تأملت الاية طويلا ....لماذا عبر الله عن العلاقة بين الجنسيين بلفظ اللباس
فاذا معاتي كلام ربي لا تحده حدود ...واذا باللفظ لا يدانيه لفظ كمثله ...فأبحر واركب معنا
هذا تعبير رباني: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ)[البقرة:187].
إن الله -عز وجل- عبّر بلفظ اللباس دون غيره، وجعل الرجل لباسًا للمرأة، وجعل المرأة لباسًا للرجل ؟!.
لأن للباس هنا معاني عظيمة، قد لا نحيط بها؛ ولكن نحاول بالتأمل أن نوضح شيئًا منها:
أولاً: اللباس: هو الشيء الذي يتصل بك اتصالاً جسديًّا مباشرًا دون حواجز.
ثانيًا: لفظ اللباس للرجل والمرأة فيه معنى التكافؤ النفسي, والبدني.
فللمرأة دورها, وللرجل دوره.
والمرأة ليست مجرد موضع لقضاء الوطر أو الحاجة الخاصة؛ بل هي شخصية إنسانية, مكافئة للرجل؛ ولهذا كان كل منهما لباسًا للآخر في الحياة كلها.
ثالثًا: اللباس زينة.
يقول الله - سبحانه وتعالى-: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الأعراف:31].
فالمرأة زينة للرجل، والرجل زينة لها.
عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهم- قال: "إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ, كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) و َمَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنْطفَ -أي استخلص- جَمِيعَ حَقِّي عَلَيْهَا؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)" انظر تفسير الطبري (1/625).
إنها زينة ماديةوهي زينة معنوية؛ فالوفاء و"حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ" كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم- انظر المستدرك (41)، وصحيح الجامع (2056).
والمرأة تتزين بزوجها؛ فهي تتحدث عنه عند رفيقاتها وصديقاتها, وربما تشبعت بما ليس فيه؛ فتقول: إنه أعطاها كذا، وإنه يحبها و يؤثرها ولو لم يكن الأمر كذلك! وكل ذلك من التزين للزوج.
رابعًا: اللباس ستر.
يقول الله - سبحانه وتعالى-:"لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا"[الأعراف:26].
فيستر نفسه, وأهله بالحلال عن الحرام.
ويستر نفسه وأهله، فلا يبوح بأسرار الحياة الزوجية؛ سواء كانت أسرار المعاشرة الجسدية، أو أسرار العلاقة، أو كانت المشكلات التي تقع بين الزوجين، ولا يجوز أن تكون مضغة تُلاك على ألسن الأقارب, والأباعد.
خامسًا: اللباس طهارة
ولهذا قال ربنا - سبحانه وتعالى-: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)[المدثر:4].
وفي ذلك نفيٌ للاستقذار الذي يستشعره بعض مرضى النفوس من الزواج، أو العلاقة الزوجية، أو أنهم يستعيبون الحديث الشرعي المفصل عنها.
إن الله - سبحانه وتعالى- جعل الزواج من سنة الأنبياء: (ولقد أرْسلنا رُسلاً مِن قبلِكَ وجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّة)[الرعد:38].
وكانت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- مباثة في قوله: "أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ! وَأَتْقَاكُمْ لَهُ! لَكنّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ, وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي"انظر صحيح البخاري (5063)، وصحيح مسلم (1401).
وعلى هذا فاللباس طهارة وعفة لا يستحى منها.
سادسًا: اللباس غنى واستغناء.
ولهذا قال الله - سبحانه وتعالى-:"وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ"[المؤمنون:6،5].
سابعًا: اللباس نعيم ولذة.
ولذا جعله الله - سبحانه وتعالى- من نعيم أهل الجنة: (وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)[فاطر:33]، (وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ)[الكهف:31].
فالزوجية لباس لذة ونعيم: نعيم للبدن، ونعيم للروح؛ يحدث التوازن، ويزيل التوتر.
ثامنًا: اللباس وقاية وحماية ودفء.
كما قال الله - عز وجل-: (سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ)[النحل:81]، وقال - سبحانه وتعالى-:"وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُم...."[الأنبياء:80]، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل يستدفئ أحيانًا بعائشة -رضي الله عنها-.
تاسعًا: اللباس هدوء وسكينة.
ولهذا قال - سبحانه وتعالى-: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا)[النبأ:10].
فالمرء يجد في الزواج: سكينته, وطمأنينته.
ولهذا بشَّر النبي - صلى الله عليه وسلم- السيدة خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا وصب.
فعَنْ أَبِي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: " أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ, أَوْ طَعَامٌ, أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِي أَتَتْكَ؛ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّى، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ في الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ" انظر صحيح البخاري (3820)، وصحيح مسلم (2432).
قال أهل العلم: إنما بشرها بذلك؛ لأن بيتها في الدنيا كان كذلك.
ولم يكن ككثير من البيوت، ترتفع فيه الأصوات ويكثر فيه الصراخ والخلافات، وتعصف به المشاكل الزوجية.
عاشرًا: اللباس حفظ لعورة الإنسان وجسده.
فالمرأة تحفظ الرجل في نفسها، وماله، وولده، وهو يحفظها في نفسه، وفي سرها، وفي الوفاء بعدها.
كما قال الله - عز وجل-: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النساء:34].
الحادي عشر: اللباس طِيب.
كما قال الله - عز وجل-: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)[النور:26].
الثاني عشر: اللباس مباشرة.
فهو يلي بدنك وجلدك، وكأن كلاًّ من الزوجين يستغني بالآخر عن اللباس حال الاتصال الجسدي، أو يجعله شعارًا يباشر بدنه في الحياة كلها، وليس فقط في لحظة الجنس العابرة.
الثالث عشر: اللباس نظافة وغسل
يتجدد به الثوب، وتتجدد به الحياة, كلما طرأ عليها شيء من الكدر أو الاتساخ، أو البِلى والتقادم.
وهكذا تحتاج الحياة الزوجية إلى التجديد؛ كما يجدد الإنسان ملابسه يومًا بعد يوم.
الرابع عشر: اللباس خصوصية.
فلا أحد يلبس ثيابك، و أنت لا تلبس ثياب .الآخرين، قال الله - سبحانه وتعالى-: (إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)[المؤمنون
يا لروعة القران
كلما تدبرت فيه ازددت حبا له