قبل أن تندب الأم حظها لسوء طباع طفلها، عليها أولاً أن تراجع نفسها، لأنه من خلال تعديل أسلوب تعاملها معه، وحسب تقدير الخبراء، يستغرق تغيير الطبع الواحد نحو ثلاثة أسابيع على الأقل، المهم أن يتم ذلك في سن مبكرة وقبل وصول الطفل إلى مرحلة المراهقة، لأن المهمة في هذه المرحلة تكون أكثر صعوبة.. هذا إن لم تكن مستحيلة. في ما يلي نعرض أكثر الطباع المزعجة شيوعاً بين الأطفال والسبيل إلى تقويمها.
نزعة الاحتجاج
معظم الأطفال يعشقون الاحتجاج ولديهم قدرة فائقة على تبرير احتجاجاتهم. فهل الاحتجاج صفة عامة في الأطفال أم عادة مكتسبة؟
يقول اختصاصيو التربية إن الأطفال بطبعهم يميلون إلى الاحتجاج والتمرد، ولكن في كثير من الأحيان يكون لأسلوب التربية دور كبير في تطوير نغمة الاحتجاج لديهم، فعلى سبيل المثال الأم التي لديها عمل في الخارج ومضطرة لترك صغيرها (4 أعوام) برفقة المربية، لكنه يرفض ذلك مدعياً أن المربية مملة، ويصر على الذهاب معها، لا يطاوعها قلبها أن تغادر المنزل وتتركه من دون أن يكون راضياً، فتتأخر عن موعدها لتمضي معه بعض الوقت محاولة إقناعه بالبقاء وبأنها مضطرة للخروج وأن المربية سوف تسليه وما إلى ذلك من التبريرات، وهي بذلك من دون أن تشعر تعزز لديه نزعة الاحتجاج. والشيء نفسه تفعله الأم التي ترفض ابنتها ترتيب غرفتها، فتحاول إقناعها بشتى الطرق بضرورة الاعتناء بغرفتها.
ويعتقد الاختصاصيون أن تقديم الكثير من المبررات للأطفال، والاستفاضة في شرح الأسباب التي تدعو الأم إلى توجيههم نحو أمر محدد أو تكليفهم بمهمة ما، يشجعّانهم في المقابل على تبرير رفضهم، كما يحدث عندما تقول الأم لابنتها: "إذا لم ترتبي غرفتك فسوف تنسين أماكن أشيائك ولن تتمكني من الوصول إليها" فتجيبها الابنة قائلة: "أنا أعرف أماكن أشيائي"، فهي هنا تحاول أن تتعامل مع أمها بالأسلوب نفسه إذاً ما الحل؟
يكمن الحل في تحلي الأم بالصرامة، بمعنى أن تصدر تعليماتها وتمضي في طريقها، فعندما تقرر الخروج من المنزل وتترك طفلها في رعاية المربية، عليها أن تكون واضحة، تخبره بالأمر وتغادر المنزل على الفور. والشيء نفسه مع الأم التي تريد من ابنتها أن ترتب غرفتها، عليها أن تصدر الأمر لها ولا تمنحها الفرصة لمناقشتها.
ويؤكد الخبراء، أن الأطفال منذ صغرهم بحاجة إلى الحزم، لذا ينبغي على الأم أن تحكم سيطرتها على بيتها، من خلال الإيضاح أنها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة داخل المنزل وعلى الجميع الانصياع لأوامرها، مشيرين إلى أن الأطفال سيحاولون حتماً التمرد والتملص من خلال جرها إلى النقاش، ولكنها إذا ثبتت على قولها فسوف تكون الرابحة، لأنهم إذا اكتشفوا أنه لا مجال أمامهم للاحتجاج، سوف يدركون أنها تعني ما قالته وأنه لا خيار أمامهم سوى الانصياع والاستسلام.
الاستئثار بالاهتمام
الآباء بطبعهم يهتمون بأبنائهم، والأبناء يسعدون بهذا الاهتمام، ولكن الخطأ الذي يرتكبه بعض الآباء هو أنهم يبالغون في الاهتمام بأبنائهم، مثل أولئك الذين يرددون على مسامعهم طوال الوقت كلمات الإطراء والثناء، الأمر الذي يجعل الأبناء يشعرون بأن مكانهم الطبيعي في الحياة ينبغي أن يكون في المقدمة، وأيضاً الآباء الذين لديهم الاستعداد لعمل أي شيء في سبيل تلبية رغبات أبنائهم، يمنحونهم الإحساس بأن رغباتهم أهم من احتياجات أي شخص آخر.
تقول إحدى الأمهات إنها تعاني كثيراً رغبة ابنها (7 أعوام) في الاستئثار باهتمامها طوال الوقت، ولهذا يرافقها مثل ظلها ولا يدعها تستمتع بالجلوس مع رفيقاتها، وعندما تنشغل عنه بالحديث ولو لبعض الوقت مع إحدى صديقاتها لا يتورع عن الاحتجاج وكثيراً ما يقاطعها لتنتبه له وحده، وهي تشعر بأن حالته تزداد سوءاً، فكثيراً ما يقاطع أفراد العائلة لدى مناقشتهم لأمر ما لأنه يريدهم أن يستمعوا لقصة حدثت معه في المدرسة ويتوقع من الجميع الإنصات له، وتتساءل كيف تتعامل معه؟.
يرى اختصاصيو التربية أن هذا النموذج من الأطفال شائع للغاية، وأن الأسلوب الوحيد لتقويم الأنانية التي تنمو في داخلهم بشكل تدريجي، هو وضع حد لتماديهم في طلب الاهتمام، كأن توضح الأم لابنها أنه لا يجوز له مقاطعتها أثناء حديثها مع شخص آخر، وأنها ستتفرغ له بعد أن تنتهي من الحديث، ومن الضروري أن يفهم أنه ليس الشخص الوحيد المهم في العالم، فكما أنه يستحق أن تستمع له عندما يكون لديه شيء مهم يقوله لها، عليه أن يدرك أن الآخرين مثل إخوته أو أصدقائها أو أقاربهم لديهم الحق نفسه.
وهذا لا يعني بالطبع أن تتجاهل الأم طفلها، وإنما عليها أن تعطيه دوماً إنذاراً مسبقاً لتذكره بضرورة الانتباه لأفعاله، فمثلاً عندما تعد لاستقبال صديقتها تستطيع أن تخبره أن صديقتها ستأتي بعد برهة لزيارتها وأنها تتوقع منه أن يأتي ليلقي عليها التحية ثم يذهب إلى غرفته ليلهو بألعابه إلى أن يحين موعد انصرافها، وأنه إذا كانت لديه حاجة ملحة عليه أن يستأذن قبل أن يقاطعها، ولكي لا يعتبر ذلك إذناً مفتوحاً لمقاطعتها بين اللحظة والأخرى، ينبغي أن تعطيه أمثلة للأشياء الملحة والمهمة التي تستدعي مقاطعتها. بهذه الطريقة سوف يدرك الطفل أن الآخرين يحظون بالأهمية مثله تماماً.
كثرة التطلب والأنانية
تستهل الأم تلبية طلب ابنها على تحمل بكائه، وهكذا تصبح لديه وسيلة ضغط ناجحة للغاية، فكلما أراد لعبة أو الخروج سوف يبكي بأعلى صوته ويتمرغ قليلاً في الأرض لكنه في النهاية سينال ما طلبه، لأن أمه ليس لديها صبر على تحمل بكائه، وهي أيضاً تسعد كثيراً عندما ترى علامات الفرح على وجهه كلما اشترت له لعبة جديدة.
ولكن هذا الاسلوب إن أثمر شيئاً فسوف يثمر طفلاً أنانياً ومتطلباً، ويجيد طرق الاحتيال للحصول على ما يريده مثل المزيد من الصراخ، أو المزيد من التعبير عن الفرح لدى حصوله على الشيء الذي يريده، وبمرور الوقت، سوف يعتاد الأمر وسوف يكون من الصعب عليه أن يقدر قيمة الأشياء التي توفرها له الأسرة وكذلك قيمة الجهد الذي بذلوه من أجل توفيرها له.
وللحد من هذا العيب الخطير، ينبغي على الأم ألا تتمادى في تلبية طلبات طفلها، وأن تتجاهل كل أشكال الضغط التي يمارسها عليها مثل البكاء أو الامتناع عن تناول الطعام أو الحديث معها وما إلى ذلك من الحيل. كما ينبغي عليها أن تستعد دوماً للمواقف الصعبة، فعلى سبيل المثال إذا كانت تنوي الذهاب إلى محل الألعاب بصحبة طفلها ليشتري لعبة لرفيقه بمناسبة عيد ميلاده، عليها أن تشتري هدية لصديقه فقط تحسباً لأن يختار شيئاً لنفسه. وإذا حدث أن استوقفته لعبة، تخبره أنها سوف تشتريها له في عيد ميلاده أو في مناسبة قريبة وتغادر المحل على الفور وتتجاهل أي محاولة ابتزاز تصدر عنه.
هكذا يصبح تلقيه الهدية حدثاً مهماً وخاصاً وليس شيئاً عادياً ومتوقعاً في أي وقت.
الكسل والاتكال على الغير
من السهل جداً أن يصبح الطفل اتكالياً وكسولاً فلا يعتمد على نفسه في عمل أي شيء، واللوم الأساسي هنا يقع على الأم لأنها عودته منذ صغره أن تعد له كل شيء بنفسها، وأن تبادر بمساعدته كلما تعثر في القيام بشيء حتى ولو كان تركيب المكعبات فوق بعضها بعضاً. وكان الأحرى بها أن تنتبه وتدعه يعتمد على نفسه خاصة أنه مع تقدمه في العمر تزداد قدراته ومهاراته. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن يعتاد تسلية نفسه بنفسه، مثل مشاهدة التلفزيون أو اللهو بالألعاب من دون ضرورة لأن تكون هي أو حتى المربية جالسة إلى جواره، وعندما يأتي إليها طالباً مساعدتها في شيء لا يجوز أن تترك ما بيدها وتسارع إلى تلبية طلبه، بل عليها أن تخبره بأنها مشغولة الآن وسوف تأتي لمساعدته عندما تنتهي. وعندما يبدو عليه الملل يمكنها أن تقترح عليه وسائل للتسلية.
بهذه الأساليب هي لا تساعده على الاستقلال والاعتماد على نفسه فقط وإنما تساعده على اكتساب صفات مهمة وضرورية مثل الصبر والتحمل والقدرة على التصرف في المواقف الشائكة أيضًا.