عرض مشاركة واحدة
رقم المشاركة : ( 1 )
 
مشرف
عبدالرؤوف خمايسة غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 8
تاريخ التسجيل : Jun 2011
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 620
عدد النقاط : 10
قوة التقييم :
افتراضي لإن حاسبني الله لأحاسبنه

كُتب : [ 06-24-2011 - 12:58 AM ]


حديث المحاسبة ( إن حاسبني الله لأحاسبنَّه) حديثٌ مكذوبٌ
الجمعة, 05 نوفمبر 2010 04:18
يقول السائل: حضرت درساً لأحد المشايخ وذكر حديثاً منسوباً للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن أعرابياً كان يطوف بالبيت الحرام وأنه تحاور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله، هل يحاسبني ربي يا رسول الله؟ فقال: نعم يحاسبك إن شاء، فقال الأعرابي: وعزته وجلاله, إن حاسبني لأحاسبنَّه)، فهل هذا الحديث صحيح، أفيدونا ؟
الجواب: ما ذكره السائل جزء من حديث طويلٍ مكذوبٍ متداولٍ بين الوعاظ، ونصه:( بينما النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف، إذ سمع أعرابياً يقول: يا كريم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلفه: يا كريم، فمضى الأعرابي إلى جهة الميزاب، وقال: يا كريم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلفه: يا كريم، فالتفت الأعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا صبيح الوجه، يا رشيق القد، أتهزأ بي لكوني أعرابياً؟ والله لولا صباحة وجهك، ورشاقة قدك لشكوتكم إلى حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أما تعرف نبيك يا أخا العرب؟ قال الأعرابي: لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فما إيمانك به؟ قال: آمنت بنبوته ولم أره، وصدَّقت برسالته ولم ألقه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أعرابي اعلم أني نبيك في الدنيا، وشفيعك في الآخرة، فأقبل الأعرابي يقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مه يا أخا العرب لا تفعل بي كما تفعل الأعاجم بملوكها، فإن الله سبحانه وتعالى بعثني لا متكبراً ولا متجبراً، بل بعثني بالحق بشيراً ونذيراً، فهبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: يا محمد السلام يقرئك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام، ويقول لك: قل للأعرابي، لا يغرنَّه حلمنا ولا كرمنا، فغداً نحاسبه على القليل والكثير، والفتيل والقطمير، فقال الأعرابي: أو يحاسبني ربي يا رسول الله،قال: نعم يحاسبك إن شاء، فقال الأعرابي: وعزته وجلاله إن حاسبني لأحاسبنَّه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعلى ماذا تحاسب ربك يا أخا العرب؟ قال الأعرابي: إن حاسبني ربي على ذنبي حاسبته على مغفرته، وإن حاسبني على معصيتي حاسبته على عفوه، وإن حاسبني على بخلي حاسبته على كرمه، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم حتى ابتلت لحيته، فهبط جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا محمد، السلام يقرئك السلام، ويقول لك: يا محمد قلل من بكائك، فقد ألهيت حملة العرش عن تسبيحهم. قل لأخيك الأعرابي لا يحاسبنا ولا نحاسبه، فإنه رفيقك في الجنة)، وهذا الحديث واضح أنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد البحث والتقصي لم أجده في كتب السنة، وليس له سند معروف، وعلامات الوضع بادية عليه، وفيه سوء أدب مع الله عز وجل، [ الحديث المذكور يصلح مثالاً للأحاديث التي تظهر فيها علامات الوضع والكذب، وفيه من ركاكة اللفظ، وضعف التركيب، وسمج الأوصاف، ولا يَشُكُّ من له معرفة بالسنة النبوية وما لها من الجلالة والجزالة أنه لا يمكن أن يكون حديثاً صحيحاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أجده بهذا اللفظ، وليت أن السائل يخبرنا بالمصدر الذي وجد فيه هذا الحديث ليتسنى لنا تحذير الناس منه. على أن أبا حامد الغزالي– على عادته رحمه الله – قد أورد حديثاً باطلاً في (إحياء علوم الدين 4/130) قريباً من مضمونه من الحديث المسؤول عنه، وفيه أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من يلي حساب الخلق يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الله تبارك وتعالى، قال: هو بنفسه؟ قال: نعم، فتبسم الأعرابي، فقال صلى الله عليه وسلم: ممَّ ضحكت يا أعرابي؟ قال: إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح...إلى آخر الحديث. وقد قال العراقي عن هذا الحديث:"لم أجد له أصلاً"، وذكره السبكي ضمن الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً (تخريج أحاديث الإحياء:رقم 3466، وطبقات الشافعيـة الكبرى:6/364)، ومع ذلك فالنصوص الدالة على سعة رحمة الله تعالى وعظيم عفوه عز وجل، وقبوله لتوبة التائبين، واستجابته لاستغفار المستغفرين كثيرة في الكتاب وصحيح السنة.قال تعالى:{وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى} سورة طه الآية 82، وقال تعالى:{وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون} سورة الشورى الآية 25، وقال تعالى:{ورحمتي وسعت كل شيء} سورة الأعراف الآية 156. وفي الصحيحين البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي)، والله أعلم .] فتاوى واستشارات موقع الإسلام اليوم 1/438.إذا تقرر أن هذا الحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب التأكيد على أنه يحرم شرعاً نسبة حديث مكذوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب أن يُعلم أن نشر الأحاديث المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم دون التأكد من ثبوتها، يعتبر من باب الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا أمرٌ جد خطير، لأن هؤلاء قد يدخلون في دائرة الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، والواجب على كل من يتصدى للتدريس أو الخطابة أو الوعظ أو التأليف أن يكون على بينة وبصيرة من الأحاديث التي يذكرها وينسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر وعاقبته وخيمة، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم:(من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وهو حديث صحيح متواتر رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم:(إن كذباً عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري، وقال الحافظ ابن حبان:(فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته)، ثم روى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)، وقال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن، الإحسان 1/210، وقال العلامة الألباني: وسنده حسن وأصله في الصحيحين بنحوه، السلسلة الضعيفة 1/12. ثم ذكر ابن حبان بسنده عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من حدث حديثاً وهو يُرى - بضم الياء ومعناه يظن - أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وأخرجه مسلم في مقدمة صحيحه. وفي رواية عند ابن ماجة وغيره (من حدث عني حديثاً...الخ). وقال صلى الله عليه وسلم:(كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم. فهذه الأحاديث وغيرها تدل على وجوب التثبت من الأحاديث قبل روايتها ونشرها بين الناس، لأن معظم الناس من العوام الذين لا يميزون بين الصحيح والضعيف من الأحاديث، بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث وينشرونها فيما بينهم، فيسهم هؤلاء في نشر هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس، ويتحملون وزر ذلك. وقد نص أهل العلم على تحريم رواية الأحاديث المكذوبة، قال الإمام النووي:[باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم:(من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) وغيره من الأحاديث، ثم ذكر بعد ذلك:[باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها] واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم:(سيكون في آخر الزمان ناسٌ من أمتي يُحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم) رواه مسلم. انظر شرح النووي على صحيح مسلم 1/62-70. وينبغي أن يُعلمَ أن في الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغني ويكفي عن الأحاديث المكذوبة. ولا يقولن قائل إنه ينشر هذه الأخبار من باب نشر الخير والدعوة إليه، فإن هذا الكلام من الباطل، فالنية الحسنة لا تكفي لصلاح العمل، وكم من مريدٍ للخير لن يصيبه، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما رواه عنه الدارمي/234.
وخلاصة الأمر أن حديث الأعرابي المذكور في السؤال مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، وتحرم نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وواجب شرعاً على الخطباء والوعاظ والمدرسين أن يتثبتوا من صحة الأحاديث قبل أن يخاطبوا الناس بها.


توقيع :

رد مع اقتباس