الإعجاز في خلق العين
قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } فصلت:53
تتجلى قدرة الخالق سبحانه وتعالى فى كل ما حولنا ..ويعتبر جسم الإنسان وأجزاؤه المختلفة وطريقة عملها آية من الآيات وينطبق ذلك بالطبع على العين كأحد مكونات الجسم البشرى ..ولو تأملنا أجزاء العين المختلفة وطرق تأديتها لوظائفها لتبينا فى كل شئ معجزة إلهية ..كذلك الطريقة التى وضعت بها العين وكيفية حمايتها ومساعدتها على أداء وظائفها ..
ونبدأ بكيفية حماية العين والمحافظة عليها وما أودعه الله سبحانه وتعالى بها من وسائل لتحقيق ذلك . وقد خلق الله سبحانه وتعالى لكل إنسان عينين ترى كل منهما نفس الشئ ولكن باختلاف بسيط فى زاوية الرؤية مما يساعد على الرؤية المجسمة ووضعت كل عين فى تجويف عظمى بالجمجمة مما يساعد على حمايتها من الجوانب المختلفة ..ولم تترك العين داخل هذا التجويف العظمى دون حماية .. وإنما أحيطت بوسائد دهنية تعمل على امتصاص الصدمات وتمر من خلالها الأعصاب والأوعية الدموية والعضلات المحركة للعين .
أما من الأمام حيث لا توجد حماية عظمية وهذا طبيعى فقد زود سبحانه العين بالجفون وهى مثل الستائر المتحركة تظل مفتوحة لتسمح للعين بالرؤية ولكنها تغلق عند وجود أى خطر حماية للعين ..ولعلنا جميعا نلاحظ ذلك عند اقتراب شئ غريب من العين حيث تقفل الجفون فورا..وقد زودت الجفون بنوعية معينة من العضلات تسمح لها بأن تظل مفتوحة طيلة الوقت دون إرهاق وفى نفس الوقت فإنها تغلق على فترات منتظمة لأجزاء من اللحظة وذلك لتنظيف القرنية ولإعادة توزيع الدموع على سطحها وفى ذلك معجزة أخرى كما زودت الجفون بالأهداب أو الرموش وفى ذلك إضافة لسبل الحماية حيث تعمل هذه الرموش كمصفاة لمنع دخول الأتربة أو تقليل ذلك إلى أدنى درجة ..
ويمكن لنا ملاحظة ذلك إذا نظرنا إلى الرموش فى نهاية اليوم أو بعد هبوب عاصفة مثلا ولنرى كمية الأتربة المحتجزة بواسطة الرموش ..وتمثل الدموع إحدى المعجزات الأخرى وهى وسيلة هامة من وسائل حماية العين حيث تقوم بغسيل العين بصفة دورية ،ويساعد تحرك الجفون المنتظم على ذلك ، مما يعمل على تخليص العين مما يكون قد وصل إليها من أتربة أو أجسام غريبة ..
ولا يقتصر الأمر على ذلك فقد زود الله سبحانه وتعالى الدموع بنوع من الأنزيمات التى تساعد على قتل الميكروبات التى تصل إلى العين تعظيما لعملية الحماية ..وللدموع بالإضافة إلى ذلك و أخرى فهى تعمل على ترطيب العين مما يحافظ على سلامة أنسجة القرنية كما تجعل سطحها أملس وشديد الانتظام .
ولو تأملنا الطريقة التى تفرز بها الدموع والتى يتم بها تصريفها لوجدنا أنفسنا أمام معجزة أخرى فالتوازن دقيق بين كمية ما يفرز وما يصرف .ولودعت الحاجة عند تعرض العين لأتربة أو عوامل مهيجة لسطح العين لزادت كمية الدموع فورا للمساعدة على سرعة غسل العين وعودتها إلى الوضع الطبيعى .. وكلنا نلاحظ ذلك عند دخول جسم غريب مثلا إلى سطح العين ..إننا لو تأملنا فى كل ذلك لازددنا اقتناعا بقدرة الخالق سبحانه وتعالى ..وحقا فإن العين عليها حارس .. وسبحان الله جلت قدرته .
قال تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) (البلد:8)
لقد خلق الله – سبحانه وتعالى – العين بدقة متناهية، معجزة، فإن كل عصب بها، وكل شريان أو وريد أو ذرة له عمله، فعند النظر إلى شيء ما ، فإن سلسلة من العمليات الكيميائية تتوالى في الحدوث:
• يدخل الضوء المنعكس من الجسم المراد رؤيته إلى عدسة العين بسرعة عشرة تريليون فوتون (الجزئيات الضوئية ) في الثانية،
• ثم يمر هذا عبر العدسة و السائل الذي يملآً كرة العين إلى الشبكية . وتحمل الشبكية نحو مئة مليون خلية يطلق عليها " المخاريط " و العصي " ، اما العصي فتميز الضوء عن الظلام ، و أما المخاريط فتتحسس الألوان .
• تسقط الموجات الضوئية المختلفة على الشبكية منبعثة من الجسم المرئي.
• وعند رؤية الجسم، فإن القرنية تسمح للضوء بالمرور عبرها تماما كما يسمح زجاج النافذة بمرور الضوء والشعاع، ومعروف أن القرنية هي إحدى مكونات العين الأساسية وعددها 40 عنصرا. وكذلك يأتي دور القزحية وهي الموجودة خلف القرنية مباشرة (لتعطيها لون العين)، فتنظم القزحية كمية الضوء الواردة إلى العين عن طريق تقلص وتوسع بؤبؤ العين (وهو الفتحة الدائرية في الوسط) (ومن هنا تعلم الإنسان كيف يصنع الكاميرات لتعديل الضوء عند التصوير.
• إن الإعجاز في خلق العين، يتضح تماما من خلال التنسيق الكامل في عمل أجزاء العين الأربعين، فغياب واحدة من مكونات العين، يجعل العين عاطلة عن العمل، فإن تعطلت الغدد الدمعية مثلا: تجف العين، وتتوقف عن العمل، وهذا النظام المعقد لا يفسر إلا بتفسير واحد عن طريق التطور التدريجي، وهذا يثبت علميا، أن العين قد ظهرت للوجود بشكلها المكتمل منذ اللحظة الأولى، أي أنها خلقت خلقا، فسبحان الله.
• عندما ينظر الشخص إلى جسم ما، فإن كثافات مختلفة من الضوء تقع على الشبكية، تعكس الارتفاعات والانخفاضات في الجسم.
• ومن هنا، علينا أن نتفكر في تصميم العين المعجز، بأن نتابع كيمياء العين، فعندما تصل الفوتونات إلى العين، تبدأ سلسلة من التفاعلات الكيميائية على مبدأ الدومينو مثلا، فيبدأ الجزء المسمى cis-retinal-11 (وهو جزيء حساس للفوتونات) عندما يصل الفوتون إلى هذا الجزيء يتغير شكله ، مما يؤدي إلى تغير في شكل بروتين الريدوسين rhodopsinالذي يرتبط به بإحكام . فيتخذ بروتين ريدوسبين rhodopsin بعد ذلك شكلاً يسمح له بالالتصاق مع بروتين آخر في الخلية يطلق عليه ترانسدوسين trnsducin وقبل أن يتفاعل ترانسدوسين مع الريدوسبين يرتبط مع جزيء آخر يدعى gdpK عندما يتصل ترانسدوسين مع الرودوسبين يحرر جزيء gdp وبرتيط مع جزيء آخر يطلق عليه GTP لهذا السبب تسمى هذه العقد المتشلكة من بروتينين : الرودوسبين و ترانسدوسين و جزيء كيميائي أصغر Gtp بـ Transducinrhodopsin Gtp، ثم يرتبط هذا الأخير بسرعة مع بروتين آخر في الخلية يدعى phosphodiesterase وهذا يمّكن البرويتن phosphodiesterase من تفكيك بروتين آخر في الخلية يدعى cgmp يتناقص تركيز cgmp في الخلية بشكل مفاجيء ، لأن هذه العملية تأخذ مكانها بين الملايين من البروتينات.
• فكيف تساهم كل هذا في عملية الرؤيا ؟ للجواب على هذا السؤال، نقول: يؤثر انخفاض تركيز cgmp على قنوات الأيونات في الخلية . قناة الأيون هذه هي بنية مؤلفة من بروتينات تنظم أيونات الصوديون في الخلية . في الحالات العادية تسمح هذه القناة لأيونات الصوديوم بالتدقيق إلى الخلية ، بينما يقوم جزيء آخر بطرح الأيونات الزائدة للحفاظ على التوازن . وعندما ينخفض عدد جزئيات cgmp ينخفض أيضاً عدد أيونات الصوديوم ، يؤدي هذا إلى اختلال في توازن الشحنات عبر الغشاء ، مما يثير الخلايا العصبية المرتبطة مع هذه الخلايا ، ليتشكل ما نطلق عليه " النبضات الكهربائية " . تحمل الأعصاب النبضات إلى الدماغ و هناك تحدث الرؤيا .
• وباختصار يلمس الفوتون الواحد خلية واحدة و عبر سلسلة من التفاعلات تتولد عن الخلية نبضة كهربائية . تتغير الاستثارة حسب طاقة الفوتون ،أي شدة الضوء .
• والحقيقة المذهلة هنا هي أن كل هذه العمليات تتم بأقل من 1/1000 من الثانية . و تقوم بروتينات متخصصة أخرى داخل الخلية بإعادة العناصر المتحولة مثل cis-retinal-11,trnsducin, rhodopsin إلى حالتها الأصلية .
• إن العين تستقبل باستمرار شلالات من الفوتونات المتواصلة ، و من خلال التفاعلات الكيميائية التي تتم داخل الخلايا الحساسة تتمكن العين من الإحساس بكل فوتون من هذه الفوتونات.
• إن آلية الرؤيا في الحقيقة أشد تعقيداً مما ذكر في هذه الأسطر القليلة ، مع ذلك يكفي هذا الموجز للدلالة على الخلق المعجز للعين.
• إن العين تحمل تصميماً في غاية الدقة و الاتقان ، تفاعلات كيميائية بسلاسل متواصلة.
• إن التفاعلات الكيميائية التي تحصل في العين عند الرؤية، تدل على إبداع لا يمكن للعقل البشري أن يتخيله، فليس لنا أمام هذا النظام المبدع باجزائه المختلفة و المرتبة وفق نظام معين ليؤدي وظائف محددة من خلال سلاسل متوازنة لا تقبل الخلل، إلا أن نخر خاشعين للخالق جلت قدرته.
• كل ما سبق ، يدل على أن فوتونات الاتصال الأولى التي تنعكس عن الجسم المرئي إلى العين، و أن خلايا الشبكية تولد إشارات كهربائية من خلال عملية كيميائية معقدة . تم تسجيل تفاصيل في هذه الإشارات مثل شكل الجسم، وتفصيلاته، ثم بعد هذا، تنقل هذه الإشارة إلى الدماغ. وتدخل الخلايا العصبية المستثارة من قبل جزيئات الشبكية بتفاعلات كيميائية من نوع آخر.
• فعندما تستثار الخلية العصببية يتغير شكل جزئيات البروتين الموجودة على السطح ، مما يعوق حركة ذرات الصوديوم ذات الشحنة الإيجابية . تولد الحركة المتغيرة للذرات المشحونة كهربائياً اختلافاً في فولتاج الخلية ، و هذا يولد بدوره إشارة كهربائية ، تصل الإشارة إلى رأس الخلية العصبية بعد أن تقطع مسافة أقل من 1سم ، ولكن تبقى هناك ثغرة بين خليتين عصبيتين وعلى الإشارة الكهربائية أن تقطع هذه الثغرة ، وهذه مشكلة . تحمل كيميائيات معينة تواجد بين الخليتين العصبيتين هذه الإشارة، بهذه الطريقة تقطع الرسالة حوالي 4/1 إلى 5/1 الميلمتر ، و تستمر الرسالة بالانتقال من خلية عصبية إلى أخرى إلى أن تصل في النهاية إلى الدماغ .
• بعدها تحمل هذه الإشارة إلى مركز الرؤيا الدماغ . يتألف مركز الرؤيا في الدماغ من عدة مناطق تتوضع كل منها فوق الأخرى ، بسمك 2.5سم و 13.5 متر مربع مساحة ، كل واحدة من هذه المناطق تحمل حوالي 17 مليون خلية عصبية . تستقبل المنطقة الرابعة الإشارات القادمة أولاً ، و بعد تحليل أولي تقوم بنقل المعلومات إلى المناطق الأخرى . في أي طور من الأطوار يمكن لأي خلية عصبية أن تتلقى الإشارة من أي خلية أخرى .
• فبهذه الطريقة تتشكل صورة الجسم في مركز الرؤيا في الدماغ . والآن يجب أن تتم مقارنة الصورة بخلايا الذاكرة ،و هذا يتم بسهولة أيضاً دون إغفال أي تفصيل مهما كان دقيقاً حتى لو بدا شكل الجسم أكثر إضاءة أو ظلالا مما هو معروف به، فإن الدماغ يبدي تساؤلاً عن تغير لونه أو شكله