قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ
نظرا لما نعيشه اليوم من أنتشار المدح والثناء بصورة منكرة ومخالفة لما عليه السلف، فنحن نريد من طلاب العلم أن يدلوا بماعندهم من علم حتى نغطي هذا الباب من كل الجوانب للنقذ أنفسنا وغيرنا من الوقوع في اللغو والاطراء المنهي عنه.
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَ: "وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا، إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ كَذَا وَكَذَا". أخرجه أحمد (5/45 ، رقم 20480) ، والبخاري (2/946 ، رقم 2519) ، ومسلم (4/2296 ، رقم 3000) ، وأبو داود (4/254 ، رقم 4805) ، وابن ماجه (2/1232 ، رقم 3744).قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم
":
قَوْله : ( وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّه أَحَدًا ): أَيْ لَا أَقْطَع عَلَى عَاقِبَة أَحَد وَلَا ضَمِيره، لِأَنَّ ذَلِكَ مُغَيَّب عَنَّا, وَلَكِنْ أَحْسِب وَأَظُنّ لِوُجُودِ الظَّاهِر الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ. انتهى كلامه رحمه الله،
معنى الحديث بشكل عام أنه لا يجوز أن تمدح شخصا دون القول: أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا فأنت لا تعلم حقيقة الشخص بل الله جل وعلا يعلم ما تخفي الأنفس فلعله لا يكون كما مدحته به.
قال العلماء : و طريق الجمع بين الأحاديث أن يقال : إن كان الممدوح عنده كمال إيمان و يقين و رياضة نفس و معرفة تامة بحيث لا يُفتتن ولا يغتر بذلك ولا تلعب به نفسه فليس بحرام و لا مكروه ، و إن خيف عليه شيء من هذه الأمور كُرِهَ المدح في وجهه كراهة شديدة، و على هذا التفصيل تنزل الأحاديث المختلفة في ذلك. و مما جاء في الإباحة قوله صلى الله عليه و سلم لأبي بكر رضي الله عنه : (( أرجوا أن تكون منهم )) رواه البخاري و مسلم
أي : من الذين يُدعون من جميع أبواب الجنة لدخولها.
(إيه يا ابن الخطّاب ! والذي نفسي بيده ! ما لَقِيكَ الشيطانُ سالكاً فجّاً ؛ إلا سلك فجّاً غير فجك).رواه الشيخان
فأقول لا يجوز المدح لأن المدح يورث العجب بالنفس و من ثم الكبر و الرياء و هذه من كبائر الذنوب التي يجب على المسلم أن يتجنبها و يحذرها .. إلا من أمن أنه لا يتأثر بالمدح
فللمدح أربع حالات ذكرها الشيخ ابن عثيمين في
(( زاد المتقين شرح رياض الصالحين ))
سأوردها باختصار
الأول : أن يكون في مدحه خير و تشجيع على الأوصاف الحميدة والأخلاق الفاضلة، فهذا لا بأس به؛ لأنه تشجيع.
الثاني : أن تمدحه لتبيين فضله، بين الناس و ينتشر و يحترمه الناس، كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم مع أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، و كان هذا لبيان فضل أبي بكر و عمر رضي الله عنهما ، هذا لا بأس به.
الثالث : أن يمدح غيره و يغلو في إطرائه و يصفه بما لا يستحق، فهذا محرم و هو كذب و خداع.
الرابع : أن يمدحه بما هو فيه، لكن يخشى أن الإنسان الممدوح يغتر بنفسه و يزهو بنفسه و يترفع على غيره، فهذا أيضا محرم ولا يجوز.
و ذُكر أن المدّاح يُحثى في وجهه التراب
و المدّاح غير المادح : المادح الذي يُسمع منه مرة بعد أخرى ... أما المدّاح هو الذي كلما جلس عند إنسان كبيرا أو أميرا أو قاضيا أو عالم أو ما أشبه ذلك قام يمدحه ، فهذا حقه أن يحثى في وجهه التراب ؛ لأن رجلا امتدح عثمان رضي الله عنه فقام المقداد و أخذ الحصباء و نفضها في وجه المادح، فسأله عثمان لما فعل ذلك ؟ قال : إن صلى الله عليه و سلم قال
(( إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ))
رواه مسلم