عرض مشاركة واحدة
رقم المشاركة : ( 1 )
 
إداري ومشرف عام
محمد قبها غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 12
تاريخ التسجيل : Jun 2011
مكان الإقامة : فلسطين / جنين / طورة الغربية
عدد المشاركات : 2,494
عدد النقاط : 10
قوة التقييم :
افتراضي العنوسة...وعزوف الشباب عن الزواج

كُتب : [ 09-08-2012 - 12:17 PM ]


[align=center][tabletext="width:90%;background-image:url('http://www.islamicteacher.org/backgrounds/2.gif');background-colorurple;border:2px ridge green;"][cell="filter:;"][align=center]أسباب العنوسة :[/align][/cell][/tabletext][/align]
[align=center][tabletext="width:90%;background-image:url('http://www.islamicteacher.org/backgrounds/2.gif');background-colorurple;border:2px ridge green;"][cell="filter:;"][align=center]

1- عزوف الشباب عن الزواج :


وسبب ذلك يرجع إلى انحراف بعض الشباب ، والسفر لخارج الحدود والولوغ في أوحال الفاحشة ، ومستنقعات الرذيلة ، ويكتفي بالحرام عن الحلال ، والبعض يخاف من خيانة الزوجة له ، لأنه يرى أن كل النساء خائنات ، ويعتقد خطأً أن كل النساء منحرفات .


وهذا رد فعل طبيعي لمن خرج عن فطرته السليمة ، واتبع هواه والشيطان ، واستمرأ فعل الحرام ، أن يظن ظن السوء .

2- مواصلة الدراسة :
تعتذر بعض الفتيات عن الزواج في بعض المراحل الدراسية ، بحجة إكمال الدراسة ، وربما فشلت في دراستها ، أو تعرقلت في بعض سنين الدراسة ، فتزيد على سنوات الدارسة سنوات أخرى ، فيمر عليها العمر وهي لا تشعر ، حتى يفوتها قطار الزواج ، وسن النكاح ، ثم لا يرغب بالزواج منها أحد ، مع أن الزواج ربما كان من أعظم الوسائل المعينة على الحفظ والاستذكار والنجاح ، بل وحتى التفوق ، لاسيما في ضوء وجود زوج عاقل فاهم ، يقدر أمر الزوجة ، ويعينها على دراستها وتفوقها وهم كثير ، في كتب التربية وعلم النفس ، أن الكثير من الشباب والشابات البالغين سن الزواج ، يكون عندهم شرود ذهني ، وكثرة في الأفكار والسرحان ، ثم ضعف في التحصيل العلمي ، فلما تزوجوا ، ذهبت عنهم هذه الأفكار ، وصفت عقولهم ، وزاد فهمهم وتركيزهم في دراستهم ، حتى أصبحوا من المتفوقين والمتفوقات .
فعلى الفتاة إذا تعارضت فكرة الزواج وإكمال الدراسة ، فعليها أن تقدم الزواج على الدراسة ، لأن الزواج مطلب شرعي ، أما إكمال الدراسة فأمر ثانوي ، وإذا لزم الأمر ، فلها أن تشترط إكمال الدراسة ، وبذلك تحقق أملين مهمين ، الزواج وإكمال الدراسة .
وعلى الفتاة أن تحذر من التسويف والتسويل والمماطلة ، فربما فاتها سن الزواج ، ثم ندمت بعد ذلك ، في حين لا ينفع الندم .
وفعلاً كم من فتاة أضاعت سن الزواج بسبب حجة الدراسة ، ثم تمنت لو ضحت بالشهادة من أجل أن تسمع كلمة [ أمي أو ماما ] ، ولكن فات القطار .
ومن المعلوم أنه يوجد بعض الفتيات متزوجات وهن يدرسن في الصف الثالث متوسط ، أو في أول ثانوي ، وإن كن قليلات ، ثم يكثر عدد المتزوجات في الصف الثاني والثالث الثانوي ، فاحذري تأخير الزواج بحجة مواصلة الدراسة .
3- تراكمات أحداث سابقة :
ربما تربط بعض الفتيات ، بعض الأحداث القاسية في حياتها بكل رجل ، فربما كان الأب قاسياً في تعامله مع أبنائه وبناته ، وربما كان الأخ أيضاً وحشاً كاسراً مع أخواته ، فلا احترام ولا توقير ، ولا إجلال ولا تقدير ، بل على العكس من ذلك ، سباب وشتائم ، وركل ورفس ، فتتراكم هذه الأحداث ، حتى تصبح حلماً مفزعاً ، وهماً مفجعاً ، وتحسب الفتاة أن كل الرجال بهذه الشاكلة من سوء الأخلاق ، وعنف التعامل ، وسيء الطباع .
وربما كانت تخاف من الفشل ، لأنها تسمع وترى بعض قريباتها أو صديقاتها ، فشلن في زواجهن ، فتخاف أن ينسحب الأمر على كل الرجال .
أو الخوف من عدم القيام بحق الزوج ، أو الخوف من عدم القيام بشؤون المنزل ، وربما كانت إحداهن ترغب في الراحة والدعة ، حتى يفوتها الزواج ، وتدخل في سن العنوسة المتأخرة التي لا يرغب بالزواج منها أحد ، فتخسر بناء أسرة مسلمة تفيد أمتها ومجتمعها ، وتخسر زوجاً يكون لها جنة في الدنيا والآخرة ، وأبناءً صالحين ، يدعون لأمهم ، فعلى الفتاة أن تحكم عقلها قبل عاطفتها وما يمليه عليها تفكيرها الخاطئ ، بترك الزواج ، وعليها أن تقدر للأمور قدرها ، وتقارن فوائد الزواج ، بمضار العنوسة ، إذ لا مقارنة بين الأمرين .
لاسيما والشرع جاء في الأصل بالزواج ، ونهى عن العزوبة .
فللزواج فوائد كثيرة ، كبناء الأسرة ، والحفظ من الانحراف ، وتحقيق المكاثرة ، وغير ذلك كثير .
وللعنوسة مضار كثيرة ، ذكرتها في بداية هذا الموضوع ، فلا يمكن لعاقل أن يقارن بين أمرين أحدهما حلو والآخر مر علقم ، أحدهما يقرب إلى شرع الله ، والآخر يبعد عن مقصود الشرع من الزواج .


4- المبالغة في صفات الزوج :


بعض الفتيات تطلب صفات في الزوج ، ربما لا يمكن أن توجد في رجل ، فتجدها كلما تقدم لها خاطب ردته ، وتتخذ الأعذار في ذلك ، هذا طويل ، وذاك قصير ، وهذا ضعيف الشخصية ، وهذا غير جميل ، وهذا وظيفته غير مرموقة ، أو راتبه قليل ، أو ليس لديه وظيفة .

والأدهى من ذلك أنها ترفض شاباً لأنه ملتزم ومتمسك بشعائر دينه ، وتدعي بأنه لا يحقق لها رغباتها الشخصية ، من إيجاد دش ، وتبرج ، ونقاب فاتن ، وعباءة محرمة ، ومشية مجرمة ، أو الخروج للأسواق ، أو الحدائق المختلطة وما شابه ذلك من أمور منكرة ، فتترك هذا الكفء من أجل طلبات محرمة .
ولا شك أن مثل هذه الفتاة إن فعلت ما نهى عنه الشرع ، ورفضت الكفء فهي على خطر عظيم ، فربما فسدت حياتها من بدايتها بسبب ذلك ، لمخالفتها الصريحة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أخرج الترمذي من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ " .
5- التزويج بالترتيب :
هناك من الآباء والأولياء من ملئت قلوبهم قسوة وظلماً ، فقتلوا بناتهم ، لا قتلاً حقيقة ، ولكن قتلوا فيهن حب العفاف وذلك بالزواج ، وتكوين الأسرة ، فترى ذلك الأب الظالم ، يرفض تزويج البنت الصغرى قبل الكبرى ، بحجة مريضة مهيضة ، وأنه لابد من تزويج الكبرى ثم الصغرى ، ولا شك أن هذا من أعظم الظلم ، وأشد الطغيان ، فهل من الحق والعدل أن يمنع أب زواج إحدى بناته التي كتب الله لها ذلك ، وجاءها نصيبها ، وقدرها الذي قدر الله لها ، بحجة واهية أوهى من بيت العنكبوت ، فعلى الآباء أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم وبناتهم ، وأن لا يحرموهن من الزواج تحت أي اعتذار ، إذا جاءها مرضي الدين والسيرة ، حسن الأخلاق ، فبأي حق تُمنع فتاة من الزواج برجل كفؤ لها ؟
فليتق الله أولئك الآباء ، وليتذكروا يوم الوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة ، فقد قال تعالى : { وقفوهم إنهم مسؤولون } ، وقَالَ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ ، فَارْفُقْ بِهِ " [ رواه مسلم ] .
ولا أعلم من أين أتينا بهذه الموانع والعوائق عن الزواج ؟ أهو تقمص لما يُشاهد من مسلسلات وتمثيليات ، أم ماذا ؟
لأننا لا نعرف هذه العادة القبيحة إلا من الدخيل علينا من العادات والتقاليد ، التي يمليها علينا الشرق والغرب ، حتى تقمصنا عادات سيئة ، وقع ضحيتها البنون والبنات ، وخصوصاً البنات ، لأن البنت لا تستطيع أن تأخذ بحقها أو تدافع عنه ، لاسيما من والديها ، فهي دائماً تتميز بقلب رحيم ، وعاطفة جياشة ، فعلى الآباء والأمهات أن يراعوا المصالح العامة ، لا المصالح الخاصة ، فإذا تقدم لإحدى البنات خاطب كفء فعلى الأب أن يُسارع في ستر ابنته وتزويجها ، وأن لا يؤخر ذلك ، فإذا تقدم للوسطى مثلاً خاطب كفء ، سارع بالزواج ، وهكذا الصغرى والكبرى ، فالإنسان لا يدري أين الخيرة لبناته ، فربما تأخر زواج واحدة ، وتعجل زواج الأخرى لحكمة يعلمها الله تعالى ، ونحن لا ندركها .
وربما تعذر بعض الآباء بعدم تزويج من هي أصغر منها ، بزعم أنه يجبر خاطر الكبرى ، ولا يكسر قلبها ، حتى لا تتعقد ، وقد يكون في الكبرى بعض الموانع من الزواج مثل : قلة الجمال ، أو عدم التمسك بالدين ، أو السمعة السيئة ، أو أن الكبرى لا ترغب بالزواج الآن ، أو غير ذلك من الأسباب .
وبإصرار الوالد على تزويج الكبرى تكون الضحية أخواتها ، بأن يدخلن في مرحلة العنوسة بسبب أختهم الكبرى ، التي أصبحت حجر عثرة عليهن ، وإذا نظر العاقل بعين البصيرة فإنه يعلم أن الزواج قسمة ونصيب ، ولعل من أسباب نصيبها فتح المجال لأخواتها بالزواج إذا تقدم لهن الكفء .
وعلى الفتاة الكبرى أن تصارح والدها ووالدتها بضرورة السماح لأخواتها بالزواج ، وأن عدم تقدم الزوج لها من قضاء الله وقدره ، وتقنع والدها بأن رفضه من تزويج أخواتها معناه إجبار للأزواج أن يتقدموا للكبرى ، وهذا الرفض يؤدي ببقية الأخوات إلى العنوسة ، وعليها أن تقنع والدها بأنه لا مانع من تزويج أخواتها الأقل منها سناً ، وأنها راضية وبكل فرح وسرور .
وأُذكر بأمر مهم ، وهو ان بعض الأزواج يكون معدداً ، والغالب أن الضرات لا يحبين الخير لبعضهن ، ويضايقن أبناء بعضهن .
فربما لإحداهن بنت كبيرة هي أكبر البنات ، وللأخرى بنات أخريات قد بلغت سن الزواج ، بل تعدين سنة الخامسة والعشرين ، وبإصرار وإلحاح من أم الكبرى ، يمنع الأب زواج بناته الأخريات ، ظلماً وعدواناً ، فهذا لأب معين على الشر ، جالب للضرر ، متهم بالظلم ، فأين يذهب من الله تعالى يوم القيامة ؟
لأن بعض البنات الكبريات ربما لا تكون جميلة ، أو لا تحسن معاشرة الناس ومعاملتهم ، أو بها من العيوب ما بها ، فهل تبقى عقبة في زواج أخواتها ؟
أُريد من كل أب أو أخ أن ينظر إلى هذا السؤال بعين العقل ، لا بعين الرأفة بالكبيرة ، بل بعين العدل والإنصاف ، فهل يُعقل أن تبقى بقية البنات حبيسات أجدر أربعة من أجل أختهم الكبيرة لأنه لم يتقدم لها أحد .
النصيب إذا جاء لإحدى البنات صغرى أم كبرى أم وسطى ، فالواجب على ولي البنت أن يسرع بزواجها ، وانتهاز الفرصة لذلك ، فربما ذهب الخطَّاب ولم يعودوا بعد ذلك أبداً .
فاتق الله أيها الولي أياً كنت أباً أم أخاً أم غير ذلك ن فأنت والله موقوف ومسؤول عن هؤلاء الفتيات ، أرعيت الأمانة أم خنتها ؟
يا أيها الآباء زوجوا بناتكم أتريدون أن يزنين ؟ أتريدون أن يتسكعن في الشوارع والأسواق ؟ أتريدون أن يأتين ببهتان بين أيديهن وأرجلهن ؟ أتريدون أن يملأن بيوتكم أولاد زناً ؟
زوجوهن تخرجون من إثمهن ، زوجوهن تهربون من ظلمهن .
شكوى :
فتاة تشكو ظلم والدها ، وعدم تزويجها ، يتقدم لها الخطاب من كل مكان ، حفاظ لكتاب الله ، وأكفاء وأحساب وأنساب ، والوالد يرفض ، والأخ يأبى ، حتى بلغت الأربعين ، وعندما حضر الموت والدها وهو على فراش الفراق ، تذكر ظلمه لابنته ، وطلب السماح منها ، فقالت : والله لن أسامحك ، ولن أستغفر لك ، ولن أدعو لك ، حرمتني الزواج ، الموعد بين وبينك يوم القيامة ، والوقوف بين يدي الله ، ليحكم بيني وبينك .
وأخرى بلغت سن العنوسة ، بعد رفض والدها لكل الخطاب ، حتى بلغت سناً لا يرغب بها أحد ، وسار بها قطار العمر حتى مرضت مرض الموت ، فطلبت والدها وهي تجود بأنفاسها ، وتقول لأبيها : قل آمين ، فقال آمين ، قالت : زد قل آمين ، فكررتها ثلاث مرات ، وأبوها يقول : آمين ، قالت : حرمك الله الجنة كما حرمتني الزواج .
فيا أيها الناس حكموا شريعة الله ، وزوجوا البنات ، ولا تعضلوهن ، فعضلهن حرام ، ومعصية وظلم وعدوان ، لا تعيدوا نعرات الجاهلية ، والعصبية المذمومة ، ألم تطرق أسماعكم أية المائدة : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ المائدة50 ] .
6- الإعجاب والغرور :
من الفتيات من ترغب بالزواج من شخص رسمت شخصيته ، أو رأته فأعجبت به ، وربما كان هذا الشخص من أفسق الناس ، وأبعدهم عن التقوى ، فهي تريد هذا الزوج ، والوالد والوالدة لا يريدونه ، فيقع الاختلاف ومن ثم عدم الزواج ، حتى تصبح عانساً ، ترفض الزواج من كل خاطب إلا من ذاك الرجل الذي تريده مع ما به من موانع شرعية ، ومخالفات دينية .
وهنا كلمة مهمة :
وهي أنه ربما أعجبت الفتاة بشخص رأته عبر الشاشات أو سمعته في محاضرة أو في برنامج ، فأحبته ، وربما كلمته وعرضت عليه نفسها للزواج .
وهنا مكمن الخطورة ، فالمرأة في حالة لا تترك الخيار هنا للعاطفة ، فربما كان هذا الرجل فاشلاً في حياته الزوجية ، يختلف تماماً عن الظهور ، وهو في الحقيقة أبعد ما يكون عن العاطفة الزوجية ، بل ربما كان على العكس من ذلك تماماً ، فالمنظر غير الجوهر ، فلابد من السؤال عنه أولاً ، ثم يتدخل في الموضوع من هو أهله ، من أقرباء الفتاة ، ويفاتح ذلك الرجل ويعرض عليه الفتاة للزواج منها ، ولا يعرضها كسلعة ، وأنها رأتك وأحبتك ، فربما يدخله الشك ، يقول لسان حاله : رأتني اليوم وأحبتني ، وغداً ترى غيره وتحبه ، بل على الفتاة أن تكون أكثر نضوجاً ، وأنضج عقلاً ، ولا تسرع إلى مثل هذه الأمور ، فنهايتها ربما كانت مؤلمة مهلكة ، بل التروي التروي .
7- رفض المعدد :
أقول كلمة قبل الخوض في هذه النقطة :
الرجل الذي لديه زوجة وهو سعيد معها ، ليس هناك منغصات في حياته ، ولا يحتاج مع زوجته إلى زوجة أخرى ، لأي سبب من الأسباب الداعية إلى التعدد ، فلا داعي للتعدد ، لأن التعدد له أسبابه ، فمن لم يكن لديه سبب يجعله يعدد فلا حاجة لأن يتعب نفسه ، ويقلق راحته بزوجة ثانية ، طالما أنه سعيد مع الأولى .
وأعود إلى الموضوع فأقول :
هناك من الفتيات من لم يتقدم لها إلا المعدد ، الذي لديه زوجة أو أكثر ، فإن كان هذا الرجل من أهل الخير والصلاح ، فما المانع من الزواج به ، وكم من الزوجات من يعشن مع بعضهن في بيت واحد وكأنه أخوات بل ربما أكثر من الأخوات ، لاسيما في ظل وجود زوج عادل ملهم يقدر للمرأة قدرها ، ويعرف لها حقها ، فما المانع من الزواج بالمعدد ؟
بل إن التعدد هو الأساس كما قال بعض أهل العلم ، مستندين إلى قول الله تعالى : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } [ النساء3 ] .
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عليه رحمة الله : " تعدد الزوجات سنة لمن قوي على ذلك ، وأراد بذلك عفة فرجه ، وغض بصره ، أو تكثير النسل ، أو تشجيع الأمة على ذلك " .
ولا شك أن العاقل المنصف من الرجال والنساء يعلم بأن تعدد الزوجات فيه مصالح كثيرة ، ومنافع عديدة ، وحكم جمة ، ومن هذه المنافع والحكم والأسباب :
1 – أن الرجل السليم قد يكون لديه الاستعداد والقدرة أن يسد الحاجة لدى أربع نسوة ويعفهم .
2 – أن الرجل يكون مستعداً للنسل ولو بلغ ثمانين عاماً ، وأن المرأة في الغالب إذا بلغت خمسين عاماً يئست من المحيض ، وتوقفت عن الإنجاب ، ولاشك أن كثرة النسل مطلوبة ، حتى تكثر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ففي الحديث : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " .
3 – أن النساء يعرض لهن الحيض والنفاس والأمراض ، مما يمنع الرجل من إتيانها في هذه المدة ، فيخاف على نفسه من الانحراف .
4 – قد تكون المرأة عاقر لا تنجب ، وهو يحبها فيتزوج عليها ولا يطلقها .
5 – قد تكون المرأة غير جميلة وله أولاد منها ، وقد تكون من أقاربه فيتزوج عليها ولا يطلقها .
6 – قد يقع الاضطرار من النساء للرجال ، لقلة الرجال ، سبب الحروب أو لكثرة النساء ، فإن النساء غالباً أكثر من الرجال ، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " في آخر الزمان يكون لخمسين امرأة القيم الواحد " [ رواه البخاري ومسلم ] .
فهذا قليل من كثير من حكم ومنافع وأسباب تعدد الزوجات في الإسلام فيجب علينا جميعاً أن نعي إباحة تعدد الزوجات ، سمعاً وطاعة لله ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال سبحانه : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } [ الأحزاب36 ] .







ملاحظة :

على الفتاة أن تحسن الاختيار ، بأن يكون الزوج المعدد المتقدم لها صالحاً أميناً ذو خلق رفيع ، يخاف الله ويراقبه عز وجل ، قبل أن يراقب زوجاته ، ويخاف من عقوبة الله في الظلم وعدم العدل بينهن .

وربما رفضت كثير من الفتيات الزواج بالرجل المتزوج ، بحجة التعدد ، وعدم العدل بين الضرات ، لأنها ربما سمعت عن بعض الأزواج الذين لا يخافون الله عز وجل ولا يعدلون بين زوجاتهم .
وليس كل الناس شيء واحد ، فهناك من لديه زوجتان وأكثر ، ومع ذلك فهم جميعاً في سعادة وهناء ، وراحة وسرور .
ومنهم من لديه زوجة واحدة وهي تكيل له من العناء والتعب والهم ما لا يعلم به إلا الله عز وجل .
وعلى المعدد الذي لا يعدل بين زوجاته أن يتقي الله تعالى ويخاف عقوبته وسطوته ونقمته يوم القيامة ، وهذا وأمثاله على خطر من التهديد والوعيد الذي أخبر به النبي _ صلى الله عليه وسلم _ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا ، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ " [ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد ] ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار .
وربما كان سبب رفض الرجل المتزوج من قبل الفتاة ، أنها تشاهد عبر المسلسلات من يظهر تعدد الزوجات على أنه جريمة كبرى ، ومصيبة عظمى ، وأنه ظلم للزوجة الأولى ، حتى يشوهوا صورة التعدد عند الفتيات والنساء ، حتى أننا سمعنا وقرأنا في بعض الصحف والمجلات من يحارب تعدد الزوجات ، وربما دعوا وسمحوا للزوج بالحبيبة والصديقة والعشيقة ، وكذلك للفتاة باتخاذ الحبيب والصديق .
ولا ينكر تعدد الزوجات إلا جاهل أو معاند أو حاقد على الإسلام وأهله وحاقد على المرأة نفسها، وهذا وأمثاله محكوم بكفره، إذا كان يحارب التعدد المشروع ويعيبه وهو يعلم أن الله أباحه لأنه رد أمر أنزله الله في كتابه فقال سبحانه وتعالى : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } [ النساء3 ] .
التعدد كما قال بعض العلماء هو سنة الزواج ، فالأصل التعدد ن ومن لم يستطع فعليه بالواحدة ، ومن دعا إلى نبذ التعدد ومنعه وكره ، فقد كفر بالله تعالى ، قال سبحانه : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [ محمد9 ] .
وأما الغيرة والحزن الذي يصيب أكثر النساء عندما يأخذ زوجها الأخرى ، فهي غيرة عاطفية وطبيعية إذا كانت في حدود المعقول ، وقد حصلت هذه الغيرة من بعض أزواج النبي _ صلى الله عليه وسلم _ والعاطفة لا يصح أن تقدم في أي أمر من الأمور على الشرع المنزل من الحكيم العليم بعباده ، وبما يصلح دينهم ودنياهم وآخرتهم ، فمن فضل الله عز وجل ورحمته بعباده أن أباح للرجل تعدد الزوجات المشروع والمشروط بالعدل، وهو بلا شك من أعظم الأسباب للقضاء على العنوسة في هذا الزمان، فأوصى الفتيات الحريصات على مستقبلهن أن توافق الزواج من المتعدد إذا كان صالحاً وأميناً وصاحب خلق ، وإن كان نصيبها منه نصف رجل أو ثلثه فهذا خير لها من أن تبقى عانساً ، وخير لها من زوج كامل لا يقوم بحقوقها ، ولا يعاشرها بالمعروف ، بل قد يكون هذا الزوج سبباً في ضعف إيمانها ، إذا أدخل عليها الدش أو شجعها على التبرج والسفور ، أو لم يأمرها بالصلاة في وقتها وبطمأنينة ، بل قد يكون هذا الزوج سبباً في دخولها النار _ والعياذ بالله _ .
8- عدم الظهور :
والمقصود بهذا أن بعض الفتيات لا تخرج لكثير من المناسبات والدعوات التي يجتمع فيها كثير من النساء ، كحفلات الزفاف مثلاً ، بحجة وجود بعض المنكرات ، وهذا شيء طيب تُشكر عليه الفتاة ، لكن هناك بعض الدعوات تخلوا تماماً من مثل ذلك ، فعلى الفتاة أن تحرص على الخروج مع أهلها في المناسبات ، لأن في خروجها ذلك ، يتعرف عليها النساء ويشاهدونها ، فتكون عرضة لأعين الأمهات والأخوات اللاتي ربما سارعن بخطبتها ، فلتحرص الفتيات على الظهور أمام النساء في الحفلات والدعوات والمسايير والزيارات ، ولا يكن حبيسات الجدران ، لا يعرفهن إلا الجدار ، بل لتخرج حتى تُعرض فتُخطب .
9- الأمراض والعاهات في الفتاة :
فقد تكون بعض الفتيات مبتلاة من الله بعاهة من العاهات ، أو بعيب من عيوب الخلقة ، كأن تكون كفيفة ، أو عرجاء ، أو تكون طويلة طولاً مفرطاً ، أو قصيرة قصراً مفرطاً ، أو نحيفة نحافة مفرطة ، أو سمينة سمناً مفرطاً ، أو فيها برص ، وخاصة إذا كان البرص في وجهها ، أو يديها ، ومن المعلوم أنه ليس للفتاة دخل فيها ، فهي من خلق الله عز وجل .
فقد يكون الله ابتلاها به تكفيراً لسيئاتها ، ورفعاً لدرجاتها ، وعلامة على أن الله يحبها إذا رضيت وبرت ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ " [ رواه الترمذي وابن ماجة ] .
ومن المشاهد أن بعض الخطاب لا يرغب بالزواج من فتاة بها عاهة ، فهل تبقى عانساً بدون زواج ، أو مرفوضة عند الأزواج ، ومبغوضة في المجتمع ؟
الجواب :
هذه الفتاة يجب أن ينظر لها المجتمع نظرة رحمة ورأفة وعطف ، فالمجتمع المسلم كالجسد الواحد ، كل منه يشعر بأخيه المسلم ، ويسعى جاهداً في عونه وقضاء حوائجه ، فمثل هؤلاء الفتيان والفتيات الذين أصيبوا بإعاقات وقد بلغوا سن الزواج ورغبوا فيه ، فالمتعين على الجميع مساعدتهم والوقوف معهم ، وتزويجهم والاحتساب على ذلك الأجر العظيم عند الله تعالى .
فيتقدم لهن الأزواج طالبين الثواب من الله عز وجل ، وإن كان الخاطب زوجة أخرى ، ولو كان متوسط السن ، فإنه يتزوج بهذه المسكينة طمعاً في الأجر من الله ، في إعفافها ، وتطييب خاطرها ، وإسعادها بطفل يقوم بخدمتها ، ويملأ عليها الدنيا .
وعلى الفتاة أن توافق وتقبل بالزواج من الرجل متوسط السن أو أكبر منه ، إذا لم يكن شيخاً كبيراً ، وتقبل أيضاً بالزواج من المصاب ببعض العاهات ، إذا كان يمكن العيش معه ، فهذا التصرف منها ، أولى من بقائها عانساً مدة طويلة أو مدى الحياة .
ولاحرج ولاعيب على الفتاة المذكورة ، أن يكون بينها وبين اللجان في بعض الجمعيات الخيرية ، وقضاة المحاكم ، أو من تثق بهم من أهل العلم ، اتصال هاتفي سري بشأن البحث لها عن زوج ، بعد أن تخبرهم بإصاباتها ، أو الموجود بها من العاهات .
علماً بأنه يوجد ولله الحمد بعض اللجان السرية للزواج ، التي تحرص على التأليف وجمع الشمل بين الزوجين ، وقد حصل من جهودهم التوفيق بين الفتيان والفتيات ، وبين الرجال والنساء سواء كان فيهم عاهة أو سليمي الخلقة والأمراض .
10- الحب الشديد :
هناك من الأسر من يربطها التآلف والحب الشديد بين أفرادها ، حتى وكأن أحدهم لا يستطيع أن يعيش بدون الآخرين ، كأنهم جسد واحد ، وروح واحدة ، وهذا أمر مطلوب من الأسر ، بل من المجتمع والأمة ، أن تتلاحم حتى تصبح لحمة واحدة ، وجسداً واحداً ، هكذا دعا الإسلام أهله ، مع أنه لو مات أحد أفراد هذه الأسرة لربما نُسي بعد فترة .
المهم أن هذا الحب والتعاطف والتراحم بين أفراد الأسرة الواحدة ، لا يجعل أفرادها يرفضون الزواج ، بسبب هذا الحب بينهم ، لأن العزوبة من الرجال والنساء منهي عنها ، والزواج ، وزيادة الأسر ، وتكثير النسل ، أمر مطلوب شرعاً ، ولا بأس بأن تتزوج الفتاة من إنسان قريب منهم صلة ورحماً ، يدرك ما هم عليه من الترابط والمحبة ، ويقدر لذلك الأمر قدره ، فلا يبعد بالبنت عن أهلها كثيراً ، لاسيما إن كان أهلها أهل خير وطاعة وبر ، وتربطهم هذه الرابطة الجياشة ، حتى لو اشترطوا على الزواج ذلك ، بأن لا تبعد بنتهم عنهم ، أو أن يُسكنها في مسكن قريب منهم ، وهكذا تتذلل الأمور ، ولا يصبح لدينا جيش من العوانس ، بسبب أمر لا أهمية له ، لأن الموت لابد منه للناس جميعاً ، بل لكل حي ، فإذا علمنا ذلك ، فهب أن هذه الفتاة ، أو ذلك الفتى ، رفضوا الزواج من أجل أن يبقوا مع والديهم ، وكما يقولون : نحن نعيش حياة طيبة هانئة هادئة ، فلماذا ننغص على أنفسنا بالزواج ، ومشاكله ، والأبناء ومشاكلهم ، وهم تربيتهم ، ونحن لا نستطيع البعد عن والدينا ، بل لا نتصور أن نتزوج ونبتعد عنهم ، حيث سيشغلنا الزواج والأسرة والأبناء عن والدينا ؟
نقول : الأمر هين ، فمن أراد أن يبر والديه ، فله ذلك ، يستطيع الابن أن يبرهم إذا تزوج أخذهما عنده ، ورفق بهما ورحمهما وعطف عليهما ، وأحسن إليهما ، فهذا أمر لا إشكال فيه ، فهم معه حيثما كان .
والبنت يمكن أن تتزوج بقريب لها يعرف حالها مع والديها ، وأنها تريد أن تبرهما ، وتكون قريبة لهما ، بل ربما وافق الزواج على أن يكون أبوا الزوجة معها ، وربما سكن في سكن ملاصق لهما ، أو في نفس العمارة التي هم بها ، فالأمر هين وسهل ، لكن أن نجعل مثل هذا الأمر عقبة أمام زواج بعض الشباب والشابات ، هذا خطأ ولا يوافق عليه أحد ، وهو خلاف مقصد الشريعة التي جاءت بالحث على الزواج ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ _ القدرة _ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ _ وقاية من الوقوع في الحرام _ " [ رواه مسلم ] .
فانظروا إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه من الشباب ، لأن الشباب طاقة ، لاسيما في عصرنا هذا ، الذي تدفق فيه كم هائل من البث الإعلامي المرئي ، من قنوات فضائية ، وإنترنت ، حتى أصبح العالم وكأنه قرية صغيرة بين يديك تحركه كيفما تشاء ، بل تم تكثيف المواقع والقنوات الإباحية التي تفتن الناس ، وتخرجهم من سياج الدين وحصنه المتين إلى حمى الفضائيات والنت ، ومن رعى حول الحمى أوشك أن يقع فيه ، وكم هم الذين رتعوا فيه ، ووقعوا فريسة له .
وطالما أن الأمر هكذا ، لاسيما وقد جاء الخبر الصحيح أن الزنا قد كتب على ابن آدم لا محالة ، عَنِ أَبُي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهما - قَالَ : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا ، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ " [ متفق عليه ] .
فعلى المرء المسلم أن يخشى دغدغة مشاعره الجنسية في يوم من الأيام ، ولا يجد الطريق الحلال الذي يقضي فيه وطره ، فيقع في حبائل شياطين الجن والإنس ، فيسقط في براثن الرذيلة والعياذ بالله ، وعندئد يندم ندامة عظيمة ، ويتمنى لو أنه كان متزوجاً فقضى وطره في الحلال ، فتزوجوا معاشر الشباب والشابات ، كونوا الأسر المسلمة ، واللبنات الأولى لبناء مجتمع مسلم ، يادفع عن مقدساته ، وينشر دوة الله تعالى إلى أصقاع المعمورة ، بجهود أولئك الشباب المسلم الأبي ، الذي يرفع راية التوحيد خفاقة في كل بقاع الأرض ، ولا يتأتى ذلك إلا بالزواج وإنجاب الأبطال .
11- رد الخاطب الكفء بحجج واهية :
وهذا السبب مشترك بين الوالد والفتاة .
فالبنت ربما أرادت زوجاً تخيلته في مخيلتها ، ولذلك كلما جاءها خاطب وهو أهل أن يُجاب ، رفضته الفتاة بحجج ضعيفة ، تضع فيه من العيوب ما يجعلها تقتنع هي بها ، مع أن ليس فيه العيوب ما ذكرته أو ابتدعته ، ثم تبقى هكذا حتى يمضي العمر ، ويذهب سن الزواج الذي يرغبه الناس ، فإذا بها عانس .
والطرف الآخر في هذه القضية وهو محورها الأب أو الولي ، فإذا كانت البنت موظفة ، فإنه يحرص كل الحرص على امتصاص عرقها وتعبها وسهرها ، فما إن يأتي آخر الشهر إلا وهو لها بالمرصاد ، يأخذ الجمل بما حمل ، وربما لم يترك لها ريالاً واحداً تنفق به على أشيائها الخاصة ، علماً بأن راتب الموظفة لها شرعاً وعرفاً ، فمن أين للأب أين يأكل راتب ابنته ، من أذن له بذلك ؟ من أين له الدليل على فعله ؟
فمثل هذا الأب أو الولي حتماً سيرفض كل من يتقدم لابنته أو موليته ، بأي حجة كانت ، فمثلاً :
ليس لدينا بنات للزواج ، البنت صغيرة ، وهكذا من هذه الأكاذيب والخزعبلات .
وتراه يزيف على ابنته الحقائق ويزورها ، ولا يحكي لها الحقيقة ، فيقول :
الخاطب غير سوي ، ما عنده دين ، ما عنده أخلاق ، فيه كذا وكذا ، حتى تقتنع البنت بأن هذا الخاطب لا يصلح لها .
وقد وقع هذا الأب في محاذير كثيرة وخطيرة ، وقع في الكذب ، قال تعالى : { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [ آل عمران61 ] ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه - عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقاً ، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً " [ متفق عليه ] .
ووقع في الظلم ، فقد ظلم ابنته التي من صلبه ، والتي بلغت سن الزواج ، وحرمها من الزواج من أجل أن يأكل حفنة قذرة من أوساخ الدنيا ، فهذه الأموال أوساخ الناس ، ولا فائدة تُرجى من تجميعها ، بل هي الوبال ، وبه شدة الحساب والعتاب يوم القيامة وعاقبة الظلم وخيمة وعظيمة قال تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ } [ الأنعام47 ] ، وقال تعالى : { يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [ غافر52 ] ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [ متفق عليه ] ، وعَنْ أَبِى ذَرٍّ _ رضي الله عنه _ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : " يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً ، فَلاَ تَظَالَمُوا . . . " [ رواه مسلم ] .
ووقع هذا الأب الظالم في أكل المال الحرام بغير وجه حق ، ولقد توعد الله من هذه حاله بالعذاب والنكال يوم القيامة ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً } [ النساء29-30 ] .
ووقع في تشويه سمعة الخطاب ، ظلماً وعدواناً ، فكيف يهنأ بالعيش من هذه حاله والعياذ بالله ، فهذا سوف يكثر خصماؤه يوم القيامة ، فأين المفر ؟ وأين المستقر ؟ نعوذ بالله من الخذلان ، ونقصان العقل ، وضحل التفكير .
وماذا يفيد المال إن مآله إلى نار وجمر في جهنم ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِيَ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ " [ أخرجه البخاري ] .
12- حَجْرُ الفتاة على قريبها :
هذه من العادات الجاهلية القديمة التي أحيا جذوتها بعض الأولياء الجهلة بتعاليم الدين الحنيف ، دين الرأفة والرحمة والعطف والتآلف ، هذه العادة كمثل أن يقتل الوالد بنته حية ، وهذا ما يُسمى بالوأد ، والوأد : أن يقتل الرجل بنته حية ، وذلك بأن يدفنها وهي على قيد الحياة خوفاً من العار ، لأن البنت عند العرب الجاهليين قبل الإسلام كانت تعد من العار الذي يُخشى منه ، فيمكن أن تُؤسر فتصبح فضيحة لأهلها بين العرب والقبائل .
قال تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } [ النحل58-59 ] .
وإذا جاء مَن يخبر أحدهم بولادة الأنثى اسودَّ وجهه ; كراهية لما سمع , وامتلأ غمًّا وحزنًا ، يستخفي مِن قومه كراهة أن يلقاهم متلبسًا بما ساءه من الحزن والعار ؛ بسبب البنت التي وُلِدت له , ومتحيرًا في أمر هذه المولودة : أيبقيها حية على ذلٍّ وهوان , أم يدفنها حية في التراب ؟ ألا بئس الحكم الذي حكموه ، مِن جَعْل البنات لله ، والذكور لهم .
وقال تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [ الزخرف17-18 ] .
وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى التي نسبها للرحمن حين زعم أن الملائكة بنات الله صار وجهه مُسْوَدَّا من سوء البشارة بالأنثى, وهو حزين مملوء من الهم والكرب ، فكيف يرضون لله ما لا يرضونه لأنفسهم ؟ تعالى الله وتقدَّس عما يقول الكافرون علوًا كبيرًا .
أتجترئون وتنسبون إلى الله تعالى مَن يُرَبَّى في الزينة , وهو في الجدال غير مبين لحجته ; لأنوثته ؟
المقصود من هذا كله أنه لا يجوز للأب أو الولي أن يحجر ابنته أو قريبته على من لا ترغب بالزواج منه ، والعادات إذا خالفت الشرع فلا عبرة بها ، بل يُضرب بها عرض الحائط ، فما كان من عند الله فهو الشرع ، وما كان من عند غيره فهو مبتدع ومخترع.
فيحرم على الآباء قصر بناتهم على أبناء عمومتهم أو أقربائهم ، مهما كانت الحجج والأعذار ، ولم نسمع بهذا في شرعنا وديننا ، ولا ريب أن من فعل ذلك فهو عاصٍ لله ، مخالف لأمره ، الذي أمر برعاية البنات رعاية صحيحة سليمة وفق كتاب الله ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ _ الثيب _ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ " ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَكَيْفَ إِذْنُهَا ؟ قَالَ " أَنْ تَسْكُتَ " .
فماذا أنت فاعل بهذا الحديث أيها الأب ، يا من تحرم ابنتك بالزواج ممن ترغبه هي ، ماذا ستقول لربك إذا وقفت بين يديه ، وأنت ظالم لابنتك مجبر لها بالزواج من قريبها بالقوة والجبر ؟
أرجو أن تُعد للقائك مع ربك جواباً يكون فيه خلاصك ، ولن تهتدي إلى ذلك سبيلاً ، لأنك خالفت أمر شرع الله عز وجل .
يا أيها الوالد لا تقحم ابنتك في قبضة رجل لا يخاف الله ، ولا تزج بها إلى سجن رجل لا ترغبه ولا تريده ، وقد يكون عاصياً لله ، فربما كان قريبها لا تبرأ به الذمة _ ضعيف الدين والخلق والأمانة ، لا يهتم بالصلاة ، أو أنه لا يصلي ، أو مصر على بعض الكبائر _ فاعلم أن النتيجة ستكون وخيمة على ابنتك التي من صلبك ، فإذا حصل مثل هذا الزواج فلا شك أنه سيحصل ما لا تحمد عقباه ، وما لا ترجى أخراه ، فقد يضايق بنتك ، ويحملها من العناء والتعب والضرر ما لا تطيق الصبر عليه ، فيسهر الليالي ويتركها لوحدها ، أو ربما أجبرها على مشاهدة الدش ، وترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها ، أو ضايقها بشرب الدخان ، أو بدأ يسخر منها ويستهزأ بها ، ويتلفظ عليها بالسب والشتم واللعن ، وربما ضربها فكسر وأسال الدم ، فما أنت قائل لله إذا وقفت بين يديه للحساب والجزاء ، وابنتك هي خصمك ، في يوم كل إنسان يقول فيه : نفسي ، نفسي .
فيا أيها الأب ، دع عنك عادات الجاهلية ، والتعصب الأعمى ، واحرص على مصلحة ابنتك ، واعلم أن الجنة في مصلحتها ورعايتها وتزويجها للرجل الكفء الذي تريده هي ، وابحث لابنتك عن زوج تبرأ به الذمة ، وأقنعها به باللين والسهولة واللطف ، وسوف توفق إذا علم الله صدق نيتك وحرصك على إبراء الذمة ، وما يسعدها في الدارين ، أخرج البخاري ومسلم من حديث عَنِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا ، فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئاً غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا ، فَأَخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئاً ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا ، فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَنِ ابْتُلِىَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ ، كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ " ، فهل أنت أيها الأب بتزويجك ابنتك ممن لا ترغبه ، قد أحسنت إليها ، أم أسأت إليها ؟
فإن قلت : أحسنت ، فقد جانبت الصواب ، ولن يوافقك عاقل .
وإن قلت : أسأت ، فقد صدقت ، وبذلك لم تكن بنتك حجاباً لك من النار ، بل ربما كانت باباً لك إلى النار ، فتأمل ذلك وتدبره ، فهو عظيم عند من يقدرون أمر الله ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ عَالَ ثَلاَثَ بَنَاتٍ ، فَأَدَّبَهُنَّ ، وَزَوَّجَهُنَّ _ بمن يرغبن _ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ ، فَلَهُ الْجَنَّةُ " [ رواه أبو داود ] .
فزوجهن ، لكن بمن ؟ بمن يرضينه ويرغبه ، لا بمن يكرهنه ، أو بمن يجبرن عليه .
13- أكل راتبها :
ولا يفعل هذا الفعل إلا رجل لئيم ، سيء الطباع ، ضعيف الدين ، ناقص العقل والتفكير ، إذ كيف يضيع مستقبل ابنته مقابل حفنة قذرة من مال ، سوف يموت ويتركه .
ولقد وجد من الآباء من هم بمثل هذه الصفات القبيحة ، فيمنع بناته ويكدسهن بين يديه ، وربما بلغن سناً متقدماً في العنوسة ، ليجمع رواتبهن كل شهر ، ونسي أن الله له بالمرصاد .
نعم أيها الأخوة هناك من فقد عاطفة الأبوة ، وحنان الوالد ، وكشر عن أنياب الطمع والجشع ، وحب الذات ، فمنع بناته من أعظم حقوقهن على أبيهن ، ألا وهو الزواج ، الذي حث عليه الإسلام ، ورغب فيه ، فأصبح لا يرى إلا الدنيا وبهرجتها وزينتها وأموالها ، ولم يدر بخلده أنه لن يأتيه من الدنيا ما كتب الله ، وأنه جمع أموال الدنيا لا يزيده إلا غماً وهماً فيه ، ويوم القيامة يوقف موقفاً لا يحسده عليه غيره ، يقف موقف الجزاء والحساب ، فيقال له : من أين لك هذا المال ، أجمعته من حلال أم من حرام ؟
وهناك تكون الصاعقة والفاجعة ، لأنه جمع ماله من كد بناته ، وتعبهن ، وعرقهن ، ومع ذلك يا لته زوجهن بل عضلهن ومنعهن من أعظم حقوقهن عليه وهو الزواج ، فجمع هذا الأب كثير من أمور الشر والعياذ بالله .
كل ذلك حتى لا يشاركه أحد في راتب ابنته ، وإنني لأعلم آباءً ضربوا أروع المثل في تزويج بناتهم الموظفات ، وكلما جاءت إحداهن إلى أبيها بمبلغ تساعده به ، رفض وشدد في التعنيف عليها ، وقال : أولادك وزوجك أحق به مني ، بل ربما وقع في ضائقة مالية ، فتراه يذهب إلى فلان وفلان ليستدين ، وبناته موظفات يتمنين أن يطرق بابهن ليعطنه ما يريد من مال ، ولكنه تعفف واستحيا أن يمد يديه لبناته ، لأنه يعلم علم يقين أن هذه البنت الموظفة المتزوجة أو غير المتزوجة ، محتاجة لراتبها ، لتنفق على نفسها وعلى بيتها وأولادها ، وربما كان زوجها في وظيفة لا تفي بأغراض المنزل ، فهي تقف معه وتساعده ، فهنيئاً هنيئاً لمثل أولئك الآباء ، الذين أدركوا خطورة الدنيا ، وعملوا للآخرة ، ولنصغ لهذا الحديث الذي أخرجه الترمذي من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ ، جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ " .
ثم إني أُذكِّر كل أب رأى أن الحياة تتمثل في أكل رواتب بناته ، فمنعهن من الزواج ، وحرمهن من الذرية ، أُكِّره بأنه غاش لبناته ، لم ينصح لهن ، ولم يجهد لهن ، ولم يساعدهن على الزواج ، بل منعهن وحرمهن ، فهو على خطر عظيم يوم القيامة ، عَنِ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً ، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ ، إِلاَّ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ " [ رواه البخاري ] .
وعند مسلم قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً ، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ ، وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ ، إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " .
فا أيها الأب ويا أيها الولي تذكر قدومك على ربك بذنوب كالجبال جراء حرمان بناتك من أعظم حقوقهن عليك ، تذكر عندما تجد ابنتك واقفة تخاصمك أمام الله تعالى ، فما أنت قائل ، وما أنت مجيب ، وما هي حججك عند من لا تخفى عليه خافية ؟
فجعل بناتك ستراً لك وحجاباً من النار ، قبل أن يكن جسراً تعبر عليه إلى جهنم وبئس المصير ، إذا لم ترعهن وتؤدي لهن حقوقهن ، فمن هو الذي سيفعل ذلك ؟
لقد وجد لدينا اليوم فتيات بلغن الأربعين سنة ، بل دخلن فيها ، ولم يتزوجن ، وهم يدعون الله ليل نهار على أبيهن بالعذاب والويل والنكال ، فأين تذهب أيها الأب الظالم من دعوات هؤلاء البنات الكسيرات المظلومات ، ألن تعلم أن الله عز وجل تكفل بنصرة المظلوم ولو بعد حين ، فربما أدركت دعوتهم عند موتك ، فلا ينطق لسانك بلا إله إلا الله ، بل ربما نطق بكلمة تختم لم بخاتمة السوء ، وربما أدركت المنية في حادث مؤلم تراه العذاب فيه قبل أن تموت مئات المرات ، وربما ادخر لك العذاب يوم القيامة ، فلا تشتري عذاب الله بأكل أموال بناتك ورواتبهن ظلماً وجوراً ، بل زوجهن ، وإن كنت مستحقاً فاتفق أنت وابنتك على نبلغ شهري تعطيك إياه ، واشترط ذلك في عقد نكاحها على زوجها ، ولسوف يُرضيك مبلغ من المال تتسامح فيه النفوس ، وهو أعظم بركة من مال تأخذه ظلماً وعدواناً ، فقم واخطب لبناتك يرزقك الله برهن وبر أولادهن ، وإياك أن تكون الدنيا هي أكبر همك ، ومبلغ علمك ، فتهلك في أودية المال الحرام ، وظلم البنات المسكينات اللاتي لا حول ولا قوة لهن إلا بالله ، فهو نعم المولى ونعم النصير .
14- غلاء المهور :
هذه مشكلة المشاكل ، ومصيبة المصائب ، غلاء المهور ، بل والتباهي بذلك ، والتفاخر به ، حتى بلغت بعض الزيجات مئات الآلاف من الريالات ، فقدت البركة ، وحصل الخلاف والشقاق ، وبالتالي الفراق ، فهناك رجل تزوج بامرأة مقابل أربعمائة ألف ريال ، فتم الزواج ، وفي الصباح عادت الفتاة إلى أهلها مطلقة ، هذه نتيجة حتمية لمثل هذه الزوجات التي تكاليف التكاليف الباهظة ، وما أجمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أعظم هدي السلف الصالح من هذه الأمة ، حيث كانوا يتسابقون إلى الزواج بأقل مهر كان ، رجل تزوج بخاتم من حديد ، وأخر تزوج بقدر نواة التمر من ذهب ، وثالث تزوج بما معه من القرآن ، وامرأة اشترطت مهرها أن يسلم خاطبها ، فأسلم فتزوجته ، ورجل زوج ابنته بريال واحد ، وآخر بمائة ريال ، وآخر بمخمسائة ريال ، وهكذا ضرب أولئك الرجال الأفذاذ أروع المثل في تسهيل المهر ، وتيسير زواج بناتهم ، لم يركنوا إلى الدنيا ، ولم يجعلوها همهم وأكبر علمهم ، بل أنها حقيرة وضيعة ، فطلقوها طلاقاً بائناً ، وخطبوا الآخرة ، وسعوا لها سعيها ، فكان سعيهم مشكوراً ، قال تعالى في شأن الدنيا : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ هود15-16 ] .
وقال عز وجل : { إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ يونس 7-8 ] .
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ ، تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا ، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا ، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا " [ رواه أحمد ] .
نحن في مجتمعنا المحافظ ، المحاط بالدين من كل جهاته ، لا نعرف مثل هذه العادات البغيضة ، الدخيلة علينا ، فما فائدة فتاة تتزوج بمئات الآلاف ثم تطلق ، مهر مرتفع ، خمسون ألفاً من غير الذهب ، وربما تبعه شيء للأم ، وشيء للأخوة والأخوات ، والقريبين والقريبات ، وهدايا وشنطة محملة بآلاف الريالات ، فيه من الطلبات ما تنوء بحمله الجبال ، وعربية تُحمل عليها بعض الهدايا ، وتكلفتها آلاف الريالات أيضاً ، وقصر كذلك ، وذبائح مثلها ، وإذا بالمحصلة بغض وكراهية للزوجة وأهلها من قبل الزوج وأهله ، ثم شقاق ، ثم محاكم ، ثم مشاكل لا أول لها ولا آخر ، كل ذلك لمخالفتنا لهدي رسولنا وحبيبنا وقرة أعيننا _ صلى الله عليه وسلم _ الذي تزوج وزوج بناته على دراهم معدودة ، لا تُعد اليوم في عرف الناس شيئاً ، لأن جمع المال وإنفاقه في مثل هذه الأمور ليس مقصداً شرعياً ، ولا مطلباً دينياً ، بل المهم في ذلك هو تكون الأسرة المسلمة ، وإحصان الفروج ، وإعفاف الرجال والنساء عن الوقوع في الحرام .
وكم من أسر وآباء وأمهات أدركوا عظمة أمر تسهيل المهور ، وتيسير الزواج ، فعاشت بناتهم أحسن عيشة ، وبلغ الحب بين الزوج وزوجته ذراه ، ووصل مداه ، كل ذلك بسب تقليل المهر ، واختصار حفلة الزواج على الأقرباء والجيران ، في مكان مختصر ، في ساحة في قرية ، أو استراحة لا تزيد عن ألف ريال ، وذبائح تكفي المعازيم والمدعوون ، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أما أن نتكلف ونقلد الناس في المشرق والمغرب ، وتصبح أعراسنا صخب وسهر ، وتكاليف باهظة ، تنفق فيها مئات الآلاف من الريالات ، مهور مرتفعة ، وهدايا لا داعي لها ، وقصور مكلفة ، وامور مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان ، بل فيها من المخالفات الشرعية ما الله به عليم ، مما هو مشاهد في كثير من أفراحنا اليوم ، حتى يكسر كاهل الزوج ، فيصبح مكبلاً بالديون ، مثقلاً بحمل لا يتحمله ، حتى يأتي يوم وينفجر من شدة الضغوط وطلبات أصحاب الديون ، فتسوء العشرة الزوجية ، ويحصل الانقسام ، وتكثر المشاكل ، فلا حل ، إلا بإرجاع المهر وكامل التكاليف التي تكلفها الزوج ، حتى أن بعضهم طلب _ الملابس الداخلية التي اشتراها للمرأة _ نكاية في أهلها ، فماذا استفاد الأب والأم عندما أصروا على مثل هذه النفقات العظيمة ، والخسائر الكبيرة ، والنتائج الوخيمة ؟
والله لن يجنوا من ورائها الأموال التي يأملونها ، ولن يحققوا المكاسب التي يرجونها ، ولكنه السفه وقلة التفكير ، وضعف التدبير ، وترك الأمور لناقصات العقل والدين ، يشترطن ويأمرن ، ويقمن على الزوج ، فتصبح القوامة بيد أحدهن لا بيد الزوج ، وكما جاء في الحديث قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً " [ رواه البخاري ] .
فهلا عقلنا هذا الحديث وأمثاله ، وهلا ائتمرنا بأمر ربنا ، وكنا على حذر من الإسراف والتبذير ، وهلا رجعنا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تيسيره للزواج ، وتسهيله للمهور ؟
أرجو أن تجد هذه الكلمات قلوباً واعية ، وآذاناً صاغية ، حتى نخرج من عنق الزجاجة ، وتكون أفراحنا أفراحاً شرعية ، لا شرقية ولا غربية .
15- الرغبة في الرجل الغني :
بعض الأسر لا تريد إلا الرجل الغني أياً كان نوعه ، وكيفما كان دينه ، ولو كان فاسقاً أو لا يصلي ، أو فاقد العطف والحنان ، المهم أن يُقذف بالفتاة في أحضانه مقابل أمواله ، وهذا من أعظم الغش للفتاة ، وأكبر الظلم الذي سوف يسأل عنه الوالد يوم القيامة ، ولسوف تشقى بنته شقاءً لا بعده شقاء ، فليست الأموال وجمعها هي أساس الحياة ، بل الأمر أعظم من ذلك ، ألم نسمع هذا الحديث عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً ، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ " [ رواه الترمذي وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ] .
وأخرج البخاري ومسلم من حديث عَطَاءٍ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى ثَالِثاً ، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ " .
فالغني إذا لم يكن صاحب دين وخلق قويم ، وإلا فلا خير فيه ، وتزويجه ظلم لمن تتزوجه ، وهضم لحقوقها ، وأكل لمالها .
وما فائدة مال يموت عنه صاحبه عاجلاً أم آجلاً ؟ يقتسمه الورثة من بعده ، وهو يقاسي أتعابه ، ويُسأل عنه من أين جمعه ، وأين وضعه ؟
وما فائدة مال يحاسب عليه صاحبه ، ويكون وبالاً عليه يوم القيامة ؟
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ ، لاَ يُبَالِى الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ " [ رواه البخاري ] .
فيا أيها الأب اسع لتزويج ابنتك من الخاطب الكفء ، الذي يسعى جاهداً لسعادتها وهنائها وإرضائها ، فإن أرادها بقي معها على خير وطيب ، وإن لم يردها أعادها إلى أهلها معززة مكرمة .
وإياك أن تجعل ابنتك سلعة تساوم عليها ، من يدفع أكثر يحوزها ويفوز بها ، فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين .





إياك أن تموت وأنت ظالم لبناتك ، وقد وضعتهم في أحضان أزواج ظلمة ، أزواج لا يردن الزواج بهم ، إياك إياك أن تفعل مثل ذلك .
.....يتبع في عرض حلول علاجية تحد من هذه الظاهرة الخطيرة في مجتمعنا



[/align][/cell][/tabletext][/align]

توقيع :


لا تقرأ وترحل ساهم برد أو موضوع وتذكر
جهد غيرك في كتابة المواضيع ومساعدة الاخرين .
وأعلم أن :
ردك علي الموضوع حافز ... للاستمرار و تقديم الافضل


التعديل الأخير تم بواسطة محمد قبها ; 09-08-2012 الساعة 12:29 PM
رد مع اقتباس