هواجس خريج.....

عندما أنهى الطالب كتابة أجوبة الامتحان النهائي ، أرجع ظهره إلى الوراء ثم أخذت عيونه بالبكاء ، جاء المراقب هامساً في أذنه ، لماذا تبكي ؟! هل الأسئلة صعبة؟ أم أنت مريض؟ فأجاب الطالب لا يا أستاذ ، الأسئلة سهلة ولست مريضاً ، تعجب المراقب قائلاً : إذاً ما هو سِرُّ هذه الدّموع؟! قال الطالب: يا أستاذ أنا الآن قد أنهيتُ آخرَ امتحانٍ لي في هذه الجامعة ، وبعدَ أيَّامٍ سأتخرج ، فتبسم الأستاذ فرحاً بمشاعر الطالب تُجاه جامعته.
خرج الطالب من القاعة وهو يتأمّلُ كلَّ مقعدٍ فيها ، يتأمَّلُ جدْرانها التي تلقَّى العلم في أكنافها، يتأمّلُ ألواحها، يتأمّلُ ممرَّاتها وساحاتها، يتأمّلُ أشجارها وزهورها، يتأمَّلُ وجوه أصحابه الذين تعرف عليهم طيلة دراسته، وكم كانت -هذه الأشياء التي تأمّلها- عادية في ماضي أيامه ، ولكنَّ الفراق يفضح عيون العاشقين .
ذهب ليسلم بطاقته الجامعية التي كانت يسمح له من خلالها دخولَ الجامعة ، توقف عند بوّابة الجامعة مودِّعاً الحرس محدّثاً نفسه هل سيدخلني حرس الجامعة المرَّة القادمة بعد أن سلمت البطاقة، هل سَأُعامل على أَنِّي غريب ، لطالما كانت جنبات الجامعة مرتعاً أجول فيه كيف أشاء ...
توقف قليلاً ثم عاد أدراجه إلى مكتب رئيس الجامعة ، كتب ورقةً يلتمسُ فيها أن تَمُنَّ عليه الجامعة ببطاقة جامعية دائمة ، أرسلها إلى الرئيس وهو ما زال ينتظر ردَّ الرئيس على رسالته ...
عاد إلى البيت حالماً باليوم الجميل القادم الذي سيكون فيه مراسم تخريجه من الجامعة، اتصل مدير التسجيل في الجامعة بهاتف الطالب الجوال ،قال: أنت الطالب فلان ، قال : نعم ، قال: عليك مراجعة الجامعة الآن ، قال الطالب: خيراً، ما الأمر ، قال: أخي الكريم تبين لنا أن شهادة الثانوية العامة التي أكملت من خلالها الدراسة الجامعية غير صحيحة، وبالتالي قرر التعليم العالي عدم منحك الشهادة الجامعية، توقفت الكلمات في حنجرة الطالب ، أقفل الهاتف دون وعي منه وإدراك ، حتى الدموع تجمدت في محاجرها، أخذ ينظر إلى آماله وهي تنهدم أمامه ، كان ينتظر التخرج ليتوظف وظيفه محترمه ومريحة ، يستطيع من خلالها الزواج وتكوين أسرة ، كان ينتظر الوظيفة حتى يساعد أهله الفقراء ، أخذ يتأمل التعب والوصب الذي كابده وهو يعمل من أجل تأمين أقساط الجامعة، يتأمل الجوع العطش والألم والمرارة وجميع أنواع الشقاء التي عرفها الناس، ليفاجأ بأكبر شقاء وأكبر مصيبة .
ذهب كل ما فعل هباءاً منثوراً ، أخذته قدماه إلى أعلى بناية ، وقف على سطحها ، ثم ألقى نفسه من أعلاها حتى ارتطم بسطح الأرض ، ثم استيقظ من نومه وإذ به قد وقع من سريره على الأرض ، تلفت يمنةً ويسرة فأدرك أنه كان يعيش أحداث كابوس مخيف ، نفث عن يساره ثلاثاً مستعيذاً بالله من شرِّ ما رأى ، جاءت أُمه لتخبره أن بقي ساعة على مراسم التخريج وأنه يجب عليه الانطلاق الآن ضحك ، ثم انطلق إلى يومه المنتظر .