عرض مشاركة واحدة
 
 رقم المشاركة : ( 13 )
عضو جديد
رقم العضوية : 10053
تاريخ التسجيل : Feb 2024
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 11
عدد النقاط : 10

مهاجر أحمد غير متواجد حالياً

افتراضي

كُتب : [ 05-30-2024 - 06:56 PM ]


وجزاكم وباركم فيكم ونفعكم ونفع بكم أستاذنا الكريم .

وَثَمَّ من ذلك ، كما تقدم في موضع ، ما اقْتَرَحَ بَعْضٌ في مُثُلِ السياسة المحدَثة ، فكان منه ما اصْطُلِحَ أَنَّهُ الدولة الإله التي حَلَّ فيها المطلق الأعلى ، أو قد حَلَّ في عِرْقٍ أو فِي عُنْصُرٍ ، أو شَعْبٍ قد اختاره فَصَيَّرَهُ السيد ، ولو تحكما في الدعوى ، فكان من ذلك أطروحة في السياسة المحدَثة قد حملت اسم نهاية التاريخ والإنسان الأخير ، فَثَمَّ تحكم في مقالِ تَطَوُّرٍ محدَث ، لم يجاوز حَدَّ الفرض المجرد في الذهن ، فقد نشأ هذا الكون المحدَث من مادة أولى تدقُّ ، وهي بسيطة غير مركبة ، قد وجدت دفعةً بلا موجِد ، ثم كان من الخبط والعشواء ما لا محرِّك له ، ولو المحرِّك المجبور بلا إرادةٍ تُرَجِّحُ ، فَثَمَّ من الجبر ما لا علم له يَسْبِقُ ، فيكون من ذلك تقدير أول ، فذلك في نَفْسِهِ حكاية الاختيار ، فمنه التقدير قَبْلَ التَّرْجِيحِ ، فالتقدير لا يخلو من إِرَادَةٍ تُخَصِّصُ ، وثم أخرى بَعْدًا تُرَجِّحُ ، فيكون من كلٍّ اختيارٌ يَمِيزُ المقدورَ من غَيْرٍ ، فلم يكن ثم علم أول يَسْبِقُ ، ولا إرادةٌ بَعْدًا تُخَصِّصُ ثُمَّ تُرَجِّحُ ، فليس ثم إلا مادة أولى بسيطة لا حياة فيها ولا اختيار بإرادة ، فذلك ما استوجب علما أول يُقَدِّرُ ، ثم إرادةً بَعْدًا تُرَجِّحُ ، فَثَمَّ موجود بسيط ساذج قد وُجِدَ بلا موجِد أول هو الفاعل ، وَثَمَّ آخر من التحكم تَرْجِيحًا بلا مرجِّح أن كان ثَمَّ حركة في هذا الأول البسيط الساكن ، فَثَمَّ حركة بلا محرِّك ، وثم انقسام بلا مقسِّم ، وَثَمَّ تَرَاكُبٌ بلا مركِّب ، وثم تخصيصٌ في الخلق بلا إرادةٍ تُخَصِّصُ ، ولا علم أول يقدر الموجودات على ماهيات مخصوصة بَعْضُهَا من بَعْضٍ يمتاز ، فَثَمَّ التخصيصُ بِعِلْمِ التقديرِ الأول ، وثم آخر بالإرادةِ الَّتِي تُرَجِّحُ ، فهي تميز الموجودات في الخارج فَرْعًا عَنِ امْتِيَازِ المقدوراتِ في العلم الأول المحيط ، فَيَكُونُ مِنَ الإرادةِ التي تُرَجِّحُ : تأويلٌ لِمَا سَبَقَ مِنَ العلمِ المقدِّر ، فَثَمَّ من الفرض ما لا يخلو من جُمَلِ تَحَكُّمٍ لو تدبرها الناظر ما انْقَضَى منه العجب ! ، مع آخر قد ظهرت آثاره في السياسة المحدَثة ، فإنها تأويل لأول من الفكرة الباعثة ، فَعَنْهَا تصدر القوى الفاعلة ، فهي الحكم ولا بد له من تصور أول ، فذلك العلم الذي يسبق ، فالإرادة بعدا تصدق بما يكون من آحاد منها تحدث ، وبها خروج المقدور من العدم إلى وجودٍ تَالٍ يُصَدِّقُ ، وذلك أصل قَدْ اطَّرَدَ فِي كُلِّ فعلٍ ، فلا بد من أول من العلم ، وإلا كانت الحركة طبعا بلا عقل ، فهي الاضطرار في الحركة والسكون ، كما النار التي تحرق بالطبع ، فلا إرادة لها تُرَجِّحُ ، وإنما الإرادة إرادة من يحرق بها فَيُسَلِّطُهَا على محروق دون آخر ، فَلَهُ علم أول يقدر ماذا يحرق ، ولم يحرقه ، وما يكون من نِتَاجِ الحرق ، أينفع أم يضر ، أيحسن أم يقبح ، أيحل أم يحظر ..... إلخ من المعاني الأخص التي لا تقوم بداهة بعلة فاعلة بالطبع ، فلا تقوم هذه المعاني إلا بِحَيٍّ له من العلم ما به تقدير أول ، وله من الإرادة بعدا ما يخصص ويرجح ، فالعلم يقوم بالحارق ، لا بالنار التي تحرق ، فهي المسلَّطة التي تحرق بما ركز فيها من القوى طبعا ، فلا عِلْمَ به تُقَدِّرُ ، ولا إرادة بها تُرَجِّحُ ، فإذا سُلِّطَتْ على ما اسْتَحَقَّ الحرق أو كان حرقه يَنْفَعُ ، فهي تحرق بالطبع المركوز فيها ، وإذا سُلِّطَتْ على آخر لم يستحق أو كان حرقه يضر ، فهي تحرق ، أيضا ، بالطبع ، فلا تميز بداهة الحسن من القبيح ، المباح من المحظور ..... إلخ ، وَقُلْ مِثْلَهُ فِي السِّكِّينِ الَّتِي تَقْطَعُ بِمَا رُكِزَ فِيهَا من القوة والطبع ، فإذا سُلِّطَتْ لِتَذْبَحَ باسم الله هديًا بالغَ الكعبةِ أو آخر من الأضحية أو العقيقة ..... إلخ ، مما شُرِعَ ذبحه قُرْبَةً أو آخر يُذْبَحُ للأكلِ أو الصدقةِ ، فإذا سُلِّطَتْ لِتَذْبَحَ على هذا الوجه ، فهي تذبح ، وهو مما يحمد ، لا حَمْدًا إِلَيْهَا يَتَوَجَّهُ ، وإنما يُمْدَحُ الذَّابِحُ ، وكذا من يعالج بها ظالما في موضع قصاص أو دفع لصائل أو جهاد لعدو غاصب ، أو آخر من الطلب الذي يجاوز ، فيكون منه فَتْحٌ وَنَصْرٌ للديانة ، فكلُّ أولئك مما يُحْمَدُ ، وإذا سُلِّطَتِ السكينُ نَفْسُهَا أَنْ تَذْبَحَ بِاسْمِ آخر سوى الرب الخالق ، جل وعلا ، أو تَذْبَحَ لغيره ولو جهرت باسمه ، فَثَمَّ من النية والقصد ما يخالف الإهلال الظاهر ، أو أن تقتل أو تطعن ظُلْمًا ، فذلك مما يَقْبُحُ ، والسكين هي السكين ، فلم يَتَبَدَّلْ من مَاهِيَّتِهَا شيءٌ ، فَمَا حَسَّنَ فِعْلَهَا في موضع وَقَبَّحَهُ في آخر ، إلا أن يكون ثم مرجع من خارج يجاوز هذا الجماد الذي لا حياة فيها ولا إرادة ، فلا بد من أول يمسكه ، وله من العلم ما به يُقَدِّرُ الغاية من الذبح أو الطعن ، وله من الإرادة ما يُرَجِّحُ ، فلا يكون الفعل إلا عن أول له من الحياة وصف أول ، والحياة أصل الصفات كافة ، الذاتيةِ أو الفعليةِ ، وله من العلم بَعْدًا ما به التقدير ، وله من الإرادة تال به الترجيح ، وبه خروج المقدور من العدم إلى الوجود المصدِّق ، وليس ذلك مما يحدث في الخارج ، فيواطئ أولا من علم الحارق أو الذابح ، فقد فَكَّرَ وَقَدَّرَ ، وكان من العلم بالغاية والعاقبة ما عنه يصدر ، صَحَّ العلم أو فَسَدَ ، فَقَدَّرَ تقديرَ الحكيم أو تَعَجَّلَ فهو السفيه ، فَلَهُ من العلم أول ، ولو ساذجا لا ينصح كما الصغير الذي يَلْهُو بالنار أو يمسك السكين فَيَجْرَحُ يدَه أو قدمَه ...... إلخ ، وثم من الإرادة تال يُرَجِّحُ ، فَهُوَ يَتَأَوَّلُ ما قام بالنفس من العلم والتصور ، فحركة الخارج له تصدق ، وهي تأويل في الخارج يَنْصَحُ التقدير الأول ، فَثَمَّ العلم الذي يُقَدِّرُ ، صح أو فسد ، وثم الإرادة التي ترجح ، وثم المقدور في الخارج فهو بعدا يحدث ، وهو لتقدير أول يصدق ، ولا يكون إلا أن يُسْتَوْفَى شرط من خارج ، وَيَنْتَفِيَ المانع ، فلا يكون من ذلك ما يمنع النار أن تحرق ، سواء أكان ذلك سببا في العادة يطرد ، كما معالجة النار لجرم صلب من جوهر أو نحوه ، فلا تُؤَثِّرُ فيه النار ، أم كان منه إعجاز ، فتلك آية أو كرامة ، كما النار لم تحرق الخليل ، عليه السلام ، إذ كان من المانع أَنْ : (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا) ، وذلك من القول الذي يثبت باللفظ والمعنى ، فَثَمَّ من المقول بعدا ما يبين عما أجمل مبدأَ القول ، وذلك مقام إعجاز يخالف عن العادة ، فكان منه الآية الباهرة ، وهو ما حَسُنَ لأجله الإسناد إلى ضمير الجمع ، فَثَمَّ تعظيم في الوصف ، وثم آخر يحكي من الوصف ما تعدد ، وإن كان ثم موصوف واحد في الخارج يثبت ، فهو الرب المهيمن ، جل وعلا ، فثم من قوله الأعم ما استغرق المقدورات الكونية كافة ، فـ : (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، وثم آخر أخص كما في هذا الموضع ، وذلك ما لا يكون إلا بعلم أول يقدر ، وتال من الإرادة يرجح ، ولا يخلو من دلالة الحكمة الأخص ، الحكمة في التقدير ، وآخر من القدرة ينفذ ، وإن خالف عن المطرد من العادة ، كما إبطال القوة الحارقة في النار بل وصيرورتها على ضد من البرد الذي استوجب القيد سلامةً وإلا تأذى الخليل ، عليه السلام ، من بَرْدِهَا ، فالآية قد أعجزت إذ خالفت عن الأصل الأول ، بل وآلت إلى ضد يَنْقُضُ ، فصار من النار بَرْدٌ لا حر ، سلامة لا أذى ، فكان من ذلك ، أيضا ، رحمة بالخليل ، عليه السلام ، فَثَمَّ من كل أولئك : وصف يكثر وإن كان الموصوف واحدا في الخارج لا يَتَعَدَّدُ ، وهو الرب الخالق ، جل وعلا ، فالحقيقة تحصل في الخارج بما يكون من الذات وما يقوم بها من الوصف ، إن جمالا أو جلالا ، وبهما الكمال المطلق في الخارج يثبت ، وهو محل انفراد قد وجب إفراد الله ، جل وعلا ، به توحيدا في الاسم والوصف والفعل والحكم .

فذلك مانع تكوين ينفذ بما يكون من آي عناية بأبي الأنبياء ، عليه السلام ، وهو إمام التوحيد الذي نَصَحَ ، فكان من آي التكوين النافذ ما نَصَرَ ، وإن خالف عن العادة التي تطرد ، وكذا ما كان من ذبح إسماعيل ، عليه السلام ، فأجرى الأب السكين على رَقَبَةِ الابن ، وشد واجتهد ، فلم تُقْطَعْ آيةً أخرى تُعْجِزُ ، وكان من الفداء ما عَظُمَ في القدر والوصف ، فـ : (فَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) ، فصدق الخليل ، عليه السلام ، الرؤيا ، وهي من الأنبياء حق ، فذلك وحي ، وإن رؤيا في المنام لا اليقظة ، فتلك خاصة من خصائص النبوة ، فمن وحيها الرؤيا كَمَا استقرأه أهل الشأن من الآي والخبر ، وعمدته ما كان من الذكر المحكم ، فـ : (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) ، والقصر فيه ، لو تدبر الناظر ، مما يجري مجرى الإضافة إذ يَتَنَاوَلُ الأنواع الرئيسة ، فلا يقصر الحقيقة على المذكورات ، فَهِيَ الأنواع الرَّئِيسَاتُ ، فَثَمَّ أخرى دونها في القدر والوصف ، قد عُلِمَتْ باستقراءِ نصوصِ من الخبرِ والأثرِ تَصْدُقُ ، فكان من ذلك الاستقراء الناصح الذي اجتهد في الجمع ، إن من الآي أو من الخبر ، حتى حصل من ذلك قسمةٌ في الخارج تَتَنَاوَلُ أنواع الوحي ، ومنه الرؤيا آنفة الذكر التي صَدَّقَهَاَ الخليل ، عليه السلام ، فكان من ذلك التكليف الذي بَاشَرَ ، وإن لم يقع الفعل مصدِّقا في الخارج ، إذ ثم من المانع ما ثَبَتَ ، وإن خالف عن الطبع الذي اسْتَقَرَّ ، فتلك الآية المعجِزة ، إن في الحرق أو في الذبح آنف الذكر ، ودونها كَرَامَةٌ لولي كما أبو مسلم الخولاني ، وقد رام الأسود العنسي حرقه ، فَنَجَّاهُ الله ، جل وعلا ، فكانت كرامة لولي ، بل قد يكون ثم ثالث تعظم به البلوى لمن لا حظ له من العلم الذي يميز الصحيح من الباطل ، فقد يكون من ذلك خارقة تجري على يد غَوِيٍّ ، فَيُبْتَلَى بها الخلق أيميزون الباطل من الحقِّ ، فَيَنْظُرُونَ في حاله أَعَلَى الجادة أم عنها يخالف ، وقد يكون من ذلك مانعٌ يُدْرَكُ بالحسِّ ، وإن خفي على الجمع الناظر ، فيعالج صاحب الخارقة جسده بما يُبْطِلُ أَثَرَ النار ، وهو مما دَقَّ وَلَطُفَ من الدهان أو نحوه ، كما تحدى بَعْضُ مَنْ حَقَّقَ جَمْعًا من أولئك قد عالجوا أجسادهم قبل دخول النار بما يمنع أَثَرَهَا ، فتحدى أَنْ يَغْتَسِلَ كلٌّ بما يُذْهِبُ الأثرَ ، كالخل أو نحوه فهو يُبْطِلُ ما عالجوا به أبدانهم ، فَنَكَصُوا إذ ثَمَّ الافتضاحُ والاحتراقُ ! ، والشاهد أن ثم المجموع المركب الذي عنه الفعل الإرادي يَصْدُرُ ، فَثَمَّ المحل الذي يعالج ، وثم السبب الذي يُبَاشِرُ ، وثم الشرط الذي يُسْتَوْفَى ، وثم المانع الذي يُنْفَى ، وثم علم أول يُقَدِّرُ قَبْلَ الشروع في الفعل ، وثم إرادةٌ بَعْدًا تُرَجِّحُ ، ولا بد لها ، أيضا ، من شرطٍ يُسْتَوْفَى ومانعٍ يُنْفَى ، فذلك المجموع المركب الذي اصطلح أنه العلة ، ولا بد لها من أولى تَسْبِقُ ، فهي العلة المفتقِرة إلى أَجْزَائِهَا ، فَبَعْضُهَا يُكْمِلُ بَعْضًا ، وفواتُ بَعْضٍ يُبْطِلُ الأثر ، كالشرط الذي يَلْزَمُ ، وإلا تخلَّف المشروط إذ تخلَّف شرطه ، فهي العلة المفتقرة إلى شرط من خارج يجب استيفاؤه ، وإلى مانع يجب انتفاؤه ، وهي ، أَيْضًا ، مِمَّا يَفْتَقِرُ إلى علة أولى تَسْبِقُ ، وهو ما تَسَلْسَلَ حَتَّى انْتَهَى ضرورةً إلى سقفٍ من الشهادة لا يجاوز ، وليس به حسم المادة التي تمتنع في الذهن ضرورةً ، مادة التسلسل في المؤثرين أزلا ، فلا بد من أول لا أول قَبْلَهُ ، فكان من ذلك سبب مغيَّب ، وهو ، أيضا ، مما يَتَسَلْسَلُ حتى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى أول لا أول قَبْلَهُ ، وبه حسم مادة التسلسل ، ولو في آحادٍ من فعلِ البشر كَحَرْقٍ أو قَطْعٍ ! ، فلا يكون إلا عن أول حَيٍّ له من العلم ما به التقدير ، وله من الإرادةِ مَا بِهِ التَّرْجِيحُ ، وهو ما يَبْلُغُ بِهِ النظر المحكم أولا لَا أَوَّلَ قَبْلَهُ ، فهو العلة التامة التي لا تَفْتَقِرُ إلى غير ، بل كلٌّ إِلَيْهَا يَفْتَقِرُ أَنْ يُوجِدَ وَيُدَبِّرَ بما يجري من السنن المحكم ، ولا يكون ذلك ، بداهة ، عن عِلَّةٍ فاعلةٍ بالطبع مجرَّدةٍ من الوصف ، فلا علم به التقدير ولا إرادة بها التخصيص والترجيح ، وإنما عشواء تخبط ! ، فذلك مما لا يستقيم ، ولو في آحادٍ مِنْ فعلِ البشرِ تَحْرِقُ أو تَقْطَعُ ، فَلَيْسَ من النار أو السكين إلا عِلَّةٌ فاعلة بالطبع والقوى التي فيها قد رُكِزَتْ ، فَهِيَ الأسباب التي تَفْتَقِرُ إِلَى أول يُقَدِّرُ ، فَيُعَالِجُ بها المحال ، ولا يكون ذلك إلا بِإِرَادَةٍ تُرَجِّحُ ، فَتُخْرِجُ المقدورَ من العدمِ إلى وجودٍ تال يُصَدِّقُ ، فَوَجَبَ الرَّدُّ إلى علمٍ وإرادةٍ ، وَإِنْ مخلوقانِ محدَثان ، فَلَا يَنْفَكُّ كُلٌّ يَطْلُبُ أَوَّلًا من العلة يَسْبِقُ ، وهو ما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى علة تامة لها من أولية الفعل والتأثير ما أُطْلِقَ ، فكل علة دونها فهي تَنْقُصُ ، إذ تَفْتَقِرُ إلى أول يَسْبَقُ ، وإلى شرطٍ يُسْتَوْفَى ، وإلى مَانِعٍ يُنْفَى ، لا كما العلة الأولى التامة ، وليس من تمامها بداهة أن تكون فاعلة بالطبع مجردة من الوصف ، فلا علم ولا إرادة ، فذلك ما يعدل في الحد : العدم ، وإن تَلَطَّفَ بَعْضُ مَنْ جَرَّدَهُ فِي الذهنِ أَنْ أَثْبَتَ له كُلِّيًّا من العلمِ ، فهو المجمل الذي لا يحيط بالمقدورات ، وَأَثْبَتَ له من الفعل : التَّرْجِيحَ بالاضطرار لا بالاختيار ، فذلك ، لَوْ تَدَبَّرَ الناظر ، عدم أول ، إذ قد غَلَا في التجريد حتى أَثْبَتَ منه المطلق بشرطِ الإطلاقِ ، فأنى يكون له في الخارج حقيقة تُصَدِّقُ ، فهي لِمَا أُطْلِقَ في الذهن تُقَيِّدُ ، فلا يوجد في الخارج إلا المقيَّدات التي تحصل من الذات وما يقوم بها من الاسم والوصف والفعل والحكم ، ولو أَدْنَى مخلوقٍ يَصْدُقُ له في الخارج وجود ، فلا بد من قَيْدٍ ، فَلَيْسَ ثَمَّ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ الإطلاقِ إِلَّا فِي الذهن الذي يُجَرِّدُ ، فذلك على وصفِ العدمِ حتى يكون ثم في الخارج قيد يميز ، فهو كالفصل في الحد والتعريف إذ يُقَيِّدُ ما يكون أولا من جنس عام في الحد والتعريف ، فيكون من الفصل ما يميز آحاد المحدودات المعرَّفات في الخارج ، وإن كان ثم اشتراك في الجنس الدلالي المجرد في الذهن ، فلا يلزم منه آخر في آحاد تَثْبُتُ فِي الخارجِ ، فلا يكون ثَمَّ وجودٌ تَالٍ يُجَاوِزُ إلا أن يكون ثم من القيد ما يميز ، فهو يميز آحاد الجنس المجرد في الذهن ، كما المثل يُضْرَبُ بِجِنْسِ الوجودِ المجرَّدِ في الذهن ، فَلَيْسَ ثم في الخارج وجود بشرط الإطلاق ، بل ثم من القيد ما يميز ، كما الوصف ، فَثَمَّ وجود واجب ، وآخر هو الجائز ، فَامْتَازَ الخالقُ الأوَّلُ ، جل وعلا ، وهو واجب الوجود لذاته ، من الجائز وهو ما سِوَاهُ مِنْ هَذَا الوجود المخلوق المحدَث ، وذلك أصلٌ به إِبْطَالُ ما قد عَمَّتْ به البلوى في كُلِّ جيلٍ ، الحلول والاتحاد ، إن في الحس أو في المعنى ، وهو محل شاهد تقدم بما كان من غلو بعض في الجيل المتأخر ، فكان الغلو في مُثُلٍ من السياسةِ المحدَثة كما الدولة التي احتكرت أسباب الحياة في الخارج ، فَلَا يَثْبُتُ مولود إلا في قَيْدِهَا ! ، وإلا فَهُوَ عَدَمٌ لم يوجد ، وَإِنْ وُجِدَ في الخارج وُجُودًا يُدْرَكُ بالحسِّ ، فَلَيْسَ ثَمَّ تال من الإثبات في القيد والسجل ! ، فهو المعتبر في مثال الدولة إذ احتكرت الأسباب كَافَّةً ، فكان من ذلك وصف الإله الذي الْتَمَسَ له المتألِّه ! ، مثالا من الفكرة يُبَرِّرُ ، فكان من ذلك حلول المطلق الأعلى في مثال الدولة الذي لا يُدْرَكُ بالحسِّ ، وَإِنْ وَجَدَ الناظرُ آثارَه في الخارج بما احتكرت الدولة من أسباب القوة والتأثير ، فلم يكن من الجمع إلا قَطِيعٌ تسوق ، ولو إلى المهالِك والحتوفِ ، فَقَدْ جُرِّدَ من أسباب بها يَظْهَرُ ، وَلِطُغْيَانِ السلطةِ يَدْفَعُ ! ، فلم يكن إلا العبد المذلَّل الذي استبدل الذي هو أدنى من العبودية المحدَثة بالذي هو خير من العبودية المنزلة ، وهي ما جاءت به الرسالة فَأَبْطَلَتْ مَا اقْتَرَحَتِ الحداثة من مِثَالِ الحلولِ والاتحادِ الذي لا يميز الواجب من الجائز ، فيخالف عن الضرورات والبدائه ، إن في الخلق أو في الحكم ، فَثَمَّ من المثال مَا تَنَاوَلَهُ أهل الشأن في باب الخلق ، وهو أول ، بما تَقَدَّمَ مِنْ قِصَّةِ الحداثةِ في الخلق الأول ، وقد خالفت فيها عن مقدماتِ ضرورةٍ في العقل والفطرة ، بل والحس الذي اتخذته مرجعا في الإثبات والنفي ، فإنه يعالج من الموجودات فِي الخارج مَا امْتَازَتْ أَعْيَانُهُ ، وإن كانت جَمِيعًا من الجائز ، فَثَمَّ من العلم ضرورةً أن أعيانها تمتاز مِنْ بَعْضٍ ، فليست واحدة بالعين ، وإنما يصدق فيها أنها واحدة بالجنس بالنظر في جنس الوجود المطلق الذي يُجَرِّدُهُ الذِّهْنُ ، وواحدة بالنوع ، بالنظر في نوع الوجود الجائز المحدث ، فَثَمَّ قَيْدُ الجائز إذ استوى طرفاه في الاحتمال ، وَاسْتُصْحِبَ منه عدم أول في الخارج ، وإن كان ثَمَّ تَقْدِيرٌ أول يَثْبُتُ ، فهو من علم التقدير الذي يسبق ، وذلك ما تَنَاوَلَ المقدورات كافَّةً في الأزل ، فكان منه قديم القدمَ المطلق ، فذلك علم التقدير الأول ، وهو حتم لازم إذ به ما تَقَدَّمَ في مواضع من حسمٍ لمادة في القياس المصرح تَمْتَنِعُ ، مادة التسلسل في المؤثرين أزلا ، فلا بد من أول لا أول قَبْلَهُ ، وَلَهُ مِنَ الوصفِ : وصف الواجب لذاته ، فلا يفتقر إلى سبب من خارج ، وَأَوَّلِيَّتُهُ مما عَمَّ فَاسْتَغْرَقَ الذاتَ وما يَقُومُ بِهَا من الاسم والوصف والفعل والحكم ، وَإِنْ أَنْوَاعًا من الفعل والحكم تَقْدُمُ ، فإن من آحادها بَعْدًا ما يحدث ، وَمَرَدُّهُ إلى مَشِيئَةٍ تَنْفُذُ ، وفيها ، أيضا ، يَصْدُقُ وصف الفعل أنه مما قَدُمَ في النوع ، وَحَدَثَ من آحادِه في الخارج بَعْدًا ما يُصَدِّقُ ، فَثَمَّ أصل في باب الأفعال الإلهية يُسْتَصْحَبُ ، وهو قِدَمُ النَّوْعِ وَحُدُوثُ آحادٍ بَعْدًا تُصَدِّقُ ، ومنها آحاد المشيئة ، وبها تَرْجِيحٌ في الأفعال والأحكام ، فمردها جميعا إلى كلمات ، فَثَمَّ من المشيئة آحاد تَنْفَذُ ، وعنها آحاد من الكلمات تصدر ، وهي العلة الأولى في الخلق والشرع ، فلا عِلَّةَ لها تَسْبِقُ ، وهي التامة فلا تفتقر إلى غير ، كما أخرى دونها ، فَهِيَ ناقصة تَفْتَقِرُ إلى أول يسبق ، وثم من الشرطِ ما وَجَبَ اسْتِيفَاؤُهُ ، والمانعِ ما وَجَبَ انْتِفَاؤُهُ ، عَلَى تَفْصِيلٍ تَقَدَّمَ في مثالِ الحرقِ بالنارِ والقطعِ بالسكينِ ، وعلى هذا فَقِسْ فِي سَائِرِ الْعِلَلِ الناقصة ، سواء أكانت فاعلة بالطبع كما النار والسكين ، أم فاعلةً بِعِلْمٍ يُقَدِّرُ وإرادة بَعْدًا تُخَصِّصُ وَتُرَجِّحُ ، فَكُلُّهَا مما تَرَكَّبَ من أجزاء بَعْضُهَا يَفْتَقِرُ إِلَى بَعْضٍ ، فَثَمَّ المحل الذي يعالج ، والسبب الذي يُبَاشِرُ ، والشرط الذي يجب استيفاؤه ، والمانع الذي يجب انتفاؤه ، وكلٌّ يَفْتَقِرُ إلى أول يسبق ، فَثَمَّ من العلة ما يَتَسَلْسَلُ ، وثم من علم الخلق إذ يُقَدِّرُونَ ، وإرادتهم إذ يُرَجِّحُونَ ، ثم من ذلك ما لا يوصف بالكمال المطلق ، فلا علم لآحاد من الخلق يحيطُ وَيَسْتَغْرِقُ ، ولا إرادة لهم تطلق ، فتلك علة ناقصة ، وإن كان لها من الوصف ما يزيد ، فليست الفاعلة بالطبع المجردة من الوصف التي اقترحتها الحكمة الأولى في قصة الخلق ، فالعلة الناقصة من أفعال الخلق ، اضطرارا كما النار والسكين ، أو اختيارا كما فعل الحارق بالنار والقاطع بالسكين ، العلة الناقصة لَا تَنْفَكُّ تطلب أولى تسبق ، وكلٌّ من الجائز الذي يطلب أولا هو الواجب ، فيكون من ذلك امتياز يُبْطِلُ ما تَقَدَّمَ من دعوى الحلول والاتحاد التي عمت بها البلوى في كلِّ جيلٍ ، فلا بد من علة تامة إليها تُرَدُّ العلل كَافَّةً ، فالجائز من المخلوق المحدَث ، لا ينفك يطلب واجبا أول عنه يصدر ، فامتازَ كُلٌّ في الحقيقة ، فالجائز على قَيْدِ عَدَمٍ أول ، إذ استوى طرفاه في الاحتمال ، فلا يكون الترجيح بلا مرجِّح ، بل ثم من المرجِّح ما يَتَسَلْسَلُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى مرجِّح أول لا مرجِّح قَبْلَهُ ، وفعلُه في الترجيح ليس العشواء والخبط ، فذلك ما انْتَفَى ضرورةً في العقل والفطرة ، وتال من الحس ، وهو ، كما تقدم ، لدى الحداثة الْعُمْدَةُ فِي الإثباتِ والنفيِ ، فَثَمَّ من معالجة الحس لِخَلْقٍ قد أُتْقِنَ ، وَسَنَنٍ قد أُحْكِمَ فَعَلَيْهِ يجري ، ثم من ذلك ما يدل ضرورة على أول له من العلم ما عَمَّ فَاسْتَغْرَقَ ، فذلك علم التقدير المحكم الذي تَنَاوَلَ الكليات والجزئيات كافة ، فَلَيْسَ يَقْتَصِرُ على ما أثبتت الحكمة الأولى من العلم بالكليات المجملة ، وله ، أيضا ، من الإرادة ما عَمَّ فاستغرق ، فلا رَادَّ لَهَا من الإرادات المحدثة ، فجميعها عنها يصدر ، فكيف تخالف عنها في التأثير ، وإن كان لإراداتِ الخلقِ أَثَرٌ معتبر في الفعل والترك ، وبه يُنَاطُ التكليف بالأمر والنهي ، وإلا كان الجبر الذي يُبْطِلُ التكليف سواء أَنَفَى إرادة الفاعل المكلف صراحة أَنْ تَلَطَّفَ فَأَثْبَتَ إرادةً كَلَا إرادةٍ فَهِيَ تَقْرِنُ المفعول ولا تُؤَثِّرُ في إيجاده ، فَثَمَّ من إرادة الفاعل المكلف ما يُؤَثِّرُ ، وهو ، مع ذلك ، ليس التام في التأثير ، فلا ينفك يطلب سَبَبًا يسبق حَتَّى يَنْتَهِيَ ضرورةً إلى إرادة أولى هي التامة ، فَلَا تَفْتَقِرُ إلى سبب من خارج ، بل الإرادات جميعا إليها تَفْتَقِرُ ، كما الوحي المحكم قد أخبر ، فـ : (مَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) ، فمعالجةُ آحادٍ من المخلوقات المحدَثة في الخارج ، معالجتها بالحس الظاهر شاهد ضرورة أنها تصدر عن علم أول يُقَدِّرُ ، وهو ما عم فَاسْتَغْرَقَ الجليل والدقيق ، وآية ذلك مَا يعالجُ الحس من إتقانٍ في الخلقة ، وإرادةٍ بَعْدًا تخصِّص وترجِّح ، فعنها الفعل يصدر ، صدور الاختيار عن فاعل أول ، فَثَمَّ من آحاد الفعل سنن محكم ، وآية ذلك ما يعالج الحس ، أيضا ، من إحكام في السنة ، فكل أولئك مما يُثْبِتُ ضرورةً : الأول الذي عنه المقدورات جميعا تَصْدُرُ ، فَثَمَّ العلم المحيط المستغرق ، وثم من الإرادة والمشيئة ما يُرَجِّحُ ، وثم من الكلمات ما عنها يصدر ، فهي ، كما تقدم ، العلة التامة التي لا تَفْتَقِرُ إلى سببٍ من خارج يسبق ، وعنها الأشياء كافة تصدر ، فـ : (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، وهو ، أيضا ، مما حَسُنَ فيه الإسناد إلى ضمير الفاعلين حكايةَ التعظيمِ في موضع جلال يبين عن إرادة تَنْفُذُ ، فَلَا رَادَّ لها ، فكلُّ ما سِوَاهَا فَعَنْهَا يصدر ، وبها يحدث ، وإن كان له أَثَرٌ في الخارج ، فهو الناقص الذي يطلب أَوَّلًا يسبق حتى يَنْتَهِيَ ضرورة إلى العلة الأولى التامة ، فلا علة لها تسبق ، وبه حَسْمُ مَا امْتَنَعَ ضرورةً في الذهن من التسلسل في المؤثرين أَزَلًا ، فانتهت الأعيان المخلوقة بعد عدم ، والأسباب والإرادات الجارية على السنن المحكم ، والمعارف المحدَثة بعد جهل ..... إلخ ، انْتَهَتْ جَمِيعًا إلى أول لا أَوَّلَ قَبْلَهُ ، فَلَهُ من العلم ما أحاط فاستغرق ، وله من الإرادة والمشيئة ما بَعْدُ يَنْفُذُ ، فيكون من آحاده في الخارج ما يُصَدِّقُ أولا من علم التقدير إِذْ بالإرادة والمشيئة تأويل له يحدث ، وَثَمَّ من آحادِ الكلماتِ واسطة تَصْدُرُ ، وبها الأشياء كافة تكون ، فكل أولئك من وصف الكمال المطلق ، إِنْ جمالَ العلم المحيط المقدِّر ، أو جلالَ إرادةٍ ومشيئة تَنْفُذُ ، فكل أولئك مما حَسُنَ فيه الإسناد إلى ضمير الفاعلين حكاية التعظيم ، ولا يخلو من مثال في العدد يكثر ، لا آحادا من القدماء تَثْبُتُ ، وإنما كثرة الوصف الذي يقوم بموصوف واحد في الأزل ، فهو الأول الذي لا أول قَبْلَهُ ، وبه حسم الممتنع من مادة التسلسل في المؤثرين أزلا ، وبه تصديق أخص لما عالج الحس من آي الإتقان والحكمة ، فلا تكون عن علة فاعلة بالطبع مجردة من الوصف ، وإنما تكون عن علم أول يحيط ، وَتَالٍ من الإرادة وبها الترجيح والتخصيص ، وثم الكلمات آنفة الذكر ، وبها ، لو تدبر الناظر ، تأويل لمعلوم أول في الأزل ، إن في الخلق أو في الأمر ، فالأول تأويل لشطر من التوحيد الذي جاءت به النبوات ، توحيد الخالق الأول ، ربوبيةً لأفعالِ الإيجادِ والرَّزق والتدبير تَسْتَغْرِقُ ، فـ : (هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) ، والثاني ، وهو الأمر ، تأويل لشطر ثان من التوحيد يَلْزَمُ ، فَثَمَّ ملزوم أول عنه يصدر ، وهو توحيد الرب الخالق ، جل وعلا ، الذي انفرد بأفعال الخلق والرَّزق والتدبير ، فلازمه آخر من توحيد في الأمر بما يكون من كلمات الخبر والإنشاء ، فـ : (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) ، فَثَمَّ الخبر الصادق إن في الإثبات أو في النفي ، وثم الحكم العادل ، إن في الأمر أو في النهي ، وكلٌّ قد قام بذاتِ الخالق ، جل وعلا ، وَصْفًا ، فكان من الوحي المحكم وَصْفٌ له يثبت ، فهو من العلم الأول الذي أحاط فاستغرق المقدورات كافة ، فمنها الكونية ومنها الشرعية ، والوحي من كلمات التشريع مرجعا من خارج يُجَاوِزُ قد سَلِمَ مما لم تسلم منه المراجع المحدثة في الأرض من الهوى والحظ ، فكان من ذلك توحيد يحكي انفراد الرب ، جل وعلا ، بالخلق ، وانفراد الإله ، جل وعلا ، بالأمر ، وهو ما حُدَّ ، كما تقدم في مواضع ، حد القصر بتقديم ما حقه التأخير في آي من الذكر الحكيم : (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) ، وكلٌّ بالكلمات يُتَأَوَّلُ في الخارج ، فالكلمات تأويل لعلم أول قد عَمَّ فاستغرق المقدورات كافة ، الكونية والشرعية ، فكان من ذلك توحيد قد أجزأ ، إذ واطأ ما جاء به الوحي المحكم من انفراد الرب الحق بالخلق والتدبير ، فَلَا رب سواه ، وانفراد الإله الحق بالحكم والتشريع ، فلا معبودَ بحقٍّ سواه ، فذلك توحيد النبوات الذي أجاب عن سؤالات العلم والعمل ، ومنها سؤال الخلق ، وهو محل شاهد تقدم ، فأجاب بما يواطئ العقل والفطرة والحس ، وأجابت الحداثة بآخر من فرض التطور لم يخل من جُمَلِ تَحَكُّمٍ تخالف عن مقدمات الضرورة في القياس المحكم ، فثم الوجود المحدَث بلا موجِد أول ، وثم الفعل بلا فاعل ، وثم الحياة بلا مُحْيٍ ، والحركة بلا محرِّك ، ولو الخابط الذي يعبث ، وثم الانقسام والتراكب لا عن أول له من العلم تقدير يسبق ، وله من الإرادة تال يُرَجِّحُ ، فيكون من ذلك تخصيص وترجيح في جائز من المقدور الأول أن يخرج من العدم إلى وجود تال يصدق ، وبه حد يميز ضرورة بين الجائز الذي يفتقر إلى موجِب أول يسبق ، فامتاز من الواجب الأول ، واجب الوجود لذاته ، وذلك وصفه الذي يلازم فَلَهُ من ذلك أولية تطلق ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلى سبب من خارج يسبق ، فهو يوجبه ، بل وجوب الأول المطلق : وجوب ذاتي لا يُعَلَّلُ ،، وله بعدا من وصف الفعل ما يرجح ، فهو الموجِب لا بذات مجردة من الوصف فاعلة بالطبع ، بل هو الموجِب بما تَقَدَّمَ من علم تقدير أول ، ومشيئة بَعْدًا تُرَجِّحُ ، وعنها كلمات التكوين تصدر ، فيكون من المخلوق بها ما يُصَدِّقُ علم التقدير الأول ، فَثَمَّ من ذلك ما يحكي ضرورةً الحد الذي يفصل ويميز : الواجب من الجائز ، وبه إبطال دعوى الحلول والاتحاد المحدثة ، فإنها مما عمت به البلوى في مثال الدولة الإله ، وآخر من الجنس الأرقى والشعب المختار ، فَلَهُ من وصف العرق والعنصر ما هو أَنْقَى ، وله من الدرجة ما هو أَرْقَى على قاعدة تَتَحَكَّمُ في الانتخاب الذي يصدر عن خبط عشواء ، فقد انتخب العرق الأعلى لا عن علم وإرادة ، وإنما خبطُ عشواء ، وكان من ذلك دعوى تَتَحَكَّمُ ،إذ اختصت العرق الأبيض بذلك أنه آخر حلقات التطور ، وبه نهاية التاريخ بإنسان هو الأخير ، فهو الأبيض الناصع ، وهو العاقل النابه ، فَثَمَّ من خصال الكمال في الْخَلْقِ الظاهر وَالْخُلُقِ الباطن ، ثم منها ما هاجر فَفَارَقَ الجنوب إلى الشمال حتى استقر فِي أمصار عليا يَقْطُنُهَا الْعِرْقُ الأرقى ، وليس ثَمَّ ، لو تدبر الناظر ، دليل إلا عَيْنُ الدعوى ، تحكما في تَرْجِيحٍ بلا مرجِّح ، فهو يصادر على المطلوب بدور باطل يُصَيِّرُ الدعوى هي الدليل ، فَلَيْسَ ثَمَّ دليل من خارج يجاوزها ، وهي صورة الخلاف التي لا يُسَلِّمُ بها المخالف ، فقد يقترح أخرى تضاهي وتعدل في الحد ، وتخالف في الوجه ، فما يمنع أن يكون العرق الأحمر أو الأسود أو الأصفر هو الأرقى ؟! ، فتلك دعوى تُطْلَقُ ولا دليل لها يُثْبِتُ ، وهي ، مع ذلك ، تجزئ في رَدِّ أخرى لا دليل لها يُثْبِتُ ، فَثَمَّ الاستواء في القدر ، والمخالفة في الوجه ، وبه التَّسَاقُطُ ، فَيَرْجِعُ الأمرُ أخرى إلى عدم ، فكلٌّ يصدر عن دعوى مجردة ، ولا دليل لها يشهد ، وكلٌّ قَدِ اتهم في دعواه بما كان من الهوى والحظ المحدث أَنْ يَعْلُوَ في الأرض ، ولو ظلما بلا حق ، فيكون هو الأرقى الذي اخْتُصَّ بأوصاف السيادة المطلقة ، بل والألوهية التي نَطَقَ بها بَعْضٌ فَأَفْحَشَ إذ قال : (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) ، فهو الإله الحاكم المشرِّع وهو أولا يَضَعُ التصور الذي يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ ، والجمع له يتبع في مثال هرم هو القياس في حكومة الجور والاستبداد ، فَثَمَّ واحد بالعين ، وهو طاغوت ذو شخص في الخارج يثبت ، فَلَهُ من ذلك حقيقة في الخارج تُدْرَكُ بالحس ، فهو الحاكم المتحكِّم الذي يخالف عن مرجع من خارج هو المحكَم ، فَثَمَّ من المرجع الذاتي الذي لا يجاوز ، ثم منه ما تَشَابَهَ ، فإن الحكام على أنحاء تختلف إِذْ رُدُّوا إلى ذوات أرضيةٍ محدَثة ، فالمرجع هوى وذوق ، وإن تَلَمَّسَ لذلك دليلا من العقل ، بل ثم من يَحْتَجُّ بِأَدِلَّةٍ من النَّقْلِ قد صح لَفْظُهَا ، فيكون من التأويل ما يَحْرِفُهَا عن نَصِّهَا القاطع أو ظاهرها الراجح ، فَثَمَّ من التأويل ما تَرَاوَحَ بين البعيد والباطن ، وهو ما فتح ذَرَائِعَ بها النص يُحَرَّفُ ، فيخالف عن مراد المتكلم الأول ، إذ له من الكلام غاية وقصد ، وهو ما اتصل إسناده فَلَا يَنْقَطِعُ ، فَلَا يُنْسَخُ المعنى الأول أَنْ كَانَ ثَمَّ انقراض لجيل أول قد وَرَدَ هذا النص بِعُرْفِهِ المتداوَل في الكلام ، فَلَمَّا انْقَرَضَ فَعُرْفُهُ قَدِ انْقَرَضَ ، وَانْقَرَضَ معه مُرَادُهُ من الكلام الذي تَرَكَ ، فلم يَتْرُكْ إلا رمزا يُنْطَقُ أو آخر يُكْتَبُ ، وهو الوعاء الدلالي الذي أُفْرِغَ من مدلوله ، فَمَاتَ المتكلم الأول ، ومات معه المراد : عُرْفُ كلامٍ يُتَدَاوَلُ ومعنى هو المراد من الألفاظ ، إِنِ المفردةَ أو المركبة ، فَنُسِخَ معجم الألفاظ ، وَنُسِخَ قانون النظم في النطق ، وَمَا أُثِرَ عن الجيل الأول : خَطًّا في كِتَابٍ ، أو صَوْتًا يَقْرَعُ الآذان دون مدلول يتبادر بما يكون من ظاهرِ كلامٍ مفرَدٍ أو مركَّبٍ ، فَيُفِيدُ من الظن ما يغلب ، فهو ما يُسْتَصْحَبُ حتى يكون ثَمَّ قرينة من خارجٍ تُرَجِّحُ المؤول ، ولها من الشرط ما اعتبر ، فلا يكون من ذلك تحكم محض يُرَجِّحُ بلا مرجِّح ، أو يقترح من المعنى المؤول ما ظَهَرَ بطلانُه ضرورةً إذ يَفْرِضُ من المحال الممتنع لذاته ما لا وجود له يثبت في الخارج ، فليس إلا الفرض المحض تَنَزُّلًا في الجدال مع الخصم ، فَثَمَّ من المعنى : نَصٌّ يَقْطَعُ ، وثم آخر من ظاهرٍ يَرْجُحُ ، وهو ما يفيد ظنا يَغْلُبُ ، وذلك مما في الاستدلال يُجْزِئُ ، حتى يكون ثم قرينة معتبرة من خارج تُرَجِّحُ ضِدًّا هو المؤول ، فلا يكون المصير إليه بادي النظر تحكما فِي الاستدلال يخالف عن ظاهر أول قد ثَبَتَ ، فذلك ما استوجبَ ضرورةً الرجوع إلى مرجِعٍ محكَم من خارج يُبِينُ عن مدلولات الدوال الكلامية ، إن المفردة أو المشتقة أو المركبة أو رابعة أخص بما يكون من بَيَانٍ يدق بما اشتهر من عرف يُؤَدِّي المعنى بوجه من الكلام يَلْطُفُ ، كما الاستعارة والكناية ..... إلخ ، والعرف فيها يظهر ما لا يظهر في غير ، إذ لكلِّ لسانٍ طُرُقٌ مِنَ البيانِ الأخص ما يميزه من غير ، وهو ما يحصل فيه تفاوت آخر في اللسان الواحد ، فلكلِّ جِيلٍ من طُرُقِ البيانِ ما يَرْجِعُ إلى عرفه المتداول في الكلام ، وهو ما يطرأ عليه التغير ، وإن بعضا ، فذلك مما يخالف عن أصل أول ، وهو استقرار الدلالة في اللسان الواحد ، فَثَمَّ مواضع يَتَبَدَّلُ فيها المعنى إذ العرف يَتَبَدَّلُ ، فيكون منه تال يحدث ، وهو ، بداهة ، لا يصح دليلا على أول من الكلام قد ثَبَتَ ، بل العرف في جِيلٍ بِعَيْنِهِ لا يصح حكما في أول قد تَقَدَّمَ ، بل لا يحكم في كلام الأول إلا عُرْفُهُ الذي به نطق ، فَلَا يُحَمَّلُ كلامُه ما لا يحتمل من عرفٍ حادث بعد زَمَنَ النطق ، لا جرم وجب الرجوع إلى مأثور من كلامه المنقول بالسمع أو المدوَّن في الكتب ، إن المنظومَ أو المنثورَ ، وهو ما تقصدت الحداثة أَنْ تُبْطِلَ ، فَتَنْسَخَ منه ما اسْتَقَرَّ ضرورةً لدى المبدإِ ، فكان من ذلك تكذيبٌ أو تشكيكٌ في إِرْثٍ أول قد ثَبَتَ ، إِنْ مِنْ نَصِّ وحيٍ قد تَنَزَّلَ ، أو من ديوان كلام قد تحقق ، فيكذب النص الذي يخبر أو يشرع ، ويكذب المرجع الذي يُفَسِّرُ وَيُبَيِّنُ ، فلا يكون من الكلام إلا رَمْزٌ مجمَل ، لا مدلولَ له ، بادي النظر ، يَثْبُتُ ، إِنْ نَصًّا يَقْطَعُ ، أو ظاهرًا يَرْجُحُ ، فَثَمَّ من آثار من تَقَدَّمَ ، إن وحيَ سماءٍ أو آخر من كلام في الأرض قد حدث ، ثم منه : دالة ومدلول ، دَالَّةُ لفظٍ ، ومدلول هو المعنى الذي يحكيه اللفظ ، ولا بد له من أول من المرجع يَثْبُتُ ، إن من المعجم أو من الاشتقاق أو من النحو المركب أو تال من البيان يلطف ، على تفصيل قد تقدم .

والله أعلى وأعلم .


رد مع اقتباس