الامتناع عن الزكاة والتحايل لإسقاطها
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد :
- الزكاة فرض بالكتاب والسنة والإجماع ، وهي ركن من أركان الإسلام والامتناع عن أدائها من الكبائر .
- قال تعالى : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقا ما كنتم تكنزون} . [التوبة 34-35].
- عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم ) . [أخرجه البخاري وابن خزيمة] .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي فيها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى جنة إما إلى نار ... ) [أخرجه مسلم] .
- وقال صلى الله عليه وسلم : ( من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثُّل له ماله شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه – ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلى: { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير}. [آل عمران:180] [أخرجه البخاري] .
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ( أُمرنا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومن لم يزك فلا صلاة له ) . [ أخرجه الطبراني وسنده صحيح ] .
- وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ( والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها ). [ أخرجه البخاري ومسلم. والعناق: الأنثى من ولد المعز ] .
- وفي ظل الحكم الإسلامي : مَن مَنَعَ الزكاة أُخذت منه قهراً ويعزر – [ عند الشافعية والحنفية ، والمالكية ].
- ويحرم التحايل لإسقاط الزكاة كما بين جمهور العلماء ومنهم : [الحنابلة ، والمالكية ، أبو يوسف ، الغزالي ، ابن تيمية ، والشوكاني] .
- إذا احتال في إسقاط الزكاة فلا تسقط، وعليه أداء الزكاة ولا تنفعه حيلته - [ كما بين الحنابلة ، والمالكية، الأوزاعي، اسحق، أبو عبيد، ابن الماجشون وابن تيمية ] .
أثر الإعسار في الفدية
لا تسقط الفدية بالإعسار وتبقى في الذمة إلى حين اليسار. لقوله تعالى: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين }. [ البقرة: (184) ]. فالآية تدل على تعلق الفدية بالقادر والعاجز في جميع الأحوال لعدم الاستثناء. ففي حال اليسار وحصول موجب الفدية تجب فوراً، وفي حال الإعسار تبقى إلى حين القدرة على الأداء ولا تسقط. وهذا هو المعتمد عند الشافعية.
جاء في نهاية المحتاج(9/457):"إذَا عَجَزَ عَنْ الْفِدْيَةِ ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ كَالْكَفَّارَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي هُنَا عَكْسُهُ كَالْفِطْرَةِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ وَلَيْسَتْ فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا رُدَّ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّ إذَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ وَقْتَ الْوُجُوبِ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ إذَا كَانَ بِسَبَبٍ مِنْهُ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ إذْ سَبَبُهُ فِطْرُهُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ".
آراء العلماء في زكاة الدين ..تتمة للموضوع السابق :
الدَّيْنُ مَمْلُوكٌ لِلدَّائِنِ ، وَلَكِنَّهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ صَاحِبِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ
الرأي الاول :
فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ ، وَعَائِشَةُ ، وَعِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي الدَّيْنِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ غَيْرُ نَامٍ ، فَلَمْ تَجِبْ زَكَاتُهُ ، كَعُرُوضِ الْقَنِيَّةِ ( وَهِيَ الْعُرُوض الَّتِي تُقْتَنَى لأَِجْل الاِنْتِفَاعِ الشَّخْصِيِّ ) .
الرأي الثاني :وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الدَّيْنَ الْحَال قِسْمَانِ : دَيْنٌ حَالٌّ مَرْجُوُّ الأَْدَاءِ ، وَدَيْنٌ حَالٌّ غَيْرُ مَرْجُوِّ الأَْدَاءِ .
فَالدَّيْنُ الْحَال الْمَرْجُوُّ الأَْدَاءِ : هُوَ مَا كَانَ عَلَى مُقِرٍّ بِهِ بَاذِلٍ لَهُ ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ : فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَالْحَنَابِلَةِ ، وَهُوَ قَوْل الثَّوْرِيِّ : أَنَّ زَكَاتَهُ تَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ كُل عَامٍ لأَِنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ لَهُ ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ ، فَإِذَا قَبَضَهُ زَكَّاهُ لِكُل مَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ . وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْل : أَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الإِْخْرَاجُ قَبْل قَبْضِهِ ؛ وَلأَِنَّهُ لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْحَال ، وَلَيْسَ مِنَ الْمُوَاسَاةِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ مَالٍ لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ . عَلَى أَنَّ الْوَدِيعَةَ الَّتِي يَقْدِرُ صَاحِبُهَا أَنْ يَأْخُذَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا النَّوْعِ ، بَل يَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهَا عِنْدَ الْحَوْل . وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الأَْظْهَرِ ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ يَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الدَّيْنِ الْمَرْجُوِّ الأَْدَاءِ فِي نِهَايَةِ كُل حَوْلٍ ، كَالْمَال الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ ، لأَِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ . (1)
وَجَعَل الْمَالِكِيَّةُ الدَّيْنَ أَنْوَاعًا : فَبَعْضُ الدُّيُونِ يُزَكَّى كُل عَامٍ وَهِيَ دَيْنُ التَّاجِرِ الْمُدِيرِ عَنْ ثَمَنِ بِضَاعَةٍ تِجَارِيَّةٍ بَاعَهَا ، وَبَعْضُهَا يُزَكَّى لِحَوْلٍ مِنْ أَصْلِهِ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ قَبْضِهِ وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَ الْمَدِينِ سِنِينَ ، وَهُوَ مَا أَقْرَضَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ نَقْدٍ ، وَكَذَا ثَمَنُ بِضَاعَةٍ بَاعَهَا مُحْتَكِرٌ ، وَبَعْضُ الدُّيُونِ لاَ زَكَاةَ فِيهِ ، وَهُوَ مَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْ نَحْوِ هِبَةٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ عِوَضِ جِنَايَةٍ . (2)
وَأَمَّا الدَّيْنُ غَيْرُ الْمَرْجُوِّ الأَْدَاءِ ، فَهُوَ مَا كَانَ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ جَاحِدٍ أَوْ مُمَاطِلٍ ، وَفِيهِ مَذَاهِبُ : فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَهُوَ قَوْل قَتَادَةَ وَإِسْحَاقَ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَقَوْلٌ مُقَابِلٌ لِلأَْظْهَرِ لِلشَّافِعِيِّ : أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ لِعَدَمِ تَمَامِ الْمِلْكِ ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى الاِنْتِفَاعِ بِهِ .
وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ قَوْل الثَّوْرِيِّ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ هُوَ الأَْظْهَرُ : أَنَّهُ يُزَكِّيهِ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الدَّيْنِ الْمَظْنُونِ " إِنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيُزَكِّهِ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى .
[frame="1 80"]
وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ يُزَكِّيهِ إِذَا قَبَضَهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ وَإِنْ أَقَامَ عِنْدَ الْمَدِينِ(وهذا الايسر الذي يوافق مقاصد الشرع والله أعلم)
[/frame]
عْوَامًا . وَهُوَ قَوْل عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالْحَسَنِ وَاللَّيْثِ ، وَالأَْوْزَاعِيِّ .
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مَا كَانَ مِنَ الدَّيْنِ مَاشِيَةً فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ ؛ لأَِنَّ شَرْطَ الزَّكَاةِ فِي الْمَاشِيَةِ عِنْدَهُمُ السَّوْمُ ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ لاَ يَتَّصِفُ بِالسَّوْمِ . (3)
الدَّيْنُ الْمُؤَجَّل :
23 - ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الأَْظْهَرُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ : إِلَى أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّل بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ ؛ لأَِنَّ صَاحِبَهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ قَبْضِهِ فِي الْحَال فَيَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ إِذَا قَبَضَهُ عَنْ جَمِيعِ السَّنَوَاتِ السَّابِقَةِ .
وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ زَكَاتِهِ عِنْدَ الْحَوْل وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ . (4)
__________
(1) المغني 3 / 46 ، وشرح المنهاج 2 / 40 .
(2) الدسوقي 1 / 466 ، والزرقاني 2 / 151 ، بيروت ، دار الفكر ، عن طبعة القاهرة .
(3) المغني 3 / 46 ، وشرح المنهاج وحاشية القليوبي 20 / 40 ، والدسوقي مع الشرح الكبير 1 / 6 .
(4) المغني 3 / 47 ، وشرح المنهاج 2 / 40 .