بسم الله الرحمن الرحيم
وصية أم لابنتها في ليلة زفافها
إن الأبناء هم فلذات الأكباد، سواء ذكوراً كانوا أو إناثاً، وكل نوع يعتبر نوع نفسه امتداداً له، أي أن الأب يعتبر الابن امتداداً له، والأم تعتبر ابنتها امتداداً لها، وكل نوع يرى نفسه في نوعه نفسه·
والأم أقرب إلى ابنتها، والبنت أقرب إلى أمها··· والأم تكون أكثر تحملاً لهموم ابنتها، وأكثر شغفاً لمحاولة إسعادها، وتأمين مستقبلها في أسرتها الجديدة، ولهذا فهي تعدها للحياة الزوجية الجديدة·
وليلة الزفاف هي الليلة التي تفارق فيها البنت أمها، وبيتها الذي نشأت فيه، ولهذا فالأم تنصح ابنتها قبل فراقها ببعض النصائح·
وقد خلف لنا الأدب العربي والأجنبي وصايا أمهات لبناتهن في ليلة زواجهن، وسنعرض لبعض تلك الوصايا لأهميتها في عصرنا هذا الذي نحياه، حيث أصبح فيه الشقاء الأسري، والانفصال والشقاق بين الزوجين، سمة في بعض البيوت العربية، بل في بيوت العالم أجمع، وأمام الغزو الفكري الذي بدأ يتسلل إلى مجتمعنا الإسلامي في دهاء وخبث بحجة الأخذ بيد المرأة إلى عالم المدنية الزائفة ولأنها لن تكون عصرية ومتحضرة، إلا إذا سايرت المرأة الغربية في سلوكها وعاداتها وتقاليدها وبذا تسعد وتظفر بما تريد·
الوصية الأولى
هي من أشهر الوصايا، و>أم إياس< هي >أمامة بنت الحارث< زوج >عوف بن محلم الشيباني<، وقد أوصت ابنتها >أم إياس< وقد اشتهرت الوصية باسمها حيث خطبها >عمرو بن عوف بن حجر< جد >امرئ القيس< الشاعر، وكان قد خطبها إلى أبيها فزوجه بها، فلما كان بناؤه بها أوصتها أمها وصية لم تدع شيئاً من تأديب المرأة وكفايتها إلا أودعته فيها، ومن عملت بها ستساعدها على أن تنجح في حياتها الزوجية وتحتل في قلب زوجها مكاناً كريماً·
وقد جمعت في نصيحتها بين جودة العبادة ودقة الدراسة، وعمق الفكرة، بادية بتهيئة ابنتها لقبول وصيتها، معتمدة على الإقناع العقلي أكثر من اعتمادها على الإثارة العاطفية·
التمهيد
في سبيل جذبها إليها، كي تصغي إلى ما تقدمه لها من نصح رشيد ورأي سديد قالت الأم لابنتها:
>أي بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، ولو أن كل فتاة استغنت عن الزواج لغنى أبويها، وشدة حاجتهما إليها، لكنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خُلقن ولهن خُلق الرجال<·
ومازالت الأم في هذا التمهيد ـ الذي ينبئ عن فكر حصيف، وعقل رزين ـ لتقول لابنتها إن للنصيحة أغراضاً غير التوجيه والأدب مثل تذكير الناسي والغافل منهم ومعاونة العاقل ليستزيد مما هو أحسن وهنا قالت:
>أي بنية: إنك فارقت البيت الذي منه خرجت، وعشك الذي فيه درجت، إلى بيت لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمةً يكن عبداً وشيكاً، واحفظي له خصالاً عشراً يكن لك ذخراً·
مجالات الوصية
وقسمت الأم وصيتها إلى خمس مجالات··
أ ـ في مجال الرضا والطاعة: >الخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة< فالقناعة إذا تجملت بها المرأة دفعتها إلى الترفُّق واللين مع زوجها، ومتى قنع الإنسان استقامت نفسه واستراحت، والزوجة المطيعة الملبية لنداء زوجها هي التي تستطيع أن تكوِّن أسرة يسودها الوفاق والوئام·
ب ـ في مجال النظافة الظاهرة والباطنة: >التعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح<، وهذه دعوة للنظافة الكلية في البيت أو النظافة الشخصية الخاصة بالزوجة، فعليها أن تعتني بنظافة بيتها ومظهره، وتهتم بنظافة ملابسها، وبزينتها، والتطيب بالطيب كلما سنح ذلك لها، فلا يجد مظهراً يتأفف منه، أو ريحاً يضايقه·
ج ـ في مجال رعاية الزوج: >فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة<، فإن الجوع يلهب الأمعاء والنفس معاً، والصبر عليه له حد وطاقة، وتنغيص النوم كدر وغضب وسخط، فعليها أن تعد له طعامه في الوقت المحدد له، وتهيئ له وقت النوم للراحة·
د ـ في مجال رعاية البيت: >فالاحتراس لبيته وماله، والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير<· وذلك بحسن إدارة البيت عن طريق رعاية الأولاد والإشراف عليهم، ورعاية ماله رعاية امرأة مقتصدة قانعة·
هـ ـ في مجال حفظ الأسرار والطاعة: >فلا تعصي له أمراً، ولا تفشي له سراً، فإن عصيت أمره: أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمني غدره< إن إفشاء الأسرار دليل على عدم الأمانة، وقد يكون في مرتبة الخيانة، وكيف تكون الحياة إذا انعدمت منها الثقة وتبدلت إلى شك مريب؟ وعدم الطاعة فيه غيظ يوغر الصدر، ويعكر الصفو السائد في مياه الزوجية·
و ـ خاتمة: >وهي استطراد ذكي لتنصح ابنتها بالمشاركة الوجدانية لزوجها، واحترام مشاعره فقالت: >ثم إياك والفرح بين يديه إذا كان ترحاً، والاكتئاب بين يديه إذا كان فرحاً، فإن الخصلة الأولى من التقصير والثانية من التكدير، وكوني أشد ما تكونين له إعظاماً، يكن أشد لك إكراماً، وأشد ما تكونين له موافقة يكن أطوع مما تكونين له موافقة، واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت أو كرهت والله يخير لك<·
وبهذه الخاتمة وفي بلاغة فائقة أنهت الأم وصيتها لابنتها وأرست للحياة الزوجية قواعدها الرصينة التي لا تهتز مع أعتى الرياح إن طافت بها، ولن تطوف بها أي رياح تثير بغبار خلاف أبداً·
وكانت أمامة بنت الحارث في عهد قبل الإسلام وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: في صفة الزوجة الصالحة >ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراً من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله<· ويمكن القول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوجز في بلاغة ما قالته أمامة بنت الحارث·
الوصية الثانية >وصية خارجة الفزاري<:
وهي وصية لرجل قام بمقام الأم مع ابنته بعد وفاة أمها وهو >خارجة الفزاري< الذي كتب إلى ابنته >هند< حين أراد الحجاج أن يتزوجها·
قال: يا بنية· إن الأمهات يؤدبن البنات وإن أمك هلكت، فعليك بأطيب الطيب وهو الماء، وأحسن الحسن وهو الكحل، وإياك وكثرة المعاتبة فإنها قطيعة للود، وإياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وكوني لزوجك أمة يكن لك عبداً، واعلمي أني أنا القائل لأمك:
خذي العفو مني تستديمي مودتي
ولا تنطقي في ثورتي حين أغضب
ولا تنقريني نقرة الدف مرة
فإنك لا تدرين كيف المغيب
فإني وجدت الحب في الصدر والأذى
إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
وقد أجمل خارجة نصيحته بأن تهتم ابنته بنظافتها الشخصية وزينتها وعدم الثرثرة في كل الأمور، والحد من الغيرة، والطاعة في كل الأمور، ومراعاة حال الزوج النفسية، ومشاركته مشاعره·
الوصية الثالثة >وصية يابانية<:
[frame="5 80"]
فعندما تتزوج الفتاة اليابانية تلقى أمها على مسامعها وصايا عشراً لكي تعمل بها مدى حياتها مع زوجها فتقول لها:
1 ـ عند زواجك يصير أمر قيادك إلى حمويك فاخضعي لهما كما لو كانا والديك·
2 ـ زوجك هو رقيبك ورئيسك فتواضعي له واعلمي أن طاعة المرأة لزوجها أسمى حلة تتحلى بها·
3 ـ انبذي الغيرة لأنها تجعل زوجك يكرهك·
4 ـ إذا حدث ما يسوءك من زوجك فاكظمي غيظك ثم خاطبيه في لطف·
5 ـ دعي عنك الثرثرة والقيل والقال·
6 ـ لا تستشيري العرافين·
7 ـ الزمي الاقتصاد·
لا تفتخري بمكانة والديك وثروتهما وبخاصة أمام أسرة زوجك·
9 ـ لا تصاحبي أحداً إلا في حدود نطاق الأسرة·
01 ـ انتبهي إلى نظافة ثيابك والزمي الاحتشام وتجنبي التبرج المثير في ليلة العمر، ليلة الزفاف·
وبعد فهذه النصائح الثلاث قد جمعت كل خصال حميدة لتؤلف دستوراً قوياً للحياة الزوجية نهديها نيابة عن الأمهات إلى بناتهن داعين الله سبحانه وتعالى أن يقدر الخير لكل فتاة وفتى أقبلوا على الزواج، وأن يمنحهما السعادة التي ترفرف على أسرتهما، وأن يرزقهما ذرية يحسنان في تربيتها تربية صالحة·
[/frame]