كلٍّ اختيارٌ يَمِيزُ المقدورَ من غَيْرٍ ، فلم يكن ثم علم أول يَسْبِقُ ، ولا إرادةٌ بَعْدًا تُخَصِّصُ ثُمَّ تُرَجِّحُ ، فليس ثم إلا مادة أولى بسيطة لا حياة فيها ولا اختيار بإرادة ، فذلك ما استوجب علما أول يُقَدِّرُ ، ثم إرادةً بَعْدًا تُرَجِّحُ ، فَثَمَّ موجود بسيط ساذج قد وُجِدَ بلا موجِد أول هو الفاعل ، وَثَمَّ آخر من التحكم تَرْجِيحًا بلا مرجِّح أن كان ثَمَّ حركة في هذا الأول البسيط الساكن ، فَثَمَّ حركة بلا محرِّك ، وثم انقسام بلا مقسِّم ، وَثَمَّ تَرَاكُبٌ بلا مركِّب ، وثم تخصيصٌ في الخلق بلا إرادةٍ تُخَصِّصُ ، ولا علم أول يقدر الموجودات على ماهيات مخصوصة بَعْضُهَا من بَعْضٍ يمتاز ، فَثَمَّ التخصيصُ بِعِلْمِ التقديرِ الأول ، وثم آخر بالإرادةِ الَّتِي تُرَجِّحُ ، فهي تميز الموجودات في الخارج فَرْعًا عَنِ امْتِيَازِ المقدوراتِ في العلم الأول المحيط ، فَيَكُونُ مِنَ الإرادةِ التي تُرَجِّحُ : تأويلٌ لِمَا سَبَقَ مِنَ العلمِ المقدِّر ، فَثَمَّ من الفرض ما لا يخلو من جُمَلِ تَحَكُّمٍ لو تدبرها الناظر ما انْقَضَى منه العجب ! ، مع آخر قد ظهرت آثاره في السياسة المحدَثة ، فإنها تأويل لأول من الفكرة الباعثة ، فَعَنْهَا تصدر القوى الفاعلة ، فهي الحكم ولا بد له من تصور أول ، فذلك العلم الذي يسبق ، فالإرادة بعدا تصدق بما يكون من آحاد منها تحدث ، وبها خروج المقدور من العدم إلى وجودٍ تَالٍ يُصَدِّقُ ، وذلك أصل قَدْ اطَّرَدَ فِي كُلِّ فعلٍ ، فلا بد من أول من العلم ، وإلا كانت الحركة طبعا بلا عقل ، فهي الاضطرار في الحركة والسكون ، كما النار التي تحرق بالطبع ، فلا إرادة لها تُرَجِّحُ ، وإنما الإرادة إرادة من يحرق بها فَيُسَلِّطُهَا على محروق دون آخر ، فَلَهُ علم أول يقدر ماذا يحرق ، ولم يحرقه ، وما يكون من نِتَاجِ الحرق ، أينفع أم يضر ، أيحسن أم يقبح ، أيحل أم يحظر ..... إلخ من المعاني الأخص التي لا تقوم بداهة بعلة فاعلة بالطبع ، فلا تقوم هذه المعاني إلا بِحَيٍّ له من العلم ما به تقدير أول ، وله من الإرادة بعدا ما يخصص ويرجح ، فالعلم يقوم بالحارق ، لا بالنار التي تحرق ، فهي المسلَّطة التي تحرق بما ركز فيها من القوى طبعا ، فلا عِلْمَ به تُقَدِّرُ ، ولا إرادة بها تُرَجِّحُ ، فإذا سُلِّطَتْ على ما اسْتَحَقَّ الحرق أو كان حرقه يَنْفَعُ ، فهي تحرق بالطبع المركوز فيها ، وإذا سُلِّطَتْ على آخر لم يستحق أو كان حرقه يضر ، فهي تحرق ، أيضا ، بالطبع ، فلا تميز بداهة الحسن من القبيح ، المباح من المحظور ..... إلخ ، وَقُلْ مِثْلَهُ فِي السِّكِّينِ الَّتِي تَقْطَعُ بِمَا رُكِزَ فِيهَا من القوة والطبع ، فإذا سُلِّطَتْ لِتَذْبَحَ باسم الله هديًا بالغَ الكعبةِ أو آخر من الأضحية أو العقيقة ..... إلخ ، مما شُرِعَ ذبحه قُرْبَةً أو آخر يُذْبَحُ للأكلِ أو الصدقةِ ، فإذا سُلِّطَتْ لِتَذْبَحَ على هذا الوجه ، فهي تذبح ، وهو مما يحمد ، لا حَمْدًا إِلَيْهَا يَتَوَجَّهُ ، وإنما يُمْدَحُ الذَّابِحُ ، وكذا من يعالج بها ظالما في موضع قصاص أو دفع لصائل أو جهاد لعدو غاصب ، أو آخر من الطلب الذي يجاوز ، فيكون منه فَتْحٌ وَنَصْرٌ للديانة ، فكلُّ أولئك مما يُحْمَدُ ، وإذا سُلِّطَتِ السكينُ نَفْسُهَا أَنْ تَذْبَحَ بِاسْمِ آخر سوى الرب الخالق ، جل وعلا ، أو تَذْبَحَ لغيره ولو جهرت باسمه ، فَثَمَّ من النية والقصد ما يخالف الإهلال الظاهر ، أو أن تقتل أو تطعن ظُلْمًا ، فذلك مما يَقْبُحُ ، والسكين هي السكين ، فلم يَتَبَدَّلْ من مَاهِيَّتِهَا شيءٌ ، فَمَا حَسَّنَ فِعْلَهَا في موضع وَقَبَّحَهُ في آخر ، إلا أن يكون ثم مرجع من خارج يجاوز هذا الجماد الذي لا حياة فيها ولا إرادة ، فلا بد من أول يمسكه ، وله من العلم ما به يُقَدِّرُ الغاية من الذبح أو الطعن ، وله من الإرادة ما يُرَجِّحُ ، فلا يكون الفعل إلا عن أول له من الحياة وصف أول ، والحياة أصل الصفات كافة ، الذاتيةِ أو الفعليةِ ، وله من العلم بَعْدًا ما به التقدير ، وله من الإرادة تال به الترجيح ، وبه خروج المقدور من العدم إلى الوجود المصدِّق ، وليس ذلك مما يحدث في الخارج ، فيواطئ أولا من علم الحارق أو الذابح ، فقد فَكَّرَ وَقَدَّرَ ، وكان من العلم بالغاية والعاقبة ما عنه يصدر ، صَحَّ العلم أو فَسَدَ ، فَقَدَّرَ تقديرَ الحكيم أو تَعَجَّلَ فهو السفيه ، فَلَهُ من العلم أول ، ولو ساذجا لا ينصح كما الصغير الذي يَلْهُو بالنار أو يمسك السكين فَيَجْرَحُ يدَه أو قدمَه ...... إلخ ، وثم من الإرادة تال يُرَجِّحُ ، فَهُوَ يَتَأَوَّلُ ما قام بالنفس من العلم والتصور ، فحركة الخارج له تصدق ، وهي تأويل في الخارج يَنْصَحُ التقدير الأول ، فَثَمَّ العلم الذي يُقَدِّرُ ، صح أو فسد ، وثم الإرادة التي ترجح ، وثم المقدور في الخارج فهو بعدا يحدث ، وهو لتقدير أول يصدق ، ولا يكون إلا أن يُسْتَوْفَى شرط من خارج ، وَيَنْتَفِيَ المانع ، فلا يكون من ذلك ما يمنع النار أن تحرق ، سواء أكان ذلك سببا في العادة يطرد ، كما معالجة النار لجرم صلب من جوهر أو نحوه ، فلا تُؤَثِّرُ فيه النار ، أم كان منه إعجاز ، فتلك آية أو كرامة ، كما النار لم تحرق الخليل ، عليه السلام ، إذ كان من المانع أَنْ : (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا) ، وذلك من القول الذي يثبت باللفظ والمعنى ، فَثَمَّ من المقول بعدا ما يبين عما أجمل مبدأَ القول ، وذلك مقام إعجاز يخالف عن العادة ، فكان منه الآية الباهرة ، وهو ما حَسُنَ لأجله الإسناد إلى ضمير الجمع ، فَثَمَّ تعظيم في الوصف ، وثم آخر يحكي من الوصف ما تعدد ، وإن كان ثم موصوف واحد في الخارج يثبت ، فهو الرب المهيمن ، جل وعلا ، فثم من قوله الأعم ما استغرق المقدورات الكونية كافة ، فـ : (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، وثم آخر أخص كما في هذا الموضع ، وذلك ما لا يكون إلا بعلم أول يقدر ، وتال من الإرادة يرجح ، ولا يخلو من دلالة الحكمة الأخص ، الحكمة في التقدير ، وآخر من القدرة ينفذ ، وإن خالف عن المطرد من العادة ، كما إبطال القوة الحارقة في النار بل وصيرورتها على ضد من البرد الذي استوجب القيد سلامةً وإلا تأذى الخليل ، عليه السلام ، من بَرْدِهَا ، فالآية قد أعجزت إذ خالفت عن الأصل الأول ، بل وآلت إلى ضد يَنْقُضُ ، فصار من النار بَرْدٌ لا حر ، سلامة لا أذى ، فكان من ذلك ، أيضا ، رحمة بالخليل ، عليه السلام ، فَثَمَّ من كل أولئك : وصف يكثر وإن كان الموصوف واحدا في الخارج لا يَتَعَدَّدُ ، وهو الرب الخالق ، جل وعلا ، فالحقيقة تحصل في الخارج بما يكون من الذات وما يقوم بها من الوصف ، إن جمالا أو جلالا ، وبهما الكمال المطلق في الخارج يثبت ، وهو محل انفراد قد وجب إفراد الله ، جل وعلا ، به توحيدا في الاسم والوصف والفعل والحكم .

فذلك مانع تكوين ينفذ بما يكون من آي عناية بأبي الأنبياء ، عليه السلام ، وهو إمام التوحيد الذي نَصَحَ ، فكان من آي التكوين النافذ ما نَصَرَ ، وإن خالف عن العادة التي تطرد ، وكذا ما كان من ذبح إسماعيل ، عليه السلام ، فأجرى الأب السكين على رَقَبَةِ الابن ، وشد واجتهد ، فلم تُقْطَعْ آيةً أخرى تُعْجِزُ ، وكان من الفداء ما عَظُمَ في القدر والوصف ، فـ : (فَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) ، فصدق الخليل ، عليه السلام ، الرؤيا ، وهي من الأنبياء حق ، فذلك وحي ، وإن رؤيا في المنام لا اليقظة ، فتلك خاصة من خصائص النبوة ، فمن وحيها الرؤيا كَمَا استقرأه أهل الشأن من الآي والخبر ، وعمدته ما كان من الذكر المحكم ، فـ : (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) ، والقصر فيه ، لو تدبر الناظر ، مما يجري مجرى الإضافة إذ يَتَنَاوَلُ الأنواع الرئيسة ، فلا يقصر الحقيقة على المذكورات ، فَهِيَ الأنواع الرَّئِيسَاتُ ، فَثَمَّ أخرى دونها في القدر والوصف ، قد عُلِمَتْ باستقراءِ نصوصِ من الخبرِ والأثرِ تَصْدُقُ ، فكان من ذلك الاستقراء الناصح الذي اجتهد في الجمع ، إن من الآي أو من الخبر ، حتى حصل من ذلك قسمةٌ في الخارج تَتَنَاوَلُ أنواع الوحي ، ومنه الرؤيا آنفة الذكر التي صَدَّقَهَاَ الخليل ، عليه السلام ، فكان من ذلك التكليف الذي بَاشَرَ ، وإن لم يقع الفعل مصدِّقا في الخارج ، إذ ثم من المانع ما ثَبَتَ ، وإن خالف عن الطبع الذي اسْتَقَرَّ ، فتلك الآية المعجِزة ، إن في الحرق أو في الذبح آنف الذكر ، ودونها كَرَامَةٌ لولي كما أبو مسلم الخولاني ، وقد رام الأسود العنسي حرقه ، فَنَجَّاهُ الله ، جل وعلا ، فكانت كرامة لولي ، بل قد يكون ثم ثالث تعظم به البلوى لمن لا حظ له من العلم الذي يميز الصحيح من الباطل ، فقد يكون من ذلك خارقة تجري على يد غَوِيٍّ ، فَيُبْتَلَى بها الخلق أيميزون الباطل من الحقِّ ، فَيَنْظُرُونَ في حاله أَعَلَى الجادة أم عنها يخالف ، وقد يكون من ذلك مانعٌ يُدْرَكُ بالحسِّ ، وإن خفي على الجمع الناظر ، فيعالج صاحب الخارقة جسده بما يُبْطِلُ أَثَرَ النار ، وهو مما دَقَّ وَلَطُفَ من الدهان أو نحوه ، كما تحدى بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ جَمْعًا من أولئك قد عالجوا أجسادهم قبل دخول النار بما يمنع أَثَرَهَا ، فتحدى أَنْ يَغْتَسِلَ كلٌّ بما يُذْهِبُ الأثرَ ، كالخل أو نحوه فهو يُبْطِلُ ما عالجوا به أبدانهم ، فَنَكَصُوا إذ ثَمَّ الافتضاحُ والاحتراقُ ! ، والشاهد أن ثم المجموع المركب الذي عنه الفعل الإرادي يَصْدُرُ ، فَثَمَّ المحل الذي يعالج ، وثم السبب الذي يُبَاشِرُ ، وثم الشرط الذي يُسْتَوْفَى ، وثم المانع الذي يُنْفَى ، وثم علم أول يُقَدِّرُ قَبْلَ الشروع في الفعل ، وثم إرادةٌ بَعْدًا تُرَجِّحُ ، ولا بد لها ، أيضا ، من شرطٍ يُسْتَوْفَى ومانعٍ يُنْفَى ، فذلك المجموع المركب الذي اصطلح أنه العلة ، ولا بد لها من أولى تَسْبِقُ ، فهي العلة المفتقِرة إلى أَجْزَائِهَا ، فَبَعْضُهَا يُكْمِلُ بَعْضًا ، وفواتُ بَعْضٍ يُبْطِلُ الأثر ، كالشرط الذي يَلْزَمُ ، وإلا تخلَّف المشروط إذ تخلَّف شرطه ، فهي العلة المفتقرة إلى شرط من خارج يجب استيفاؤه ، وإلى مانع يجب انتفاؤه ، وهي ، أَيْضًا ، مِمَّا يَفْتَقِرُ إلى علة أولى تَسْبِقُ ، وهو ما تَسَلْسَلَ حَتَّى انْتَهَى ضرورةً إلى سقفٍ من الشهادة لا يجاوز ، وليس به حسم المادة التي تمتنع في الذهن ضرورةً ، مادة التسلسل في المؤثرين أزلا ، فلا بد من أول لا أول قَبْلَهُ ، فكان من ذلك سبب مغيَّب ، وهو ، أيضا ، مما يَتَسَلْسَلُ حتى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى أول لا أول قَبْلَهُ ، وبه حسم مادة التسلسل ، ولو في آحادٍ من فعلِ البشر كَحَرْقٍ أو قَطْعٍ ! ، فلا يكون إلا عن أول حَيٍّ له من العلم ما به التقدير ، وله من الإرادةِ مَا بِهِ التَّرْجِيحُ ، وهو ما يَبْلُغُ بِهِ النظر المحكم أولا لَا أَوَّلَ قَبْلَهُ ، فهو العلة التامة التي لا تَفْتَقِرُ إلى غير ، بل كلٌّ إِلَيْهَا يَفْتَقِرُ أَنْ يُوجِدَ وَيُدَبِّرَ بما يجري من السنن المحكم ، ولا يكون ذلك ، بداهة ، عن عِلَّةٍ فاعلةٍ بالطبع مجرَّدةٍ من الوصف ، فلا علم به التقدير ولا إرادة بها التخصيص والترجيح ، وإنما عشواء تخبط ! ، فذلك مما لا يستقيم ، ولو في آحادٍ مِنْ فعلِ البشرِ تَحْرِقُ أو تَقْطَعُ ، فَلَيْسَ من النار أو السكين إلا عِلَّةٌ فاعلة بالطبع والقوى التي فيها قد رُكِزَتْ ، فَهِيَ الأسباب التي تَفْتَقِرُ إِلَى أول يُقَدِّرُ ، فَيُعَالِجُ بها المحال ، ولا يكون ذلك إلا بِإِرَادَةٍ تُرَجِّحُ ، فَتُخْرِجُ المقدورَ من العدمِ إلى وجودٍ تال يُصَدِّقُ ، فَوَجَبَ الرَّدُّ إلى علمٍ وإرادةٍ ، وَإِنْ مخلوقانِ محدَثان ، فَلَا يَنْفَكُّ كُلٌّ يَطْلُبُ أَوَّلًا من العلة يَسْبِقُ ، وهو ما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى علة تامة لها من أولية الفعل والتأثير ما أُطْلِقَ ، فكل علة دونها فهي تَنْقُصُ ، إذ تَفْتَقِرُ إلى أول يَسْبَقُ ، وإلى شرطٍ يُسْتَوْفَى ، وإلى مَانِعٍ يُنْفَى ، لا كما العلة الأولى التامة ، وليس من تمامها بداهة أن تكون فاعلة بالطبع مجردة من الوصف ، فلا علم ولا إرادة ، فذلك ما يعدل في الحد : العدم ، وإن تَلَطَّفَ بَعْضُ مَنْ جَرَّدَهُ فِي الذهنِ أَنْ أَثْبَتَ له كُلِّيًّا من العلمِ ، فهو المجمل الذي لا يحيط بالمقدورات ، وَأَثْبَتَ له من الفعل : التَّرْجِيحَ بالاضطرار لا بالاختيار ، فذلك ، لَوْ تَدَبَّرَ الناظر ، عدم أول ، إذ قد غَلَا في التجريد حتى أَثْبَتَ منه المطلق بشرطِ الإطلاقِ ، فأنى يكون له في الخارج حقيقة تُصَدِّقُ ، فهي لِمَا أُطْلِقَ في الذهن تُقَيِّدُ ، فلا يوجد في الخارج إلا المقيَّدات التي تحصل من الذات وما يقوم بها من الاسم والوصف والفعل والحكم ، ولو أَدْنَى مخلوقٍ يَصْدُقُ له في الخارج وجود ، فلا بد من قَيْدٍ ، فَلَيْسَ ثَمَّ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ الإطلاقِ إِلَّا فِي الذهن الذي يُجَرِّدُ ، فذلك على وصفِ العدمِ حتى يكون ثم في الخارج قيد يميز ، فهو كالفصل في الحد والتعريف إذ يُقَيِّدُ ما يكون أولا من جنس عام في الحد والتعريف ، فيكون من الفصل ما يميز آحاد المحدودات المعرَّفات في الخارج ، وإن كان ثم اشتراك في الجنس الدلالي المجرد في الذهن ، فلا يلزم منه آخر في آحاد تَثْبُتُ فِي الخارجِ ، فلا يكون ثَمَّ وجودٌ تَالٍ يُجَاوِزُ إلا أن يكون ثم من القيد ما يميز ، فهو يميز آحاد الجنس المجرد في الذهن ، كما المثل يُضْرَبُ بِجِنْسِ الوجودِ المجرَّدِ في الذهن ، فَلَيْسَ ثم في الخارج وجود بشرط الإطلاق ، بل ثم من القيد ما يميز ، كما الوصف ، فَثَمَّ وجود واجب ، وآخر هو الجائز ، فَامْتَازَ الخالقُ الأوَّلُ ، جل وعلا ، وهو واجب الوجود لذاته ، من الجائز وهو ما سِوَاهُ مِنْ هَذَا الوجود المخلوق المحدَث ، وذلك أصلٌ به إِبْطَالُ ما قد عَمَّتْ به البلوى في كُلِّ جيلٍ ، الحلول والاتحاد ، إن في الحس أو في المعنى ، وهو محل شاهد تقدم بما كان من غلو بعض في الجيل المتأخر ، فكان الغلو في مُثُلٍ من السياسةِ المحدَثة كما الدولة التي احتكرت أسباب الحياة في الخارج ، فَلَا يَثْبُتُ مولود إلا في قَيْدِهَا ! ، وإلا فَهُوَ عَدَمٌ لم يوجد ، وَإِنْ وُجِدَ في الخارج وُجُودًا يُدْرَكُ بالحسِّ ، فَلَيْسَ ثَمَّ تال من الإثبات في القيد والسجل ! ، فهو المعتبر في مثال الدولة إذ احتكرت الأسباب كَافَّةً ، فكان من ذلك وصف الإله الذي الْتَمَسَ له المتألِّه ! ، مثالا من الفكرة يُبَرِّرُ ، فكان من ذلك حلول المطلق الأعلى في مثال الدولة الذي لا يُدْرَكُ بالحسِّ ، وَإِنْ وَجَدَ الناظرُ آثارَه في الخارج بما احتكرت الدولة من أسباب القوة والتأثير ، فلم يكن من الجمع إلا قَطِيعٌ تسوق ، ولو إلى المهالِك والحتوفِ ، فَقَدْ جُرِّدَ من أسباب بها يَظْهَرُ ، وَلِطُغْيَانِ السلطةِ يَدْفَعُ ! ، فلم يكن إلا العبد المذلَّل الذي استبدل الذي هو أدنى من العبودية المحدَثة بالذي هو خير من العبودية المنزلة ، وهي ما جاءت به الرسالة فَأَبْطَلَتْ مَا اقْتَرَحَتِ الحداثة من مِثَالِ الحلولِ والاتحادِ الذي لا يميز الواجب من الجائز ، فيخالف عن الضرورات والبدائه ، إن في الخلق أو في الحكم ، فَثَمَّ من المثال مَا تَنَاوَلَهُ أهل الشأن في باب الخلق ، وهو أول ، بما تَقَدَّمَ مِنْ قِصَّةِ الحداثةِ في الخلق الأول ، وقد خالفت فيها عن مقدماتِ ضرورةٍ في العقل والفطرة ، بل والحس الذي اتخذته مرجعا في الإثبات والنفي ، فإنه يعالج من الموجودات فِي الخارج مَا امْتَازَتْ أَعْيَانُهُ ، وإن كانت جَمِيعًا من الجائز ، فَثَمَّ من العلم ضرورةً أن أعيانها تمتاز مِنْ بَعْضٍ ، فليست واحدة بالعين ، وإنما يصدق فيها أنها واحدة بالجنس بالنظر في جنس الوجود المطلق الذي يُجَرِّدُهُ الذِّهْنُ ، وواحدة بالنوع ، بالنظر في نوع الوجود الجائز المحدث ، فَثَمَّ قَيْدُ الجائز إذ استوى طرفاه في الاحتمال ، وَاسْتُصْحِبَ منه عدم أول في الخارج ، وإن كان ثَمَّ تَقْدِيرٌ أول يَثْبُتُ ، فهو من علم التقدير الذي يسبق ، وذلك ما تَنَاوَلَ المقدورات كافَّةً في الأزل ، فكان منه قديم القدمَ المطلق ، فذلك علم التقدير الأول ، وهو حتم لازم إذ به ما تَقَدَّمَ في مواضع من حسمٍ لمادة في القياس المصرح تَمْتَنِعُ ، مادة التسلسل في المؤثرين أزلا ، فلا بد من أول لا أول قَبْلَهُ ، وَلَهُ مِنَ الوصفِ : وصف الواجب لذاته ، فلا يفتقر إلى سبب من خارج ، وَأَوَّلِيَّتُهُ مما عَمَّ فَاسْتَغْرَقَ الذاتَ وما يَقُومُ بِهَا من الاسم والوصف والفعل والحكم ، وَإِنْ أَنْوَاعًا من الفعل والحكم تَقْدُمُ ، فإن من آحادها بَعْدًا ما يحدث ، وَمَرَدُّهُ إلى مَشِيئَةٍ تَنْفُذُ ، وفيها ، أيضا ، يَصْدُقُ وصف الفعل أنه مما قَدُمَ في النوع ، وَحَدَثَ من آحادِه في الخارج بَعْدًا ما يُصَدِّقُ ، فَثَمَّ أصل في باب الأفعال الإلهية يُسْتَصْحَبُ ، وهو قِدَمُ النَّوْعِ وَحُدُوثُ آحادٍ بَعْدًا تُصَدِّقُ ، ومنها آحاد المشيئة ، وبها تَرْجِيحٌ في الأفعال والأحكام ، فمردها جميعا إلى كلمات ، فَثَمَّ من المشيئة آحاد تَنْفَذُ ، وعنها آحاد من الكلمات تصدر ، وهي العلة الأولى في الخلق والشرع ، فلا عِلَّةَ لها تَسْبِقُ ، وهي التامة فلا تفتقر إلى غير ، كما أخرى دونها ، فَهِيَ ناقصة تَفْتَقِرُ إلى أول يسبق ، وثم من الشرطِ ما وَجَبَ اسْتِيفَاؤُهُ ، والمانعِ ما وَجَبَ انْتِفَاؤُهُ ، عَلَى تَفْصِيلٍ تَقَدَّمَ في مثالِ الحرقِ بالنارِ والقطعِ بالسكينِ ، وعلى هذا فَقِسْ فِي سَائِرِ الْعِلَلِ الناقصة ، سواء أكانت فاعلة بالطبع كما النار والسكين ، أم فاعلةً بِعِلْمٍ يُقَدِّرُ وإرادة بَعْدًا تُخَصِّصُ وَتُرَجِّحُ ، فَكُلُّهَا مما تَرَكَّبَ من أجزاء بَعْضُهَا يَفْتَقِرُ إِلَى بَعْضٍ ، فَثَمَّ المحل الذي يعالج ، والسبب الذي يُبَاشِرُ ، والشرط الذي يجب استيفاؤه ، والمانع الذي يجب انتفاؤه ، وكلٌّ يَفْتَقِرُ إلى أول يسبق ، فَثَمَّ من العلة ما يَتَسَلْسَلُ ، وثم من علم الخلق إذ يُقَدِّرُونَ ، وإرادتهم إذ يُرَجِّحُونَ ، ثم من ذلك ما لا يوصف بالكمال المطلق ، فلا علم لآحاد من الخلق يحيطُ وَيَسْتَغْرِقُ ، ولا إرادة لهم تطلق ، فتلك علة ناقصة ، وإن كان لها من الوصف ما يزيد ، فليست الفاعلة بالطبع المجردة من الوصف التي اقترحتها الحكمة الأولى في قصة الخلق ، فالعلة الناقصة من أفعال الخلق ، اضطرارا كما النار والسكين ، أو اختيارا كما فعل الحارق بالنار والقاطع بالسكين ، العلة الناقصة لَا تَنْفَكُّ تطلب أولى تسبق ، وكلٌّ من الجائز الذي يطلب أولا هو الواجب ، فيكون من ذلك امتياز يُبْطِلُ ما تَقَدَّمَ من دعوى الحلول والاتحاد التي عمت بها البلوى في كلِّ جيلٍ ، فلا بد من علة تامة إليها تُرَدُّ العلل كَافَّةً ، فالجائز من المخلوق المحدَث ، لا ينفك يطلب واجبا أول عنه يصدر ، فامتازَ كُلٌّ في الحقيقة ، فالجائز على قَيْدِ عَدَمٍ أول ، إذ استوى طرفاه في الاحتمال ، فلا يكون الترجيح بلا مرجِّح ، بل ثم من المرجِّح ما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى مرجِّح أول لا مرجِّح قَبْلَهُ ، وفعلُه في الترجيح ليس العشواء والخبط ، فذلك ما انْتَفَى ضرورةً في العقل والفطرة ، وتال من الحس ، وهو ، كما تقدم ، لدى الحداثة الْعُمْدَةُ فِي الإثباتِ والنفيِ ، فَثَمَّ من معالجة الحس لِخَلْقٍ قد أُتْقِنَ ، وَسَنَنٍ قد أُحْكِمَ فَعَلَيْهِ يجري ، ثم من ذلك ما يدل ضرورة على أول له من العلم ما عَمَّ فَاسْتَغْرَقَ ، فذلك علم التقدير المحكم الذي تَنَاوَلَ الكليات والجزئيات كافة ، فَلَيْسَ يَقْتَصِرُ على ما أثبتت الحكمة الأولى من العلم بالكليات المجملة ، وله ، أيضا ، من الإرادة ما عَمَّ فاستغرق ، فلا رَادَّ لَهَا من الإرادات المحدثة ، فجميعها عنها يصدر ، فكيف تخالف عنها في التأثير ، وإن كان لإراداتِ الخلقِ أَثَرٌ معتبر في الفعل والترك ، وبه يُنَاطُ التكليف بالأمر والنهي ، وإلا كان الجبر الذي يُبْطِلُ التكليف سواء أَنَفَى إرادة الفاعل المكلف صراحة أَنْ تَلَطَّفَ فَأَثْبَتَ إرادةً كَلَا إرادةٍ فَهِيَ تَقْرِنُ المفعول ولا تُؤَثِّرُ في إيجاده ، فَثَمَّ من إرادة الفاعل المكلف ما يُؤَثِّرُ ، وهو ، مع ذلك ، ليس التام في التأثير ، فلا ينفك يطلب سَبَبًا يسبق حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى إرادة أولى هي التامة ، فَلَا تَفْتَقِرُ إلى سبب من خارج ، بل الإرادات جميعا إليها تَفْتَقِرُ ، كما الوحي المحكم قد أخبر ، فـ : (مَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) ، فمعالجةُ آحادٍ من المخلوقات المحدَثة في الخارج ، معالجتها بالحس الظاهر شاهد ضرورة أنها تصدر عن علم أول يُقَدِّرُ ، وهو ما عم فَاسْتَغْرَقَ الجليل والدقيق ، وآية ذلك مَا يعالجُ الحس من إتقانٍ في الخلقة ، وإرادةٍ بَعْدًا تخصِّص وترجِّح ، فعنها الفعل يصدر ، صدور الاختيار عن فاعل أول ، فَثَمَّ من آحاد الفعل سنن محكم ، وآية ذلك ما يعالج الحس ، أيضا ، من إحكام في السنة ، فكل أولئك مما يُثْبِتُ ضرورةً : الأول الذي عنه المقدورات جميعا تَصْدُرُ ، فَثَمَّ العلم المحيط المستغرق ، وثم من الإرادة والمشيئة ما يُرَجِّحُ ، وثم من الكلمات ما عنها يصدر ، فهي ، كما تقدم ، العلة التامة التي لا تَفْتَقِرُ إلى سببٍ من خارج يسبق ، وعنها الأشياء كافة تصدر ، فـ : (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، وهو ، أيضا ، مما حَسُنَ فيه الإسناد إلى ضمير الفاعلين حكايةَ التعظيمِ في موضع جلال يبين عن إرادة تَنْفُذُ ، فَلَا رَادَّ لها ، فكلُّ ما سِوَاهَا فَعَنْهَا يصدر ، وبها يحدث ، وإن كان له أَثَرٌ في الخارج ، فهو الناقص الذي يطلب أَوَّلًا يسبق حتى يَنْتَهِيَ ضرورة إلى العلة الأولى التامة ، فلا علة لها تسبق ، وبه حَسْمُ مَا امْتَنَعَ ضرورةً في الذهن من التسلسل في المؤثرين أَزَلًا ، فانتهت الأعيان المخلوقة بعد عدم ، والأسباب والإرادات الجارية على السنن المحكم ، والمعارف المحدَثة بعد جهل ..... إلخ ، انْتَهَتْ جَمِيعًا إلى أول لا أَوَّلَ قَبْلَهُ ، فَلَهُ من العلم ما أحاط فاستغرق ، وله من الإرادة والمشيئة ما بَعْدُ يَنْفُذُ ، فيكون من آحاده في الخارج ما يُصَدِّقُ أولا من علم التقدير إِذْ بالإرادة والمشيئة تأويل له يحدث ، وَثَمَّ من آحادِ الكلماتِ واسطة تَصْدُرُ ، وبها الأشياء كافة تكون ، فكل أولئك من وصف الكمال المطلق ، إِنْ جمالَ العلم المحيط المقدِّر ، أو جلالَ إرادةٍ ومشيئة تَنْفُذُ ، فكل أولئك مما حَسُنَ فيه الإسناد إلى ضمير الفاعلين حكاية التعظيم ، ولا يخلو من مثال في العدد يكثر ، لا آحادا من القدماء تَثْبُتُ ، وإنما كثرة الوصف الذي يقوم بموصوف واحد في الأزل ، فهو الأول الذي لا أول قَبْلَهُ ، وبه حسم الممتنع من مادة التسلسل في المؤثرين أزلا ، وبه تصديق أخص لما عالج الحس من آي الإتقان والحكمة ، فلا تكون عن علة فاعلة بالطبع مجردة من الوصف ، وإنما تكون عن علم أول يحيط ، وَتَالٍ من الإرادة وبها الترجيح والتخصيص ، وثم الكلمات آنفة الذكر ، وبها ، لو تدبر الناظر ، تأويل لمعلوم أول في الأزل ، إن في الخلق أو في الأمر ، فالأول تأويل لشطر من التوحيد الذي جاءت به النبوات ، توحيد الخالق الأول ، ربوبيةً لأفعالِ الإيجادِ والرَّزق والتدبير تَسْتَغْرِقُ ، فـ : (هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) ، والثاني ، وهو الأمر ، تأويل لشطر ثان من التوحيد يَلْزَمُ ، فَثَمَّ ملزوم أول عنه يصدر ، وهو توحيد الرب الخالق ، جل وعلا ، الذي انفرد بأفعال الخلق والرَّزق والتدبير ، فلازمه آخر من توحيد في الأمر بما يكون من كلمات الخبر والإنشاء ، فـ : (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) ، فَثَمَّ الخبر الصادق إن في الإثبات أو في النفي ، وثم الحكم العادل ، إن في الأمر أو في النهي ، وكلٌّ قد قام بذاتِ الخالق ، جل وعلا ، وَصْفًا ، فكان من الوحي المحكم وَصْفٌ له يثبت ، فهو من العلم الأول الذي أحاط فاستغرق المقدورات كافة ، فمنها الكونية ومنها الشرعية ، والوحي من كلمات التشريع مرجعا من خارج يُجَاوِزُ قد سَلِمَ مما لم تسلم منه المراجع المحدثة في الأرض من الهوى والحظ ، فكان من ذلك توحيد يحكي انفراد الرب ، جل وعلا ، بالخلق ، وانفراد الإله ، جل وعلا ، بالأمر ، وهو ما حُدَّ ، كما تقدم في مواضع ، حد القصر بتقديم ما حقه التأخير في آي من الذكر الحكيم : (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) ، وكلٌّ بالكلمات يُتَأَوَّلُ في الخارج ، فالكلمات تأويل لعلم أول قد عَمَّ فاستغرق المقدورات كافة ، الكونية والشرعية ، فكان من ذلك توحيد قد أجزأ ، إذ واطأ ما جاء به الوحي المحكم من انفراد الرب الحق بالخلق والتدبير ، فَلَا رب سواه ، وانفراد الإله الحق بالحكم والتشريع ، فلا معبودَ بحقٍّ سواه ، فذلك توحيد النبوات الذي أجاب عن سؤالات العلم والعمل ، ومنها سؤال الخلق ، وهو محل شاهد تقدم ، فأجاب بما يواطئ العقل والفطرة والحس ، وأجابت الحداثة بآخر من فرض التطور لم يخل من جُمَلِ تَحَكُّمٍ تخالف عن مقدمات الضرورة في القياس المحكم ، فثم الوجود المحدَث بلا موجِد أول ، وثم الفعل بلا فاعل ، وثم الحياة بلا مُحْيٍ ، والحركة بلا محرِّك ، ولو الخابط الذي يعبث ، وثم الانقسام والتراكب لا عن أول له من العلم تقدير يسبق ، وله من الإرادة تال يُرَجِّحُ ، فيكون من ذلك تخصيص وترجيح في جائز من المقدور الأول أن يخرج من العدم إلى وجود تال يصدق ، وبه حد يميز ضرورة بين الجائز الذي يفتقر إلى موجِب أول يسبق ، فامتاز من الواجب الأول ، واجب الوجود لذاته ، وذلك وصفه الذي يلازم فَلَهُ من ذلك أولية تطلق ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلى سبب من خارج يسبق ، فهو يوجبه ، بل وجوب الأول المطلق : وجوب ذاتي لا يُعَلَّلُ ،، وله بعدا من وصف الفعل ما يرجح ، فهو الموجِب لا بذات مجردة من الوصف فاعلة بالطبع ، بل هو الموجِب بما تَقَدَّمَ من علم تقدير أول ، ومشيئة بَعْدًا تُرَجِّحُ ، وعنها كلمات التكوين تصدر ، فيكون من المخلوق بها ما يُصَدِّقُ علم التقدير الأول ، فَثَمَّ من ذلك ما يحكي ضرورةً الحد الذي يفصل ويميز : الواجب من الجائز ، وبه إبطال دعوى الحلول والاتحاد المحدثة ، فإنها مما عمت به البلوى في مثال الدولة الإله ، وآخر من الجنس الأرقى والشعب المختار ، فَلَهُ من وصف العرق والعنصر ما هو أَنْقَى ، وله من الدرجة ما هو أَرْقَى على قاعدة تَتَحَكَّمُ في الانتخاب الذي يصدر عن خبط عشواء ، فقد انتخب العرق الأعلى لا عن علم وإرادة ، وإنما خبطُ عشواء ، وكان من ذلك دعوى تَتَحَكَّمُ ،إذ اختصت العرق الأبيض بذلك أنه آخر حلقات التطور ، وبه نهاية التاريخ بإنسان هو الأخير ، فهو الأبيض الناصع ، وهو العاقل النابه ، فَثَمَّ من خصال الكمال في الْخَلْقِ الظاهر وَالْخُلُقِ الباطن ، ثم منها ما هاجر فَفَارَقَ الجنوب إلى الشمال حتى استقر فِي أمصار عليا يَقْطُنُهَا الْعِرْقُ الأرقى ، وليس ثَمَّ ، لو تدبر الناظر ، دليل إلا عَيْنُ الدعوى ، تحكما في تَرْجِيحٍ بلا مرجِّح ، فهو يصادر على المطلوب بدور باطل يُصَيِّرُ الدعوى هي الدليل ، فَلَيْسَ ثَمَّ دليل من خارج يجاوزها ، وهي صورة الخلاف التي لا يُسَلِّمُ بها المخالف ، فقد يقترح أخرى تضاهي وتعدل في الحد ، وتخالف في الوجه ، فما يمنع أن يكون العرق الأحمر أو الأسود أو الأصفر هو الأرقى ؟! ، فتلك دعوى تُطْلَقُ ولا دليل لها يُثْبِتُ ، وهي ، مع ذلك ، تجزئ في رَدِّ أخرى لا دليل لها يُثْبِتُ ، فَثَمَّ الاستواء في القدر ، والمخالفة في الوجه ، وبه التَّسَاقُطُ ، فَيَرْجِعُ الأمرُ أخرى إلى عدم ، فكلٌّ يصدر عن دعوى مجردة ، ولا دليل لها يشهد ، وكلٌّ قَدِ اتهم في دعواه بما كان من الهوى والحظ المحدث أَنْ يَعْلُوَ في الأرض ، ولو ظلما بلا حق ، فيكون هو الأرقى الذي اخْتُصَّ بأوصاف السيادة المطلقة ، بل والألوهية التي نَطَقَ بها بَعْضٌ فَأَفْحَشَ إذ قال : (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) ، فهو الإله الحاكم المشرِّع وهو أولا يَضَعُ التصور الذي يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ ، والجمع له يتبع في مثال هرم هو القياس في حكومة الجور والاستبداد ، فَثَمَّ واحد بالعين ، وهو طاغوت ذو شخص في الخارج يثبت ، فَلَهُ من ذلك حقيقة في الخارج تُدْرَكُ بالحس ، فهو الحاكم المتحكِّم الذي يخالف عن مرجع من خارج هو المحكَم ، فَثَمَّ من المرجع الذاتي الذي لا يجاوز ، ثم منه ما تَشَابَهَ ، فإن الحكام على أنحاء تختلف إِذْ رُدُّوا إلى ذوات أرضيةٍ محدَثة ، فالمرجع هوى وذوق ، وإن تَلَمَّسَ لذلك دليلا من العقل ، بل ثم من يَحْتَجُّ بِأَدِلَّةٍ من النَّقْلِ قد صح لَفْظُهَا ، فيكون من التأويل ما يَحْرِفُهَا عن نَصِّهَا القاطع أو ظاهرها الراجح ، فَثَمَّ من التأويل ما تَرَاوَحَ بين البعيد والباطن ، وهو ما فتح ذَرَائِعَ بها النص يُحَرَّفُ ، فيخالف عن مراد المتكلم الأول ، إذ له من الكلام غاية وقصد ، وهو ما اتصل إسناده فَلَا يَنْقَطِعُ ، فَلَا يُنْسَخُ المعنى الأول أَنْ كَانَ ثَمَّ انقراض لجيل أول قد وَرَدَ هذا النص بِعُرْفِهِ المتداوَل في الكلام ، فَلَمَّا انْقَرَضَ فَعُرْفُهُ قَدِ انْقَرَضَ ، وَانْقَرَضَ معه مُرَادُهُ من الكلام الذي تَرَكَ ، فلم يَتْرُكْ إلا رمزا يُنْطَقُ أو آخر يُكْتَبُ ، وهو الوعاء الدلالي الذي أُفْرِغَ من مدلوله ، فَمَاتَ المتكلم الأول ، ومات معه المراد : عُرْفُ كلامٍ يُتَدَاوَلُ ومعنى هو المراد من الألفاظ ، إِنِ المفردةَ أو المركبة ، فَنُسِخَ معجم الألفاظ ، وَنُسِخَ قانون النظم في النطق ، وَمَا أُثِرَ عن الجيل الأول : خَطًّا في كِتَابٍ ، أو صَوْتًا يَقْرَعُ الآذان دون مدلول يتبادر بما يكون من ظاهرِ كلامٍ مفرَدٍ أو مركَّبٍ ، فَيُفِيدُ من الظن ما يغلب ، فهو ما يُسْتَصْحَبُ حتى يكون ثَمَّ قرينة من خارجٍ تُرَجِّحُ المؤول ، ولها من الشرط ما اعتبر ، فلا يكون من ذلك تحكم محض يُرَجِّحُ بلا مرجِّح ، أو يقترح من المعنى المؤول ما ظَهَرَ بطلانُه ضرورةً إذ يَفْرِضُ من المحال الممتنع لذاته ما لا وجود له يثبت في الخارج ، فليس إلا الفرض المحض تَنَزُّلًا في الجدال مع الخصم ، فَثَمَّ من المعنى : نَصٌّ يَقْطَعُ ، وثم آخر من ظاهرٍ يَرْجُحُ ، وهو ما يفيد ظنا يَغْلُبُ ، وذلك مما في الاستدلال يُجْزِئُ ، حتى يكون ثم قرينة معتبرة من خارج تُرَجِّحُ ضِدًّا هو المؤول ، فلا يكون المصير إليه بادي النظر تحكما فِي الاستدلال يخالف عن ظاهر أول قد ثَبَتَ ، فذلك ما استوجبَ ضرورةً الرجوع إلى مرجِعٍ محكَم من خارج يُبِينُ عن مدلولات الدوال الكلامية ، إن المفردة أو المشتقة أو المركبة أو رابعة أخص بما يكون من بَيَانٍ يدق بما اشتهر من عرف يُؤَدِّي المعنى بوجه من الكلام يَلْطُفُ ، كما الاستعارة والكناية ..... إلخ ، والعرف فيها يظهر ما لا يظهر في غير ، إذ لكلِّ لسانٍ طُرُقٌ مِنَ البيانِ الأخص ما يميزه من غير ، وهو ما يحصل فيه تفاوت آخر في اللسان الواحد ، فلكلِّ جِيلٍ من طُرُقِ البيانِ ما يَرْجِعُ إلى عرفه المتداول في الكلام ، وهو ما يطرأ عليه التغير ، وإن بعضا ، فذلك مما يخالف عن أصل أول ، وهو استقرار الدلالة في اللسان الواحد ، فَثَمَّ مواضع يَتَبَدَّلُ فيها المعنى إذ العرف يَتَبَدَّلُ ، فيكون منه تال يحدث ، وهو ، بداهة ، لا يصح دليلا على أول من الكلام قد ثَبَتَ ، بل العرف في جِيلٍ بِعَيْنِهِ لا يصح حكما في أول قد تَقَدَّمَ ، بل لا يحكم في كلام الأول إلا عُرْفُهُ الذي به نطق ، فَلَا يُحَمَّلُ كلامُه ما لا يحتمل من عرفٍ حادث بعد زَمَنَ النطق ، لا جرم وجب الرجوع إلى مأثور من كلامه المنقول بالسمع أو المدوَّن في الكتب ، إن المنظومَ أو المنثورَ ، وهو ما تقصدت الحداثة أَنْ تُبْطِلَ ، فَتَنْسَخَ منه ما اسْتَقَرَّ ضرورةً لدى المبدإِ ، فكان من ذلك تكذيبٌ أو تشكيكٌ في إِرْثٍ أول قد ثَبَتَ ، إِنْ مِنْ نَصِّ وحيٍ قد تَنَزَّلَ ، أو من ديوان كلام قد تحقق ، فيكذب النص الذي يخبر أو يشرع ، ويكذب المرجع الذي يُفَسِّرُ وَيُبَيِّنُ ، فلا يكون من الكلام إلا رَمْزٌ مجمَل ، لا مدلولَ له ، بادي النظر ، يَثْبُتُ ، إِنْ نَصًّا يَقْطَعُ ، أو ظاهرًا يَرْجُحُ ، فَثَمَّ من آثار من تَقَدَّمَ ، إن وحيَ سماءٍ أو آخر من كلام في الأرض قد حدث ، ثم منه : دالة ومدلول ، دَالَّةُ لفظٍ ، ومدلول هو المعنى الذي يحكيه اللفظ ، ولا بد له من أول من المرجع يَثْبُتُ ، إن من المعجم أو من الاشتقاق أو من النحو المركب أو تال من البيان يلطف ، على تفصيل قد تقدم .

والله أعلى وأعلم .


رد مع اقتباس
إضافة رد
   
الكلمات الدليلية (Tags)
الكلام, دلالات
   

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




Loading...

   
   

جميع الحقوق محفوظة لمنتديات التربية الاسلامية جنين