[frame="8 80"]قضية مهمة للنقاش...
أعتقد أنه طبيعى جداً أن يبكي طفل لم يتجاوز عمره 6 أو 7 أعوام حين يذهب للمدرسة للمرة الأولى أو حتى أن يبكي في أول أيام الدراسة من كل عام خاصةً في الأعوام الأولى له في المدرسة نظراً لتعلقه بأسرته بوجه عام وأمه بوجه خاص إلى جانب أن المدرسة مكان جديد عليه فربما يشعر الطالب صغير السن بالخوف أو الوحدة و يبدأ في البكاء آملاً أن تتأثر الأم وترجعه للبيت، ولكن الشيء الغريب أن تجد نفس الموقف يتكرر معه ليس سنوياً بل يومياً وقد يمتد إعتراض الطالب على المدرسة بصور آخرى حتى المرحلة الإعدادية وربما يستمر إلى المرحلة الثانوية! من هنا يظهر هذا السؤال: كيف نجعل طلاب العلم يحبون المدرسة؟
وبرأيي أن كره الطلاب للمدرسة يعود إلى خلفيات قديمة مترسبة في النفوس
فهي بالنسبة لهم سجن لا بدّ منه
وراحة للأهل منهم
فكثيرا ما يشعر الطلاب بتأفّف الأهل وتبرمهم عند وصول ورقة الإجازة
وأوّل شيء يرونه مدّة الإجازة
فارتبط في أذهان الطلاب أنّ الأهل يرسلونهم ليرتاحوا منهم
وهناك أيضا قلّة التوعيّة للأبناء بالنسبة لهدف الدراسة وأهميّتها في رسم مستقبلهم
ولا استثني دور المعلّمين من هذه المأساة
فدورهم كبير
هم باستطاعتهم تغيير النظرة للمدرسة بجعلها ملاذا للأبناء ومكانا للترفيه المفيد ولتلقي المعلومات
فلا تعود المدرسة مكانا للعلم فقط بل للتسلية ولبناء الشخصيّة ولرسم المستقبل السليم للطالب.
أود أن أُذكر بمقولة علماء التربية والتي أعتقد أن التربويين لا يجهلونها أو هذا المفترض ، وهي ( أن المدرسة يجب أن تكون بيئة جاذبة ) طبعاً الجذب هنا المقصود به للوهلة الأولى الطلاب فقط ، بينما حقيقة جاذبية البيئة المدرسية ، يجب أن تتوفر لجميع منسوبي المدرسة ، وإذا تقرر ذلك ، عندها تكون المدرسة جاذبة للجميع وليست طاردة للجميع !
وعوداً على بدء ، نعود للإجابة على السؤال ، أعتقد أن السبب واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ، إلا مَنْ أراد ألا يراها ، فهذا شأنه غير المُلزم لأحد ، والمتمثل في الروتين اليومي المُمِل حَدَّ الخنق ، وحينما أقول ذلك فأنا لا أتكلم من فراغ وإنما هو قول فرد عاش تلك البيئة التربوية ومازال يُعايشها .
إضافةً إلى أن مدارسنا بكل شفافية ووضوح كأنها سِجون ، ولكن بلا قُضبان !! وهذه حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها بِحال ، وإذا أردنا أن نُبين أسباباً أخرى للإجابة على السؤال ، فهي حاضرة أمامنا بقوة ، من أهمها ثقل كاهل المُعلمين بنصابٍ يَهدِ الحيل ، فأي إبداعاً عندها تريد منهم ! والطلاب مطلوب منهم السمع والطاعة في المنشط والمَكرَه ، حِصصٌ متتالية أثقلت كاهلهم ، وأيضاً فصولٌ أبوابُها مُخَلَّعَةٍ أوشكت على السقوط من خَرابِها ، دورات مياه ـ أكرمكم الله ـ تشمئزُ منها الأنوف والنفوس ، فضلاً عن أنها تعتبر بيئة غير صحية أبداً ، وربما هي نذير بالإصابة بأمراض مُتعددة لا تخفى ، أيضاً وجود غرفة صغيرة جداً ، يُطلق عليها ( التقنية الحديثة ، أو مصادر التعلم ) يتزاحم عليها المعلمون كالذين يتزاحمون عند بائعي الفول والتميس !!
مع أن ميزانية التربية ما شاء الله لا قوة إلا بالله كبيرة ، ولكن لا نرى لها أثراً ملموساً ولا محسوساً في أروقة المدارس ، مع أن إدارات التربية والتعليم ومن خلفها وزارة التربية والتعليم لا يُعجزهم أبداً أن يجعلوا مدارسنا جميعها نموذجية ، وما المانع طالما أن المادة موجودة ، ولكن لدينا نقص واضح في شيء عزيز جداً اسمه "الإخلاص" ( ونحن مُبتلين بِداء انعدام الإخلاص سواءً في العبادات أو المعاملات ، إلا من رحم الله مِنَّا وقليلُ ما هُم، فنسأل الله العافية ) وعلى أقل تقدير يزودوا فصول كل المدارس بجهاز داتا شو ( Data SHOW ) كجهاز عرض في الفصول لكي ينعم المعلمون والطلاب بالتقنية الحقيقية في فصولهم ، فهي رخيصة جداً إذا تم شرائها بالجملة ، بدلاً من غرفة صغيرة يتحكم فيها شخص يُقال له أمين مصادر التعلم أو أمين غرفة التقنية ـ لا مُشاحة في الاصطلاح ـ يتصرف فيها بمزاجية بحتة ، فيصبح المعلمون رهن لتقلب مزاجه المُتعكر دائماً ، فهو إن خرج مبكراً لأي ظرفٍ كان ، فهو أحياناً يأخذ مفتاح الغرفة معه ، وهكذا ، غياب النشاط الحقيقي والمتضمن للمسرح المدرسي وغيره ، والذي لا نشاهده سِوى في الحفل الختامي فقط عبر مشهد أو مشهدين مُكررة حد الملل .
إضافةً إلى غياب وسائل الترفيه الحقيقية ، كالأنشطة الرياضية بأنواعها والمختزلة فقط في كرة القدم ، بينما الرياضات الأخرى فتعتبر من سقط المتاع بحجة لا أحد يرغبها ، مع أن المدرسة كبيئة تربوية يجب أن توفر جميع أنواع الرياضات الأخرى غير القدم ككرة الطائرة والسلة وألعاب الجمباز ( والملاعب المجهزة والتي توجد في كثيرٍ من الدول حتى الفقيرة منها ، ولكنها لا توجد عندنا مع الأسف ) وغيرها ، كما كانت متوفرة من قبل حينما كنا طلاباً في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة ، ولا أعلم سبباً وجيهاً لإلغائها .
أحد الزملاء قبل سنواتٍ قريبة ذهب إلى ماليزيا ، وانبهر مما رآه في مدارسهم ، وقال فعلاً لديهم بيئة مدرسية حقيقية وليست مُصطنعة ، وسأنقل شيئاً مما رآه ، يقول الزميل أن المدارس في ماليزيا فيها ستة (6) معلمين تخصص تربية رياضية ، فمنهم المختص بألعاب القوى ومنهم مختص بكرة القدم والآخر بكرة الطائرة ، وهكذا كل لعبة لديهم لها معلم متخصص ، إضافةً إلى الملاعب ذات المسطحات الخضراء ، فلكل لعبة ملعب خاص بها ، والفصول الدراسية لا تزيد بحال عن عشرين ( 20) طالباً ، حتى يستوعب الطلاب الدروس جيداً ، بدلاً من التكدس الحاصل لدينا ، فانظروا وقارنوا يا رعاكم الله بين تعليمنا ، وتعليمهم ، وبين مخرجاتنا ومخرجاتهم ، والسؤال هنا : ألا يحق لنا أن نكون مثلهم ؟ سيما ونحن من دولة أنعم الله عليها بالخيرات الوفيرة ونعمة الأمن والأمان والتي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُديمها علينا وعلى جميع المسلمين ، آمين ، وقد يسأل أحدنا ، ماذا ينقصنا حتى نصبح مثلهم أو أحسن منهم ؟ أعتقد أن مسئولي التربية هم أقدر على تلك الإجابة مني !!
وماذا بقي بعد ؟ لا أريد أن أسترسل في ذكر مُعاناة الميدان التربوي ، فهي أكبر من أن تُختزل في مَقالٍ عابر ، ولكن حاولت أن أحيط ذِكراً بما استطعت ، وإلا فالمُعاناة أكبر من ذلك بكثير ، وأود أن أؤكد لكم أن غالبية من في الميدان التربوي ( المعلمون ) يتطلع الكثير منهم إلى أن تبلغ خدمته عشرون ( 20 ) عاماً حتى يتقاعد مبكراً ويرتاح من تلك الهموم والغموم ، ومع الأسف مسئولي التربية لا يُريدون البحث والخوض في الأسباب !! ولعلي أتطرق لشيء منها بالتفصيل في مقالٍ قادم إن شاء الله تعالى .
ومما سبق يتأكد لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن نقولها ونعلنها بكل أسف ( مدارسنا بيئة طارِدَة ، وليست جاذِبَة ) للطلاب والمعلمين على حَدٍ سواء !! ولكن لكي لا يتم نعتي بالمتشائم ، فأنا والله مُتفائل ، ولكن ذلك هو الحال ، وأقول أن الأمل قائم ما دامت الحياة ، أن تتغير تلك الأحوال إلى الأفضل إن شاء الله تعالى ، ولكن يبقى السؤال : متى ؟! لأن الانتظار قد طال طويلاً ، والله الموفق لكلِ خيرٍ سبحانه .
* ـ بارقة أمل :
* ـ لو كفانا الله من بعض المسؤولين المُنظرين والذين يقولون ما لا يفعلون ، والذين يَعتبرون كل نَقدٍ موجه إليهم ، والذين قدموا مصلحتهم ، وجعلوا الشللية ديدنهم ، لأصبح تعليمنا والله في مصاف الدول المتقدمة ، ولكن : لا يأس مع الحياة ، ولا حياة مع اليأس .
اطلت عليكم أخواني بارك الله فيكم[/frame]