مع كل الإحترام لهذا التقييم الذي خرج به الأخ محمد قبها عن الحجاج ورغم ميلي للتجديد والاجتهاد في كل شيء إلا أنني أجد هذا التقييم شهادة زور بحق كل المظلومين الذين فتك بهم الحجاج، ثم هو استهانة بتراث أهل الحديث والتاريخ وقد خالف به حقائق التاريخ وموقف التابعين الذين عاصروا الحجاج وجميع علماء الأمة اللاحقين...
وقد وجدت أن أضع تقييمي للحجاج ولكن بقلم أحد العلماء من أصحاب كتب الطبقات التي يعتمد عليها أهل الحديث وهو كتاب تهذيب التهذيب:
(الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي الأمير الشهير ولد سنة "45" أو بعدها بيسير ونشأ بالطائف وكان أبوه من شيعة بني أمية وحضر مع مروان حروبه ونشأ ابنه مؤدب كتاب ثم لحق بعبد الملك بن مروان وحضر معه قتل مصعب بن الزبير ثم انتدب لقتال عبد الله بن الزبير بمكة فجهزه أميرا على الجيش فحضر مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق إلى أن قتل بن الزبير وقال جماعة إنه دس على ابن عمر من سمه في زج رمح1 وقد وقع في بعض ذلك في صحيح البخاري وولاه عبد الملك الحرمين مدة ثم استقدمه فولاه الكوفة وجمع له العراقين فسار بالناس سيرة جائرة واستمر في الولاية نحوا من عشرين سنة وكان فصيحا بلغيا فقيها وكان يزعم أن طاعة الخليفة فرض على الناس في كل ما يرويه ويجادل على ذلك وخرج عليه ابن الأشعث ومعه أكثر الفقهاء والقراء من أهل البصرة وغيرها فحاربه حتى قتله وتتبع من كان معه فعرضهم على السيف فمن أقر له أنه كفر بخروجه عليه أطلقه ومن امتنع قتله صبرا حتى قال عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم وأخرج الترمذي من طريق هشام بن حسان أحصينا من قتله الحجاج صبرا فبلغ مائة ألف وعشرين ألفا وقال زاذان كان مفلسا من دينه وقال طاوس عجبت لمن يسميه مؤمنا وكفره جماعة منهم سعيد بن جبير والنخعي ومجاهد وعاصم بن أبي النجود والشعبي وغيرهم. وقالت له أسماء بنت أبي بكر أنت المبير الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بن شوذب عن مالك بن دينار سمعت الحجاج يخطب فلم يزل بيانه وتخلصه بالحجج حتى ظننت أنه مظلوم وقال بن أبي الدنيا حدثني أحمد بن جميل ثنا عبد الله بن المبارك أنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم قال أغمي على المسور بن مخرمة ثم أفاق فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أحب إلي من الدنيا وما فيها عبد الرحمن بن عوف في الرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وعبد الملك والحجاج يجران أمعاءهما في النار قلت هذا إسناد صحيح ولم يكن للحاج حينئذ ذكر ولا كان عبد الملك ولي الخلافة بعد لأن المسور مات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد بن معاوية من الشام وذلك في ربيع الأول سنة "64" من الهجرة وقال القاسم بن مخيمرة كان الحجاج ينقض عرى الإسلام عروة عروة وقد روى الحديث عن سمرة ابن جندب وأنس وعبد الملك بن مروان وأبي بردة وروى عنه سعيد بن أبي عروبة ومالك بن دينار وحميد الطويل وثابت البناني وموسى بن أنس بن مالك وأيوب السختياني والربيع بن خالد الضبي وعوف الأعرابي والأعمش وقتيبة بن مسلم وغيرهم. قال موسى بن أبي عبد الرحمن النسائي عن أبيه ليس بثقة ولا مأمون وقال الحاكم أبو أحمد ليس بأهل أن يروي عنه ومما يحكي عنه من الموبقات قوله لأهل السجن إخسؤوا فيها ولا تكلمون مات سنة "95" بواسط وهو الذي بناها وقيل أنه لم يعش بعد قتل سعيد بن جبير إلا يسيرا.
لما مات الحجاج قال الحسن اللهم أنت أمته فمات سنته أتانا أخيفش1 أعيمش قصير البنان والله ما عرق له عذار في سبيل الله قط فمد كفا كبره فقال بايعوني وإلا ضربت اعناقكم وقال عبد الله بن أحمد في الزهد حدثني الحسن بن عبد العزيز ثنا ضمرة عن بن شوذب عن أشعث الحداني وكان يقرأ للحجاج في رمضان قال رأيته في منامي بحالة سيئة فقلت يا أبا محمد ما صنعت قال ما قتلت أحدا بقتله إلا قتلت بها. قلت: ثم مه قال ثم أمر به إلى النار. قلت: ثم مه قال أرجو ما يرجو أهل لا إله إلا الله فبلغ ذلك بن سيرين فقال إني لأرجو له فبلغ قول بن سيرين الحسن فقال أما والله ليخلفن الله رجاءه فيه.)
وأختم بقول أحد الشعراء في الحجاج ولم أكن أعلم قبل أن هذا البيت قيل في الحجاج، وهذا لمن يظن أن الحجاج صاحب فتوحات:
أَسد عَلِيّ وَفِي الحروب نعامة فتخاء تجفل من صفير الصافر ...
وأقول للزملاء الذين احتجوا على ما فهموه تكفيراً مني للحجاج أن هناك من العلماء من لعنه وأجاز لعنه منهم السيوطي في تاريخ الخلفاء حيث قال: (مات في أيام الوليد من الأعلام: ......وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن جبير شهيدًا، قتله الحجاج لعنه الله...)