عرض مشاركة واحدة
رقم المشاركة : ( 1 )
 
زائر
 
رقم العضوية :
تاريخ التسجيل :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : n/a
عدد النقاط :
قوة التقييم :
افتراضي الاستخفاف بدماء الشعوب جريمة لا تغتفر

كُتب : [ 05-31-2012 - 10:02 PM ]


الحمد لله الذي عظم دم المسلم، وجعل سبابه فسقا وقتاله كفرا، والصلاة والسلام على القائل: «لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم مسلم».
وإنه مما علم من الدين بالضرورة وتواترت به الأدلة من الكتاب والسنة حرمة دم المسلم؛ فإن المسلم معصوم الدم والمال، لا ترفع عنه هذه العصمة إلا بإحدى ثلاث؛ إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس». وما عدا ذلك، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة، بل من الدنيا أجمع.
وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا»، وهذا الحديث وحده يكفي لبيان عظيم حرمة دم المسلم، وحين أسكن الله تعالى البشر في الأرض، واستخلفهم فيها؛ ابتلى بعضهم ببعض، فظلم بعضهم بعضاً، واعتدى بعضهم على بعض، وقد يصل الاعتداء إلى سفك الدم، وانتهاك العرض، وتمزيق الجسد: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} [الأنعام: 53]. وهذا من نتائج الجهل والظلم الملازمة للإنسان ما لم يكن له دين يردعه، أو خلق يزعه.
وملائكة الرحمن جل وعلا خافوا على الإنسان من الإنسان: من ظلمه له، وبغيه عليه، وبطشه به؛ بسبب أثرته وشهوته، ولكن حكم الله تعالى نافذ، وحكمته سبحانه غالبة، وحجته -عز وجل- بالغة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].
قالت الملائكة عليهم السلام ذلك قبل إسكان البشر في الأرض. والقتل بغير حق يدخل في الإفساد في الأرض، لكن خصه الملائكة عليهم السلام بالذكر؛ لعلمهم بعظيم أمره عند الله تعالى. وقد قص الله تعالى علينا في القرآن الكريم نبأ أول دم بشري سفك على الأرض ظلما وعدوانا بسبب حسد ابن آدم لأخيه: {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ} [المائدة: 27] فنفذ بعد وعيده: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} [المائدة: 30].
إن في القرآن الكريم تعدادا لأنواع من الذنوب والموبقات؛ كالشرك والربا والزنا والخمر والعقوق والقطيعة وغيرها، لكني لا أعلم أنه ذكر في القرآن قصة بداية ذنب عمله ابن آدم، ولا بيان أول من باشره سوى القتل؛ فإن الله تعالى ذكره في قصة مؤثرة؛ ليردع عنه من قرأها وسمعها، ثم ذيلت هذه القصة العظيمة بحكم خطير يفيد أن من استحل قتل نفس واحدة بغير حق فإنما هو مستحل لقتل البشر كلهم: {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
فسن ابن آدم الأول القتل حين قتل أخاه ظلماً وعدواناً، فكان عليه كفل كل نفس تقتل ظلماً وعدواناً؛ لأنه أول من سن القتل في البشر، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.
إن استحلال قتل الناس، والاستهانة بأرواحهم، والولوغ في دمائهم ينشأ عن الجهل بعاقبة ذلك عند الله تعالى، وعن ظلم في النفس وكبر وعلو على الناس، يرى القاتل فيها نفسه فوق المقتول، وحينئذ فإنه لو استحل دماء شعوب بأكملها؛ فإن قلبه لا يتحرك، ولا تطرف عينه، ولا تلومه نفسه، كأنه يرى أن هؤلاء البشر ما خلقوا إلا ليستعبدهم أو يحقق مراده منهم أو يقتلهم، ولأجل ما في النفس البشرية من الظلم والعدوان، والتعطش لسفك الدماء عند القدرة على ذلك؛ جاءت نصوص الكتاب والسنة حاسمة قوية مرهبة من القتل، تعد من استحل الدماء المعصومة فسفكها، أو استهان بها فأعان على قتلها، تعده بأشد الوعيد وأعنفه: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]، فجمع عليه الغضب واللعنة والوعيد بالنار والعذاب العظيم الذي لا يعلم عظمه إلا الله تعالى، وكفى بذلك زجراً عن الولوغ في الدماء المعصومة أو الاستهانة بأمرها.
وعد النبي صلى الله عليه وسلم قتل نفس بغير حق من أكبر الكبائر، ومن السبع الموبقات التي توبق صاحبها، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً». [رواه البخاري].
والمعنى: أنه في أي ذنب وقع كان له في الدين والشرع مخرج إلا القتل؛ فإن أمره صعب، ويوضح هذا ما في تمام الحديث عن ابن عمر أنه قال: «إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله».اهـ.
ولقد قال صلى الله عليه وسلم: «من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا». [رواه أبو داود].
وكثير من المفسدين في الأرض، المستعلين على الخلق، يعدون الناس بالقتل، ويفاخرون بسفكهم لدمائهم ظلماً وعدواناً، فويل لـهم على اغتباطهم بذلك. وسفك دم مسلم أعظم عند الله تعالى من الدنيا كلها؛ لـمكانة المؤمن عند ربه عز وجل؛ ولـهوان الدنيا عليه سبحانه، قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» [رواه الترمذي والنسائي].


توقيع :

رد مع اقتباس