أضع بين ايديكم المعنى البلاغي المستفاد من الادغام في ( يَهِدِّي)في الآية التالية :
اَفَمَنْ يَهْدِي´ إلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي´ إلاَّ أَن يُهْدَي' فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. [16]
فبعد أن أخذ الله تعالي بواسطة الاستفهام الإنكساري إقراراً بالمعني من المشركين، قبل هذه الجملة: قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُم مَنْ يَهْدِي إلي الْحَقِّ بأنّ الشركاء الذين جعلوهم للّه تعالي لايستطيعون هداية الإنسان الي الحقّ، أحباب بلافصل: قُلِ اللَهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ. و من البديهي أنّ المقام يستلزم الإجابة الفوريّة علي هذا السؤال و لاينتظر جواب المخاطب، لذا فقد أجاب فوراً بهذا الشكل فقال: قُلِ اللَهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ثمّ قالَ: أَفَمَنْ يَهْدِي إلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي´ إلاَّ أَن يُهْدَي.
و نلاحظ هنا أنّه علي أساس مبني لزوم متابعة الحقّ هذا، فقد جعل الله تعالي معادلة بين قوله: أَفَمَنْ يَهْدِي´ إلَي الْحَقِّ و قوله: مَّنْ لاَيَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَي. و الاستفهام يجب أن يكون له طرفان ـ لان الاستفهام يتردّد دوماً بين النفي و الإثبات ـ و أحد طرفي الاستفهام هنا: أَفَمَنْ يَهْدِي إلَي الْحَقِّ و طرفه الآخر أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إلاَّ أَن يُهْدَي. و نحن نعلم أن «يَهْدِّي» من باب الافتعال، و أصلها يَهتدي، لانّه يجوز قلب «التّاء» و «إلاَّ» و ادغامها بالدال الاخري و كسر «الهاء» للمناسبة، فتصبح يَهْتَدِي: يَهْدِّي، فلا يهدِّي إذن تعني لايهتدي، و نري في هذه الصورة أنّ طرفي المعادلة هذين لايستقبحان في هذا للاستفهام، ذلك لانّ المعادلة الصحيحة يجب أن تكون بين النفي و الإثبات، فنقول مثلاً: هل جاء زيد أم لم يأت ؟ و هو استفهام بين النفي و الإثبات. لكن هل يمكن القول يا تري: هل جاء زيد أم أن غرفته مُظلمة ؟ كلاّ بالطبع فهذا استفهام غير صحيح، فظلمة غرفة زيد لايمكن أن تكون عِدلاً لمجيء زيد. و علينا أن نقول إذن: هل جاء زيد أم لم يأت ؟ أو نقول مثلاً: هل ذكرت هذا الامر لعمر و أم لم تذكره ؟ بحيث يدور لإسفتهام دوماً بين النفي و الإثبات.