وقال ابن المبارك ـ رحمه الله ـ:
«ليكن مجلسك مع المساكين، وإياك أن تجلس مع صاحب بدعة»(11).
ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين، فقالا: يا أبا بكر، نحدثك بحديث؟
قال: لا.
قالا: فنقرأ عليك آية؟
قال: لا، لتقومان عني، أو لأقومنّه!
فقاما، فقال بعض القوم: يا أبا بكر!
وما عليك أن يقرآ عليك آية؟
قال: خشيت أن يقرآ آية يحرفانها، فيقر ذلك في قلبي(12).
وقال ابن طاوس لابن له يكلمه رجل من أهل البدع:
«يا بني! أدخل أصبعيك في أذنيك حتى لا تسمع ما يقول.
ثم قال: اشدد اشدد».
وقال عمر بن عبد العزيز:
«مَنْ جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل».
وقال إبراهيم النخعي:
«إن القوم لم يُدّخر عنهم شيء خبئ لكم لفضل عندكم»(13).
وقد ورد عن السلف ـ رحمهم الله ـ أضعاف ما ذكرت؛ مما يدل على أنهم كانوا يرون غلق هذا الباب من أصله، فكيف القول بمن يتتلمذ على أيدي هؤلاء بطوعه واختياره؛ سواء بالجلوس معهم أو مع آثارهم ومؤلفاتهم، أو عبر مواقعهم على شبكة المعلومات، أو غير ذلك؟
كان ابن الراوندي ـ وهو من أذكياء العالم ـ في أول أمره حسن السيرة ـ كما قال البلخي(14)ـ، وكان يلازم الرافضة والملاحدة، فإذا عُوتب قال:
«إنما أريد أن أعرف أقوالهم. ثم إنه كاشَفَ وناظر، وأبرز الشُّبه والشكوك، حتى قال ابن الجوزي عنه:
كنت أسمع عنه بالعظائم، حتى رأيت له ما لم يخطر على قلب»(15).
هذا عمران بن حطان ـ وكان من الأذكياء أيضاً ـ تزوج خارجية وقال:
سأردها. فصرفته إلى مذهبها(16).
واعتبر بأبي حامد الغزالي رحمه الله، فإنه دخل فما خرج منها سالماً، كما قال أبو بكر ابن العربي:
«شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة، وأراد أن يتقيأهم فما استطاع»(17)،
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:
«وقد أنكر أئمة الدين على «أبي حامد» هذا في كتبه ـ يعني المواد الفاسدة من كلام الفلاسفة ـ وقالوا: مرضه: «الشفاء». يعني شفاء ابن سيناء في الفلاسفة»(18)،
ويقول فيه الذهبي ـ رحمه الله ـ:
«وحُبّب إليه إدمان النظر في كتاب (رسائل إخوان الصفا)،
وهو داء عضال، وجرب مرد، وسم قاتل، ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء، وخيار المخلصين؛ لتلف».
فالحذار الحذار من هذه الكتب!
واهربوا بدينكم من شُبه الأوائل، وإلا وقعتم في الحيرة، فمَنْ رام النجاة والفوز ليلزم العبودية، وليدمن الاستغاثة بالله، والله الموفق، فبحسن قصد العالم يُغفر له وينجو إن شاء الله (19).
فلا تغتر بما عندك، فلست بأذكى من هؤلاء، ولست بأنسك من أيوب، ولا عندك علم ابن سيرين ولا أبي الجوزاء، والنجاة لا عوض لها فكيف تغامر بدينك، وقد علمت أن أناساً كان عندهم أكثر مما عندك من العلم ففتحوا هذا الباب على أنفسهم فضلُّوا؟!
ولا يعني هذا ترك دعوتهم ووعظهم، ولكن ليس كلٌّ يصلح لذلك.
فأللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، واجعلنا للمتقين إماماً.
(1) جامع البيان، (4/328). (2) الإبانة الكبرى، لابن بطة، (2/438).
(3) سير أعلام النبلاء، (4/372). (4) المصدر السابق، (4/472).
(5) المصدر السابق، (4/611). (6) المصدر السابق، (6/21).
(7) المصدر السابق، (6/29). (8) المصدر السابق، (6/293).
(9) المصدر السابق، (7/261). (10) المصدر السابق، (8/99).
(11) المصدر السابق، (8/399). (12) المصدر السابق، (11/285).
(13) المصدر السابق، (11/285). (14) المصدر السابق، (14/61).
(15) المصدر السابق، (14/59). (16) المصدر السابق، (4/214).
(17) المصدر السابق، (19/327). (18) مجموع الفتاوى، (10/552).
(19) سير أعلام النبلاء، (19/328).
المصـدر / مجـلة البيـان